الأربعاء، نوفمبر 18، 2009

جاهليّة


أكتب هذه الكلمات قبل ساعات من الحرب الكروية المنتظرة خارج الملعب وفي شتى بلاد العالم وقبل المباراة الرياضية المنتظرة داخل الملعب بين الشقيقين اللدودين مصر والجزائر اللذان طال بهما الأمد في التأهل لكأس العالم.. واحد منذ 1990، والآخر منذ 1986.. وأحدهما سيتأهل لكأس العالم وسيكون الفريق العربي الوحيد فيه إذ فشلت كل الدول العربية في التأهل.


أكتب هذه الكلمات والحقيقة أن شعور القلق الذي بدأ يتسرب إليّ ليس بسبب المباراة - في المقام الأول - ولكن بسبب الأحداث المتوقعة ما بعد المباراة.. إذ أنه لا مفر من فوز أحد الفريقين والتأهل للنهائيات.. وبالتالي - بالمنظر اللي احنا شايفينه ده - لا مفر من أحداث الشغب التي ربما تتبع المباراة.


فبسبب فوز مصر - الذي فرحت له كثيراً وانفعلت كذلك - قامت الاعتداءات في شتى أنحاء الأرض.. وليست على مستوى المشجعين بل على مستوى كل من ينتسب لإحدى الجنسيتين..


فبسبب جلدة منفوخة بالهواء اعتدي على أكثر من 2000 مواطن مصري يعملون بالجزائر في المقاولون العرب وأوراسكوم ومصر للطيران.. وحوصر هؤلاء الموظفين وهددوا بالقتل ورموا بالمولوتوف والكاوتش المحروق.. وأصيب العشرات وكادوا يموتوا لولا فضل الله ثم تدخل الجيش الجزائري بقوات مكافحة الشغل لحماية المصريين بعد تقاعش الشرطة هنالك لذلك.


الحقيقة أن الأمر تجاوز كل الخطوط الحمراء والبنفسجية وقل ما شئت..


والمسئولية تقع في المقام الأول والأخير على الإعلام المصري والجزائري.. فهما السبب في الشحن الفظيع الذي وصل إليه كل مواطن.. وبإقحامهم للأغاني الوطنية في الأمر أدى لتصوير المباراة وكأنها حرب فعلية.. ثم يلومون الناس بعد ذلك لكراهية بعضهم بعضا.. فيرجعون يذكروننا أن هذه رياضة، وإنه ميصحّش كده.. سبحان الله.. مانتوا اللي ولعتوا الدنيا.. وبأسلوب منظم جداً ومستمر..


هل يعقل إني كل مافتح التليفزيون ألاقي أغاني وطنية وتحميس لا يتوقف.. لا يتوقف.. هل فرغت الدنيا تماماً من الموضوعات التي يمكن التكلم عنها غير في الكرة وخصوصاً في هذه المباراة..


التأهل إلى كأس العالم لم يكن ليعوض روح إنسان واحد مات أو قد يموت بسبب هذه السفاهة.. بل إصابة إنسان واحد أو فقدان يد أو رجل منه بسبب هذه التفاهات لهو إثمٌ عظيم..


ضحكتوا علينا الدنيا.. يعني لما الشعب الإسرائيلي يطالب حكومته ببث المباراة عشان يشمتوا فينا وفي الهبل اللي بنعمله في بعض ده يبقى حلال ولا حرام.. والفضائح لم تقتصر بينا وبين بعض بس.. بل اعتدي على المصريين في إيطاليا وفرنسا.. وكسّرت منشآتهم الصناعية كذلك..


جاء في البخاري أن رجلان من الأنصار تشاجرا فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجر يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال دعوى جاهليّة.. فقالوا يا رسول الله كسع رجلاً من المهاجرين رجلاً من الأنصار.. فقال دعوها فإنها منتنة.


فإذا كان التعصب للنسب أو للقوم - المهاجرين والأنصار وهو شرف - هو أمرٌ نهى عنه رسول الله ولو لأمر يمكن الخوض فيه، بل ووصفه بالمنتن فما بالكم إذا كان أصل الخلاف بسبب كرة قدم.. بالية.. أمرها في النهاية كرة..


التأهل لكأس العالم حلم يراود شعوب الفريقين منذ أمد.. والإنسان يتمنى رؤية المنتخب المصري في كأس العالم.. سيكون أمراً جميلاً إذا ما سجدوا لله ورآهم العالم كله كذلك.. لعل هذا يكون سبباً لهداية الناس إلى الله.. ولكن لأن يكون السبيل إلى كأس العالم على جثث الناس، أو بالسب والسخرية والشتيمة فإن هذا حتماً من قبيل الجاهلية التي أتى الإسلام ليقضي عليها..


ربنا يستر على الناس اللي في السودان ولا اللي في الجزائر ولا اللي في مصر..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق