السبت، سبتمبر 15، 2012

ذي يونايتد استيتس أوف أمريكا.. أمريكا.. كااااا..



لم أعِش فترة وُجدت فيها قوة عظمى غير أمريكا، وُلدت - شأني شأن من هم في سني - لأرى الأفلام الأمريكية أقوى الأفلام، والرئيس الأمريكي أقوى رئيس، والكونجرس الأمريكي أقوى برلمان، والجيش الأمريكي أقوى جيش..

ولا أزال أفكر ما الذي جعل أمريكا هي الأقوى دون غيرها..

وأنه إذا وُجد على سطح الكوكب من هو قوي هو الآخر فحتمًا هو على علاقة قوية بأمريكا، حتى لو بنى نفسَه بنفسه وأصبح قويًا، سرعان ما أقام علاقة قوية مع ماذر أمريكا ليضمن استمرار قوته..

هل كان جيل الحاج السيد الوالد أكثر حظًا إذ لحق برهة من الزمن تواجد فيها قطبين للعالم، فانحاز البعض للقطب الشرقي والآخر للقطب الغربي، وأعلن بعضٌ عن عدم انحيازه لا لهذا ولا لذاك، منظر بس كده، ولكن في واقع الأمر كل دويْلة منهم كان لها من أحد القطبين ملجأ وقت الأزمة..

كيف كان إحساسهم وقت الحرب الباردة؟ كيف كانوا يشعرون لما يعلن أي القطبيْن عن إنجاز جديد في عالم الفضاء؟

واحنا قاعدين..

صحيح وقتها الاتحاد السوفيتي كان بيرفّص، وكان الانبهار بأمريكا وبهرجة أمريكا وأفلام أمريكا، إلا أن الاتحاد السوفيتي كان ندًا، وكان هو وقتئذ الكابوس الذي استخدمته أمريكا ببراعة لتخويف مواطنيها والعالم، لتبرر بذلك إفراطها في التسليح والعتاد، إن احتاج الأمر لتبرير..

كنت أنتظر اللحظة التي أرى فيها بزوغ قوة إقليمية أخرى تقول لأمريكا لا، ولو لم تكن على نفس المستوى من القوة العسكرية.. في المدرسة كنت أرى في إيران نموذجًا قويًا للإرادة المستقلة والاكتفاء الذاتي، غير مكترثين بما تمليه أمريكا الأم على صغارها بالمنطقة.. سواء من وُلدوا صغارًا أو من قُزموا مع الوقت نتيجة السياسات التبعية المخزية، وأبطال هذه المشاهد بلا منازع مصر أم الدنيا و المملكة العربية السعودية، ومن ثم بقية العرب..

وحببت أمريكا نفسها للعالم، رغم أن أفعالها لا تمُت للإنسانية بصلة على أرض الواقع، ولكن ماكيناتها الإعلامية لعبتها صح، وصورت للدنيا أن أمريكا هي الدنيا وهي الأمل وهي المستقبل..



لماذا تقع فريسة لنظام مستبد طاغية يعيّشَك في ضنك وفقر، وفي نفس الوقت أمريكا الأم يعيش الجميع فيها حياة مرفهة ترفة، كل ألوانها جميلة زاهية.. يكفي أن تشاهد من خلال التليفزيون الديزني لاند وعرايس والد ديزني وهي تداعب مواطني أمريكا وسائحيها..

أمريكا هي الحلم، فكل شئ فيها جميل..

أما نظم التقشف والاستبداد، تكاد تقتل مواطنيها من الجوع، ثم تدّعي أن تلك كانت الإرادة الشعبية..

الإرادة الشعبية التي صورتها أمريكا للناس تكمن في منتهى الرفاهية والترف، في ماكدونالدز وبيج برجر والبطاطس المقلية الشهية التي تأكلها وأنت متكئ على أريكتِك في البيت تشاهد التليفزيون مشتهيًا كل ما هو تافه فيه.. وإذا ما أردت إبداعًا دخلت السينما فلا تجد أفضل الأفلام إلا أفلامهم.. ولا تجد منقذًا للعالم إلا البطل الأمريكي..



الأمريكان يحبون أبطالهم وهذا حقهم، ولكن شملت القاعدة مواطني العالم الآخرين، فأصبح العالم بأسره يحب البطل الأمريكي.. ليس في الأفلام فقط، وإنما على مستوى السياسة كذلك، باسنثناء بوش الابن، كل الرؤساء الأمريكيين - في الغالب - ستجد لهم شعبية في العالم والعالم العربي من العالم.. شعبية جون كنيدي وكلينتون لم تكن محصورة في أمريكا فقط وإنما انتشرت لتشمل عواصم أخرى بالعالم، وهؤلاء وإن كانت تصريحاتهم أقل استفزازًا لمشاعر العرب إلا أنهم - وباعتبار صدق نواياهم مثلًا - لم يتمكنوا من تغيير فكر النظام الأمريكي القائم على: إن لم تكن معي فأنت ضدي، ولم تتوقف طوابيرهم من العبث بأوطان الناس، ولم تتوقف آلة حربهم من سفك دماء الأبرياء حول العالم..

إلا أننا وما إن سمعنا عن مرشح للرئاسة الأمريكية قد اتسمت تصريحاته بشئ من التسامح إلا ومسكنا فيه بأيدينا وعضضْنا عليه بنواجذْنا وكأننه مخلَّصُنا من الظلم الواقع علينا من بلاده..

وهذا ما حدث ما ترشح باراك حسين أوباما، قلنا يا هلا والله، مرشح أصوله مسلمة، سيقف إلى جانبنا حتمًا، وتناسيْنا أن الرجل لا حيلة له حيال السياسة العامة العريضة التي تسير عليها البلاد..

فإسرائيل تعمل لدى أمريكا بأجرة، لا يمكن التخلي عن خدمات إسرائيل مقابل حفنة من الأوغاد - وهو اللفظ الذي استخدمته وزيرة الخارجية الأمريكية واصفة به من قاموا بالاحتجاجات ضد سفاراتهم بالعالم الإسلامي - سيستهلكون منتجات أمريكا شاؤا أم أبوْا لأنهم لا منتجات لهم.. ولأن أمريكا تعلم كيف تلوي ذراع كل مسترجل فيهم إذا ما لم لزم الأمر..

ولكن إسرائيل تبقي هؤلاء الأوغاد كما هم، وتلوّح لمن ينوي منهم عيْشَ عيشة الرجال لبرهة بيد البطْش، وتتحمّس إسرائيل لذلك لأن ذلك مفتاح وجودها ومربط فرس حلمها القديم..

فأمريكا ستظل أمريكا، والمسألة مسألة مصالح، وبما أن الحاكم هنا هو المصالح وفقط، فمن حق أمريكا الانتهازية أن تفعل ما يحلو لها في هذا العالم البائس كي تظل هي الأولى وفقط! صعد مؤشرها أو هبط، تظل هي الأولى بلا منازع.

ومن آليات استمرار أمريكا على عرش الدول في العالم، أن تتقن كيف تحرك بيادق الشطرنج، ومتى؟

ومن آليات استمرار أمريكا على عرش الدول أن تتقن جيدًا فنون تهييج وإخماد الشعوب..

ومن آليات إعلاء حظوظ أحد مرشحي رئاسة أمريكا ابتداع قصص وأحداث تُشعر الجميع أننا بحاجة لوجوده على سُدة الحكم..

كل هذه الآليات التي "قد" تستخدم لا تنجح أبدًا إلا إذا توافر قطيع يسهل تحريكه بسهولة.. خاصة إذا كان هذا القطيع نقي وسهل، وتم التعامل مع نفس عقليته من قبل..

أمريكا قد تستخدم الجميع، إما على علمهم أو بغير علمهم.. وأحيانًا لما يُستخدم فصيل ما بغير علمه يكون أقوى تأثيرًا لأنه لا يصطنع الحدث هنا ولكنه يدافع عن القضية بكل قوة، فهي قضيته..

من قبل سلّحت الولايات المتحدة الأمريكية مجاهدي أفغانستان بشكل غير مباشر عن طريق مصر التي كانت وقتئذ حليفًا رسميًا للولايات المتحدة بعد أن وُقعت اتفاقية كامب ديفيد..



