السبت، يونيو 29، 2013

نشوة التطرف!

إنه التأجيج والإشعال والجَمر، الفريقان إن تلاقا سيفتِكان ببعضِهِما البعض، وحتمًا سيموت العشرات.. المئات.. وفي الغالب سيكون ممن لا ناقة لهم ولا جمل في هذا العَك.. بل غُرِّرَ بهم من قبل هؤلاء أو هؤلاء.. ورؤوس الفِتَنِ أنفسهم بعيدون عن ساحات الاقتتال.. دعوات إلى الله بالانتقام من جانب، ودعوات صريحة من الطرف الآخر باستئصال الطرف المنافس بالدَّم! ودوا لو أن صاعقةً من السماء تنزل فتمحو الغوييم! كل رُكن في البلاد يشتعل نارًا.. الكل ينتظرك تتكلم حتى يصنِّفُكَ وبناءً على ذلك يتم التعامل معك.. ولا يمكن إطلاقًا أن تكون من العقلاء الذين يريدون الصالحَ العام.. بل حان وقت الصِدام..

هي اللحظة التي انتظرها كل فرد من الفريقين، لحظة "الخلاص" من الشرِ كلِه، وكأن شرورَ الدُنيا كلها تكتَّلت وتجمعت في شخصِ هذا الطرف الآخر، فإن فنى هذا الطرف صَلُحَ الحال وأُغْدِقنا بالخيرات من بين أيدينا من خلفِنا.. ويطالبون من لا يريد التحزب بأيِّهم ألا ينتظر كثيرًا في معسكر العقلاء، عليه أن يختار بين الحق والباطل.. وإذا كان الحق لا يعرف طريقَ أيهم؟ ما العمل؟!

ما الفكرة في تكرار نفس الخطأ كل مرة؟ أن نُستخدم مطيةً لساسة الطرفيْن، فإذا ما وصل الطرفان لحل لمعضلتهِما أول من يُباع هو من كان في الميدان يشحذ الهِمَم لنصرة القضيَّة! لماذا علينا أن نتبع أحدهما كما القطيع.. إننا نمُر بأقصى درجات الانحطاط الشعبي، على وشك أن نقتتل من أجل فشلة ووصوليين ومُرتزقة!

لازلت أعيش على أمل، ظهور التيار النقي.. الذي يُحكِّم شرعَ اللهِ بحقِه، ويؤتي كلّ ذي حقِ حقَه، يبحث عن الكفاءة ويطبق العدل في اختياراتِه، نواياه خالصة من أجل صالحِ هذا البلد.. هل هذا محال؟!

هل يستحيل أن ينتج الشعب المصري بحالته الحالية هذه مثل هذا النموذج؟! هل انحطَّ الناس وفشلوا لهذه الدرك؟! إن الناس الآن يتحولون إلى متطرفين.. إلى متطرفين حقيقيين، كل فريق لا يمانع في تكفير/زوال/سجن/قتل/تجهيل الطرف الآخر!!

قاتل اللهُ العصبية والجهل، فإنها مُنتِنة! خاصًة إذا اتشحت بوشاح الدين أو وشاح العدالة والحرية والمساواة.. قاتل اللهُ المدلسين والكذابين والمنافقين والمُرتزقة والفاسدين! قاتل اللهُ المُحرضين المُستبيحين دماء الناس والمتاجرين بها!!

اللهمَّ أرِنا الحقَ حقًا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطِلَ باطلًا وارزقنا اجتنابه.

الاثنين، يونيو 24، 2013

لازم نفوق!

