الاثنين، يوليو 06، 2020

في التحرشات والاغتصابات والاعتداءات والأمراض النفسية وقلة التربية وقلة الدين والجهالة الكبرى

من أوليات تناول أي مشكلة - خصوصا لو كانت مشكلة مزمنة - هو أن يكون تناولها محصورًا في سياقها، وألا يتجاوز النقاش المطروح لحلها هذا الإطار. يعني إذا كنا نناقش أزمة تفشي جريمة السرقة في مجتمعٍ ما، فعلينا أن نناقش هذه الأزمة من حيث كونها جريمة فالناس الآن غير آمنين على ممتلكاتهم والخوف يسيطر على مشاعرهم، فهذا عرضٌ واضحٌ يحتاج إلى حل عاجل وناجز يردع الجريمة أولا. ويكون تناول أسباب ودوافع الأزمة في طرحٍ مستقل، غير مرتبطٍ بشكل وثيق بآحاد جرائم السرقة، وفي هذا الطرح يتم تناول الأسباب فنقول مثلا أن السرقة تفشت لازدياد معدل البطالة، وازدادت معدلات البطالة لأن النمو الاقتصادي تباطأ، وهو تباطأ لقلة الاستثمارات وإحجام رجال الأعمال عن ضخ أموالهم في مشروعات في هذا المجتمع وحدث ذلك لانتشار الفساد الإداري وهكذا تستمر السلسلة حتى نصل إلى أصل السبب الرئيس لتفشي السرقة فنعالجه أو نحض على معالجته.

إذًا فالفصل بين التعامل الوقتي مع الحالة وبين الخطة طويلة الأجل لقطع دابرها أمر هام، والخلط بينهما يحيل إلى سوء الفهم قطعًا.

لأننا مجتمعٌ عاطفيّ فإننا لا نتذكر أصول المصايب إلا بوقوع الحوادث. فالدنيا الآن مُثارة على قضية التحرشات الجنسية والاغتصاب لظهور حدث على الساحة لشاب اعتدى على كثير من الشابات وجاءت الفرصة فاعترفن واحدة تلو الأخرى. فالخطأ الكبير من وجهة نظري أننا نترك الحديث الواجب وقت ظهور مثل هذه الحوادث وهو حديث العقاب الناجز على المجرم ورد الاعتبار للضحايا ونلتفت لحديث المُسببات والدوافع وغيره مما يحتاج إلى خطط من المتخصصين وإرادة سياسية فوق ذلك لتنفيذ هذي الخطط على مدى طويل.

لأنك ببساطة إذا ما وضعت نفسك مكان الضحية، لن تفكر سوى في رد الاعتبار والعدالة الناجزة وهو ما يُمليه علينا الشرع، فضلا عن أن تطبيق العدالة الناجزة عمومًا وقوة السلطان في هذا الصدد هو من مخرجات الخطط طويلة الأجل أيضا. فردع المجرم وإرهابه وصده عن التفكير في ارتكاب الجريمة هو من ضمن الحلول المُستدامة لمثل هذي المشاكل المزمنة في المجتمع.

أما الحلول المجتمعية التي تتناول على سبيل المثال لا الحصر:

- تعلُم الناس دينهم.
- التربية النفسية الصحية السليمة للشباب والشابات منذ صغرهم.
- الكف عن تصوير المتحرشين بصورة كوميدية ومُحببة للناس في الأعمال الفنية بالسينما والتليفزيون.
- حجب المواقع الإباحية ومراقبة المصنفات الفنية للتأكد من خلوها من كل ما هو مُثير للشهوات الجنسية.
- ...

فيتم تناولها في مسار آخر ويكون من جانب متخصصين ولا بأس من الحوار المجتمعي إن كان فيه فائدة. أما تناولها وقت ظهور الحوادث فلا يُفهم منه إلا استفزاز لمشاعر الضحايا والمتعاطفين معهم من أسوياء المجتمع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق