‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر تنفيسية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر تنفيسية. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، فبراير 24، 2020

آخر ما أكتب ليناير

لا يخدعنَّك العنوان، فإنه قد يوحي لك أني طالما كتبت وكتبت عنها وكأني حفيٌ بها أو خُضت غمار ثورتها أو اعتصمت بين ثائريها في ساحات الميادين، ولكن الحقيقة أن نصيبي من المشاركة في تلك الثورة هو الفضول والاندهاش أكثر من العزيمة والقرار.. لم أعرِّض نفسي للخطر فيها إذا ما ظننت أن احتمال الوقوع في الخطر قائم ولو بنسبة ضئيلة. 

غير أن أصحابي كانوا ممن ينزلون الشوارع فمنهم من كان دائم الحضور في المسيرات ومنهم من كان يبيت مع المعتصمين ومنهم من كان يؤمن بها فكان يكتب وهو مغترب وإن سنحت له الفرصة للرجوع للبلاد فيرجع وينزل مع النازلين.

وبعضٌ من أصحابي كانوا غالبا لا ينزلون مثل حالي، وقد تباين السبب في ذلك.

بالنسبة لي، فلما كان الأمر أمر موت. يعني أن من ينزل يعرِّض حياته حتمًا للخطر خصوصًا في أيام الثورةِ الأولى، فقد كنت أتورَّع عن النزول بثقة لأمريْنِ هامَّيْن:

أولا: أني لا أفهم ما يحدث على الحقيقة. وإن كان ظاهر الأمر أن مظلومين انتفضوا ضد ظالمهم. فحبس الناسَ ظُلمًا وقتل منهم من قتل. ولكن السؤال: متى يخرج الناس على حاكمهم؟ وقد كان هذا الحديث وقتها يُقابل بالاستهجان، ويوصَف من يطرح الفكرة للنقاش بالخضوع والجُبْن. وأنا لا أعرف الجبان من الشجاع. فالكل يتكلم ولا ضابط لذلك. والأقرب لقلبي وقتها هو دعم الثورة، ولكن لا رؤية بعد ذلك. ولا وعي حقيقي بأساس المُشكل. كل ما كان يسيطر على العقول هو الخلاص من الموجود بغرض التغيير. يجب أن نرى وجهًا آخر غير حسني مبارك في سُدَّةِ الحكم وقد كان.

وثانيا: أهلي. والذين إن كنت أخاف على نفسي القتل، فإني أخاف عليهم أكثر الحزنَ عليّ. ولا أطيق تصوُّرَ مشهد حزنِهِم عليّ، خاصةً وإن كان الأمر كما ذكرت في "أولًا" ليس قضية جليَّة الوضوح كجهادِ ضد كافرٍ معتدٍ.

فكنت متابعًا للأحداث متابعةً قريبة، مهتمٌ بالتطورات السياسية ومتابعٌ للأحزاب والاتفاقات والتحالفات والمساومات وغيره.. للساسة مُدَّعي دعم الثورة ولرموز الثوار في الميادين الذين ظهروا في الإعلام دون غيرهم للحديث عنها ولبعض عابري السبيل فيها الذين إما لاقوْا نحبهم أو انتظروا أو بدلوا تبديلا.

وقد خُضت مع من خاضوا وأفتيْت في الأمور السياسية، وقد ساعد في ذلك منصة فيسوبك والتي أعطت لمن يعرف ولمن لا يعرف الحق في الخوضِ في السياسة وإعلان آرائه النيِّرة وليتأثر بها من يتأثر، دون دراسة. ربما عانى السياسيون وقتها معاناة علماء الدين لما رأوْا آراء العوام في تحريك جموع الناس أو تثبيطهم، كما عانينا من آراء المشايخ الذين لا يفهمون في أمور السياسة بتاتا إلا أنه كان عليهم الخوض فيها للتأثير على تابعيهم والذين كوَّنوا ثقافتهم ووعيهم منهم لا من غيرهم. فكانت تجارةٌ بالسياسة وتجارةُ بالدين وتجارةُ بالفقر وتجارةُ بالغنى. انكشف معدن الناس فما صمد إلا القليل. فإن للكلام شهوة كانت في ذروتها في تلك الأيام.

 كان آخر علاقتي بالسياسة قبل الثورة انتخابات مجلس الشعب عام 2005 وانتخابات رئاسة الجمهورية والتي ولأول مرة نُفذت طبقا للتعديلات الدستورية التي أقرَّت انتخابات تعددية على منصب رئيس الجمهورية. قبل ذلك، كان ينتخب مجلس الشعب رئيسا للجمهورية ثُم يُستفتى عليه جموع الشعب فإن وافق الشعب كان بها وإلا فلا. وطبعا لم يحدث منذ قيام الجمهورية أن الشعب رفض رئيسا. في انتخابات مجلس الشعب هذه تحديد علا نجم جماعة الإخوان، ولأول مرة نجح 88 عضوا منهم لنيل مقاعد في البرلمان. في سابقة، وفي انتخابات الرئاسة هذه ترشَّح ضد مبارك أيمن نور - وقد كان وقتها فتى المعارضة الذهبيّ الذي تنسَج على ذكراه الآمال - وترشَّح ضده كذلك رئيس حزب الوفد. شاركت وقتها في تلك الانتخابات واستخرجت بطاقة الانتخابات الحمراء وبصمت لأول مرة وقد كنت أدرس في كلية الهندسة وقتها وقد كان شعورًا لطيفا، فلأول مرة أشعر وكأني أشارك في اتخاذ القرار. وقد كان معلومًا وقتها للمُطلعين أن سر اتجاه التعددية في انتخابات الرئاسة فضلا عن نزاهة انتخابات المرحلة الأولى في مجلس الشعب هو ضعط إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش والأستاذة كوندوليزا رايس على الرئاسة المصرية.. وقتها فاز حسني مبارك بنسبة 88% وكان منافسه في المركز الثاني أيمن نور زعيم حزب الغد ثم رئيس حزب الوفد هذا (المفارقة أني لا أذكر سوى أن اسمه كان جمعة، والمفارقة الأكبر أني وقتها انتخبته هو، وذلك لأني تأثرت بحملات التشويه الممنهجة التي طالت أيمن نور فانتخبت أي اسمِ آخر غير مبارك وأيمن نور، انظر كيف كان الوعي وقتها وكيف كان أسلوب اتخاذ القرار.. حاجة تكسف!). ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب عام 2010 والتي تولى إدارتها وحنكتها رجل الأعمال الشاب وصديق جمال مبارك (أو هكذا كانوا يقولون) ورئيس شركات حديد عز وعازف الدرامز بفرقة حسين إمام المهندس أحمد عز الذي علا نجمه بعد أن احتكر توريد حديد التسليح خاصةً بعد ما استحوذ على حديد الدخيلة ثم فصَّل بعدها قانونا لمنع اتهامه بالاحتكار. المهم أن إدارة أحمد عز للانتخابات لم تكن بحكمة وحنكة سلفه الأستاذ كمال الشاذلي المخضرم الذي نال خبرته من إدارة الانتخابات بل وإدارة نقاشات مجلس الشعب بشكل غير رسمي على مدار عقود. كانت تمثل الانتخابات للبعض وكأنها المتنفس الوحيد لشعور الناس بحريتهم في الاختيار حتى لو كانوا يعلمون أنها مسرحية، ولكن ثمة فارق بين مسرحية اجتهِدَ في حبكتها الدرامية وإخراجها وأخرى غرضها عرض النتيجة، والأخيرة هي ما حدث في انتخابات 2010 حيث اكتسح الحزب الوطني لمقاعد المجلس كلها بشكلٍ فجّ مما دلَّ على أن ضغط إدارة أوباما والأستاذة هيلاري كلينتون لم يكن كسلفِه، وكانت الانتخابات بمثابة إعلان حالة الوفاة للسياسة في مصر وكانت أقرب ما يكون لما يجري حاليا فيما يخص إدارة انتخابات مجلس الشعب.. وفي ظني أنها كانت عاملًا كبيرًا من عوامل إشعال شرارة الثورة واتحاد الحركات السياسة وظهور الجبهة الوطنية للتغيير...

كان 25 يناير 2011 يوم ثلاثاء، رجعت للبيت بعد انقضاء يوم عملٍ شاق لأجد رسالة نصية من أحد الأصدقاء تقول: "أوف أح، الشعب عمل الصح". نزلت الجماهير في ذلك اليوم في أعداد كبيرة باغتت أفراد الشرطة بينما لم يتدخل الجيش في أي فض، وعلمنا بسقوط أول شهيدٍ للثورة بمدينة السويس. ثم كانت الدعوات للنزول يوم الجمعة 28 يناير 2011، وقتها تُوُفي والد صديق لي فذهبت لصلاة الجنازة عليه وكانت الخطة أن تكون بعد صلاة الجمعة بمسجد السلام بمدينة نصر. وصلت لصلاة الجمعة بالمسجد وصليت صلوات جنازات ولكني لا أجد صديقي ولا أي من أصدقاء الكلية، وانقطعت الاتصالات وقتها بالكلية فم أدرِ ما أفعل. فلما خرجت من المسجد إذ بتجمهرٍ سريع قد تكوَّن وتعالَت الهتافات وكان الناس ينضمّون إليهم ليزيدَ عددهم، وكان الهتاف الأعلى والأكثر: الشعب يريد إسقاط النظام. وأذكر بوضوح انضمام رجلٍ كبيرٍ في السن للشُبان فكان يصرخ بعزم ما كان يستطيع ولكنه كان يهتف: الشعب يريد إصلاح النظام، لعله كان يسمع الهتاف هكذا أو لعل هذا ما أراده هو لا أدري. وأنا لا أزال في حيرةٍ من أمري ولا أعرف كيف أصل للشباب ولا لأهل الجنازة.. فقلت أذهب إلى بيت الفقيد فلما وصلت قيل لي أنهم ذهبوا لتشييع الجنازة ولا يعرف الرجل أين كانت هي.. فانقطع أملي أن أصلَ إليهم. ولكني وصلت لبعض أقراني في الكلية وعزمت أن أسيرَ معهم نحو المظاهرات، وفي الطريقِ قابلنا صديقٍ لنا أخبرنا أنه كان بالتظاهرات برمسيس وعليه العودة الآن للبيت لضغطِ أهله عليه، ولم أكُن أخبرت أهلي أني أعزم على ذلك ولا أتصوَّر أن أخبرهم بذلك أصلا ولأن اتصالات الهاتف الخلوي منقطعة تعذَّر حتى أن أطمئنهم عليّ، فآثرت الرجوعَ كذلك. ولما رجعت البيت وفتحت التلفاز لأشاهد على الجزيرة مشاهد للثورة في المحلة الكبرى ولبعض مناطق القاهرة، فلما رأيت الناس يهجمون على لافتات حسني مبارك يمزقونها قُذِفَت في قلبي الرهبة ووقتها تيقَّنت أن الأمر ليس هزلا.وقُتِلَ من قُتِل. وقد اطمئننت على أصحابي أن الكل عادَ بيته، ثم كان الترقب لخطاب حسني مبارك والذي كان يأمل الثوار أن يتخلى فيه عن حكمه إلا أنه أعلن فيه عن نيته عدم خوض انتخابات الرئاسة المقبلة وأنه أساسًا لم يكن ينتوي ذلك. كنت ممن رضوا بذلك وقتها - في نفسي - وقلت أن حياة الناس أولى وأن التمادي قد يعرض الناس للخطر ثم أنه لا حاجة للناس في الاستمرار في التصعيد خاصةً وأنه وعد بقبول الطعن في انتخابات البرلمان كذلك، وقد عهدت أن أتحصل على المكاسب الممكنة أفضل من الإصرار على المطلب الأعلى. والحقيقة أنه وقت انفجار المظاهرات لم يطلب الثوار تنحي مبارك بل كانت المطالب هي تغيير الحكومة وحل مجلس الشعب. وكان خطاب حسني مبارك عاطفيًا أثَّر في نفوس البعض، فكثيرٌ من معتصمي التحرير آثروا ترك الاعتصام وبقي جمعٌ آخر من الثوار منهم الإخوان، رفضوا ترك الميدان حتى يتنحى حسني مبارك عن الحكم. ثم كانت موقعة الجمل إذ أزَّ بعض ضعاف النفوس وأصحاب المصالح بعضَ المجرمين أن يهاجموا معتصمي التحرير بالجمال والخرزانات، ولم يتدخل الجيش وقتها لحماية المعتصمين، وصدَّ المعتصمون ذلك الهجوم ببسالة وشجاعة ونُقِلَ ذلك بالصوت والصورة كأنه فيلم وثائقيّ، إنها مصر بلد العجائب! فعاد من كان قد تأثر بخطاب حسني مبارك وتمكَّن المعتصمون من التحرير مرةً ثانية. وصُوِّرَ الأمر وقتها أن حسني مبارك هو من أرسل هؤلاء البلطجية ليجليَ الميدان من المعتصمين، والله أعلم إن كانت تلك هي الحقيقة، فلعل بعض أصحاب المصالح لما رأى أن حسني مبارك سيمنح حق الطعن على انتخابات مجلس الشعب للمتظلمين أراد أن يفسد عليه أواخر أيامه.. ثم كان خطاب اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات بتخلي حسني مبارك عن الحكم وتفويض المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، فرح الناس بهذا النصر، وقد نزلت للكوربة لأشاهد الاحتفالات، ورأيت الناس ينثرون الورود على الدبابات، ويزيح الجيش فوَّهات الدبابات عن الناس إشارةً منه أنه لا يعاديهم وأنه منهم وأنهم منه.. وطاردني شعور هل يحق لي أن أفرح بهذا النصر وإن لم أكن مشاركًا فيه؟ لم أفكر وقتها في شكل الرئيس المقبل، لم يسيطر عليّ سوى الشعور بالفرح الحذِر والترقُب.  لتبدأ هنا حقبة في تاريخ مصر سالت فيها دماءٌ كثيرة وظهرت فيها أحقادُ وأطماع سوداء وتناطحت فيها الأفكار وظهر من تحت الأرض معتقدات عجيبة لم نكن نعلم أنها موجودة أصلا وبغى فيها الظالمون على المستضعفين حتى مهَّدوا السبيل وفرشوا الطريق لما نحن فيه الآن.

رحم الله من مات وأفضى إلى الله سبحانه وتعالى، كأني على قناعة أن ترك هذا الخناق نجا. فقد كانت فتنة الكل يخوضُ فيها وقد يتنازل عما تربَّى عليه من قيم وفضائل لأجل كسب معركة من تلك المعارك الوهمية.

رحم الله من مات، وعلى رأسهم مولانا الشيخ عماد عفت. ولم أحظَ بالتعلُّمِ على يديه، ولكني رأيت وأرى الآن من كان لهم الشرف في ذلك. وحين أقرأ عنه وعن مناقبه رحمه الله يتسلل إلى قلبي أن مثل هذا لم يكن ليعيش مثل أيامنا هذه. فسبحان الله مُدبِّر الأمر.

إن ما نراه من إرهاق لمن هم في مثل أعمارنا لعله من آثار تلك الأيام، أو قُل أن الناس أيقنوا أن الكلام لا طائل منه طالما أن القوة الحاكمة في النهاية ستمضي إلى حيث ترسم أو قل رُسِم لها، ونحن ليس لنا إلا ننتظر ونجتهد في الممكن أو نسافر.

وقد ارتحل كثيرون من أصحابي لخارج البلاد آملين في عيشة سوية. ولا أظنَّهُم لاقوْا الصفاء النفسي الذي نشدوه بسفرهم، فإن النفوس مقهورة. لا نزال نرى بعضًا منهم يذكرون تلك الأيام أو يتابعون ما يجري في البلاد في غيابهم والآخرون غالبا يساورهم نفس الشعور إلا أنهم آثروا السكوت. يكاد يستحيل على المرء أن يفصلَ نفسه عما يجري أو أن يفصل مشاعره تجاهه بمجرد تركه للبلاد. 

وقد سبق من قبل أيام مبارك ارتحل الكثيرون لما رأوْا أن الحياة في مصر لا مستقبل فيها وأن الظلم كبير، فلما رأوْا في الثورةِ أمل عادوا. وهذا يدل لي أنهم تركوها بأجسادهم فقط ولكن وجدانهم ومشاعرهم ظلت هنا.

حسنًا، وماذا كان ينتظر البعض؟ إن مصر العظيمة لم تُحكم حقيقةً سوى بسيطرة الجيش. إن نموذج مصر السياسي قائم على جيش مُتمكِّن من أصول وفروع الحكم فيها، ما دون ذلك من أحزاب وخلافه كانت أمور هامشية للغاية. ووصف عصر الملكية حيث كانت الأحزاب والبرلمان والصحف الحرة بالنموذج الديمقراطي لمصر في الحكم في رأيي باطل، لأنه وقتها القوة الحقيقة كانت في يد الإنجليزي المحتل والذي كان يسيطر في نهاية الأمر بالجيش كذلك، ولما انجلى الانجليز حلَّ محلَّهم الضباط المصريون فلا فرق إذًا. ولما قامت الثورة وانتُخب مرسي رئيسا لم يُمكَّن الرجل من أصول وفروع الحكم والدليل أنه لما قامت 30 يونيو وجاء وقت إزاحته من كرسي الحكم في 3 يوليو لم يكُن الأمر عسيرًا على الإطلاق. فقط تم حجزه وإعلان البيان وانتهى الأمر، وظهرت قوة الجيش في تطبيق حظر التجوال والسيطرة على مقاليد الأمور حتى رأى الجيش ضرورة وجود رئيس من خلفية دستورية للحكم أثناء الفترة الانتقالية، والكل يعرف أن ذلك الرئيس المؤقت - عدلي منصور - كان رمزيا أو قُل بغرض تسيير الأعمال ليس إلا.. وعليه فإن الحكم الأساس في مصر هو حكم الجيش، ولا أتصوَّر في الوقت الراهن نموذجا غير هذا. ليس هذا تأييدًا لما يجري أو اعترافًا بأن هذا هو الأنسب والأصلح، ولكن هذا - حاليا - هو الواقع. 

افتقدنا في تلك الفترة الكبير الذي يوجّه بالحكمة والعلم والخبرة. ولما ظهر أمثالهم كانوا يُشوَّهون إما من إعلام الدولة الرسمي والخاص وإما من بعض المنتفعين. والسهل عندنا في مصر هو إبطال وإسقاط الفرص والكيانات الناجحة لا دعمها. مصلحة القوي الخاصة فقط هي ما تتحكم في الأمور لا الصالح العام ولا حتى مصالح المنتفعين المشتركة. بل هو طرف واحد قوي يطغى على الكل بسلطانه وإرهابه لهم وفي النهاية رؤيته هي التي تُنفذ ويسعى المنتفعون لتوفيق أوضاع مصالحهم بحسب هذه الرؤية.

لقد كانت أياما عسيرة، ابتُلينا فيها.. وقد كان منا فيها ما أراد الله سبحانه وتعالى. فنسأل الله تعالى أن يسامحنا على أخطائنا ولغونا وفسادنا وأن يرحمنا برحمته في الآخرة.

لطالما كان يلك الساسة وقت الثورة بمصطلح: "الخروج الآمن" وكانوا يقصدون به فكرة أن يخرج القائمون على الدولة وقت الثورة خروجًا آمنًا يليق بكونهم كانوا قادة في وقت من الأوقات فلا يُحاكمون ولا يُهانون.. أما والله إني لأقلِّد شيخنا الفاضل أنس السلطان في طلبي لهذا، خروجًا آمنًا من هذه الدنيا وما فيها، فتصورُّ أن كل هذا الدم والفساد والتناطح على لعاعةٍ لا تسوي عند اللهِ شيئا يجعل العاقل يعيد التفكير في أمره، وما عليه أن يجتهد فيه في الأيام التي يعيشها في هذه الرحلة القصيرة.

