الثلاثاء، فبراير 09، 2016

في الإعلان عن المؤسسات الخيرية..

بقالي فترة متابع تطور أسلوب الإعلان عن المؤسسات الخيرية اللي بيبقى الهدف من الإعلان عنها جمع التبرعات لها عشان تفضل تكمل، وكان لي رأي زمان إن الإعلانات عن المؤسسات دي في مصر بيتسم بالكآبة والنكد بشكل ينفر الناس أكثر ما يحفزهم إنهم يتبرعوا، كان بيعتمدوا إن تغذية إحساس الناس بتأنيب الضمير هيخليهم يدفعوا، وقد يكون لهم وجهة نظر صح في الموضوع أو الواقع بيؤيدهم، إنما أنا كانت وجهة نظري إن مشكلة الطريقة دي إنها بتربط دايمًا في ذهن الناس الاحتياج والفقر بالكآبة والهم. طبيعي الاحتياج والفقر مش حاجة كويسة وابتلاء من ربنا عز وجل، إنما مش المفروض المجتمع يساهم إن الفقير أو المحتاج أو المريض بالسرطان أو القلب ده إنسان بائس وملوش مستقبل. هَب إنه المحتاج أو المريض ده اتفرج على الإعلان وحط نفسك مكانه، بديهي هيكون إحساسه بالقهر غالب على مشكلته الأساسية كمان.

لاحظت في الفترة الأخيرة تغير في الموضوع ده نوعًا ما، خاصة في إعلانات مستشفى سرطان الأطفال، بقت تركز على زيارات المشاهير لها أو المؤسسات الحكومية دعمًا لها وخلافه، في إطار مبهج وجميل. ودي حاجة حلوة.
لكن اللي أثار استغرابي لما عملوا إعلان مستغلين فيه شخصية أبلة فاهيتا، وإنها بتجري جوار مع أحد الأطفال المرضى، على اعتبار إن لها شعبية ودي حاجة ممكن تحفز الناس تتبرع.

عندي ثلاث مشكلات:

- شخصية أبلة فاهيتا، للأسف، مشهورة بالبذاءة والقبح في الألفاظ، وتناول الموضوعات الخادشة لحياء أصحاب الفطرة السليمة، فلا يليق إني أجيبها تدعو الناس للتبرع وعمل الخير والتصدُق لمستشفى سرطان الأطفال. 

- اعتبار أبلة فاهيتا عروسة فقريبة للأطفال مثلًا اعتبار مش في محله، لأنها مش كده. 

- بكده، مستشفى سرطان الأطفال بتخلي المجتمع يستسيغ - أكثر ماهو مستسيغ - وجود برامج زي أبلة فاهيتا وخلافه وبتخلينا نألف التعامل مع القبح والبذاءة. فيترسخ في ذهنك إنه واللهِ الشخصية دي اللي هي قايمة على قلة الأدب بتعمل خير أهو، وده أتوماتيك بيطبع في أذهان الناس، وشايفه تعامل إعلامي مُضر للمجتمع.

علشان كده لما بنقول إن الإعلام مسئولية كبيرة ده مش من فراغ، لأن الكلمة فيه بتفرق، اختيار الشخصيات في العمل الإعلامي بيفرق، طريقة الكلام والأسلوب بيفرق، كل حاجة بتفرق وبتؤثر تأثير شديد جدًا على وعينا وعلى أخلاقنا وأخلاق عيالنا.
ليه بقول الكلام ده هنا؟

عشان المفروض الناس تبقى بتفرق بين الصح والغلط، وإنه علينا نحذر من إنه تختلط علينا الأمور، فتصبح الحاجات اللي كانت جريمة ومصيبة كبيرة من كام سنة، شئ طبيعي جدًا ومستساغ في بيوتنا دلوقتي.

الأربعاء، فبراير 03، 2016

كلامٌ في الحضارة الشرقية والغربية

أولًا، أود أن أنوه أن العنوان لا يُعنى به أن المقال أكاديمي أو أن الكاتب دارس في الحضارات أو يمُت أليها بصلة، وإنما ما سيتم سرده هاهنا لا يتعدى كونه أفكار أردت أن أشاركها مع من يقرأها.

ثانيًا، الحضارة الغربية هنا تعني الحضارة القائمة الآن، بحلوها ومرها، بتقدمها التكنولوجي والاجتماعي وانتكاسها المادي.

أحيانًا يلجأ بعض أبناء جلدتنا من العرب إلى تشويه صورة الحضارة الغربية الحالية، وذكر كل ما هو مستنكر فيها، حتى يجلّي لنا حقيقتها، فكأنه يرفع الغشاوة عننا نحن المخدوعين فيها قوتها وتقدمها. غير أنه - في الغالب - لا يدري أنه بذلك يضرب مصداقيته ضربة قاتلة، فلا هو نجح في تشويه الصورة ولا جمَّل وضع العرب الحالي، بل زاده بؤسًا إلى بؤسِه.

الحقيقة أن الحضارة الغربية المادية أفادت البشرية - بمن فيهم العرب - كثيرًا، لا يحق لأحدٍ أن ينكر ذلك إلا إذا كان منعزلًا في جزيرة نائية فلم يتعرض لمظاهر هذه الإسهامات.

لا يمكن تسويغ أي قناعة تقول أن الحضارة الغربية كلها بؤس وشقاء في ظل انغماسنا الكامل فيها وتمتعنا بكل إنتاجاتها حتى تاريخه. فلا يعقل أن يستنكر أحدٌ ما أنتجته لنا الحضارة الغربية باستخدامه، ولأوضح ما أقصد، سأضرب لك مثالًا:

هذا العربي يمسك حاسوبه المصنوع من قبل شركة أمريكية من خلال مصنعها بالصين، يفتح ليستخدم نظام تشغيله المُصَمَّم في أمريكا والذي لم يعرفه من قبل أن ينشأ هناك، فيفتح ليلجَ بفيسبوك الأمريكي فيكتب ويقول: تعسًا للحضارة الغربية! ويدعو لمقاطعة منتجاتها!

أي عقل يمكنه استيعاب هذا؟!

عليك أخي الكريم، إن قررت أن تقطاع ما تنتجه الحضارة الغربية دعمًا لمنتجك العربي ألا تستخدم أيًا من وسائل الإعلام التي فتحتها لك هذه الحضارة. فإن فعلت فأنت شخصٌ غير متسق مع نفسك تمام الاتساق، وهنا عليك بأحد أمريْن:

إما أن تسكت عن هذا الأمر، حتى تتمكن من منافسة مثل هذه المنتوجات، فتقوم قومة الأسد هذه، أو أن تستخدم هذه الوسائل - التي سمحت لك بها الحضارة الغربية - كي تشجع منتوجاتنا العربية. 

أما أن تهاجمها بها.. فهذا كذبٌ على النفس وخداعٌ لها.

الحضارة الغربية ساهمت في إعادة هيكلة نظم المعلومات في العالم، ولم يضاهيها حتى تاريخه أي بديل عربي للأسف، الحضارة الغربية هي من أطلقت الثورة الصناعية وعليها صار ما نحن فيه الآن، الحضارة الغربية شكلت الوعي الإعلامي لك ولغيرك من العرب وسيطرت بكامل قوتها على عقول العالم، ونحن نكتفي بمقعد المتفرج والناقد الساذج أحيانًا.

وهنا يحضر الذهن تنبيه هام: وهو أن الحضارة الغربية قامت بمثل ما قامت معتمدة على قيم اجتماعية معينة ارتضت بها لنفسها، هذه القيم فيها ما هو مستنكر وما هو غير مستنكر. فضلًا عن ارتباطها - إجمالًا - بالمادة لا غيرها، فمثلًا: استعباد الناس المخير ظاهرًا المسير باطنًا من أجل المال والتربُّح هو من آفات هذه الحضارة، على غير ما كان عليه الأمر في الحضارة الشرقية بحسب ما ندَّعي - ولا يتسع المجال هنا لسرد الفروقات - فلا يعني الاعتراف بواقع تقدم وتطور الحضارة الغربية وإسهاماتها للبشرية أننا نقول أنها مُثلى. بل إن فيها من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية ما فيها، ولكن العيب هنا علينا كعرب أن نغطي على فشلنا الإنساني والثقافي والحضاري بهجومنا الغير مبرر والإدعاء الباطل على الحضارة الغربية. وفي رأيي، من العيب أيضًا أن يفخر العرب حتى تاريخه بحضارته القديمة - والتي كان لها فضل ويد على البشرية أيضًا في وقتها - ويكتفي بذلك مخدرًا بذلك ضميره وراضيًا بحاله البائس. فالطبري والخوارزمي وابن سينا والحسن وابن فرناس ساهموا بعقولهم وأفادوا الإنسانية في الماضي، أما الآن فنحن نستهلك ما يصنعه لنا الغرب ونتبجَّح متأففين من ماديتهم القذرة بينما نحن غارقين فيها راضين بما قسمه لنا الغرب من كسرة خبز تعيِّشنا فقط لنستهلك ما يصنعه لنا.

انتهت فعالية الكلام، وعلينا أن نقف مع أنفسنا وقفة حقيقة لنرى ما المطلوب منا في هذا الزمان وما علينا فعله، دون جعجعة شعارات فارغة وتعلق بماضٍ انتهى منذ قرون.