وجاهد المجاهدون في أفغانستان وعلى رأسهم الشهيد عبد الله عزام الاتحاد السوفيتي مستخدمين في ذلك سلاح أمريكا الذي أتاهم من مصر وغيرها..

وقاتلوا الاحتلال السوفيتي، ودحروه من البلاد.. وكان نصرًا مؤزرًا..

والحقيقة أنهم جاهدوا فعلا، وأسأل الله تعالى أن يكونوا قد أُثيبوا على جهادهم آنذاك ضد المحتل السوفيتي الذي كفّر كثيرًا من المسلمين.. ولكن واقع الأمر أن السلاح كان بدعم ومدد أمريكي..

وبالتالي، لنفس الحدث، تخلص الأفغان من الدب الروسي الذي جثم على صدورهم سنينًا، ونفس الحدث كذلك أن كُسرت شوكة جديدة من شوكات الاتحاد السوفيتي وهذا هو المهم للولايات المتحدة إلى أن تفكك تمامًا في أوائل التسعينيّات.

دارت الأيام، وقُضي على هاجس الكابوس الأحمر، فلزم الأمر أن يتواجد كابوس جديد تتوسع على حسّه أمريكا، لتعود وتسنّ أظافرها من جديد، ولتحتوي المزيد والمزيد من بترول العالم..

نفس المجاهدين الذين مجّدهم من قبل الرئيس الأمريكي ريغان، أصبحوا هم الخطر المحدق بأمريكا والحلم الأمريكي، وذلك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، من بعدها ذهبت أمريكا لتحتل أفغانستان.. وتصفّي طالبان تمامًا..

هم هم نفس المجاهدين بالمناسبة..

والأمر حسب الضرورة، كانت الضرورة من قبل أن تكونوا معنا.. لأنه كان عدونا مشترك، أما الآن.. فقد حان موعد حرق الكارت!

ونفس الأسلوب طُبق مع صدام حسين، دُعّم من قبل أمريكا في حربه مع إيران والتي استمرت ثماني سنوات.. ثمانية سنوات ليكسّر بعضهما البعض، ووصل الأمر لذروته وقت أن اكتشف الجميع أنه كمان كانت أمريكا تدعَّم صدام بكل شئ، كانت تدعِّم إيران كذلك، فيما سُمِّيَ بفضيحة إيران جيت.

دُعم صدام حسين حتى وصل الأمر أن اعتبر صدام مدعومًا بشكل عام من أمريكا، كانت مصلحة أمريكا أن يظل صدام بقوة في وجه إيران بعد الثورة الإسلامية إذ ظهرت وقتئذ وكأنها دولة مواجهة حقيقية أمام أمريكا..

لكن ما إن حُرق كارت صدام، وأصبحت التفاهمات بين أمريكا وإيران على ما يرام، احتلت العراق، وتم تصفية صدام حسين ونظامه، وأُعدم صدام حسين كما الأضحية في أول أيام عيد الأضحى مما وُصف بمنتهى الهمجيّة، وكأنه كانت رأسه ثمنًا لنفط العراق.. انظر حال العراق الآن وقد وقع فريسة بين أمريكا وإيران.. ولا يأتي في مخيّلتك النقية أن إيران كانت بمعزل عن احتلال العراق وتصفية نظامه بهذا الشكل، أو لعلك تظن أنه لا ناقة لإيران ولا جمل في ما يحدث في العراق من تفرق وتشرذم.. استقلال تام لإقليم كردستان، واستبداد جديد للمالكي وشلّته وكأن الأمور تعود لنصابها القديم من استبداد وديكتاتورية ولكن على هوى إيران، وبمباركة أمريكا.

شئ سخيف أنه حينما تقرأ الأحداث، تجد أننا يُلعب بنا كل فترة وأخرى.. وأن أمريكا دومًا لديها: الخطة (ب).

تتعامل مع المستبد الديكتاتور، مع الإسلامي، مع المعارضة.. كلٌ له أسلوب في التعامل، ولا تجد أكثر من يتعامل معها من هؤلاء لديه نفس الدهاء والمكر، وإلا أجهز عليه أصحابه قبل أمريكا نفسها..

هذا للعظة، والتفكُّر..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق