الأحد، مايو 13، 2018

في التحرش: هل يمكن أن نكون صادقين مع أنفسنا؟

كثيرا ما أقرأ تعليقات الكثيرين حول فكرة التحرش والدافع لها، والأمر غالبا ينتهي بأن المتحرش هذا مجرم وأن تحرشه هو نتاج فكرته التي كونها عن المرأة، فالأمر لا علاقة له بملابسها ولا بصفاتها على الإطلاق.

ولا أختلف مع هذا الاستنتاج بالتأكيد، ولكني أود أن أبحث عن جذور المشكلة بشكلٍ أعمق نسبيا، أو على الأقل من وجهة نظري.

لا داعي لسرد معلبات مكانة المرأة في المجتمع ودورها الفاعل في بنائه، وكيف أن الإسلام كرمها ورفع مكانتها كثيرا إلى آخره من الكلام الحق الذي - للأسف - أصبح ماسخا بسبب استخدامه في غير محله، وتصور أن سردَه فقط يحل الإشكالية.. دون النظر للأسباب الحقيقية وراء ذلك. ما الذي جعل الشباب والكبار من مختلف الطبقات الاجتماعية والمادية ومختلف مستويات التعليم أن يقوموا بهذا الفعل المستنكر، بل ويفعلون ذلك في أحيان كثيرة دون الالتفات لنظرة الناس لهم، بل وفي أحيان أخرى يكونون على ثقة تامة أن الأمر لا يمثل للمجتمع حولهم خرقا للعادات أو خروجا عن الآداب العامة، بداعي أنهن عليهن تحمل عاقبة لبسهن الملابس الضيقة وسط هذا المجتمع الشرقي المحافظ!

على مدار سنين طويلة، استغل أصحاب المصالح من غير ذوي الضمائر الطيبة فكرة الجنس والإثارة للترويج لبضاعتهم، سواء كانت هذه البضاعة عبارة عن منتجات أو أفكار أو ثقافات يريدون نشرها على أوسع نطاق. وفتنة الجنس المُتمثلة في المرأة بالنسبة للرجال فتنة عظيمة، ومؤثرة للغاية ومن ينكر ذلك عليه أن يراجع نفسه بحق. لقد تدمرت عروش وممالك بسببها، وقتل الناس بعضهم بعضا بسببها، ومن يستغرق فيها يفقد عقله حتما.

استغلوا هم هذا الأمر تسويقيا بشكلٍ فج، فصوروا المرأة في مواضِعَ مثيرة ومُلفتة ولصقوها على الألعاب ومختلف المنتجات والأعمال الفنية ليرتبط الأمر ذهنيا لدى الفئات المستهدفة بالمتعة.

وعلمهم بمدى فعالية هذا الأمر، سلعوا المرأة واستخدموها برُخْصٍ لتسويق منتجات لا علاقة بتلك المتعة إطلاقا، كأن يصوروا صورًا لها تسويقا لمدينة سكنية! أو علبة كبريت! واستمرار ظهورها في كل المنتجات الإعلامية من أفلام ومسلسلات وإعلانات ومسرحيات بملابس مُلفتة.. وغيره.

المهم أنه جراء ذلك، انطبعت صورة ذهنية لدى المراهق - الذي سيصبح شابا ومن بعد ذلك كهلا ومن بعد ذلك شيخا - أن المرأة للمتعة وأنها تحب ذلك ولو أبدت غيره إلى آخره من الأفكار المريضة والقذرة التي نرى نتاجها من التصرفات الإجرامية في شارعنا تقريبا كل يوم.

وللأسف الظاهرة منتشرة عالميا، في نظري ان الفارق بيننا دول وبين دول المصاف المتقدم هو في الإجراء المُتبع كعاقبة للمتحرش، ولكن تظل المشكلة الأساسية موجودة وهي دونية النظرة التي ينظرها الشاب المرتكب لمثل هذا الفعل المستنكر للبنت. وعليه، ففي نظري لا حل لهذه المشكلة المتمكنة في جذور ذهن المواطن المريض هذا إلا بتحلي أصحاب الأبواق الإعلامية المنتشرة وأصحاب المصالح ورجال الأعمال بالمسئولية والكف عن استخدام جنس المرأة استخداما رخيصا للفت الأذهان لبضاعتهم. وكما ان الإعداد للبلوى التي نعيش فيها الآن أخذ وقتا طويلا، فإن التخلص منه سيأخذ وقتا طويلا كذلك..

هناك تعليق واحد: