الأحد، أغسطس 25، 2013

المُستَخْلَص..

إذا كنا نعرف يقينًا أن الآخرةَ هي "لا نهاية"، فمهما بلغ طول أجلك، فإن الدنيا ستظل نسبةً للآخرة صفر. وبالتالي فمن سوء التقدير - الذي يصل إلى السفه - أن تضيع وقتك في الدنيا لأجل الدنيا التي هي "صفر" وتُهمل الآخر التي هي "لا نهاية".

وبالتالي، من الحكمة أن تكون كل أفعالك في دنياك للآخرة.. لا تضيِّع جُهدًا فيها إلا من أجلِ الآخرة.

يقول رب العزَّة: "والآخرةُ خَيْرٌ وَأَبْقى".

مشكلة الإنسان أنه لا يقدِّر إلا ما يراه أمام عينيْه، ينغمس في الدنيا التي يعيشها ويدركها بحواسِه الخمسة انغماسًا يجعله يُفتَن بها فيظُن - واقعًا - أنها نهاية المآل وأنها هي الغاية في حد ذاتها، وقد يكون هذا الإنسان مؤمنًا بالله وباليوم الآخِر، فإذا ما سألته عن الآخرة ذكر لك أشراطها وأماراتها وأحداثها تفصيلًا كما حفظ من الأحاديث النبوية ولكن واقعه الذي يعيش به ينافي تمامًا أنه يعمل لهذه الآخرة التي هي الغاية.

كان للشيخ الشعراوي - رحمه الله - قولًا في هذا الصدد يقول: "الدُنيا أهم من أن تُهمل، وأتفه من أن تكون غاية"، وهذه عين الحِكمة، فالقول أن نعيش لله (نعيش للآخرة) لا يعني الدَّروشة والانعزال عن الدنيا وإنما على النقيض تمامًا هو يعني الاهتمام بكل تفاصيل الدنيا ودراسة كل ما بها لأنها هي المعبر للآخرة، فإن أبليت فيها بلاءً حسنًا كان مآلك كما وعد رب العزة في جناتِ الخُلد - برحمته - وإن كان بلاؤُكَ فيها بلاءً خاسرًا كان مآلُك النار أعاذنا الله منها وتاب عليها.

يقول ربُ العزة: "فَمَن يَعْمَل مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَه".

يعني، من متطلبات أن تعيش للآخرة، أن تدرس الدنيا بحذافيرها لتعرف كيف تسعى لرضا الله سبحانه وتعالى في كل منحى فيها!

كيف ترضي اللهَ عز وجل فيما أمر من عبادات؟
كيف ترضي الله عز وجل في تعاملاتك مع أهلِك وأصحابِك وعيالِك؟
كيف ترضي الله عز وجل في طلبِك للرزق؟
كيف ترضي الله عز وجل في مالِك؟
كيف ترضي الله عز وجل في جِهادِك؟
كيف ترضي الله عز وجل وأنت تستخدم نِعمَه التي أنعم عليك بها؟

وبالتالي فعلى الجميع - والكلام لي أولًا - أن نعدل البوصلة، أين تتجه بوصلتنا؟

وعلينا أن نعيد تقييم الأمور، فما كان من أعمالنا يُعمل لغير وجهِ الله عز وجل (فقط لسد الطلب الدنيوي) علينا أن نراجع ونجدد النية ليكون لله وحده، والأمر لا يقتصر كما أسلفت على العبادات وفقط، وإنما في كل مناحي الحياة.

ومن ذلك أن تجتهد عظيم الاجتهاد أن يكون اللهَ غايتك، فلا تكون في موضعٍ يكره الله سبحانه وتعالى أن يراك فيه.. ومن ذلك أن تراعي اتخاذك للأخلاء، ومن ذلك أن تدعوَ إلى الله باللين وبالرِفقِ في القول، وأن تنهى عن المُنكَرِ باللينِ والرِفقِ في القول. فإذا كنت في منصبٍ تنفيذيّ يُمكنك من إقامة حق الله فلتراعي الآخرة في كل قراراتِك، ولا تدَّخِرَ جُهدًا كلما حانت لك الفرصة لاستِعدالِ ما جنح عن الحق ولو كره المنافقون وثبَّطك عن ذلك المثبِّطون.

يقول جل وعلا: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"

ذلك لأنهم وضعوا الدنيا وريائها فقط نصب أعينهم،

ويقول الله تعالى: "قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمَماتي للهِ رَبِّ العالمين، لا شَريكَ لَهُ وَبِذلكَ أُمِرْتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسْلِمين"


علينا أن نتدراس السيرة النبوية العَطِرة، وسيرة أصحاب رسولِ الله (صلى الله عليه سلم)، لنرى كيف كانوا يعملون، ولنعيشَ كما كانوا يعيشون، وأن نتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً حسنة كما أمرنا رب العزة في كتابِه: "لَقَدْ كانَ لَكُم في رسولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةً لِمَن كانَ يرجو اللهَ وَاليَوْمَ الآخرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثيرًا".

نريد أن نكون ممن يرجون الله واليوم الآخر، وأن نذكرَ الله كثيرًا. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق