الأحد، يونيو 17، 2012

إلى كارهي الثورة..



- قام بالثورة قلة مندسّة كانوا يرون في مصر أعظم بلاد الدنيا ولكن دنّسها الفساد والاستبداد..
- اعتقد هؤلاء اعتقادًا يقينًا أن الشعب المصري كله اتخنق من الفساد والمحسوبية وإهدار الكرامة..
- ظنّ هؤلاء ظنًّا يقينًا أن الموت في سبيل انقشاع هذه الغُمّة سيبلّغهم الشهادة، فرأوا إما أن يحيَوْا كرامًا أو يستشهدوا في سبيل الله كرامًا..
- ما اعتقد هؤلاء أن موتَهم سيكون سُدى..
- ما تخيّل أحدُهُم أن موته سيستهزئ به البعض..
- ظنّوا أن قلة كانت منتفعة من نظام مبارك، ولكن السّواد الأعظم من الناس يرون في نظامه عفنًا جثم على صدر هذه البلاد عقود حتى أفقدها صلاحيّتها..
- اعتقد هؤلاء أن مصر رائدة، وأنه إذا كان هذا النظام المباركي دنّس ريادتها ونسب للدولة المصرية العِمالة والخيانة للقوى الكُبرى، وإذا كان هذا النظام باع أهلَنا في مختلف بقاع الأرض من غزة إلى السودان إلى الصومال، فإن هذا ينتسب للنظام والمنتفعين منه فقط، ولا يمكن أن يوافق الشعب المصري كله على ذلك!
- لم يكن يتصور هؤلاء بأي سبيل أنه سيسعى أقوام ممن لم يكونوا على انتفاع رسمي بالنظام السابق إلى إعادة إنتاجه.
- بل في ظنّي أنهم سيُصدموا إذا ما علموا أن قطاع كبير ممّن أوذوا في العهد السابق شرّ إيذاء، هم أنفُسُهم، أن يسعوا لإعادة إنتاج النظام السابق!

* * *

تخيّل أن مثل هذه الآمال التي قامت عليها الثورة وخلعت من أجلها حُسني مبارك، بعد أن ظنّ الجمع أن مصر من شأنها أن تصبح دولة محترمة بين الأمم، يصبح المستفيد الأكبر من هذه الثورة.. هو الحُكم العسكري.

ونقول الحُكم العسكري وليس الجيش، لأنه من الآمال البريئة التي قامت من أجلها الثورة أن يصبح لدينا أقوى جيوش المنطقة، من ذا الذي يكره أن يرى جيوش بلاده عظيمة قوية لا تخشى إلا ربّها.. وتتطلّع إلى النّزال إذا ما دُقّت طبولُ الحرب!

لما قامت الثورة، لم تقُم من أجل خلع رأس نظام أفسد بينما يبقى نظام الحكم كما هو.. المشكلة الحقيقية لم تكن في مبارك بقدر ما كانت في الحكم العسكري.. الحُكم العسكري هو أساس كل الشرور التي مرّت بها مصر..

مصر تعيش حُكمًا عسكريًا طوال ستين عامًا، ومن قبلها عاشت نظامًا ملكيًا لم تكن إرادتها الكاملة في يدها أيضا، في الثورة الماضية - أحداث 25 يناير - لم يكن الهدف خلع مبارك ليحل محله حاكمًا عسكريًا جديدًا.. يأتمر بما يأمره به العسكر وينتهي بما ينهاه به.. كان الهدف، إذا ما تأمّلت هذه الجموع الحاشدة التي خرجت في ميادين مصر كلها.. دولة جديدة.. جمهورية ثانية..

لم يتصوّر أي من هؤلاء الذين خرجوا أن يكون نتاج هذه الثورة استكمال استبداد الحكم العسكري وتملّكه من زمام أمور البلاد، إن ما نعيشه الآن لا يمكن تفسيره إلا أنه انقلابًا عسكريًا جديدًا يضاف لانقلاب 23 يوليو..

أستغرب استهوان الناس بانقلاب 14 يونيو، الأمر لا علاقة له بحكم الدستورية الذي كان في أدراج المحكمة من شهور - والذي علق عليه الإخوان المسلمون في إحدى بياناتهم ولكن اكتفوا وقتئذ بإعلان الضجر والصخب، كان هذا البيان الإخواني ضمن سلسلة بيانات الإخوان التي كانت تخرج علينا وهم بمعزل عن الشارع - ، الأمر لا علاقة له بالقانون.. هو انقلاب على السلطة التشريعية يمكن تسميته انقلابًا خشنًا بعدما حاوطت الآليّات الأمنية العسكرية مبنى البرلمان..

في البداية، استهلّ الجيش المصري ثورة الشعب على طبق من ذهب ليذهب عنه هاجس التوريث، أزاحت الثورة ماء الوجه الذي كان يتصبّب من طنطاوي وعنان خوفًا من المستقبل من كان سيحكم مصر، وهل سيأتي اليوم الذي يقدّمان فيه التحية العسكرية لجيمي، جاءت الثورة لينحاز الجيش المصري وقتها للشعب المصري لا لشئ إلا أنه وجد نفسه في خيار إما ذليل مبارك الضعيف الذي سينتهي آجلًا أو عاجلًا وإما أن يستحوذ هو على الأمر برمّته.. فمن غير تفكير الخيار الثاني كان "الخيار المختار".. كما أن هذا الخيار ولا شك يتماشى مع رغبة أمريكا التي تعلم ضعف مبارك وقلة حيلته خاصّة في آخر عقد له في الحُكم..

ثم يعد بأن خيار الدولة المدنية لا رجعة عنه، وأن الديمقراطية ستكون سمة الحكم، وأن الجيش ليس بديلًا عن الشرعية التي اختارها الشعب.. ولكن مع مرور الأيام..

- يُحلّ مجلس الشعب الذي اختاره الناس بملء إرادتهم في أول انتخابات تشريعية نزيهة يعرفها المصريون.
- يُقضى على محاولات تأسيس الهيئة التأسيسية لوضع دستور البلاد على أيدي من اختارهم الشعب لينفرد بها هو.. تخيل أن دستور مصر الجديد سيضعه مئة فرد يختارهم "المجلس العسكري" الذي عادت له السلطة التشريعية..
- يُخلف وعده بتسليم السلطة كاملة في 30 يونيو، فالرئيس القادم لا برلمان له.. رأس السلطة التنفيذية ستُسلّم فقط، أما التشريعية ففي يد العسكري، والقضائية كذلك كما هو واضح في يد المجلس العسكري.
- تكتشف أنك على مدار عام ونصف كنت في مسرحية هزلية، كره الناس فيها الثورة والثوار واللي ثاروا، وأصبح همّ العامّة من الناس استعادة الأمن والأمان، حتى لو كان السبيل إلى ذلك انتخاب من سلبهما إيّاهم.. لأنه هو الذي خطفهما منهم..

* * *

إن دولًة بحجم مصر وأهميتها، لا يمكن أن يُترك قرارُها بيدها وحدها إلا إذا بُذل الغالي والنفيس، ولن يكون ذلك على مدار عام أو عامين.. الأمر يحتاج جهاد وكفاح عظيم.. الثورة على الفساد وحدها لا تكفي.. لدينا تحدّيات عظيمة مع الشعب نفسه.. هذا الشعب الذي وصل لمرحلة يعتبر فيها نفسه أقل من أن يعيش حياة كريمة..

هناك 3 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. اعجبتني المدونة كثيرا ولكن هناك بعض التعليقات الصغيرة منها السياسي ومنها الديني ولعلها اختلافات في اوجه النظر فقط لا غير

    اولا ان الثورة فى بدايتها شئ عظيم لا جدال في ذلك وهدفها كان نبيل ولكنها سلكت سلوكا خاطئا في مسار انتقال السلطه وكيفيتها فمنذ تلك اللحظه وفشلت الثورة تماما ولم تحقق اهدافها بل ادت الى خراب من حرق اقسام الشرطه الى تهريب المساجين واقتحام السجون وقتل ضباط وقتل مواطنين ابرياء وتهريب مساجين سياسيين من عناصر حماس وحزب الله وتهريبهم فى خلال 24 ساعه الى مواطنهم فيجب ان نعلم ونتأكد ان هذا مخطط له وليس بمحض الصدفه والذي خطط ودبر هو من المستفيدين الذين انتهزوا صحوة الشباب ليستغلوا ثوره مجيده وعمل عظيم ويحولوة الى صفقه لينالهم قدر من تحقيق مصالح ومطامع متعلقين بها منذ زمن طويل ومن المعروف طبعا من هم من ركبوا الموجه واجتثوا نجاح الثوره واستفادوا منه على اكمل وجه وفي النهايه زال القناع عنهم ووقعوا في شر اعمالهم بسبب طمعهم ولن نتطرق الى فساد تلك العناصر منذ نشأتها

    النقطه الثانيه رأس النظام وافراد النظام لا يمثلون وحدهم النظام انما اطار الدوله والخطه الموضوعه لمنظومة الدوله ككل هي الفساد اذا نقول ان الفساد ليس قائما على افراد ومؤسسات بل على خطط موضوعة واطار علاقات خارجيه واسلوب تناول الامور الداخليه ما الى ذلك فاا استطعنا تعديل الخطط الى ما هو صواب والتزم به نفس الافراد ما كان النظام فاسدا والمقصود من تلك الجمله ليس كل من عمل عملا سياسيا او شارك في الحياه الاقتصاديه او او ..... يكون متهما بالجرم والفساد والا سنسقط من حسباننا جيلين من الاجيال تعايشوا فى تلك الفتره

    ثالثا نقطه هامة تم اثارتها من قبل سيادتكم صحيح ان الجيش او بالأحرى المجلس العسكري ضد مبدأ التوريث ولذلك من الممكن ان نعتبر ذلك من اهم اسباب دعم المجلس للثورة ولكن تعليقى بشأن اننا محكومون من المجلس العسكري منذ انقلاب 1952 لأن من كان يحكم هم روؤساء ولهم قدرهم واضافتهم ولهم اخطائهم فلا يجوز القول ان حسني مبارك كان المجلس من يحركه ويملي علية أفعاله كذلك السادات وايضا عبد الناصر وبالتالي لا يجب ان نفترض ان المجلس العسكري هو من يروض احمد شفيق مستقبلا لأن الاستناد فالواقع خاطئ

    النقطه الثالثه وهي بداية المبادئ الدينيه
    خطأ ان نقول الشهداء ولكن القول الصحيح نحتسبهم عند الله شهداء لعدة اسباب اولها ان الانقلاب على الحاكم والخرج عليه لا يجوز الا بشروط معينة واذا ما لم تجتمع كل الشروط فلا يجوز الخروج عليه وابرز تلك الشروط ان يمنع الحاكم شعائر الله ان تقام فى ارضه اى على سبيل المثال تغلق الجوامع يمنع قيام الفرائض والصلوات الى اخرة من شعائر الله التى كتبها علينا في ديننا الاسلامي وبالتالي مهما كان ظلم الحاكم وفساده لا يجوز الخروج عليه كما ذكرت وذلك لأن رسوا الله عليه الصلاة والسلام حذرنا من وقوع الفتن واثارتها فى حالة سقوط الحاكم وهذا ما حدث لان في الواقع
    فكيف جرّم الاسلام فعلا ونقول ان فاعله شهيد واستنادا الى ذلك نقول نحتسبهم عند الله شهداء ان شاء الله اذا ما كان واقع الثوره وخروجنا على حاكمنا السابق هو منطبق عليه الشروط اللازمه لذلك
    وايضا من ضمن الشهداء من قتل اما الاقسام الشرطيه وهو يهجم عليها ويحرقها والى ما اخره

    النقطه الرابعه وهو امر هام نحن نتحدث عما الت اليه الامور الان اما رجلا عسكريا او رجل يتمي الى حزب ديني
    ليس معني ان يحكمنا هذا او ذاك ان الدوله اصبحت عسكريه او ان الدوله اصبحت دينيه بل كلاهما يستطيع ان يؤسس دوله مدنيه تقوم على مؤسسات صالحه وسلطه تشريعيه وتنفيذيه قادره على سنّ القوانين وتطبيقها بالشكل الصحيح
    فأنا ضد ان رجل عسكري يؤسس دوله عسكريه وان رجل دين يؤسس دوله دينيه

    شكرا للمدونه الرائعه واذا كنت قد اخطأت فقوّمني

    ردحذف
  3. أولًا أشكر سيادتك على التعليق المحترم، وأسأل الله تعالى أن يُكَثّر من أمثالك..

    - بالنسبة للنقطة الثالثة، وبخصوص أن الرئيس يتحكم فيه المجلس العسكري، كان القصد أن المؤسسة العسكرية هي التي تحكم البلاد، كون هذه المؤسسة تمثّلت في شخص رئيس الجمهورية لقبضته الحديدية أو لكاريزمته.. ما يتضح من وجهة نظري لما هو قادم أن الجيش المصري ينوي إحكام قبضته على كل ما هو آت، لأن البلاد تتجه لرئيس يتغير كل أربع سنوات، فعليه أن يضمن أن هذا الرئيس لن يتدخل في مكانة المؤسسة العسكرية في البلاد مهما حدث، وأن تظل بعض حساسيات البلاد في يد الجيش وحده كإعلان الحرب أو اقتصاد العسكر في البلاد والذي يقدر من 30% إلى 40% من اقتصاد البلاد.. وبالتالي ينوي الجيش أن يحافظ على النظام يحمي كيانه المؤسسي وسيطرته على مقدرات البلاد، على مثال تركيا.. ولكن الفارق أن المؤسسة العسكرية في تركيا لم يكن لها ثقلها الاقتصادي في الحياة المدنية كما هو الحال في مصر، على غير المتوقع، الحال في مصر أعقد بكثير..

    أما بخصوص نقطة المبادئ الدينية، فهؤلاء الشباب لم يخرجوا شاهرين سيوفهم أو سلاحهم على الحاكم - لم يخرجوا على الحاكم بالمعنى المجرّم به في الدين - بل خرجوا لأنهم رأوْا أن هذه البلاد تستحق مكانة أعلى وأسمى مما هي عليه، وتستحق حُكمًا أكرم من حكم آل مبارك.. فكانت الأمور كما تعلم تتجه نحو التوريث وحياة ذليلة لا يطيقها من كان في قلبه مثقال ذرة من كرامة.. وبالتالي لا ينطبق على هؤلاء حُكم أنهم خرجوا على الحاكم.. وإن كنت أتفق مع سيادتك بأن نقول: نحسبهم عند الله شهداء لأننا لا نزكي على الله أحدا، وإنما جاء الوصف في التدونية فنيًا لأن هذه المسألة لم تكن هي المقصودة في حد ذاتها..

    أما بخصوص النقطة الرابعة، فالحقيقة أنه إذا ما جاء شفيق سيساعد العسكر على إحكام القبضة العسكرية على شئون البلاد أو على الأقل سيمنع تمدُّن الدولة بالشكل الذي نتمناه.. أما إذا جاء مرسي رئيسًا، وبفرض كانت له الصلاحيات الكاملة كرئيس للجمهورية، فإنه لم يستطيع تحويل البلاد لدولة دينية أولا لأنه لا ينتمي لهذا الفكر، ثانيًا لأن الدولة بها مؤسسات وجذور، والدولة العميقة لن تستجيب لفكر دولة ثيوقراطية إن وُجد بهذه السهولة..

    أكرر شكري لسيادتكم على هذا التعليق وجزاكم الله خيرا..

    ردحذف