الأربعاء، يونيو 08، 2011

بيقوللك الإسلام اتطبّق ثلاثين سنة بس - كتب أحمد فتح الباب



السلام عليكم..

أنا برنس طحن (برنس: بكسر الباء والراء بمعني الأمير، وليس بضم الباء والنون وتسكين الراء بمعني الفوطة اللي معموله علي شكل روب). كل شوية يهفّ عليا الأنشطة اللي زي الكتابة في عز أوقات الزحمة. مش مهم. المهم ان أنا قررت أدلو بدلوي في السفسطة المجتمعية اللي بتحصل اليومين دول وأقول كلام مجعلص من بتاع السكافة وكده..

أظن أحد أركان الشخصية المصرية هي كلمة (بيقول لك). نفسي أعرف مين اللي بيقول لي؟؟ أنا شايف اني فيه كلام كتير متداول بين المثقفين و بين عامة الشعب محتاج وقفة معاه.. هحاول كل شوية كده أمسكلي حاجة من الحاجات اللي (بيقول لك) عليها وأفكر فيها شوية..

والمرة دي مناقشة لمحتوي مقالة للأديب الكبير علاء الأسواني .. بعنوان (حتي لا نحارب طواحين الهواء).. اللي فيها ادعاء معين بيتناقل كثير بين المثقفين العرب..

بيقول لك:

((الإسلام دين عظيم، بيحمل قيم الحرية والمساواة. لكن للأسف لم يطبق أكثر من ثلاثين عاما. بعد الخلافة الراشدة، الإسلام لم يُطبق في واقع الحياة. الخلافة كانت بالتوريث، والتاريخ الإسلامي عبارة عن تنافس علي السلطة بين خلفاء عمالين يموتوا في بعض عشان يوصلوا للحكم. إذا كان الإسلام لم يطبق إلا في ثلاثين سنة (حياة الرسول + خلافة أبو بكر وعمر) علي أساس إيه جاي تقوللي عايز أطبقه دلوقتي))

دايما أصحاب الدعوي دي.. بيستشهدوا بأمور منها:

  1. الفتنة بعد مقتل سيدنا عثمان. بعد أقل من ثلاثين سنة من وفاة الرسول.. الصحابة حاربوا بعض..
  2. الخلفاء الأمويين والعباسيين (زي هارون الرشيد) كانوا مقضينها شرب خمر و رقص ومسخرة.. أكيد ده مش اللي الإسلام بيطالب بيه
  3. اختيار الخلفاء كان بالتوريث مش بالإنتخاب، وكان بيأصل لحكم الفرد، ومليء بالدموية

وغالبا لما بيتطرح الكلام ده.. الإخوة الإسلاميين بيتعصبوا فيردوا رد شهير: احا هنلتزم بالدين مش بفعل الأشخاص.. ممكن الناس دي تكون طبقت الإسلام والشريعة بشكل خاطئ .. بس احنا-علي رأي الأستاذ غسان مطر- هنعمل الصح و هنطبق الإسلام الصح ( ويفتكر انه كده رمي علي اللي قدامه قنبلة.. فإذا بها تفرقع في وجهه)

يقوم التاني يقول له: يا رااااااااااجل... بقي الصحابة والتابعين والخلفاء كلهم مطبقوش الإسلام الصح.. وانت اللي هتطبقه يا فلحوص.. علي أساس ايه ان شاء الله؟

(وهنا ينتهي الجيم السخيف بانتحار سوبر ماريو وبمقتل الوحش)

صلوا علي النبي..

اللي بيروجوا للمقولة دي بيعتمدوا علي عدد من المغالطات الفكرية والمنهجية... منها علي سبيل المثال:

· بما إن فيه حرب وقعت بين الصحابة، وبما إن فيه معاصي ومخالفات حصلت من الحكام.. إذن فالشريعة الإسلامية لم تطبق..

وده طبعا غير صحيح.. الشريعة الإسلامية تطبق في القوانين وتحكم واقع الحياة منذ النبي عليه الصلاة والسلام وحتي مصر في يومنا هذا.. بس مين قال لك يا شاطر ان الشريعة – أو أي قانون في العالم – يمكن أن يصنع مجتمعا من الملائكة .. يبعد عن كل أنواع الشرور والخطايا..

لو عملنا بنفس المنطق ده يبقي الشريعة لم تطبق حتي في عهد الأنبياء نفسهم.. في عهد سيدنا النبي -عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم- الناس سرقوا و زنوا وشربوا خمر ووقعوا في فتن.. لا يمكن لأي قانون ولا لأي دين أن ينفي الشرور عن البشر، الحكمة الإلهية اقتضت: (كل بني آدم خطّاء) زي ما قال النبي.. الشريعة والقوانين الإسلامية كانت تحكم الحياة الإسلامية وكان الناس لو فسدوا يحاول الشرع الشريف إصلاحهم.. ولو ظلموا يردهم لميزان العدل.. ما علاقة أحداث حصلت بين الصحابة (أحداث بدأت بوقيعة وانتهت بصلح) بكون الشرع لم يعرف طريقه للتطبيق.. ايه العلاقة؟ أيوة.. يعني ايه العلاقة؟

· يا عم روح اقرأ التاريخ.. كل الكتب بتتكلم عن بلاوي كان الخلفاء بيعملوها.. ارجع للمؤرخين الكبار زي: فلوتين، كريمر، شاخت، جوستاف لوبون، وجولد تسيهر

ودي طبعا اشكالية تانية.. اشكالية المصادر اللي بتتنقل منها القصص التاريخية..

تخيل طالب فرنسي بيعمل بحث في جامعة السوربون في باريس عن الثورة الفرنسية.. وراح اعتمد في كل مصادر البحث علي كتب للشيخ صفوت حجازي و الأستاذ راغب السرجاني.. الأستاذ بتاعه بيعمل فيه ايه؟؟

مصادر المستشرقين عن التاريخ الإسلامي مصادر مليئة بالعوار.. كتير من القصص غير محققة تاريخيا انتشرت واشتهرت بحسن نية أو بسوء نية.. وهضرب مثال واحد علي كده (وعندي أمثلة تانية كتييييير)

يقول كتاب التاريخ في أحد الدول العربية وللأسف: (وكان هارون الرشيد في قمة البذخ والإسراف، وقد بلغ من بذخه أنه كان علي تكلفة الطبق الجانبي علي مائدته تصل إلي مائتي دينار)

لو رجعت لمصدر الكتاب في القصة دي هتلاقيها منقولة عن أحد كتب المستشرقين.. لو نقبت عن الحادثة دي في متون التاريخ المعتمدة والمصادر الأصلية هتلاقي القصة كالآتي:

(نزل هارون الرشيد ضيفا علي خاله في مديمة اسمها (الرقة) .. فوجد طباخه قد وضع طبقا فيه قطع من اللحم صغير. فسأله: ما هذا. فقال الطباخ: هذه ألسنة السمك. فقال هارون: كم انفقت عليه. قال: مائتا درهم.

فرفض هارون أن يأكل من المائدة كلها. وقال لطباخه خذ هذا الطبق فأعطه لأي فقير تجده في السوق. ثم أخرج من حر ماله مبلغا فقال خذ هذا أيضا لأني أنا السبب في أنك فعلت هذا البذخ).

شوفوا بذمتكم ازاي القصة الأصلية ترفع الراس وتحسس بالفخر من هذا الخليفة الأعظم هارون الرشيد.. وازاي نقل القصة يحسس بالعار والخزي..

ولو حد عايز أمثلة تانية من دي يبعتلي علي الإيميل وأنا أقول له لحد ما يزهق..

  • · بلاش يا عم.. هجيبلك القصة من (تاريخ الطبري).. هاا.. اعترض بقي وقول ان الطبري كان وحش

ودي اشكالية تانية في المصادر.. والمغالطة ببساطة ان فيه نوعين من كتب التأريخ في التراث العربي.. كتب بتجمع كل الروايات التاريخية من غير تمحيص وتحقيق.. وكتب بتمحص وتحقق الروايات. فكتاب الإمام الطبري مثلا (تاريخ الأمم والملوك) هو نفسه قايل فيه انه اكتفي بجمع الروايات .. وانه بيسهل الطريق علي من سيأتي بعده للقيام بتحقيق القصص دي من حيث الرواة والأحداث..

فلو بعد كده حد قالك: القصة دي موجودة في تاريخ الطبري.. اوعي تتهزّ J

· يا عم انت بتتكلم في ايه.. بص مثلا الدولة العثمانية كان بيحصل فيها ايه وايه وايه (ويقوم راصص لك كمية منتقاه من الحاجات الوحشة)

وده بردك بيستهبل.. ده عامل بالظبط زي –وأنا آسف علي المثال المقرف- اللي جاب كل الروايح الوحشة اللي خرجت من انسان في 60 سنة من عمره.. وقام مخرّجها منه في ساعة واحدة.. تخيلوا الإنسان ده هيبان قذر قد ايه؟؟ مع انها لما خرجت منه علي مدار 60 سنة كان انسان نظيف جدا وكويس..

هم بيعملوا كده بالظبط.. يرص لك كل الحاجات الغلط اللي حصلت في الدولة العثمانية مثلا ورا بعض ورا بعض.. فتفتكر ان العثمانيين دول كانوا شياطين.. لكن لما تعرف ان الدولة العثمانية دي أكبر امبراطورية في التاريخ.. وأنها حكمت نصف العالم لمدة 600 سنة.. تعرف ان الأخطاء دي ممكن تدوب في بحر من الحسنات.. وهكذا

  • · تعالي يا عم أحكيلك قصة الحضارة الإسلامية من أول الخليفة الفلاني لحد الخليفة العلاني..

ودي أكبر مغالطة.. وهي اختزال التاريخ الإسلامي في التاريخ السياسي.. ودي حاجة في منتهي الجهل والخطأ خاصة في حالة التاريخ الإسلامي.. لأن السائد في الحضارة الإسلامية هو انحسار تأثير الدولة واتساع تأثير المجتمع.. يعني ايه الكلام ده؟

يعني الدولة في الحضارة الإسلامية مكنتش بتتحكم غير في حاجات قليلة جدا.. زي الدفاع.. وأغلب أحوال الناس: زي التعليم والصحة و شق القنوات ورصف الطرق والإعلام والولادة والرضاعة وتربية الأولاد والخدمات المدنية.. كانت بتشرف عليها مؤسسات اجتماعية مستقلة اسمها (الأوقاف).. كان المجتمع قوي وهو اللي بيبني نفسه بنفسه. وده كان الوضع قبل فكرة الدولة الحديثة اللي توحشت وبقت بتتحكم في حياة الناس من الإبرة للصاروخ.. بتملا الفراغ اللي حواليهم

أنا أدعي ان الأوقاف أو الطرق الصوفية أثرت في المجتمع عبر التاريخ الإسلامي ألف مرة أكتر من السلطة المركزية.

وعشان كده كانت ابداعات الحضارة الإسلامية في العمارة والفن والعلوم مستمرة بغض النظر عن مين من المماليك سيطر علي القلعة.. لأنه خارج القلعة، الناس هما اللي كانوا مسيطرين ..

أنا عايز أقول ايه:

عايز أقول ان الشريعة والدين الإسلامي هما كانوا العنصر الأساسي لتشكيل هذه المنطقة من العالم طوال ألف وأربعمائة عام.. وحتي يومنا هذا لا تزال الشريعة الإسلامية هي الحاضر الأول في القوانين المصرية.. وان احنا شئنا أم أبينا امتداد للتاريخ ده.. ومصر مسلمين ومسيحيين جزء من الإنتماء ده علي المستوي الحضاري، حتي لو اختلفوا علي المستوي الديني.. وان الدراسة الحرة تثبت ان الحضارة دي مكنتش حضارة ملايكة.. لكن كانت حضارة بشر عظماء.. التاريخ وقف قدامهم مندهش و بيسقّف..

أنا حاولت أختصر علي قد ما أقدر.. وفيه كلام كتير ممكن يتقال..

وهنهي بفزورة: ليه المصريين لما بيستغيثوا أو يقعوا في أزمة بيقولوا (يا خراشي) !

وكل ثورة وانتم طيبين

-------------

كتب المقال: أحمد فتح الباب، الصّورة وضعت بمعرفة واختيار صاحب المدوّنة.

هناك تعليق واحد:

  1. ربنّا يباركلك، حيدرة :)
    و الحمد لله على نعمة الإسلام و العقل :)

    ردحذف