الخميس، أكتوبر 29، 2009

أفلام سياسية

الصورة لأفيش فيلم عنتر ولبلب والذي يظهر فيه الاسقاط السياسي بشكل ملحوظ، فعنتر يمثل الاستعمار ولبلب يمثل الشعب الذي يسعى للجلاء
كل دولة تود أن يكون لها نفوذاً في إقليمها تعتمد على إعلامها بشكل ملحوظ في هذا الأمر, و ليس الإعلام هو مجرد الخطب و الصحافة و الأخبار التحميسية بل ربما يتمثل في شكل غير مباشر في الأفلام التب تنتج في هذه الدولة..


راقب نوعية الأفلام التي تنتجها الدولة التي تنظر إلى أمنها القومي في أمنها الإقليمي ستجد أنه كثير من هذه الأفلام يمجد الحياة العسكرية و يصفها بالإنضباط و أن الجيش هو سند هذه الأمة و لو حتى في إطار كوميدي..


فتنتج هذه الدولة الكثير من الأفلام التي تبين فيها انتصارها على العدو مهما بلغ هذا العدو من قوة و مهما بلغ هذا العدو من غطرسة و تعطش للدمـاء..


مثلاً أنتجت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات فيلم بعنوان يوم الإستقلال و هو يحكي هجوم الغرباء على كوكب الأرض, و يصف الفيلم شجاعة الجيش الأمريكي في التصدي لهؤلاء الغرباء على الرغم من القوة الهائلة التي ظهروا بها في الفيلم.. و يبين أنه لم يبدأ الهجوم على هذه المخلوقات سوى الأمريكان و الجيش الأمريكي.. و ينتهي الحال بالطبع إلى انتصار الجيش الأمريكي بعبقرية أحد أبناءه و فدائية الآخر..


بالطبع لا يخفى على أحد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تهدف إلى عسكرة العالم لصالحها.. و بالتالي يجب على حكام هذه الدولة أن يحببوا شعبهم في الجيش و يصوروا لهم أن التضحية من أجل أمريكا هي الهدف الأسمى في حين أنه لو فكر المواطن الأمريكي للحظة لماذا يقتل ابنه أو شقيقه أو أبوه في العراق لما خضع لهذا الهراء.. فهم يسعون بهذه الأفلام استقطاب الشعب الأمريكي و تغييبه أكثر مما هو مغيب لينحاز إلى فكرة الحرب دوماً.


و من سبل تحبيب الشعوب في الحرب أن يكرّه النظام من يظنه عدو له إلى شعبه.. أو أن يكرّه إلى شعبه الكتلة التي تسيطر على ثروة من الثروات العالمية كالبترول مثلاً.. فيصور العرب في أفلامه دائماً رعاع و لا يفقهون شيئاً.. و أنهم لا هم لهم سوى جلب المال.. و دائماً ما يصور العرب و المسلمين على أنهم حاقدين على ما فيه الغرب الآن من نعيم فيسعون إلى قتل هذا النعيم بأي شكل من الأشكال فيسفكون الدماء و يقتلون هنا و هناك.. فتجد أكثر الشعب الأمريكي حينما يسمع كلمة عربي أو مسلم يصوّر له في الحال القتل و الإرهاب و الدماء. و بالطبع فإن هذا معروض في أكثر أفلامهم عن العرب, و في المقابل يصور الجندي الأمريكي هو الشجاع المقدام الذي يضحي بنفسه من أجل الحرية و هي الخصال المنعدمة تماماً في الجندي الأمريكي الذي شهر عنه الجبن و قلة الفدائية. و الدليل على سياسية الأفلام أنه في كثير من أفلام الحركة يكون العدو غير أمريكي, فيتصور دائماً للمشاهد الأمريكي أن عدوه هو عدو أمريكا و هو الحاقد عليها.. و على حسب الفترة السياسية التي ينتج فيها الفيلم, فتارة يكون هذا العدو سوفيتياً شيوعياً حاقداً..و تارة تجده مسلماً أو عربياً و هكذا..


و من هنا فإن أمريكا تسعى في كل مرحلة من مراحل العصر أن تسيس أفلامها بما يخدم أهدافها السياسية.. فالآن مثلاً عدو أمريكا المعلن هو إيران و أنها خطر على أمريكا و على أصدقاء أمريكا.. فيظهر فيلم ثلاثمائة و الذي يحكي الحرب بين الفرس و اسبرطة و شجاعة المقاتلين الثلاثمائة و جسائتهم في مواجهة غطرسة و تكبر و قوة و ضخامة الجيش و الملك الفارسي.. في إشارة نسبية لصراع أمريكا و إيران.. و حتى أنه في الفيلم ركز على تسخير العبيد في بلاد فارس و أنهم شعوب مقهورة و أن ملكهم يستعبدهم و يعيش هو في رخاء و رفاهية..و على الجانب الآخر يظهر لك الإسبرطيون في قمة الديمقراطية و يصور لك البرلمانات و.. و..


بينما من المستحيل أن تجد فيلماً أمريكياً يحكي عن فترة الخلافة الإسلامية الرشيدة و كيف أن الأقلية كانوا يعاملون معاملة حسنة و أن أصحاب الديانات الأخرى من النصارى و اليهود كانوا يعيشون في كنف المسلمين فكانوا أهل ذمة و ميثاق.. مستحيل أن ترى نوعية كهذه من الأفلام لأن هذا لا يخدم السياسة الأمريكية بل هو ضدها.. فالعرب و المسلمين يجب أن يظهروا في صورة نتنة لكي لا يستحقوا ما لديهم من ثروة تكون حلالاً للأمريكان تحت أي مسمى و ليكن مسمى الحرية.


و الحق أن أمريكا ليس لها السبق في هذا الأمر.. فكل دولة تريد أن تعزز من أمنها القومي بفرض كلمتها إقليمياً تسعى إلى تكوين هيبتها وسط الدول الأخرى إعلامياً.. و الأفلام أحد أهم العوامل الإعلامية التي تساعد على نشر هذه الفكرة إقليمياً و ربما عالمياً..
و لكن الفارق في الأهداف التي تسعى هذه الدول الوصول إليها من بسط نفوذها في المنطقة.. قد تتباين هذه الأهداف و قد تتشابه.. فمصر مثلاً في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت تنظر إلى أمنها القومي إقليمياً.. فكان لها نفوذها في إفريقيا و كانت كلمة مصر ذات قيمة فعالة و مؤثرة بشكل مباشر على الدول العربية كلها.. انظر إلى أفلام هذه الفترة و ما تحمله أحياناً في طياتها من معان سياسية ستجدها تخدم الأفكار التي كانت تبثها الدولة في ذلك الوقت و لو في إطار كوميدي لتناسب طبيعة الشعب المصري..


مثلاً كان دوماُ يظهر الإنتربول (البوليس الدولي) في صورة بلهاء غبية و أن البوليس المصري هو الذكي و هو الذي يوقع العصابات العالمية بينما يفشل الإنتربول في ذلك.. الإنتربول هنا هو رمز للعنصر الإستخباراتي الغربي أو للذكاء الغربي فالسخرية منه تحمل في طياتها معان كثيرة.. كما أن أفلام هذه الفترة كانت كثيراً ما تمدح في الجيش و في الحياة العسكرية فتثني على الإنضباط فيها و في سلوك رجالها القويم..


سلسلة أفلام اسماعيل يس التي تناولت أفرع القوات المسلحة و البوليس كلها كان يمتدح في النظام العسكري و كيف و أنه ساهم في بث الشجاعة في نفوس من يدخلون الحياة العسكرية بشرط أن يكون ذلك في سياق كوميدي يتقبله الشعب المصري.


كان لمثل هذه الأفلام عميق الأثر في نفوس شعوب الإقليم الذي فيه مصر فاقتنع الناس بالفعل أن مصر دولة ثقيلة جداً و جيشها عتيد و هذا يفسر حجم الصدمة التي أخذت بالشعوب العربية كلها بما فيها الشعب المصري بعد حرب 67.. إذ كان الناس لا يتخيلون أنه و بعد هذه الضجة الإعلامية يخسر الجيش المصري هذه الخسارة النكراء و تضرب طائراته الحربية و هي على الأرض.


نخلص إلى أن كل دولة تسعى إلى مكانة عسكرية في إقليمها أو في العالم بشكل عام تسعى بحرص أن تسبقها سمعتها إلى أهدافها قبل أن تصلها جيوشها بالفعل.. فيهزمون من قبل حتى أن يتعاركوا.

الأربعاء، أكتوبر 21، 2009

لعيبة القوات المسلحة البواسل

لاعب طلائع الجيش المصري: الغاني بابا أركو

أولاً، وعشان محدش يفهمني غلط:


- أحسن جيوش الأمم جيوشنا.

- والله زمان يا سلاحي، اشتقت لك في كفاحي، للدفاع عن السلام، والعيشة في الحرية، والوئام والنماء، والإخاء والمحبة، والفيل أعمل له حفلة، والديك شركسين والقطة مشمشي.

- أمن مصر وحدودها خط أحمر.

- الجندية شرف ورجولة.

- الجيش المصري: يد تبني، ويد تحمل السلاح.

- سحقاً لكل من يحاول إهانة الجيش المصري والقوات المسلحة المصرية.


ماشي يابا كده..

يعني نيتنا سليمة الحمد لله وبنحب مصر والله أكبر فوق كيد المعتدي.


هو سؤال بس محيرني، وخلاني أتساءل الحقيقة:


ماذا تمثل فرق طلائع الجيش، وحرس الحدود، والانتاج الحربي، والشرطة، والداخلية وغيرها ؟


الإجابة: هي تمثل القوات المسلحة المصرية من جيش وشرطةن وهي دليل على اهتمام سيادة المشير ومعالي وزير الداخلية بالرياضة لتكون جزءاً لا يتجزأ من منظومة الحياة العسكرية، ولتكن المنافسة الشريفة عنواناً لهم.


طيب، يعني أعضاء هذه الفرق هم جنود القوات المسلحة ليمثلوها في المسابقات المحلية وغير ذلك.


الإجابة: لا، تماماً.


أمال منين بيمثل الجيش المصري.


الإجابة: أيوة ماهي الإدارة هي إدارة عسكرية.


بس الفكرة في اللاعبين، يعني إذا كان لاعبي الفريق لا علاقة لهم بالجيش تماماً بل ربما لا علاقة لهم تماماً بالبلد أساساً، ما علاقة هذا بالجيش أساساً.. يعني إيه اللي جاب بابا أركو ولا كاميني للجيش المصري على أي أساس بيمثل الجيش المصري.. وإزاي أحمد سلامة بشعره الطويل الحلو ده بيمثل الجيش المصري اللي هم كلهم على واحد. إيه الفكرة إني أخلي الجيش يصرف فلوسه على لاعبين لا ينتمون إليه على الإطلاق ولا يعبرون عنه بشتى الطرق وأسمي الفريق طلائع الجيش وهو مالوش دعوة بالجيش خالص.


لو كانت الفكرة تكوين فريق من المجندين مثلاً أو الضباط حتى، ويشارك هذا الفريق في المسابقات، ويصرف عليهم ربضه وكل حاجة.. ماشي.. ساعتها نقول إنه الجيش يحاول يختلط بالشعب ويثبت فعلاً إن الرياضة والمنافسة متأصلين فيه.. لكن إنه يشتري لعيبة من غانا ونيجيريا ولما يفوز الفريق ببطولة ما يقول ده يدل على الانضباط في المنظومة العسكرية.. إيه اللي جاب المنظومة العسكرية في الحوار بقى إذا كان كل اللعيبة مالهمش دعوة بالجيش خالص.


يإما بقى يسموا الفريق: فلوس الجيش المصري، فهذا أقرب للصواب، مش طلائع الجيش لإن دول مش طلائع الجيش، ولا دول حرس الحدود، ودول بتوع الانتاج الحربي.


وأعتقد أنه هذه الفرق أساسا كانت أسست للغرض الذي ذكرته وهو أن الفريق يكون مكون من مجندين في هذه المؤسسات، عشان يبقى الموضوع له معنى.


يإما بقى ما ينسبوش انجازات هذه الفرق للمنظومة العسكرية عشان نكون صادقين مع أنفسنا.

الثلاثاء، أكتوبر 20، 2009

كن إيجابيّاً


هل جبلت الأمم على الإيجابية وحضّ الغير على الحق والخير.. أم أنها جبلت على السلبية وأن تعيش لنفسها وليسحق الآخرون.
إذا راقبت الأمم على مدى العصور تجد أن غالبيتها كانت تعمل لنفسها فقط.. وكانت تتوسع وتنتشر لتنفذ أجندة استراتيجية لها فقط.. تفعل ما تراه صحيحاً لها فقط فلا تحض غيرها على اتباع الحق.. فهي لا تستخدم القوة على غيرها لتقويمه بل لبسط نفوذها حول العالم وليزداد أفرادها ثراءً.


وقد لا يلوم أحد هذه الأيام تلك الدول التي تنتهج مثل هذا المنهج، فالآن كل دولة بل كل دويلة لها أجندتها الخاصة بها ولو كانت صغيرة كالقرية.. لا علاقة لها بغيرها إلا فيما اشتركت فيه مصالحهما..


هذا هو الواقع الذي نعيشه.. وهذا هو ما تنتهجه الأمم الآن حتى أمة محمد على الرغم من أن هذا ليس من منهج الإسلام في شئ..
الإيجابية هي مبدأ متأصل وأصيل من مبادئ الإسلام والذي بغيره لا دعوة.. وإن كان لا دعوة فلا صلاح ولا حض على الخير.. فينهار تمسك الناس بالصلاة والزكاة وكل الأركان.. فالدعوة هي الخيمة الكبيرة التي تقع تحتها كل العبادات.. فالأصل في الدين النصح وضده اللامبالاة وعدم الاكتراث بالغير.


ولعل أسمى أهداف الفتوحات الإسلامية أن تصل دعوة الحق للغير الذي لا يعرفها.. ويشهد على ذلك قبور الصحابة في أنحاء المعمورة.. فلو كان الإسلام للعرب فقط ما كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – رحمة للعالمين. ولو وقف انتشار الدين عند حد جزيرة العرب ما كان وصل الآن بفضل الله إلى كل أنحاء المعمورة بشتى السبل والطرق.


إذاً فأنت لست وحدك في هذا العالم.. وهذا المبدأ تقوم عليه فريضة الزكاة.. فالإسلام ليس ديناً روحانياً فقط كله صلاة وصيام فقط.. بل يجب أن تشعر بغيرك.. أنت تأكل الطعام وتجد ماءك وتبيت آمناً في بيتك معافاً في جسدك قد قيضت لك الدنيا بحذافيرها غيرك لا يجد قوت يومه ويبيت خائفاً لا مأوى له.. يجب أن تشعر به، ففرضت عليك الزكاة وكانت تطهيراً لك من الذنوب والخطايا.


وكذلك فإن مبدأ الإيجابية يأتي تحته النصح ورد المنكر.. فإذا كنت أن تصلي وتزكي وخلقك حسن لا تؤذي الناس فلا يعفيك ذلك من نصح أخيك الذي ضل عن الطريق السوي.. فنحن قوم أمرنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.. بما استطعنا..


قال الله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.


فمن شروط الخيرية أن نكون إيجابيين فنأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ونصح في الله منفذين منهج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والصحابة الكرام والمسلمين الأوائل من بعدهم..


ومن هنا فإن مبدأ "وانا مالي" غير وارد في الإسلام، والدعوى بأنه فليفسد الفاسد ففساده على نفسه خاطئة إذ أن فساده ينصب عليه وعلى المجتمع.. فكلنا في قارب واحد إما أن يشد بعضنا بعضاً أو أن نهوي سوياً..


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".والحديث في صحيح البخاري، كتاب الشركة، وكتاب الشهادات، وهو عند الترمذي في أبواب الفتن.


هذا الحديث البليغ هو أشبه بحالنا اليوم.. فالمشكلة أن القائم على حدود الله لا يأخذ على يد هؤلاء الواقعين فيها فالحال كما نرى المجتمع كله يغرق فلا ينجو أحداً.. لا فرق وقتها بين صالح اختص نفسه بالعلم والعمل والطالح.. فبغير أن يقوم هذا ذاك سيستمر غرق المجتمع.


ولهذا يأتي الحديث الذي معناه أن الله تبارك وتعالى أراد اهلاك قرية لفساد أهلها فقالت الملائكة أن فيها فلاناً التقي فقال فبه فابدأوا.. وهذا لأن فلاناً هذا لم يكن يمتعض وجهه حتى مما يرى من الحرام ولم يحضّ أهل قريته على الصحيح الذي يعلمه ويراه.. فما أشبه حال هذه القرية بحالنا – اللهم الطف بنا – فمنا كثيرين من الصالحين والعباد ولكنهم ليسوا إيجابيين لينصلح المجتمع بصلاحهم.


أختم المقال بقصة النملة التي خافت على قومها من سليمان وجنوده بينما هم يمرون على واد النمل، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يَحطِمَنَّكُم سليمان و جنوده وهم لا يشعرون.


مابال هذه النملة لو أنها دخلت مسكنها ونجت هي من الهلاك ولم تهتم بقومها فإن نجوا نجوا وإن لم فهم الذين لم جلبوا على نفسهم الهلاك لا ذنب لها في ذلك. إن هذا الكائن الضعيف الذي لا يكاد الانسان يعطيه اهتماماً يضرب به الله تبارك وتعالى مثالاً عظيماً في الإيجابية.. خافت النملة على قومها فأبت إلا أن تحذرهم من الهلاك فصرخت فيهم ادخلوا مساكنكم وانظر إلى الوعي في الدعوة فلم تحذرهم من بطش سليمان وجنوده بل حذرتهم من الهلاك على أيديهم وهم لا يشعرون.. جملة قصيرة جمعت إيجابية ووعياً بالموقف نفتقده في مجتمعاتنا..


الإيجابية في كل الأمور.. في الدين والعمل والعلم والأخلاق.. تخلص من مبدأ "وانا مالي" فلا صلاح ولا تقدم ولا رفعة وهذا المبدأ لا يزال يعيش – أو يعشش – في عقولنا

الأحد، أكتوبر 18، 2009

افريقيا - بلاد الأحلام


- هو الواد علام مش باين اليومين دول ليه ؟

- عقبال عندك عنده عقد عمل في إفريقيا

- يا راجل، ما شاء الله، فين بقى ؟

- في نيجيريا

- يا معلم، دي لعبت معاه يا ريس


تخيل لو أن هذا هو الحوار النمطي الذي يدور بين المواطنين، استبدل كلمة الخليج والكويت وقطر والبحرين والسعودية وغيرهم من الدول التي شبعت مصريين واكتفت بدول أخرى بكر تحتاج الاستثمار والتنيمة والوعي وعندها من الخيرات والثروات ما يقيم العالم كله في الأيام القادمة، افريقيا هي المستقبل وهي البيئة النقية التي لازالت تحتفظ بنظافتها وفطرتها وتنتظر من يستغل هذه الامكانات الهائلة ليفيدهم ويفيد نفسه


شركة كالمقاولين العرب لها باع في إفريقيا ولكن نفوذها هناك بدأ يضمحل مع دخول دول مثل الصين والكيان الصهيوني ليقوموا بالدور الذي لم يكن يقوم به سوى مصر، كان في كل دولة من الدول الافريقية شارع باسم عبد الناصر أو برج باسمه، فما من دولة فرغت من اسهامات مصر في إقامة السدود وأساسات البنى التحتية، وكانت الأداة هي المقاولين العرب أما الآن فالمساهمة موجودة ولكن البدائل للدول الإفريقية كذلك أصبحت موجودة وبكثرة وانتبه العالم لثروات إفريقيا الغنية ونحن لازلنا نلهث وراء الدينارات العربية


لا أنكر اسهاماتنا العربية، ولا أعيب ذلك بل هو عين الصحيح ولكن في وقته، وقنما بنينا الأساس للعرب كان لنا قيمة لديهم، ولا استغناء عنا أبداً أما الآن وبعد السعودة والكوتتة والقطررة والبحررة والاستعانة بالهنود والأوروبيين بل وباليهود صرنا كغيرنا بل ونعامل معاملة لا تليق بنا على الاطلاق، كفانا مهانة ولنطلق العنان لشبابنا في إفريقيا التي تنتظر منا الكثير والتي لا تزال شعوبها تعاني من فقدان الحاجات الأساسية


كان الحديث في برنامج حالة حوار على التليفزيون المصري حول إفريقيا ونفوذنا في إفريقيا، فبغض النظر عن استفزاز المحاور وفوفيّته التي كان يمارسها على الشباب وكأنه دكتور في هندسة عين شمس، إلا أن أحد الشباب تحدث عن هذا التوجه الذي يجب أن يطرح من قبل الدولة وبالتالي يشجع عليه رجال الأعمال، يقول الشاب أن الشباب الآن لا يحلم سوى بالسفر إما للخليج أو أوروبا - طبعاً - وهو لا يرى في إفريقيا سوى المجاعات والجفاف والقتل ولا يعرف عن دول إفريقيا سوى أسماء الدول التي تقع مع مصر في تصفيات كأس العالم، فلا يمكن له أن يتخيل أنه في يوم من الأيام قد تكون إفريقيا هذه مصدر ثروة لبلده وله


لو أن رجال الأعمال وجهوا استثماراتهم لهذه الدول، خاصة أنها دول بكر وتحتاج للبناء والتشييد في شتى النواحي، وشجّع الشباب أن المرتب مقابل الغربة سيكون مجزيا لحتما ستتغير هذه الثقافة ولساهمنا في نهضة إفريقيا من ذلها لأوروبا، يجب أن نفيق إذ أن افريقيا تنهب ثرواتها المعدنية الماسية والذهب والنفط لجيوب أوروبا بينما شعوبها تعيش قحطاً مزرياً، هذا طبعاً بالاشتراك مع زعماء لهم خونة عملاء، يجب أن نشاهم في وقف الصراعات الإفريقية أقربها التي في الصومال والسودان فهذا أمننا القومي، والأمن لن يتحقق إلا إذا سدّ جوع شعوب هذه الدول، ولن يسدّ جوع هذه الدول إلا إذا عملوا، ولن يعملوا إلا إذا علموا، ولن يعلموا إلا بنا، لأن غيرنا لا يعلمونهم بل يستغلون أراضيهم البكر وثرواتهم المكنونة من غير أن ينفعوا بها هذه الشعوب المغلوبة على أمرها


افريقيا تنادينا، وأمننا القومي يستصرخنا من عبث الكيان الصهيوني به

الاثنين، أكتوبر 12، 2009

العفة وأمن مصر


شاهدت فقرة من برنامج البيت بيتك، كان تامر أمين يستضيف أحد المثقفات لم يتسن لي أن أعرف ما وظيفتها ولماذا هي مستضافة ولكن الحديث كان حول النقاب ومشكلة النقاب ولماذا النقاب وكأن النقاب لم يكن موجوداً في مصر طوال مئات السنين كأنه بدعة مستحدثة استحدثها المتشددون والمتطرفون، طبعا لا أصل لهذا الكلام الفارغ


حادثة شيخ الأزهر بإحدى المعاهد الأزهرية أثارت الجدل حول النقاب وهل هو من الدين أم لا ؟، والغريب أن الناس تركت الحوار الذي دار بالفصل وانتبهت للنقاب، وكأن النقاب لم يكن موجوداً قبل هذه الحادثة، كأن هذه الطفلة هي التي استحدثته


أظن أنه كان بالأحرى أن نتحدث عن مستوى الحوار الذي أقامه شيخ الأزهر مع الطفلة ومع أسلوب الاقناع الذي اتبعه، ومع ما انتهجه من ألفاظ قد تكون جرحت شعور هذه الطفلة، هذا على حسب ما ذكر في كل الصحف


ولكن الإعلام اهتم بالحديث حول النقاب،


كيف يتسبب النقاب الذي هو امعان في ستر المرأة في كل هذا اللغط والضجيج ؟


السيدة المستضافة أظهرت وبفظاظة انزعاجها وخوفها من النقاب ومن المنتقبات، وكأنهن دون غيرهن خطر متوغل في المجتمع، وقنبلة موقوتة، وإرهاب مقنّع، ولا أعرف السر في ذلك لأن تفسيرها للأمر لم يفنعني الحقيقة


هي تقول - وإن كان ليس حرفيّاً - : أنا ايش عرفني المنتقبة دي شايلة إيه في إيديها خنجر ولا حاجة، ماهو مش باين حاجة من الخيمة اللي هي لابساها دي، إيش ضمّنّي أنا واحدة في سوبرماركت وهي منتقبة تقوم حاطّة قنبلة ولا حاجة في العربية بتاعة أي حد ما هو محدش شايفها - ما شاء الله فعلا تصور يعبر عن خيال مبدع وكأن النقاب هو اللي حيخبي القنبلة، على كده بقى لازم الستات كلهم يمشوا عذراً من غير هدوم بقدر الإمكان عشان نتأكد انهنّ مش شايلين معاهم قنابل، وكمان الرجالة وإلا كده يبقى بنضطهد الأنثى - أنا بصراحة لما بشوف واحدة منتقبة بابعد عنها خوفاً منها - الحقيقة ولا المنتقبات يتمحّكن في الوقوف بجانبك فلست أنت شرف لهم كذلك


مسألة فرضيّة النقاب من عدمها هي تخص كبار العلماء ولا دخل للانصاص فيها، فمن يقول منهم هو فرض له دليله ومن يقول منهم هو مستحب فله دليله، والنقاش يكون فيما بينهم ونحن علينا الاجتهاد والتعلّم والنقل منهم والأخذ بما يقوله الجمهور، ولعل ما يقوله العلماء أن الحجاب الشرعي الذي لا يظهر سوى الوجه والكفين فقط وإن خافت المرأة المسلمة على المجتمع من الفتنة ارتدت النقاب هو الغالب، أما العوام فليس لهم أن يتحدثوا في أمور الدين اعتباطا وبغير دليل، وبمبررات خيالية مغفلة لا أصل لها، كالتي تقول أن المنتقبة قد تضع القنبلة تحت النقاب، يعني هو الغير منتقبة مش ممكن تحطّه تحت هدومها وخلاص ولا هي هجمة على فكر الإسلام بشكل عام، شيخ الأزهر نفسه - رمز الاعتدال المعتدل المعدول - نفى أنه قال أن النقاب ليس من الإسلام، أي أنه من الإسلام، وهذا هو شيخ الأزهر الذي تعترف به الدولة أعلى رمز إسلامي في البلاد، فلا تأتي احداهنّ لتجرّح فيما اتفق عليه أنه من الإسلام


وبعدين أيّ الخيارين أخطر على أمن مصر القومي: النقاب الذي يحفظ للفتاة عفتها ويزيد من سترها وهو المستحبّ في الإسلام على ألا ترغم الفتيات عليه كما قال الأزهر فيما مضى، أم النقيض وهو الكتّ والميني جيب والستريتش هذه المشعلات التي جعلت الشباب يعضّ في الأرض ولا يكاد يفكر إلا في هذا الوهم، أليس هذا السلوك هو أحد أسباب التحرش والاغتصاب وقلة الأدب التي ابتلينا بها هذه الأيام، أم أن المرأة من حقها أن تلبس كما تشاء فيما هو ضد الزي الشرعي الإسلامي ولكنها كلما اقتربت من العفة رنّ جرس الخطر


والجحة الملتوية التي زهقت منها، أنا ايش ضمني مش ممكن يكون راجل، للمنتقبة أن تكشف عن وجهها للسيدات مثيلاتها فبالنسبة للمدينة الجامعية لم لا يعين على بيوت الطالبات ومساكنهنَ سيدات ليتأكدن من هوياتهنّ، مش حيجرى حاجة يعني، وما أكثر من لا لازمة لعملهن إن كان في شئون الطلبة ولا دادات ولا غيره، الخير كثير والحمد لله، على الأقل سيكون عملعهم ضروري وحيوي، يحافظ على أمن الكلية والجامعة من ناحية ويضمن الحرية الشخصية التي تراها البنت عفتها من ناحية أخرى


هم مش ماشيين بمبدأ كل واحد حر يلبس اللي هو عاوزه، اشمعنى نيجي عند دول ونقول لا الحرية لها حدود، يعني هو كان فين الحدود دي لما البنات بيلبسوا اللي بيفوّر مشاعر الشباب أكثر ماهي فايرة وجوّاه طاقة غليان حتخليه يطقّ


على العموم ربنا يهدي الجميع، ويجعله عامر

الأحد، أكتوبر 11، 2009

اقرأ: أحجار على رقعة الشطرنح


أحجار على رقعة الشطرنج لوليام جاي كار هو أحد الكتب التي تتحدث عن المؤامرة الكبرى الخفية التي يحيكها من هم وراء الستار وهم غير معروفين للعامّة، فيريد الكاتب أن يظهرهم على حقيقتهم ويجلّي أساليبهم الماكرة الخبيثة في كيفية السيطرة على العالم وعلى زمام الأمور ومقاليد الحكم في شتى بقاع الدنيا، ورغبتهم الدموية في تدمير الدول وانقلاب أهلها على نظم الحكم فيها لتنظيم ما يعرف بالثورة العالمية من أجل أن تنصاع كل هذه الحكومات في نهاية المطاف إلى حكم النورانيين - كما يقول - ولا يجدوا عنهم بديلا، ويتحكم النورانيون في العالم وفي ثرواته ويخر الجوييم - من هم دونهم - إلى حكمهم بعدما يوقنون أنه لا خير إلا معهم وأن هؤلاء النورانيين هم خير من يعرف مصلحة الجوييم الذين هم أقرب للحيوان منهم للإنسان بل هم أحجار يستخدمونها وقتما شاءوا أو رموا بها وقتما شاءوا

والكتاب يشير لكون اليهود هم الغالبية الكاحة من النورانيين غير أنه يشير أن الشعوب اليهودية بريئة منهم لئلا يتهم بمعاداة السامية وكذلك فإنه يربط فيقول أن النورانيين سيطروا على الماسونية البريئة فدمجوها بها من غير أن يقدم ما الماسونية، غير أن الحقيقة أنها جماعة سرية خبيثة هي والنواريين واحد لا خلاف بينهم

الكتاب يسرد الأحداث من منظور أن كل الوقائع التي جرت في العالم من حروب عالمية ومن ثورات ومن إبادات هي من تدبير هؤلاء المتآمرين النورايين، حتى أنه يزعم أن مسبب الفاشية النازية اليمينية هو نفسه - أو زميله - مدبر الثورة البلشفية والمخطط للشيوعية اليسارية التي هي تمام الضد بداعي تدمير هذه الأنظمة وتفكيك هذه الأمة لتقع كلها تحت قبضة النورانيين

المهم حتى لا أحرق عليكم الكتاب، الخلاصة أن به فائدة وإن كان ليس من المفترض أن تصدق كل ما جاء فيه، وبالتالي فأرشحه لكم لقرائته

الأحد، أكتوبر 04، 2009

حكيم الأندلس: عبّاس بن فرناس

من موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنّة - مكّة المكرّمة، قرأت هذا المقال حول العالم المسلم عبّاس بن فرناس الذي لم أكن أعرف أنه من عباقرة العلماء المسلمين الذين لم ينصفهم الكثير من المؤرخين على الرغم من أنه كان له باع في شتّى العلوم كالطبّ والصيدلة والكيمياء والفلك والطبيعة، هذا بالإضافة إلى أنه أساسا كان من جهابذة النحو، رحم الله عبّاس بم فرناس وغفر له

كتب دكتور أحمد علي هجوان - باحث في الهيئة

هو أبو القاسم العباس بن فرناس بن ورداس التاكرتي الأندلسي القرطبي منزله في مدينة العلم والعلماء برابرة تاكرتا، ولم يذكر المؤرخون تاريخ ولادته إلا أنه عاش في القرنين الثاني والثالث الهجريين في عهد الخليفة عبد الرحمن الثاني بن الحكم. أجمع المحققون من المؤرخين على أنه توفي عام 274هـ ـ 887م وأجمعوا كذلك أنه تعمر 80 حولاً وعلى هذا تكون ولادته في حوالي 194هـ.
أين تعلم؟ وأين علم؟
نشأ وتعلم في قرطبة منارة العلم وبلد الصناعات، نشأ في برابرة تاكرتا التي قصدها العرب والعجم لتلقي جميع أنواع العلوم وكان أساتذة بيكون عالم أربا المشهور يتعلمون في الأندلس.
تعلم ابن فرناس القرآن الكريم ومبادئ الشرع الحنيف في كتاتيب (تاكرتا) ثم التحق بمسجد قرطبة الكبير ليتضلع وينهل من معارفه ثم خاض غمار المناظرات والمناقشات والندوات والخطب والمحاورات والمجادلات في شتى فنون الشعر والأدب واللغة، ولتوقد ذهنه كان أدباء الأندلس وشعرائها وعلماء اللغة يجلسون حول عباس بن فرناس الذي اشتغل بعلم النحو وقواعد الإعراب يعلمهم اللغة ويفك الغامض من العلوم كعلم البديع والبيان وعلوم البلاغة واللغة التي ابتكرها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكان بن فرناس شاعراً مجيداً أشهرته قصيدة الرثاء التي رثا بها ابن الخليفة محمد بن عبد الرحمن الثاني ابن الحكم المتوفى سنة 273 فوق شهرته السابقة، وهو من نحاة عصره فقد صنفه الزبيدي صاحب الطبقات في الطبقة الأولى وقيل في الثالثة من نحاة الأندلس، كما وصفه بأنه كان متصرفاً في دروب الإعراب، وقد جاء بما أدهش العالم في علوم الطبيعة وكان مبرزاً في علوم الفلك ماهراً في الطب مخترعاً في مختلف الصنع عالماً بالرياضيات وكان من عباقرة علم الكيمياء.
وكان يحسن الإفادة من ربط العلوم ببعضها ويحسن الاستفادة والإفادة من جمعه بين تلك العلوم فمثلاُ كانت دراسته للكيمياء أكبر مساعد له بعد الله على دقته في صناعة الزجاج وعلى التمرس في الصيدلة والطب وعلى التحليق في السماء وقد اهتدي فيما نعلمه في أمور خفيت على من سبقه من العلماء وحسبه ما قاله المعجبون به من أهل زمانه ومن جاء بعدهم بأنه من أبرز المبرزين متفوق على أقرانه في علم الطبيعة والهيئة والرياضيات والطب والصيدلة والكيمياء والهندسة والصناعات وكل المعارف الدقيقة والآداب الرفيعة وكان رائد محاولة تطبيق العلم على العمل ولهذا استحق لقب حكيم الأندلس.
منهجه في الطب والصيدلة:
درس عباس بن فرناس الطب والصيدلة وأحسن الإفادة منهما فقد عمدا إلى قراءة خصائص الأمراض وأعراضها وتشخيصها واهتم بطرق الوقاية من الأمراض عملاً بقولهم درهم وقاية خير من قنطار علاج، ثم قام بدراسة وتجارب علاج من أصيب بالأمراض على مختلف أنواعها ثم أجرى الدواء.
قال العبقري (د. رحاب خضر عكاوي) درس خصائص الأحجار والأعشاب والنباتات ووقف على خواصها المفيدة في المعالجة وكان في سبيل ذلك يقصد المتطببين والصيادلة ويناقشهم فيما بدا له من اطلاعه في هذه الصنعة الجليلة التي تحفظ البدن وتقيه من آفات الأدواء والأعراض وقد اتخذه أمراء بني أمية في الأندلس طبيباً خاصا لقصورهم، انتخب من مجموعات من الأطباء المهرة لشهرته وحكمته وأسلوبه الجاذب عند إرشاداته الطبية الخاصة بالوقاية من الأمراض وإشرافه على طعام الأسر الحاكمة لإحراز السلامة من الأسقام والأمراض فلا يحتاج إلى المداواة إلا نادراً، فإذا حصل ما يكرهون من المرض دلهم على أنجع الطرق في المداواة ولم يكن ابن فرناس يقنع بكل ما كتبه الناس من نظريات بل ألزم نفسه إلقاء التجارب ليتحقق من صحة كل نظرية درسها أو نقلها من غيره ليرقي بها إلى مرتبة الحقيقة العلمية أو ينقضها، وقد شجب القبول والقناعة بالأمور الظاهرة المبسطة المقدور على النظر والبحث فيها، كان ابن فرناس يغوص في تحقيق ما علم وكان يطبق النظريات العلمية على منهج علمي في كل العلوم وأهمها الطب والصيدلة وخاصة دراسة الأعشاب.
الصناعات الفلكية
الميقاته:
كان أول من صنع الميقاته لمعرفة الأوقات كما جاء في الأعلام.
المنقالة:
قال (إدريس الخرشاف) كما اشتهر بصناعة الآلات الهندسية مثل المنقالة (آلة لحساب الزمن) (نموذج بالمسجد الكبير بمدينة طنجه) واشتهر بصناعة الآلات العلمية الدقيقة.
ذات الحلق:
اخترع آلة صنعها بنفسه لأول مرة تشبه الإسطرلاب في رصدها للشمس والقمر والنجوم والكواكب وأفلاكها ومداراتها ترصد حركاتها ومطالعها ومنازلها والتي عرفت بذات الحلق.
القبة السماوية:
بينما كنت في منتصف سبعينات القرن المنصرم أدرس في جامعة الأزهر تعرفت على القبة السماوية وأعجبت بما قدمته من عروض في علم الفلك، فلما درست تاريخ أبي القاسم العباس بن فرناس اكتشفت أنه المخترع الأول لهذه القبة لما علمت أن الناس كانت تقصد منزله لا لطلب الطب فحسب، بل لمشاهدة ما اتخذه عباس من رسم جميل بديع في منزله فقد مثل هيئة السماء بنجومها وغيومها وبروقها ورعودها والشمس والقمر والكواكب ومداراتها كما ذكر الزركلي وغيره من المؤرخين والمترجمين للعباس بن فرناس أمثال صاحب عباقرة الإسلام د. رحاب خضر عكاوى. وقد وصف الشعراء المعاصرون له هذه اللوحة العجيبة مؤكدين أنه جعل في أعلاها نجوماً وغيوماً تبدوا كأنها حقيقة فعدوا ذلك من عجائب الصنعة وبديع الابتكارات.

اختراع صناعة الزجاج من الحجارة والرمل:
أجمع المؤرخون أن العباس بن فرناس كان أول من استنبط في الأندلس صناعة الزجاج من الحجارة والرمل فانتشرت صناعة الزجاج لما رأى الناس أن المادة أصبحت في متناول الغني والفقير، وسبب عناء ابن فرناس هو التسهيل على الناس وأول من استفاد من تجارب ابن فرناس هم أهل الأندلس ويرجع ذلك إلى سبب اهتمامه الشديد بصناعة الكيمياء.
الطيران:
وأول من اخترق الجو من البشر وأول من فكر في الطيران واعتبره المنصفون أول رائد للفضاء وأول مخترع للطيران، فقد كسا نفسه الريش ومد له جناحين طار بهما في الجو مسافة بعيدة ثم سقط فتأذى في ظهره لأنه لم يعمل له ذنباً وقد وصف شعراء عصره هذا الطيران وأسهبوا في الثناء عليه. قال الزركلي قد كتب أحمد تيمور باشا بحثاً قال فيه لا يغض من اختراع ابن فرناس الطيران تقصيره في الشأن البعيد فذلك شأن كل مشروع في بدايته.
وفيما يلي أقدم لك مقتطفاً يفصل هذه القضية بقلم العبقري د. رحاب خضر عكاوى.
قال تحت عنوان: ابن فرناس ومحاولة الطيران
قام عباس بن فرناس بتجارب كثيرة، درس في خلالها ثقل الأجسام ومقاومة الهواء لها، وتأثير ضغط الهواء فيها إذا ما حلقت في الفضاء، وكان له خير معين على هذا الدرس تبحره في العلوم الطبيعية والرياضة والكيمياء فاطلع على خواص الأجسام، واتفق لديه من المعلومات ما حمله على أن يجرب الطيران الحقيقي بنفسه، فكسا نفسه بالريش الذي اتخذه من سرقي الحرير (شقق الحرير الأبيض) لمتانته وقوته، وهو يتناسب مع ثقل جسمه، وصنع له جناحين من الحرير أيضاً يحملان جسمه إذا ما حركهما في الفضاء، وبعد أن تم له كل ما يحتاج إليه هذا العمل الخطير وتأكد من أن باستطاعته إذا ما حرك هذين الجناحين فإنها سيحملانه ليطير في الجو، كما تطير الطيور ويسهل عليه التنقل بهما كيفما شاء.
بعد أن أعد العدة أعلن على الملأ أنه يريد أن يطير في الفضاء، وأن طيرانه سيكون من الرصافة في ظاهر مدينة قرطبة، فاجتمع الناس هناك لمشاهدة هذا العمل الفريد والطائر الآدمي الذي سيحلق في فضاء قرطبة، وصعد أبو القاسم بآلته الحريرية فوق مرتفع وحرك جناحيه وقفز في الجو، وطار في الفضاء مسافة بعيدة عن المحل الذي انطلق منه والناس ينظرون إليه بدهشة وإعجاب وعندما هم بالهبوط إلى الأرض تأذي في ظهره، فقد فاته أن الطيران إنما يقع على زمكه (زيله)، ولم يكن يعلم موقع الذنب في الجسم أثناء هبوطه إلى الأرض، فأصيب في ظهره بما أصيب من أذى.أهـ.
ويؤسفني أن كتاب الموسوعات إذا تعرضوا لتاريخ الطيران ينصفون أرفيل رايت 1877م وأخاه يلبور 1867م ـ 1912م في موسوعاتهم، لكنهم ينسون أو يتناسون منزلة المخترع عباس بن فرناس التي احتلها في التاريخ. إن عباس بن فرناس قد سبق عباقرة القرن العشرين بأكثر من عشرة قرون، علماً أن الاختراعات في ذلك العصر تعد من عجائب الدهر. إن اختراعاته المدهشة وتجاربه المذهلة تعد من مفاخر المسلمين ومآثرهم، لقد كان صاحب مغامرات نادرة، فقد طار وحلق في الهواء كما تطير الطيور بعد أن تجاوز الثمانين حولاً، رحم الله عباس بن فرناس وتجاوز عن هفواته ومغامراته.