الأحد، يناير 17، 2010

غزّاوي


ولدت في غزة، وهي قلبي ووجداني.. لم أخرج من غزة طوال حياتي ولا حتى حاولت الخروج منها وقت الحصار.. فهمّي كله أن أبقى فيها وألا يستحوذ عليها الكيان الصهيوني مرة أخرى.. ولكم فرحت لمّا خرج الاحتلال منها منكسرا بعدما رأى الويل من صواريخ المقاومة ومن أسر الجنود والفوز في المعارك على الأرض.. فخرج منها لينأى بنفسه عن المهالك.. ولا يقترب منها إلا محصّناً في دبّابة أو طائراً في الجوّ.

ولكم فرحت بخطّة فكّ الارتباط الصهيوني.. فأنا لا أقبل ماء ولا طعاماً يقدّم إليّ بأيد صهيونية خبيثة.. تقدّم لنا الوقود بيد وتقتل أطفالنا ونساءنا وشيوخنا باليد الأخرى.. وقلت ولاءنا لبني ديننا.. لأخوتنا.. أكيد أموال العرب الكثيرة ستخرجنا مما نحن فيه من فقر ومرض وهمّ.. حتماً سنكون في عزة ولا نذلّ أبداً.. لم يخلق من يستطيع أن يركّعنا نحن أهل فلسطين، قوم غزة والضّفة.. وأهلنا بالأمّة كلها معنا..

ألم تروا الشعوب المسلمة في أقاصي الأرض ومغاربها تتظاهر من أجلنا.. تودّ لو فتحت الحدود بيننا وبينهم.. فجاءوا ليقاتلوا معنا عدوّنا وعدوّهم.. نعم.. المسألة ليست مسألة أرض لدولة محتلة.. فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم.. إنها قضية تهمّ العرب كلهم.. بل تهمّ المسلمين كلهم.. من الهند والصين إلى أقصى المغرب.. كل مسلم حيّ يرزق في هذا العالم يجب أن يشتاق للقدس وللأقصى، وأن يحلم بالتحرير وأن يتمنى أن يشارك في مثل هذا الحدث الجلل الذي سيحدث آجلاً أو عاجلاً بإذن الله.

حينما بدأت الانتخابات التشريعية، لنختار برلماناً فلسطينياً يعبر عن الكيان الوطني الفلسطيني.. صمّمت على المشاركة في هذه الانتخابات لأضع حدّاً للمهازل التي كانت تحدث.. وللفساد الذي عانينا منه طوال السنوات الماضية.. ولنكون رأياً فلسطينياً موحداً همّه الوحدة والكيان الفلسطيني والتحرير والأقصى وكل المقدّرات الفلسطينية.. وانتظرنا دعماً عربياً للانتخابات التي أشهد أنها كانت نزيهة وأنني فيها لم أتعرّض لضغط أو حتى تحريض لكتلة ضدّ أخرى.. والعالم كله شهد بنزاهة هذه الانتخابات حتى من لم ترقه نتائجها بعد ذلك.

ولمّا سئمت ممن كانوا يمثلون السلطة الفلسطينية في هذا الوقت، رأيت أن أتنخب كياناً جديداً الكل مجمعٌ على وطنيّته وجهاده وحبّه للبلد والعمل على ذلك.. فاقترعت لحماس لأملي في تغيير جذري لمنظمة التحرير الفلسطينية جامعة الفصائل، ولظنّي أنّ أكابر فتح ومصلحوها لن يضيرهم أن يكون القائد حماس إذا كان ذلك في مصلحة فلسطين.

فانتخبت حماساً، وكانت الأغلبية لحماس.. وحقّ لهم تكوين الحكومة وكوّنوها بالفعل..

ولكن لم تبارك القوى العظمى هذه الحكومة على الرغم من اعترافهم بأن الانتخابات كانت نزيهة.. عموا عن الحق رغم أنه كان واضحاً جليّاً.. زطبعاً لم يرق للكيان الصهيوني أن يجبر على التفاوض مع ملقّنه العذاب حماس.. فقرر الجميع مقاطعة الحكومة الفلسطينية الشرعية والتي انتخبها الشعب الفلسطيني في نزاهة كاملة.

وما أصابني بالاكتئاب هو موالاة شريك الحكم فتح في هذا الجرم، فلم يعترف أبو مازن بالحكومة وضيّق عليها الخناق.. وتمنى لو تأتي الفرصة ليقيلها.. لم يصطحب أي ممثل للحكومة معه في أي زيارة رسمية أبداً.. لا لبلد عربي ولا لغيره.. وحوصرت الحكومة..

وفي الوقت نفسه وضعت حماس في موقف بائس حرج.. فهي الآن صاحبة الحكومة وعليها التعامل مع الآخرين.. مع من يكرهونها ومع من يحبّونها ومع من يداهنونها.. وعليها توضيح موقفها من وجود الكيان الصهيوني.. ما الردَ ؟؟.. هل لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين أصل أم لا ؟؟ قل الآن.

في البداية كان موقف حماس واحداً.. ورافضاً لوجود إسرائيل أساساً.. ثم اندهشت وتعجّبت لمّا صدر التصريح من حماس بقبولها انسحاب إسرائيل لحدود 67 وتكون القدس عاصمة لفلسطين.. لا تحسبوا هذا أمراً هيّناً.. فهذا تغيير كامل في أيديولوجيّة حماس الرافضة للوجود الصهيوني مطلقاً.. والتي تعتبر - كما نعتبر - وجوده غير شرعيّ ولا أصل له وأنه لن تستقيم الأمور إلا لو فنيت دولة إسرائيل.

ليعود الأخ هنيّة فيبرر ويقول أن هذا كان لإظهار اللين السياسي في إطار المقدّرات الفلسطينية التي لا تفريط فيها وهي حقّ العودة والقدس وغيره..

ثم أني لاحظت أن العمليات العسكرية على الكيان الصهيوني قلت تماماً بل حدّ منها بشدّة.. صحيحٌ أن الجدار سبب رئيسي في ذلك.. ولكن كم من مصاعب كانت تواجه المقاومة من قبل ويتغلّب عليها.. ليس حماس فقط.. بل بقية الفصائل الفلسطينية كذلك..

هل غرّت حماس بالحكومة.. فلما اشتغلت بالسياسة رأت أن العمليات الآن تضرّ ولا تنفع..

آخر عملية استشهادية أتذكرها تلك التي نفذت انتقاماً لاستشهاد الشيخ ياسين - رحمه الله - ولا أتذكر بعدها حدثاً جللاً ارتعدت له فرائص الصهاينة.. إلا الصواريخ التي تضربها حماس على استحياء.. ثم ما تلبث أن تكفّ منها..

ثم حدثت فاجعة الاقتتال الداخلي.. والتي لن أخوض فيها غير أن حماس أرادت أن تأخذ حقها بيدها عنوة في غزة، وفتح تكبرت وعندت فاستولت على الضفة.. والاتهامات بين الطرفين بالخيانة والولاء لغير فلسطين.. والخروج على الحكم والأخوة والإسلام.. والشعب تحت أرجلهم يئنّ..

قفل على حماس بغزة بسور من حديد، وحوصر معها شعب فلسطينيّ أبيّ عظيم.. وتخلّى العرب كلهم عنّا ولم يحاول أيّ منهم فكّ الحصار أو كسره غير بالتصريحات والكلام الفارغ..

أجعص العرب تاريخاً أو مكانةً أو مالاً أو عتاداً أو فماً لم يحرّك ساكناً حيالنا.. أهؤلاء العرب الذين كنت آمل أن يساندونا في اختيارنا.. أهؤلاء العرب الذين ظننت أنه بفكّ الارتباط عن الكيان الصهيوني سيكونون ظهراً لنا.. نحن رأس الحربة يا ناس ؟؟.. لا نطلب منكم قتالاً من أجلنا.. بل في الوضع الحالي لا نطلب منكم مالاً حتى ولكن لا نشاركوا العالم في تجويعنا.. نحن لا نجد قوت يومنا، وأهلي منهم المريض والشيخ الكبير والرجل الهرم الذين بحاجة للدواء.. أطفالي لا يتلقّون أي تعليم ولا أضمن لهم مستقبلاً.. الله تبارك وتعالى هو الضامن.

إذا كانت هذه خطّة منظّمة لقتل شعب غزة فبعينكم لن تقتلوا غزة..

إذا كانت هذه الخيانة خطّة منظّمة لتركيع أهل عزة.. فلا نوّلكم الله مناكم..

إذا كانت هذا الخيانة العربية لأن العرب مغلوبون على أمرهم.. فهدانا وهداهم الله.. لعل الله يردّ لهم عزّتهم التي فقدوها لمّا تركوا الدّين..

أما إذا كانت هذه الخيانة مدبّرة وكان هذا كيد بعض العرب فينا لينالوا من أمريكا الذهب والجاه.. فعلى الباغي تدور الدّوائر.. ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق