الخميس، أغسطس 13، 2009

الأحكام المطلقة



ما الذي يدفعك للحكم على شخص ما حكما أبديا من حيث الأخلاق أو العمل أو الالتزام الديني أو غير ذلك ؟


يسيطر عليك انطباع ما حول الشخص الذي تراه أول مرة وفي الأغلب هو يدوم إذا ما لم تعاشره وتعيش معه عيشة حقيقية، فإذا ما رأيته في أول مشهد يجمعكما مضحكا مهزّرا لا يلتفت للجدية تماما ولا تراه يتحدث في موضوع هام مطلقا ولا ترى في كلامه أي عقل ولا رزانة، فإنك ستحكم عليه بإنه هلاس مهجاص مسخرة لا رجاء منه في عمل ولا أمل منه كلام عاقل رصين، على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون هذا الرجل في غاية الجدية في الإخلاص في عمله ولكن الموقف الذي رأيته فيه كان يجمعه بأعز أصدقاء لديه فكان في قمة السعادة فما أراد أن يتحدث في أمور العمل أو الأمور جدية فتعمد السخرية على كل شئ يذكر حتى ولو كان في الأصل جاداً، وربما يكون هذا اليوم يعاني من ضغوط نفسية مزمنة سببها العمل أو البيت فخرج عن ذلك بفجاجة وعنف، وتعمد الضحك على كل صغيرة وكبيرة، بل على التفاهات।


بل أحيانا ترى إنسانا لأول مرة، وهو في عمله تجده يلعب ويهذي تاركاً ما عليه من أعمال ومسئوليات، ولكن الحقيقة غير ذلك إذ أنه في تلك اللحظة فقط كان مسترخيا من عناء العمل طوال اليوم كله فطفق يهيّس قليلا ليعود لعمله مجبرا بعد ذلك।


أعرف لي أصدقاء إذا ما رأيتهم في حالات معينة قد تصفهم بالعصبية والجاهلية وقلة الذوق والأدب، وإذا ما رأيتهم في مواقف أخرى تجدهم قمة في الأدب والذوق والأخلاق والحلم। ولا ترى ذلك فيهم نفاقا إذ أنه لم يسلك مسلك الذوق والأخلاق مع من يرجو منه طلبا أو مع من له سلطة أو باع। بل هو حسب الموقف الذي هو فيه। قد تجده مع أصدقاءه منفكا غير متقيد بالقيود الاجتماعية التي تجعله كما القياسي، بل هو مع أصدقاءه أي من هم اخوته وأحيانا أقرب له من اخوته، فلربما خرج عن شعوره هنا، أو عبر عن رأيه بصراحة فجة هنا।


ذلك أنه لا شئ مطلق، كل أمر يخضع للنسبية إلا ما سلم به مما ذكر في الدين، فالله تبارك وتعالى مطلق لا يتغير، أما الانسان فربما يغضب لسبب ما وربما غيره يفرح لنفس السبب فكل منهما قاس الأمر بمنظوره। فالبعض ربما يرى انتصار جيش أ على جيش ب هو العدل لا ريب فيه، وربما آخر يرى أن انتصار جيش ب على جيش أ هو العدل لا ريب فيه، كل منهما قاس الأمر حسب مفهومه هو العدل وحسب رؤيته للموقف। ربما لم يعي نصير جيش أ أن دولة أ هذه هي من انتصرت في حرب لتأخذ أرض لم تكن لها أساسا ولم ير الأمر إلا من زاوية النصر الاستراتيجي الهام ولربما رأي أن العدل كل العدل هو أن تفنى دولة ب أساسا من الوجود لأن وجودها أساسا غير شرعي। وهذا ما لا يراه نصير دولة ب। فكل منهما تحركه المبادئ التي تربى ونشأ عليها فأيهما أقوم وأصلح فهو الحق।


فلا تتخذنّ موقفا سلبيا من شخص ما لأنك رأيته في موقف على غير ما يرضيك ولا يرضي القيم التي نشأت عليها، فلعله أفضل منك عند الله وأقوم، وما كان ما رأيته عليه إلا زلة، أو من المحتمل أن تكون أنت الجاهل ولم تفهم ما حدث ولم تع ما كان يقصده من فعله ذلك.

هناك تعليق واحد:

  1. سلم لسانك يا صديقى .. ليتنا نتعلم ذلك المبدأ المهم

    ردحذف