بنظرِة للجانب الإيجابي الموجود في ما يحدث، يتبيَّن أنه كان علينا أن نعيَ تمامًا حقيقتنا.. كانت كل هذه الآفات بل وكنا نشتكي منها بين الفترة والأخرى، ولكن كان يكبِتُها فينا رتابة الأحداث وروتينيّتها.. فلما قامت الثورة وتداعيتها فُضِحَ كل شئ.. ولعل سبب الكآبة المبالغ فيها التي نعيشُها هذه الأيام، الصدمة! فقد كنا نرى في أنفسِنا شعبًا عظيمًا أفضالُهُ على الدنيا كلها، ولكنها الظروف والمؤامرات الخارجية التي تحاك ذد هذا الشعب الأبيّ هي "اللي جايباه ورا".. واقع الأمر أن هذا الشعب الأبي العظيم هو أكبر من حاك ضد نفسِه المؤامرات.. هو الذي تناهي في الدُنُو والكراهية والتعصُب واللامنطق والمادية والمصلحيَّة البحتة! هذا الشعب تعرَّض لإشعاعات فكرية شوَّهَت كل جميلٍ فيه إن كان موجودًا.. على مدار عقود، وكل سلبيات النفوس تتوغل فيه وتتغلغل حتى انهَرْنا على جميع المستويات.. الرسمي منها والشعبي.. حتى أن الناس نَسِيَت معنى الكرامة أصلًا.. فمع قليل من الاختبارات تكتشف ذاكرة الذبابة للشعب المصري وتجده قطاعات واسعة منه تتندَّر على ما مضى من أيام حُسني مبارك وكأنها كانت أفضل حالًا.. وواقع الأمر أن كل الأزمات كانت موجودة في عهد مبارك، والفشل كان عنوان كل الاجتهادات المصرية على المستويات الرسمية والشعبية.. إلا أنه فيما يبدو نشتاق لجلادينا ونستمتع بالقيادة الضاربة بأيدٍ من حديد في الباطِل.. فيقول جمعٌ من الناس الآن ليمسك العسكر زمام الأمور وليرمي بكل التيارات الإسلامية في السجون وليخلِّصنا منهم.. مذنبهم وبريئهم.. انظُر كيف نتمنى زوال بعضِنا البعض.. وبالمِثلِ عند الطرف الثاني يرى أن مصر ستكون في غاية الجمال والروعة والاتساق مع نفسها إن تخلصنا بالكامل من التيارات الغير الإسلامية - أي التي لا تنتمي إلى الإسلام السياسي - متناسين أنه من الصعب جدًا - جدًا - أن يفنيَ أحدُهُم الآخر.. لا لشئ له علاقة بالإنسانيات مثلًا ولكن لأن أحدهم لا يمتلك قنبلًة هيدروجينية تمحو الآخر.. وإن وُجِدت، فبالضرورة سيتم التضحية بنسبة معقولة منهم هم أنفسهم.. انظُر إلى الشعب المصري الأصيل المتدين بطبعِه كيف أصبح يتلذّذ في القتل، فلا يكتفي بالقتل فقط وإنما أصبح التمثيل بالجثث سمة عادية جدًا.. إن هذه الطباع كانت موجودة بالتأكيد من قبل ولكن الثورة فضحتها.. فقط بمجرد زوال القبضة الواهِمة - التي اكتشفنا فيما بعد أنها كانت بالونة فارغة إلا من الهواء أساسًا - عمد الناس على إظهار كل ما هو "مُتسِخ" فيهم. 

ومن هنا، كان ضروريًا أن نكتشفَ أنفسنا من جديد وعلى هذا الأساس نقيِّم أين نحن وما هو الهدف القادم، لكيلا نعلي من سقف الطموحات فنُصاب بخيبة أمل.. علينا أن نعيَ تمامًا أننا في الدرك الأسفلِ من الإنسانية بصفة عامة.. وأن تصرفاتنا أبعد ما تكون عن الدين وإن تمسَّحنا به.. وأنها أقرب ما يكون للمادية والانتهازية والمصلحيَّة، والدُنُو بصفة عامة.. لم يعُد لنا كبير في تصرفاتنا وأصبح وازع أفعالنا حيوانيَّتنا.. طبعًا، لا أريد تشويه الصورة بالكامل.. بل أريد أن أقولَ لكم أن الحقيقة مُشوَّهة أصلًا! فالصورة التي قد يلتقطها أحد البائسين لنا لا يمكن تجميلها أساسًا.. علينا أن نعرف أين نحن؟!

الخميس، يونيو 20، 2013

معيار الكفـــاءة..

 
ربنا رزقك بعقل.. وإمكانيات معينة وظروف معينة،
وحتتحاسب بناءً على كده،
فانت حتتحاسب على إيه اللي كنت "تقدر" تعمله..
ومش حتتحاسب على إيه اللي كان ممكن يحصل!
فبطَّل وَلْوَلة.. وزيطة وزمبليطة ع اللي بيحصل.. في مصر وفي العالم..
وشوف انت آخرك تعمل إيه؟
يعني كفائتك تتقاس:
اللي انت عملته / اللي كان ممكن تعمله
مش:
اللي انت عملته / اللي كان ممكن يتعمل بصفة عامة..
فقياس كفائتك مينفعش يتم على قرارات الحكومة الغلط، ولا انتهازية بعض المعارضين، بس كفائة عملك في الدنيا تتقاس على تصرفك "انت" حيال الموضوع ده، وكان ممكن تعمل إيه في هذا الصدد ومعملتوش..
لو آخرك حيال اللي بيحصل في البلد كلمة عاقلة موضوعية للي حواليك، وإنك تمسك عليك لسانَك في اللي مبتفهمش فيه أو اللي متعرفوش.. وعملت كده بإخلاص كامل لله، يبقى كفائتك في هذا الصدد: 100%..
ونفس الكلام على قتل بشار للسوريين مثلًا، إنما كان ممكن تعمل إيه لسوريا ومعملتوش؟ حتى لو كان الدُعاء ده آخرك، ليه متدعيش؟
لو آخرك تدعي لسوريا بس، ودعيت بإخلاص يبقى انت كفائتك في هذ الصدد: 100%. فشوف انت تقدر تعمل إيه واعمله..
متشغلش بالك بقى بالصخب والزعيق والحنجرة الفارغة دي..

-------------------
*مستوحاة من معيد كان بيدرسلي في الكلية، جزاه الله عني خيرًا كثيرًا*

الأحد، يونيو 16، 2013

لو كان التاريخ رجلًا، لقتل كل امتحانات التاريخ



امتحان مادة التاريخ الحديث للصف الأول الثانوي
إدارة تعليمية:
التاريخ: / /
---------------------------------------

السؤال الأول:

"قام الشعب المصري بثورة 25 يناير بعدما ضاق بنظام حسني مبارك ذرعًا، إذ كان يعاني تحت إمرته الفقرَ والجهلَ والمرض. ونجح في خلع حسني مبارك من حكم البلاد وتولت قيادة جيش مصر العظيم زمام الأمور بشرف وأمانة حتى سلمت السلطة لأول رئيس مدني منتخب".

في ضوء العبارة السابقة، أجب عما يلي:

1- اذكر مآثر الجيش المصري على مدار التاريخ المصري بدايًة من حرب تحرير سيناء 1973 وحتى دوره البطولي في حماية ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011.
2- "الجيش المصري العظيم صد كل المؤامرات ضد مصرِنا الجميلة وقت الثورة وبعدها" - اذكر أربعة من هذه المؤامرات وكيف تعامل معها جيشُنا العظيم بقيادة المشير طنطاوي.
3- من هو أول رئيس مدني منتخب؟ ولأي حزب سياسي كان ينتمي؟ ولأي جماعة شعبية ينتمي؟
4- اذكر باختصار حيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب المنتخب. واستفيض في وصف الدور البطولي الذي قامت به القوات المسلحة في حماية الشرعية القضائية في الرابع عشر من يناير للعام 2012.

السؤال الثاني: 

اختر الإجابة الصحيحة مما بين الأقواس:

1- مُنع ترشح الشيخ حازم صلاح أبي إسماعيل لانتخابات الرئاسة المصرية بسبب:
(صحيفته الجنائية لم تكن خالية من الجنايات المُخلة بالشرف - أحد والديْه ثبت أنه مكتسب لجنسية غير الجنسية المصرية - لم يتمكن من جمع التوكيلات المطلوبة للتشرح)
2- متى تنحى الرئيس السابق حسني مبارك عن حكم البلاد:
(11 فبراير 2011، 11 مارس 2011، 11 إبريل 2011)
3- ما هو لقب المشير طنطاوي وقت حكمه للبلاد بعد خلع الرئيس السابق حسني مبارك:
(رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع - وزير الدفاع - رئيس المجلس العسكري)
4- من أول وزير دفاع عُين بعد المشير طنطاوي:
(عبد الرحمن السيسي - عبد الفتاح السيسي - عبد الله السيسي)
5- أي عقوبة حكمت بها المحكمة كحكم أولي على وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي:
(الإعدام شنقًا - 25 عامًا حبس - البراءة)
6- ما العبارة التي قالها عبد الله بدر وحُكم عليه بالسِجن بسببها؟
(كَم واحد اعتلاكِ - كم واحد احتفاكِ - كم واحد هناكِ)


السؤال الثالث:

ضع علامة (صح) أو (خطأ) أمام العبارات التالية مع التعليل:

1- تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حقيبة التشريع بعد حل مجلس الشعب وذلك لملء الفراغ الدستوري.
2- مشروع محور قناة السويس يهدف إلى تنمية إقليم قناة السويس دون النظر إلى أهالي وشعب السويس.
3- أصدر محمد مرسي إعلانه الدستوري تحصينًا لقراراته من الإلغاء وذلك بناءً على المطالب الشعبية بذلك.
4- أيدت مصر الثورة الشعبية في عهد الرئيس محمد مرسي في سوريا وقاطعت كل الدول المؤيدة للنظام السوري وقتها.
5- تم القبض على خاطفي الجنود المصريين بالعريش وحوكموا محاكمة عادلة نالوا فيها جزائهم.

السؤال الرابع:

علل:

1- قيام مؤسسة الرئاسة بإذاعة المؤتمر الوطني لمواجهة أخطار سد إثيوبيا والحفاظ على ثروة مصر المائية على الهواء.
2- قيام ثورة 25 يناير.
3- أحداث محمد محمود.
4- أحداث مجلس الوزارء.
5- تصريح المشير طنطاوي أنه على الشعب أن يشترك.
6- مكانة مصر الدولية على مر الزمــان.

السؤال الخامــس:

"أيدت مصر ثورة سوريا ضد النظام السوري الغاشم، وقامت بالعديد من الإجراءات لوقف نزيف الدماء هناك".

في ضوء العبارة السابقة، أجب عما يلي:

1- اسرِد حكمة الرئيس المصري وقتها في التعامل مع ملف الثورة السورية، وماذا قدمت مصر للاجئين السوريين.
2- ارسم رسمًا بيانيًا لمنحنى العلاقة المصرية مع الثورة السورية بدايًة من انطلاقِ شرارتها إلى يونيو 2013.
3- "ثورة سوريا استكمال للربيع العربي"، وضَّح بإيجاز.
4- وضَّح تآمر العالم الخارجي على الثورتين المصرية والسورية وكيف كانت تحركات الدولة المصرية في هذا الصدد.

نتمنى لطلابنا الأعزاء دوام التوفيق والنجاح

***


الثلاثاء، يونيو 11، 2013

رمضان، وإعادة التقييم




كثيرٌ من الظواهر التي نفسرها بشكلٍ تآمري يكون أساسها المصلحة البحتة، هذا لا ينفي غرض المصلحة للمتآمِر، وإنما قد يتآمر طرف فقط لإهلاك الطرف الآخر من غير أن يستفيدَ هو، إما حِقدًا أو للتلذذ بنشوة الانتصار وحسم الصراع.

إلا أنه في اعتقادي أن أساس كل مؤامرة مصلحة في الغالب تكون غير مباشرة، وعلى الرغم من وضوح جذور كل المؤامرات التي نعيشها ووضوح من صاحب المصلحة الأكبر في التجاوب إيجابًا معها، إلا أننا غرقنا في مظاهرها وأرجعنا كل أسبابها إليها دون النظر بعمق أكثر في تفاصيل الأمور.

نستشرف الآن رمضان - نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياه فإن قبضنا إليه قبل أن نبلغَه أن يكتبنا مع الصائمين - ومع استشراف رمضان كل سنة يطُل علينا التليفزيون بالإعلان عن برامج ومسلسلات وفوازير وسِت كوم رمضان، وحينما تتسائل لماذا تحديدًا يتم تركيز مسلسلات العام كله في رمضان؟ وهل اختصوا هذا الشهر بهذه الكمية الضخمة من المسلسلات ليلهونا عما مُفترض أن نملأ به رصيدنا في هذا الشهر الكريم من عبادات وصدقات وقيام وغيره من الأعمال الصالحة؟

الحقيقة، أن النظرة التآمرية التامة في هذا الأمر توحي بشيْطانية القائمين على هذه الأعمال، وإن كانوا سيُسألون عما يلهون به الناس من تفاهات خلال هذا الشهر الكريم، إلا أنه أحسب أنه من غير المتوقع أن يكون هدفهم الرئيس إلهاء الناس عن العبادة، بل إن إلهاء الناس جاء نتيجة لاستغلالهم الشهر هذا الاستغلال.

الأمر أنه في رمضان، مضمونٌ بنسبة كبيرة جدًا تجمع العائلات كلها لتناول وجبة الإفطار والسحور على المائدة أمام التلفزيون، ومن هنا يضمن أرباب بيزنس التليفزيون نسبة مشاهدة عالية جدًا. فيكون التعاقد على المسلسلات والسِت كومز بشراهة كبيرة لأن عائد الإعلانات التي تتخلل هذه المسلسلات مضمون، وضخم جدًا. ومما بين الإفطار والسحور تكون الأنتخة وذلك نتاج ثقافة الدَّب في الإفطار فالركون لكنبة الصالون للفُرجة على التليفزيون مع الحلو. وفي وقت الإفطار والسحور تكون المسلسلات القصيرة الكوميدية أو السِت كوم لتتناسب مع فترة الأكل، وفترة الأنتخة تستغل في المسلسلات الطويلة ذات الأحداث (بصرف النظر عن ضياع المحتوى).

فرمضان بالنسبة لأباطِرة الانتاج الفني والإعلان هو ثروة لا يفرَّط فيها، ليست قضية منتج المسلسل أن مشاهد المسلسل سيُلهى عن العبادة في هذا الشهر الكريم، ولكن قضيته نجاح المسلسل، وذلك يتمثل في زيادة نسبة المشاهدة والتي تُتَرجَم بالنسبة له لإعلانات أي "فلوس".

طبعًا، من العار الحديث على المواطن على أنه مسلوب الإرادة، لا يستطيع مقاومة التليفزيون وهجره ليذهب إلى الصلاة أو ليفعل الخيرات. إذ أنه في النهاية أنت لك مخ تعرف به المفيد من تضييع الوقت وإرادة تفعِّل اختيارَك. فإن كنا نلوم على أباطرة الإنتاج المسلسلي والإعلانات استغلالهم هذا الشهر الكريم ففي رأيي اللوْم الأكبر يقع على من كان فريسًة سهلة لهم خاصًة أن جُلَّ ما يقدموه لا يمكن أن يوصَف بالقيمة أصلًا!

نسأل الله لنا ولهم الهداية، فإذا ما هم قرروا أن يركنوا إلى مصلحتهم المتمثلة في المال في هذا الشهر الكريم، فاركن أنت لمصلحتك المتمثلة في التقرب إلى الله في هذا الشهر الكريم.

والقولُ بأن رب رمضان هو رب شعبان هو رب شوال هو رب ذي القِعدة قولٌ يرادُ به في مثل هذه الأوقات لفت الناس عن العِبادة في هذا الشهر الكريم، فالدعوى أن تكثيفَ العبادة في رمضان دونًا عن غيره من الشهور نفاق هي دعوى كاذبة. ذلك لأن اللهَ تبارك وتعالى خَصَّصَ هذا الشهر الكريم وكرَّمَه دونًا عن بقية الشهور، ووردت الآيات والأحاديث النبوية في فضائل هذا الشهر كثيرة، وعُرف يقينًا أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه كان يجتهد في هذا الشهر في العبادة أكثر من بقية الشهور. 

روى البخاري - رضيَ اللهُ عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. 
 
وكذلك في قيام العشر الأواخر من رمضان: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.

يعني أن رسول الله أفضل الخلق وأول من يدخل الجنة صلوات ربي عليه وسلامه كان يجتهد في رمضان في العبادات وغيره أكثر من بقية شهور السنة.

فمن الفطانة التعرض لنفحات الله وأن نستغلها استغلالًا تامًا متبعين في ذلك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنرجو رحمة الله ونخشى عذابه.

***

رمضان مدرسة عظيمة يتربي فيها الأكابر، ويخرج المجتهدون منها بخير عظيم في أنفسِهِم وثواب وفير عند الله ورحمة منه وفضل.. إن الله مَنَّ علينا برمضان لكي نقف مع أنفسِنا ونقيِّمها هل هي تمضي في هذه الدنيا كما ينبغي لها أن تمضي أن الوقت يضيع فيما لا طائل منه ولا نفع؟

في رمضان تسأل نفسك هذه الأسئلة:

- هل تفني عمرك فيما كان حاصله عند الله؟
- هل تنفق مالك كما يرضى الله وفيما يرضى؟
- هل تذكر الفقير أم تعيش في الدنيا "يلا نفسي"؟
- هل مستسلم لحب مُتع الدنيا؟
- هل تمثل الدنيا بالنسبة لك منتهى الأمل؟ #فكر_بتؤدة
- هل تغرق حبًا في مظاهر الدنيا وزينتها؟
- هل تقوم بطاعات لا يعرف عنها أحد في هذا الدنيا أي شئ؟ وكم نسبة هذه الأعمال من كل أعمال طاعاتك؟
- ماذا يكون رد فعلك إذا قيل لك: "اتقِ الله"؟
- هل تعتقد في أن الله هو الرزاق؟ 
- هل تفصل أحيانًا بين بعض الأعمال الدنيوية وبين الدين؟
- هل اعتقدت في داخل قرارة نفسِك في موقف ما أنك أنت الذي تفعل وتسوي؟ #إنما أوتيته على علم عندي
- هل تعتقد في أن الله هو القيوم على عبادِه؟
- هل تعتقد في أنه "لله الأمر من قبل ومن بعد"؟
- هل تعيش لله؟
- هل تبحث عن رضا الله في كل ما تفعل؟
- ماذا تفعل في دنياك لتدلِل على عدم تعلقِك بها؟
- ماذا تنتظر كي تدرك الحقيقة إن كانت الدنيا أكبر همِك؟

الأحد، يونيو 09، 2013

نقطة نظام في التوكل والعمل

على الرغم من أنه يقينًا الدنيا فانية.. ولا يمكن إنكار حقيقة أنها فانية. إلا أنه عبثًا تجدنا متشبثين بأذيالها وكأنها آخر مآلنا. غريبٌ أمرنا على الرغم من كوننا موحدين، إلا أنه قَصُرَ علمنا على هذه الدنيا الفانية.

وتعلقنا بها - للأسف - تعلق حقيقي يصدقه عملنا، وإن سُئلنا لقلنا نعلم يقينًا أنها فانية، وأن كل ما بها من فِتن ومادة وغنى وفقر وسعادة وحزن فانِ. 

إلا أن كل ما نفعل، لا يمكن تفسيره إلا بأننا نعمل وكأن هذه الدنيا هي منتهى آمالنا.

ولذلك مظاهر:

- الانغماس في أسباب الرزق وكأنك أنت الذي تؤمن رزقك ورزق عيالك بنفسِك.
- الاستمتاع بمظاهر الدنيا وزينة العُجب، ونسيان الآخرة.
- الاكتئاب من أحداث الدنيا والتأثر بها.

والحقيقة، أن الارتباط بالدنيا الزائد عن الحد ينتج صورًة مُضللة عن حقيقة الحياة، فيوهِمُك أن القصة كلها قصة أسباب مع أن الله وحده هو المُسبب للأسباب. وواقعُ الأمر أن التسليمَ لله سبحانه وتعالى فيه الاطمئنان كله.

والله أمرنا مع تسليمنا له سبحانه وتعالى أنه هو الزراق العليم أن نأخذَ بالأسباب، وإلا وقعنا في مخالفة في الدين. يعني المحصلة تكون: إيمان تام بالله وأن كل الأمر بيده وحده، وفي نفس الوقت عملُ على الأسباب مع كامل اليقين أن الأسباب لا علاقة لها بالأحداث على الحقيقة. وإنما نقوم بأخذ الأسباب لأن اللهَ أمرنا بذلك فقال:"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والؤمنون"، وقال: "كلًا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطآء ربك، وما كان عطآء ربِك محظورًا"، وقال: "فمن يعمل مثقالَ ذرةٍ خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرًا يره".

الآن، مصر تمُر بتحديات على جميع المستويات، وإلى الآن لم يثبت لنا القائمون على البلاد جدارتهم لإدارة ملفات البلاد الساخنة، بل من موقف إلى آخر - أسفًا - يُثبت لنا فشل هذه الإدارة. 

وقد كان الحديث بدايًة من تولي الرئيس مرسي حكم البلاد، عن العمل والنهضة، والتخطيط للمستقبل.. وكنا نسمع الكلام بغير أمارات فنعرف أنه لا كوادر لدى أرباب الحُكم للمضيّ بالبلاد تجاه "النهضة" فعلًا.. 

حتى جاء أمرُ النيل وإثيوبيا، فنجد أن الخطابَ تحول إلى خطابٍ دينيّ فجأة! وأنه ببساطة إذا ما زُمَّت المياه دعوْنا الله أنزلَ علينا المطرَ فنرتوي ونسقي الجميع!

حسنًا، الأمر فيه تفصيل:

أولًا: الله هو الفاعل القادر الرازق. الله هو الذي يرزقنا ولا صلة تمامًا بين عملِنا ورزق اللهِ لنا. قد نعمل ونُرزَق، وقد لا نعمل ويشاء الله أن نُرزَق. 

ثانيًا: اللهُ أمرنا بالأخذ بالأسباب، ومن سوء الأدب أن نتواكل على الله ونحن فَشَلة!

أي: كون أن اللهَ هو الرزاق وحده، لا يعفي الحُكام من اتخاذ الأسباب تجاه إثيوبيا وأمر النيل! ومن سوء الأدب أن نركن إلى الظُلة فنقول: الله رازقنا ولا حاجة للعمل.

وإن كان لم يقال هذا نَصًَّا، ولكني لاحظت.. أنه على مستوى الفضائيات المؤيدة للحُكم، ومن خُطَبِ الجُمُعة أيضًا، اتجاهًا في الخطاب الديني يستنكر النظرَ في الأسباب ويستنكر الاهتمام المبالغ فيه بالمستقبل، ويربط ذلك باليأس.

لا أدري أين كانت هذه النوعية من الخطاب من نفس الناس وقت حكم المَخفي مبارك؟! حسنًا كان يمكن تبسيط الأمور كلها فنقول مثلًا:

- قلة الرزق من أمرِ الله، مالكم؟!
- حوادث السكة الحديد من قدرِ الله، مالكم؟!
- انتشار السرطان من ابتلاء الله، مالكم؟!

كلها دعاوي حق، ولكن أُريدَ بها باطل..

وإلا ما أسَّسَ الإسلامُ دولًة، ولا كان من علوم الدين: السياسة الشرعية والجهاد. هذا تضليل وتدليس على الناس، وللمحايد - حقًا - أن يقول إنها مُتاجرة بالدين.

فالربط بين التوكل الكامل على الله والأخذ بالأسباب كلها أمرٌ لا تفريطَ فيه، ومن أساس الدين. ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوةٌ حسنة، هو نبيُّ الله وصاحب الرسالة.

كيف كان توكله (صلى الله عليه وسلم) على الله وأخذه بالأسباب، فيقول صلى الله عليه وسلم: "لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتعود بطانًا". 

ومن كلام الإمام الحسن البصري في هذا الصدد في: "ليس الإيمان بالتمنِّي ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل". 

 وإني لأحسب، أن القيادات والمشايخ الذي يدفعون في هذا الاتجاه للذبِّ عن رَجُلِهِم في الحُكم يعلمون صِدقًا هذا الأمر، فإني أعيب عليهم التضليل على الناس والتجارة بالنصوص لخدمة الأهواء والمصالح..

لا تعلقوا فشلَكم وفشل قياداتِكم على شماعات بالَت منذ عقود، فقد فهم الناس وعرفوا من يعمل ويجتهد فيُخطئ ويُصيب، ومن يعمل بغير خطة فيقع في الفشل، ومن لا يعمل من أساسِه، ومن فرَّغ وقته من قبل للسرقة وتأمين الفساد.

الخلاصة:

- الله وحده الرازق القدير، ويفعل الله ما يشاء.
- المسلم مكلَّف بكامل التوكل على الله وحده، لا يشرك معه شيئًا.
- المسلم مأمور بالأخذ بالأسباب مع عدم تعلق قلبه بها، بل يتعلق قلبه بالله وحده.
- الخطاب الديني يجب أن يحُثَّ على التوكل على الله، والعمل بالأخذ بالأسباب معًا كما علمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته والتابعين.

واللهُ جل وعلا أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأحد، يونيو 02، 2013

لعبة الأدوار والمصالح


قبل انتخابات الرئاسة، ولأن بطبيعة الحال انعدمت الشخصية المصرية تمامًا، تسابق بعضُ المرشحين لمقارنة مصر عهدِهِ بتجارب الدول المحترمة كماليزيا وتركيا والبرازيل وغيرهم.. ومن أجل ذلك سارعوا للمقارنات ولإضفاء صبغة الصداقة التِلمة مع هذه الدولة وإن أبَوْا.. وكيف أننا لسنا أقل من هذه النماذج الناجحة.

ولأن من ينتهج نهج التقليد يلمِع من مقلديه ليبرر تقليده لهم بصرف النظر عن اختلاف الظروف وغير ذلك من العوامل، سارع الأتباع برسم صُوَر صنمية لقادة تطور هذه الدول.

فإردوغان أصبح المهدي المنتظر حامل لواء الإسلام في المنطقة وباني الدولة العثمانية الحديثة، بينما لو تأملت النظر تجد أن إردوغان عَملَ لتركيا وفقط. وهذا حقه. وأن معظم تحالفات تركيا مع أعداء "الإسلام" لم تهتز في عهده إلا في موقف أو موقفين تحتم عليه أن يجيِّشَ إعلامه ضد هذه الدول ليكسب شعبية أوسع على أرضِه وعلى أرض العرب. بينما الواقع يقول أن تركيا كما هي، وتحالفاتها كما هي، وأنها لم تحِد عن الدور المرسوم لها في المنطقة قيد أنملة.

أول ما تولى الرئيس مرسي حكم البلاد، فيما يبدو أنه لم يكن قد استقر على قواعد اللعبة بعد، فبخصوص الأزمة في سوريا مثلًا، كان حديث حادًا جدًا على النظام السوري، ولم يترك مناسبًة إلا وأشار لضرورة رحيل النظام السوري وأنه يقتل شعبه.. بدايًة من زيارته لطِهران في قمة المؤتمر الإسلامي وتصريحاته بجامعة الدول العربية. بينما الآن تجد التصريحات أهدى كثيرًا.. تتطابق تقريبًا مع الرؤى الروسية (أكبر داعمي النظام السوري هي وإيران كلٌ على قدر إمكانياته)، فالإثنان يقولان علينا أن نحقِن الدماء ونجد حلًا نضمن فيه انتقالًا سلميًا للسلطة أو تحول ديمقراطي أو كما يُقال. هذا يتطابق كذلك - الآن - مع وجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي أدرجت - الآن - جبهة النُصرة المقاتلة في سوريا على قوائم الإرهاب لأنها تتبع تنظيم القاعدة (وكأن أمريكا لم تُدعِم من قبل طالبان وفي طياتِها القاعدة وقت جهاد الأفغان ضد الاحتلال السوفيتي). ومن هنا تفهم أن الرئيس مُرسي علم الدور المرسوم لمصر في المنطقة، كما يعلم نِجاد ومن فوقه خامنئي الدور المرسوم لإيران في المنطقة، وكما تعلم روسيا ما عليها فِعله تجاه الأزمات في الشرقِ الأوسط، وكما يعلم الاتحاد الأوربي ما عليه فعله تجاه الأزمة في سوريا، وتقرأ إسرائيل المحصلة في النهاية مع أمريكا. 

شأن تركيا شأن هؤلاء، لها دور في المنطقة، هذا الدور يتطابق تمامًا مع الشرق الأوسط الكبير الذي ترضِعْهُ أمريكا منذ عقود.. نحن فقط من ينظُر أسفل أرجلِنا، بينما العالم كله ينظر العشر والعشرين والخمسين سنوات القادمة على هذا العالم.

لذا، فالأدوار المُوزَّعة على البيادق لا يجب أن تكون متطابقة تمامًا لبعضِها البعض، ولكن عليها في النهاية أن تتطابق مع رؤى أمة الأمم المُغذي الأعظم في هذا العالم، ولا مانع من بُهارات التصريحات كلٌ على حسب كاريزمتِه، ولكن في النهاية لن تجد موقفًاى حقيقيًا لأحد هذه البيادق ضد اللاعب الكبير صراحًة. بالأحرى مضى هذا العهد، فالقصة قصة مصالح وأذرع ملوِيَّة، و"الشاطِر" من يستحوذ على أكبر الفوائد من هذه اللعبة.