الأربعاء، نوفمبر 23، 2016

هل ترغبونهن في الحجاب حقا؟

انطلاقا من أننا ديننا دين إيجابيّ، فكل منا يجب أن يكون حريصًا على أخيه المسلم أن يكون على الطريق المستقيم السويّ. أملًا أن يعمنا الله سبحانه وتعالى جميعًا برحمته. ويجب أن يكون الدافع الأساسي وراء دعوة بعضنا البعض للخير هو التطبيق العملي لقول الله سبحانه وتعالى:

والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

وبالتالي، يجب علينا الحرص حين يدعو أحدنا الآخر، ألا يدخل في قلبه مثقال ذرة من كبر أو عجب أو سلطوية. فلا يظن نفسه مثلا أفضل من ذاك الذي يدعوه، لا لشئ إلا أن الله قدر أن جعله يسبقه بالنصيحة. فإن كان الأمر كذلك، سينعكس ذلك حتمًا على أسلوب الدعوة التي ينتهجها هذا الداعي. فيكون رحيمًا بمن يدعوه، معينًا له. لا أن يكون متسلطًا عليه وكأنه قد ملك أمر دنياه وآخرته.

---

من الأمور ذات الطابع الحساس لدينا هنا في مصر، هو دعوة البنات والسيدات لارتداء الحجاب. وهو أمر من الله سبحانه وتعالى صريح لا خلاف على ذلك. ولكن الأسلوب الذي ينتهجه البعض يؤدي - في الحالة الطبيعية - إلى نتائج سلبية تمامًا. إما بتنفير المُوجه إليها الخطاب من الحجاب - وربما من الدين - أو بخروج الأمر عن سياقه الأصلي الذي شرَّعه الله سبحانه وتعالى تمامًا.

الحجاب - أو قل الزي الشرعي (وذلك للرجال والنساء) - هو أمر من الله سبحانه وتعالى كسائر الأمور التي فرضها علينا سبحانه وتعالى. كالصلاة والصيام والزكاة وخلافه. مع اختلاف تفاصيل كل أمر شرعيّ و/أو أولوياتها بحسب ما يقوله الفقهاء. لا يجب أن يتعدى الأمر هذا الإطار. ولا يجب اختراع مبررات لا أصل لها لترغيب النساء فيه.

فمبادرات البعض - مع افتراض حُسن النوايا فيها - بمدح جمال النساء وهن يرتدين الحجاب أمر عجيب وغير معقول! فتقول إحداهن أو أحدهم - ومصيبة أن يقول أحدهم ذلك أفدح - "انظروا إلى وجهها وقد نوَّره الحجاب"، أو تقول هي: "شكلها أحلى بالحجاب". وهل ارتدت هي الحجاب ليكون شكلها أجمل فيه؟ لو كانت تلك هي الحقيقة للزمها التوبة من ذلك وتجديد النية في الأمر. ثم عليكِ يا أخت أن تراعي مشاعر من تظنين نفسك أنكِ تجمِّلي الحجاب في نظرها بمثل هذا الخطاب، فكلامك معناه بشكل مباشر أن البنت ليست جميلة بغير الحجاب، فلتلبس الحجاب لتحسِّن من الأمر قليلا. ما هذا؟ إلى أي مدى صِرنا لا نميِّز بين الكلام الجميل والكلام الجارح؟ لماذا يجوِّد البعض بما لا يعي ولا يفهم؟ خاصةً أنه غير مطلوب منه ذلك على الإطلاق. الأمر أبسط من ذلك بكثير: با بُنيتي: إن الله تعالى أمر بالحجاب فريضة على كل مسلمة بالغة مثلك، فافعلي ما تؤمرين - ويجب أن يسبق ذلك حبا لله وشريعته - لا أن يتعدى الأمر ذلك أبدًا.

المشكلة الحقيقية - في رأيي - أنه قد يكون الدافع وراء الدعوة لارتداء الحجاب اتجاه آخر غير اتجاه رضا الله سبحانه وتعالى والحرص على المسلمين. وقد تختلط النوايا بشدة في هذا الأمر، ولذلك علينا الانتباه. فمن الممكن مثلا أن يكون الدافع:

- تسلُط. فقط لذة فرض الرأي على الآخر. غير معتبر تمامًا أصل الموضوع.
- إحساس بالإنجاز. تريد أن تشعر أنك أنجزت شيئًا ما في حياتك، فتعتبر ارتداء إحداهن للحجاب سمعًا وطاعةً لك هو إنجاز شخصي لك بينما الأمر ليس كذلك تماما.
- تغذية الإحساس بالكبر، أو أنك أفضل منها. فتنصحها. حقيقة الأمر لا يهمك أن ترتدي هي الحجاب أو لا. القصة أن تظل أنت في مرتبة أعلى منها تلقي عليها النصائح والمواعظ. فبدلا من أن يكون ذلك مساعد لك أن يستقيم أمرك أنت الآخر فتنظر لحالك يا مسكين مع الله، يتحول الأمر إلى تغذية الكبر في نفسك. فمع كل موعظة وأخرى تنتشي نفسك بالدخان.

وربما غير ذلك..

وأقول إنه مما يساعد على خلق هذه الشوائب في القلب واختلاط النوايا هو فقر تزكية النفس لدى الإنسان. فلو أن نفسه نقية صادقة مع ذاتها وتعرف أولها ومنتهاها أو تريد ذلك بصدق، لما كان دافع دعوته لغيره إلا حرصه على نفسه وعلى غيره، واتباعا لقول الله تعالى: وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. ومن هنا، فإن ضعف تزكية النفس لدى الإنسان - وهي الهدف الأعظم والأسمى من خلقها - يجعل الإنسان يترك حتى الأخذ بالأسباب في أسلوب الدعوة. فإن مثل هذه الأمور الحساسة تحتاج إلى فطنة وحذر، ودراية بالأمور، وبالخلفية الثقافية لمن تدعوه.

الحجاب شأنه كشأن أي أمر تعبدي آخر، يحتاج إلى قلبِ صافِ نقيّ من أمراض القلوب حتى نحصل على الفائدة الكبرى من الالتزام به. فالصلاة إذا ما كانت تؤدى كحركات جسمانية فقط دون ارتباط حقيقي بين قلب العبد وربه أثنائها، فإنه بذلك يفقد عظيم الفائدة منها. كذلك الحجاب. أرى أنه يكفي للمرء أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى أمر بالعبادة على هيئة ما كي يتم تنفيذها بقلب منيب، ولكن حتما يجب أن يسبق ذلك تعلق بالله الواحد الأحد، وتدريب النفس على ذلك ومجاهدتها مع اليقين أن الله سبحانه وتعالى سيهدي إلى سبيله، فهو القائل: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا..."

والله من وراء القصد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق