الأحد، فبراير 28، 2010

ذكر الطمع لمن له سمع

مفهوم الطمع الإنساني تغير في الحقبة الأخيرة، فبعد أن كانت فكرتنا عن الطمع هو الرجل الذي يضحك فاشخاً ضبّته على الآخر بأسنانه التي تلمع في الليل حسب أفلام الكارتون أو المسلسلات العربية العقيمة.. الآن أصبح للطمع فكر عالمي اقتصادي لولبي.. صحيح البركة في القديم، والدهن في العتاقي..

على سبيل المثال لا الحصر، زمان كانت الصناعات حينما تنوي انتاج منتج ما.. كانت تهدف أن يكون هذا المنتج قوياً ويستحمل المرمطة والبهدلة على الآخر.. ليعيش ويعيش عقوداً وعقود.. حتى أن كثير من هذه المنتجات ربما لا تحتاج لقطع غيارها تماماص لا في السنة الضمان ولا بعدها بسنين.. ما كان يدفع الشركات للانتاج الوفير من هذا المنتج ويكون شاغلها الأساسي تحصيل الربح من بيع المنتج نفسه بأكبر قدر ممكن إلى أن يظهر المنتج الذي بعده بإمكانيات جديدة وعمر أطول بعد أن يكون الناس تشبّعوا من المنتج القديم ليس أكثر.. وأقرب مثال لأذهاننا نشعر به هو السيارات.. من السيارات القديمة ما يزال الناس إلى الآن يتذكرونه ويتذكرون أصالته.. وكيف أن هذه السيارات كانت حنيّنة عليهم ولم تكلفهم الكثير طوال ما كانت معهم.. والأمثلة كثيرة منها:

البيجو 504، السيارة العنتيل:


والتي اشتهرت لكونها تاكسي ويصعب وجودها في غير حالة التاكسي.. يلجأ إليها أصحاب التاكسي لأنها عنتيل ولا تعطل ويمكن دبّ المشاوير بها من مصر إلى ليبيا مرات ومرات في اليوم ولا تعطل.. واشتهر منها الموديل الاستيشن – السبعة راكب – في سفر المواطنين خاصة للساحل الشمالي (مارينا والذي منه..) أو لليبيا (بلاد الخليج ولكن النسخة الشمال الإفريقية).

جدير بالذكر أن هذه السيارة – كما يحكى – تسببت في خسارة شركة بيجو الفرنسية لقلة طلب مستخدميها لقطع الغيار.. فهي سيارة لا تعطل.. أي عنتيل.

المازدا 323، السيارة التي لا تسخن:


وهذا عن تجربة شخصية فطوال عشرين سنة لم تسخن السيارة المازدا مع والدي ولا مرة.. وسافرنا بها أسفاراً تعجز الكثير من السيارات القيام بها خاصة مع هذه الحمولة.. إلى مرسى مطروح والإسكندرية ولم تشتكي المازدا.. اللهم إلا في الكاوتش والكلام الفاضي.. ولكن ما اندبّ في موتورها مفكّ.. فهي السيارة المثلى ولا شكّ.

اللادا، الدبّ الروسي:


وهي السيارة التي تساهم في بناء العضلات لأصحابها (باي، تراي، وترابيس).. وتعطي ثقة غير طبيعية في النفس لمن يقودها.. فمن يريد أن تثكله أمه فليحاول أن يصدمها.. وهو الجاني على سيارته.. كيف تتوقع أن يشرع صاحب سيارة كهذه أن يشتري لها قطع غيار وهي القاسية التي لا منافس لها.. عن الإيروديناميكس والملفات لا تسل.. ولكن عن القوة والمتانة فحدث ولا حرج.

الفيات 132، مرسيدس الفيات:


نالت اعجاب كافة مريدي السيارات في مصر.. لا تعطل.. وسي سي عالي.. عنتيل.. شكل عفيّ وفي نفس الوقت مقبول.. تشعر من وجهتها أنها قرش متوحش.. والفوانيس الخلفية تأتي متمّمة للمقدمة.. إنها السيارة التي يفخر صاحبها بها..

هذه السيارات كانت مثالاً للمنتجات التي أنتجت لتدوم.. لاحظ أننا هنا لم نتحدث عن المرسيدس الخنزيرة ولا الشبح ولا البي إم السبعينيات.. هذا لخروجهم من المنافسة أساساً.. ولكن على مستوى السيارات التي ذكرناها.. فإنها صنعت لتبقى.. ولئلا تسبب المشاكل لصاحبها فتخرب بيته.. بنيت بمفهوم build to last لتكون علامات في التاريخ لا تنسى.

أما الآن.. فالاتجاه هو أن يصنع لك سيارة.. تبقى معك زي الفل فترة الضمان.. خمس سنوات.. بعد ذلك – إن لم يكن قبل ذلك وهنا الحرفة – تبدأ في الاستهلاك.. وقطع الغيار.. وكعّ يا صاحب العربية.. وبهذا يستمر مكسب المصنع.. بدلاً من أن يكون مكسبه من بيع السيارة ويكون بيع قطع الغيار هو الاستثناء.. يربط بيع قطع الغيار بالسيارة التي تباع.. ليظل المصنع يعمل.. ويستفيد منّا كزبائن.

وبالتالي فتجد أن مستوى الصناعة يتدنّى.. فالجودة ليست في أعلى مستوياتها.. ولكن مطلوب أن تبدأ السيارة في الشكوى بعد فترة لئلا يحدث ما حدث مع شركة بيجو بسبب موديل الـ504، قس على ذلك في كل المنتجات وليس في السيارت فقط.. وبالتالي، فالخوف كل الخوف أن تجد أننا نعود للخلف لا نتقدم للوراء وكل ما يتجدد هو الأفكار والأشكال فقط أما الجودة فتنحدر انحداراً ليحصّل أصحاب المصانع الأموال باستمرارية..و للأي

الأربعاء، فبراير 24، 2010

أمير المؤمنين وابنه


يحكى عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه هذه القصّة.. أرجو ألا تسقط على الوضع الحالي وإلا سقطت مغشيّاً عليك..

يخرج الى السوق يوما في جولة تفتيشية ،فيرى ابلا سمانا تمتاز بنموها وآمتلائها ،فيسال ابل من هذه؟ قالوا : ابل عبدالله بن عمر... وانتفض أمير المؤمنين كانما القيامة وقال : عبدالله بن عمر ...؟؟ بخ بخ يا ابن امير المؤمنين ....!!
وأرسل في طلبه من فوره ، واقبل عبدالله يسعى ...وحين وقف بين يدي والده ، اخد عمر يفتل سبلة شاربه _وتلك كانت عادته اذا اهمه أمر خطير _وقال لابنه:
ماهذه الابل يا عبد الله ؟؟ فاجاب : إنها ابل أنضاء - أي هزيلة - اشتريتها بمالي ،وبعت بها الى الحمى - أي المرعى - أتاجر فيها وأبتغي ما يبتغي المسلمون .
فعقب عمر في تهكم لاذع " ويقول الناس حين يرونها ...ارعوا إبل ابن امير المؤمنين اسقوا ابل ابن امير المؤمنين....وهكذا تسمن ابلك ،ويربوا ربحك يا ابن امير المؤمنين " ثم صاح به : يا عبدالله بن عمر خد راس مالك الذي في هذه الابل ،واجعل الربح في بيت مال المسلمين ...

اللهم الطف بنا يا رب..


الأحد، فبراير 21، 2010

رؤية


ما في هذا المقال هو ما يتضح لي بالقرينة الظاهرة، والله تعالى أعلم بالنوايا..

كما ظهر الدكتور البرادعي على شاشات التليفزيون أمس، وكما ظهر قبلاً.. يتضح لي أن هذا الرجل - فعلاً - من الأمثلة التي طالما تمنيت وجودها في مصر.. وهو كذلك، ما أسعى فيه.. وما أقصده ليس كونه عالما فانونياً كبيراً تقلّد أرفع الأوسمة وترأس منظمة دولية لها كيانها في المجتمع الدولي.. ولكني أقصد منهج الرجل..

الرجل لا يقول أنه أتى ليترشح في الرئاسة لكي ينقذ مصر مما هي فيه، ويكون هو المخلّص من ظلام الفساد والمحسوبية مثلاً.. ولكنه يقول أنه يضيء الطريق للناس ليعرفهم أن السبيل للنجاة ها هو.. ولا سبيل للنجاة إلا بأيدي الشعب نفسه..

منهج الرجل أن يثبت أنه لا منقذ للشعب ولا مخلص إلا نفسه.. والحقّ أن الله تبارك وتعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. الله تبارك وتعالى يكافئ المجتهد على اجتهاده.. ومن لا يسعى للتغيير بنفسه فسيظل راكداً مجمّداً لا يتقدم ولو شبر واحد.

البرادعي لم يصرح أنه سيسعى لقلب الدنيا رأساً على عقب، ولا يسعى لإحداث فوضى خلاقة تخدم مصالحه الشخصية.. ولا جعجعة فارغة.. ولكنه يتحدث بأرقام واحصاءات لا تكذب.. وبرؤية عامّة واضحة المعالم.. ولمن ينخرط في التفاصيل لكي لا يوحي للبعض أنه يسعى للترشح أو أن الهدف أن نرى البرادعي رئيساً.. الرجل يقول أن السلطة ليست هدفاً له.. والحق أنها لن تضيف له كثيراً.. ولكن إن رغب الشعب في ترشيحه فلن يقف أمام رغبة الناس في هذا الأمر.. ومن حق أي أحد الترشح.

ظهور هذا الصخب مع ظهور الدكتور البرادعي هو ناتج من اختفاء أي بديل حقيقي لمبارك، ظهور البرادعي مثّل للناس الأمل.. الآلاف التي ذهبت لاستقبال البرادعي في مطار القاهرة إنما كانت تستقبل ما تراه الأمل.. ليس شخص الدكتور البرادعي ذاته.. النظام نجح في تدمير أي شخصية قد تكون مناسبة للحكم بعد مبارك أو بديلة له.. حتى في المسرحية الهزلية التي سميت بانتخابات الرئاسة عام 2005 تم القضاء على كل المرشحين الذين كانت لهم بضع نسبة من الأمر إما بالسجن أو الإقصاء من الحزب أساساً.

الدكتور البرادعي ابتعد عن الجعجعة الفارغة والهجوم المسفّ الذي تنتهجه المعارضة في مصر.. وأوحى بأنه إذا ما كوّن هذا الرجل حزباً ما، سيختلف منهجه عن الآخرين.. إذا قام قوامه على الإصلاح والبعد عن المصالح الشخصية.

لم أعهد كتلة سياسية مخلصة تمام الإخلاص للبلد وللأمة، إلا ويجب أن تتدخل المصالح الشخصية في الأمر.. ولم تسلم أي من الكتل السياسية الموجودة من الشوائب والانشقاقات في صفوفها وهو أول ما ينهيها من قبل أن تبصر النّور.

المسئولية على الجميع، ولا مسئولية أكبر من المسئولية التي هي على عاتق الشعب المصري نفسه.. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وهذا هو المطلوب.. وهذا ما كان يؤكده الدكتور البرادعي في البرنامج.

المهم، ألا نفاجأ بقانون.. يمنع ترشح من كان له سابق تعامل مع وكالة الطاقة الذرية.. أو من كان يشتقّ اسمه من اسم البرادعي.. أو لعله يمنع دارسي الحقوق من الترشح للرئاسة.. لحكم الموضوع.. فإن أفلت الرجل من الـ250 توقيع كعب دائر على المجالس المحلية والنيابية.. وتحققت فيه شروط الرئاسة.. فليوقفه القانون.. وكل شئ بالقانون.. وهذه هي الكارثة.. أنه لا ثقة بالقانون..


الخميس، فبراير 18، 2010

حكوّمه - بفتح الحاء والكاف وكسر الواو وضم الميم


كان في مرة
شارع في مصر الجديدة
اسمه فريد سميكة
ساكن فيه نجم
من نجوم الجيش
ربنا يخليلنا الجيش
ويبارك فيه
وكان رتبة كبيرة
بس مش كبيرة خالص
مرة واحدة
هوب سكالوب
الجنينية اللي قصاده
اتسوّرت
والشارع اللي قصاده
سفلتوه
لحد بيته بس
بس
بس
قالك إيه
النجم اترقّى
وبقى نجم ساطع
طب ياخوانّا يجيش مسئول
يسكن في الحارة
عشان ما يبقى
شارعها متسفلت
ولها جنينة
والمية توصل
والغاز يوصل
والكهربا توصل
ويا ريت المية
لما توصل
توصل خفيفة
من غير تيفود
وتكون للشرب
متكونش صرف
ويا سلام لو الكهربا
لما تيجي
متتقطعش
ويا ريت الغاز
لما ييجي
متنقطعش أنابيبه
بيبو بيبو
ومتغلاش
على الناس الغلابة
دي مصر حلوة
وناسها حلوة
يا عم نظيف
ظيف ظيف
الله يسهللو
ربنا يباركلك
تتجوز على خير
بس ماكانش
فيه داعي
انك تحشرنا في جوازك الجديد
تتجوز ولا
تفضل عازب
إيش حشرنا
يا عم نظيف
ظيف ظيف
لما المتحدث
باسم الوزرا
يعلن جوازك
تبقى ملك
ولا ولي عهد
واحنا يابا
جمهورية
لسة يعني
ماهياش مملكة
ده لما النجم
النجم الكبير
راعي المنتخب
والكورة المصرية
حب يعملها
ما كانتش رسمي
أصل احنا مالنا
تتجوز ولا
تفضل عازب
يا عم نظيف
ظيف ظيف
وياسطى غالي
حلمك علينا
بضرايبك دية
بيع وقلنا ماشي
دخل ويالا ماشي
لكن عقارية لأ بقى
مش كده ياسطى
مش سبيل هو
نصرف عالحكومة
مش لما نلاقي
فلوسنا الأولانية
اتصرفت فين
وعايدها إيه
تبقى تطالبنا
بضرايب تانية
وإيه هو
واحد عايش
في فيللة أبوه
مالوش دخل
يكفي ضريبتك
ليه تجبره
يبيع الفيلا
عشان ماهوش عارف
يدفع جبايتك
هي عافية
ده مش دستوري
ولا إيه
يا عم غالي
مسترخصنا ليه
شايفنا خلاص
واخدين حقوقنا
لما حتفرض
ضرايب جديدة
هم كانوا
عينوك
وزير للشفط
ولا للحكومة حرامي
ولا عشان
تحسن عيشة
الغلابة
المصريين
مكنت تبني
من فلوسنا
بيوت عشان
غلابة الدويقة
بدل ما الصخر
يهشم جتتهم
ولا كنت
تحسن بيها
مية الشرب
ولا كنت
تضمن بيها
قوت للناس
قال بيقوللك
الحاج ظيف
احنا منديش
ميت جنيه
لواحد عشان ياكل
لا انا هديهالو
لو حيتاجر
بيهم في فاكهة
يا خي
لما ياكل
ويكفّي قوته
يدوبك يعني
بعدها يبقى
رجل أعمال
ويتاجرفي الفاكهة
لكنه مش
حيبقى عدمان
مش لاقي ياكل
ولا بيت يلمّه
ويفكّر بقى
في استثمارات
يا حكومة
خليكو حلوين
دي مصر ناسها طيبين


الأحد، فبراير 07، 2010

تغيير


مثال رقم واحد:

رجل نشأ في بيت تقيّ عفيف، تربّى على الأخلاق والفضائل كلها، علّم الصحيح والفاسد.. وما هو صالح وطالح منذ أن كان طفلا.. لم يرتد الشوارع ولم يصادق اللئام والخبيثين.. كان مجتمعه مثالياً فنشأ نشأة مثالية..

وهو على الطريق في الحياة لا يؤذي أحداً، لا يشارك في إثم.. يتعرض للفتن فيفتن أحياناً ولكن سرعان ما يعيده رصيده من التقوى - بفضل الله - إلى الطريق القويم..

لم يختلط بما كان فيه شبهة حرمانية.. أو أذى للغير.. وهو مثالٌ حسنٌ لغيره من الشبّان.. لا يعرف الكبر والغرور.. اكتسب ما اكتسب من العلم والدين بسبب نشأته القويمة في بيته التقيّ.. وهو ثابت على هذا المنهج - أو هكذا يعتقد - لا يقع في الكبائر.. لا يطأ الذنوب إلا لمماً.

مثال رقم اثنين:

رجل نشأ نشأة عادية في بيت هو أقل محافظة من نظيره في المثال رقم واحد، صاحب الخلوق والخبيث.. ذاق من الذنوب ما ذاق.. ولملم من خبرات الدنيا الكثير.. علم الكذّاب والمنافق.. داهن أحياناً.. هاود أصحاب السوء في فعل المنكرات أحياناً.. ربما لم يسلم البعض من أذاه.. ربما كان لا يأبه بدينه وبوطنه ومجتمعه.. لعله لم يعرض عليه العلم والدين كما عرض على نظيره في المثال الأول، ولم يتذوق حلاوة الإيمان كما تذوقها نظيره في المثال الأول.. فلم يعرف أن طريق الدين هو الحقّ.. فمكث على هذه الحال بضع سنين..

إلى أن تأمل في نفسه فوجدها حيوانية بهيمية ترعى وتأكل وتلبّي شهواتها فقط ولا شأن لها في الحياة غير ذلك، فلم يعرف لماذا هو إنسان وما الفرق بينه إذاً وبين أرذل مخلوق على الأرض.. فسخر من نفسه وتحسّر على أيام وأوقات ضيّعها في سفاهات وسلبية ممقتة.. وقال: مالي أعيش عيشة أكرهها لا قيمة لها.. سأهبّ وأقوم فأزرع الخير في ربوع الأرض كلها، لعلي ألحق من الخير ما يشفع لي عند الله يوم لقاءه.. الحمد لله الذي رزقني العقل الذي به سأحول حياتي إلى طاقة إيجابية أجعل بها بلدي أجمل ما تكون.. أو على الأقل في الطريق إلى ذلك.. لعلي ألقى الله بوجه نضر.. فأكون مع المؤمنين في الجنّة.. وعليّ ألا أرتضي بنفسي في الطريق القويم فقط، عليّ أن أدعو غيري ممن كانوا معي في طريق الضّلال ليكونوا معي في طريق الهداية.. لنتعلم الدين سوياً ونعلمه لغيرنا.. سنجعل من الحيّ الذي نسكن فيه مثالاً للرقي والإيجابية والأخلاق.. لأكن نموذجاً صالحاً بعملي وبالكلمة الحسنة التي يا ليتني كنت لقيتها قبل زمن طويل..

الأخ في المثال الأول، يظنّ أنه ثابتٌ على نهجه لن يتغير، وأن دينه كما هو.. ولكن الحقيقة.. أن الإنسان في هذه الدنيا إما أن يتقدم.. وإما أن يتأخر.. ومفهوم الثبات على الحقّ الذي نعرفه إنما هو من قبيل التقدم في الدين.. لأن يرضى بحاله ويظنّ أنه بذلك قد بلغ منتهاه.. أو بلغ ما يضمن له الجنّة.. فقد خاب وخسر.. وتأخر.. وفترة بفترة سيفتقد القيم والأصول القويمة التي تربّى عليها.. فيسهل افتراس الفتن عليه، لن يقوى على مقاومتها كما عهد قبلاً..

على الأخ في المثال الأول أن يدرك أنه إن لم يسخر من نفسه ويرى نفسه متردّياً أن الرجوع إلى الخلف مصيره، وسيرى أناساً كان يظنّهم من المتأخرين يسبقونه، لأنهم علموا أن ما هم فيه حسرة.. وندموا على ما كانوا يفعلون.. ورأوا أن عليهم العمل والعمل لتعويض ما فاتهم من الخير الكثير..

أما في المثال الثاني، فالرجل علم أنه على مقربة الهلاك.. فشدّ من نفسه وعزم على الإصلاح.. وهو على الطريق يرى ذنبه الذي ارتكب فيخاف أن يعود إليه فيعمل ويعمل.. ويدعو غيره لينال أجرهم.. ولا يترك لنفسه فرصة للعودة لأيام الخزي من جديد.. وهذا هو التغيير..

التغيير هو توبة نصوحة لله، على الأخ في المثال الأول أن يجددها كل فترة، وأن يعي أن نشأته في بيت فاضل هو من فضل الله عليه، ولكن ليس معنى ذلك أن يرضى بما اكتسب.. أو أن يحسب أن نفسه لا تحتاج لتغيير..

تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله.. وعزمنا.. ألا نعود إلى معصية أبداً..

الاثنين، فبراير 01، 2010

القول الساحق.. حول ارتفاع مصر الشاهق


- طبعاً بعد الأحداث المؤسفة التي حدثت بعد مباراة مصر والجزائر في أم درمان - الله لا يرجعها أيام - والتي دفعتني لعدم مشاهدة كرة القدم لفترة، جاءت أنغولا 2010 والتي لم أتوقع أن تأخذ اهتماماص مني أم أن أحرص على مشاهدتها.. حتى أن أولى مباريات مصر في البطولة مع منتخب نيجيريا لم أشاهدها وفضّلت النوم عليها..

- ولكن بعد أن علمت بتألق مصر في تلك المباراة، ورأيت الحماسة في قلوب الجميع للمتابعة.. قلت أتابع ولا أتعصّب لهزيمة أو لشئ.. إن فزنا فزنا، وإن خسرنا فلا ضرر..

- تابعت المنتخب في مباراته أمام موزمبيق والتي انتهت بفوز مصر اثنين لصفر، أحد الأهداف من ماركة إديني في الكفتة وأنا أحبك يا لاللو، والآخر هدف عالمي للاعب جدّو - والذي أفخر أنه بلدياتي حوش عيساوي عالمي - ويثبت من خلاله جدارته وحسن اختيار حسن شحاته له على حساب الكثير ممن لهم باع في المنتخب كميدو وعمرو زكي..

- ثم المباراة تلو الأخرى، وجدتني أتابع المباريات بحرص أكثر فأكثر.. وتزامن حرصي مع ارتفاع المستوى للاعبي الفريق المصري إلى أن جاءت مباراة الجزائر..

وقفة.. موسيقى جيمس بوندية في الخلفية..

إيه النظام ؟؟

يعني كيف سيكون التعامل.. من هنا ومن هناك.. كيف سيتعامل الإعلام المصري والجزائري مع المباراة.. كيف سيتعامل الإعلام المفتوح المشلوح الفيسبوكّي مع المباراة..

الجرائد القومية تعلمت من خطئها، وهدّت الموضوع على الآخر.. مما يحسب لها.. والمباراة بين فريقين شقيقين عربيين حبيبين.. والأمور زي الفل..

وهكذا وضعت الأمور في نصابها.. وهدّئ الأمر.. وأجبر الجميع على احترام النظير ولو غصب عنه.. حتى أني لاحظت أنه قبل المباراة لم يكن هناك اشعال تأجّجي فتنوي على مستوى الفيسبوكّ الذي أصبح مقياساً حقيقياً لسلوك الشباب في مصر خاصة والعالم العربي بصفة عامة.. بغض النظر عن السبب قد يكون التخوّف من النتيجة فلا يشعلنّ أحدهم الفتيل ثم تخصر مصر فينقلب حزيناً مكتئباً.. بل ترك الجميع الأمر للمباراة.. وهذا ما أعجبني.. وهدّأ بالي.. وفرحت له كثيراً.. فصورتنا أمام العالم بعد أحداث أم درمان خربت أكثر مما هي خربانة للغاية.. فكان لا بد من الحكمة والهدوء على مستوى القيادة السياسية في الأساس - والتي انجرّت في الشعللة خاصة من الجانب الجزائري وقت أم درمان - وعلى مستوى الشعوب.. بهدوء.. هذه مباراة كرة قدم.. فزنا خسرنا.. أوضاعنا هي هي..

ثم كانت المباراة..

- بصراحة تمنّيت عدة أشياء في هذه المباراة، والحمد لله كلّها تحقّق.. أن يظهر الفريق المصري بشكل يجعل العالم كله يتمنى وجود هذا الفريق في كأس العالم.. وأن يتساءل كيف لم يتأهل هذا الفريق للنهائيات.. وأنه إذا تغاشم أحد لاعبي الجزائر وتسفّل أن ينال عقابه على الملأ.. وأن نظهر للعالم كرة جميلة.. وأن نسيطر على المباراة بالكامل وأن يكون الفوز بجملة من الأهداف..

وكل هذا تحقق.. ولعب الفريق المصري واحدة من أفضل مبارياته على الإطلاق إن لم تكن الأفضل خلال البطولات الثلاث الأخيرة.. وفاز بأربعة أهداف لا شكّ في واحد منها.. إلى أن استفزّ لاعبو الجزائر وأظهروا عصبيّة قبليّة لا تبرير لها وكان الطرد جزائهم.. ولم يهاب الحكم أن يظهر لهم الكروت الصفراء والحمراء عقاباص لهم.. أعتقد أن العالم تابع هذه المباراة لما ارتبطت به من حساسية وتوتّر.. وأظنّ أن العالم تمنى لو أن الفريق المصري هو من تأهل للمونديال..

وفوق هذا كله.. الروق التي كان يلعب بها الفريق المصري.. ولأول مرة في التاريخ عدم وقوعه في الاستفزازات الجزائرية الشمال الإفريقية المعتادة.. بل الفريق الجزائري هو من وقع فيها.. وفاز الفريق المصري وردّ اعتباره لكثير من الأمور..

طبعاً لم تتم السيطرة على المشاعر من قبل الجميع.. ما بين فرح كبير.. وفشّ غلّ كبير..

ويظهر هنا ما كان مخفيّاً.. عدم مسئولية بعض أطراف الإعلام من هنا ومن هناك.. وأولهم المتحدث الإعلامي باسم الاتحاد المصري لكرة القدم الذي وبكل فجاجة ووقاحة قام بإشارة خادشة للحياء على شاشات التليفزيون وأمام كل كبير وطفل وبنت.. لم يلق بالاً لمن يشاهده وفقط رغب في أن يرضي غريزته في الوقاحة.. الحقيقة أني لا أحترم هذا الرجل لما بدر منه..

وهذا من أصيل عيوب الشعب المصري، ما يسمّى بالزياطة.. فرحنا إذاً فتباً لكل المعايير الأخلاقية التي تعلمناها في الدين والحياة.. وسحقاً للحياء.. يا راجل مصر فرحانة.

ثم كان يجب أن يفوز المصريون بالكأس ليكلل الفريق مجهوده بالتتويج.. وليعود إلى دياره وقد رسم بسمة على وجوه ثمانين مليون مواطن..

بسمة مؤقتة تدعمها الحكومة.. وابتسمتها حقيقة.. ولكني أتمنى لمصر ما هو أكبر من بطولة وكأس يحمل على الأعناق.. أتمنى لمصر مجداً عظيماً في معترك الصراع الإقليمي والدولي.. أتمنى لمصر دوراً فعالاً للأمة الإسلامية.. أتمنى لمصر كلمة لا للاستبداد والجبن والاحتلال.. أتمنى لمصر نصراً ضد الجهل والأمية والتخلف والعنصرية.. أتمنى لمصر احتراماً لكلمة إنسان.. احتراماً للخصوصية.. قبولاً للآخر.. قهراً للعدو الحقيقي الذي يهدد مستقبلنا.. تملكاً لزمام الأمور في المنطقة من جديد..

إن مصر دولة، يسجل لها التاريخ أنها إذا قامت.. قامت معها الأمة.. وأنها إذا ما وقعت.. وقعت معها الأمة..