والحمد لله رب العالمين.

الأحد، أكتوبر 16، 2016

لماذا "الحمد لله على نعمة يوم القيامة"؟

الدنيا ليست دار جزاء، وإنما هي دار اختبار وابتلاء. والجزاء يكون في الآخرة. حين تجتمع عند الله الخصوم. وهذا ما يهون علينا ما نراه في هذه الدنيا من ظلم الحكام الغاصبين وبطشهم، أننا سنراهم يحاسبون أمام الله - ونحن معهم طبعا - كلنا سواء. كلٌ متجرد من سلطانه وجنده وسلاحه. الكل واقف أمام الله عارٍ تماما من كل ما اكتسب في الحياة الدنيا. لا ينفعه أمام ربه إلا قلبه إن كان سليمًا وعمله الصالح. يوم الحقيقة الذي لا كذب ولا خداع ولا مداراة ولا نفاق فيه. كل الكذب الذي كان يحصل في الدنيا لنفاق حاكم أو لتدليس يمارس على عباد الله في أرضه سينفضح في هذا اليوم المشهود. فالحمد لله على نعمة يوم القيامة، والحمد لله على ربنا العادل. ونسأل الله تعالى أن يختم لنا في هذه الدنيا على خير، وأن يدخلنا الجنة برحمته الواسعة.

الأربعاء، فبراير 03، 2016

كلامٌ في الحضارة الشرقية والغربية

أولًا، أود أن أنوه أن العنوان لا يُعنى به أن المقال أكاديمي أو أن الكاتب دارس في الحضارات أو يمُت أليها بصلة، وإنما ما سيتم سرده هاهنا لا يتعدى كونه أفكار أردت أن أشاركها مع من يقرأها.

ثانيًا، الحضارة الغربية هنا تعني الحضارة القائمة الآن، بحلوها ومرها، بتقدمها التكنولوجي والاجتماعي وانتكاسها المادي.

أحيانًا يلجأ بعض أبناء جلدتنا من العرب إلى تشويه صورة الحضارة الغربية الحالية، وذكر كل ما هو مستنكر فيها، حتى يجلّي لنا حقيقتها، فكأنه يرفع الغشاوة عننا نحن المخدوعين فيها قوتها وتقدمها. غير أنه - في الغالب - لا يدري أنه بذلك يضرب مصداقيته ضربة قاتلة، فلا هو نجح في تشويه الصورة ولا جمَّل وضع العرب الحالي، بل زاده بؤسًا إلى بؤسِه.

الحقيقة أن الحضارة الغربية المادية أفادت البشرية - بمن فيهم العرب - كثيرًا، لا يحق لأحدٍ أن ينكر ذلك إلا إذا كان منعزلًا في جزيرة نائية فلم يتعرض لمظاهر هذه الإسهامات.

لا يمكن تسويغ أي قناعة تقول أن الحضارة الغربية كلها بؤس وشقاء في ظل انغماسنا الكامل فيها وتمتعنا بكل إنتاجاتها حتى تاريخه. فلا يعقل أن يستنكر أحدٌ ما أنتجته لنا الحضارة الغربية باستخدامه، ولأوضح ما أقصد، سأضرب لك مثالًا:

هذا العربي يمسك حاسوبه المصنوع من قبل شركة أمريكية من خلال مصنعها بالصين، يفتح ليستخدم نظام تشغيله المُصَمَّم في أمريكا والذي لم يعرفه من قبل أن ينشأ هناك، فيفتح ليلجَ بفيسبوك الأمريكي فيكتب ويقول: تعسًا للحضارة الغربية! ويدعو لمقاطعة منتجاتها!

أي عقل يمكنه استيعاب هذا؟!

عليك أخي الكريم، إن قررت أن تقطاع ما تنتجه الحضارة الغربية دعمًا لمنتجك العربي ألا تستخدم أيًا من وسائل الإعلام التي فتحتها لك هذه الحضارة. فإن فعلت فأنت شخصٌ غير متسق مع نفسك تمام الاتساق، وهنا عليك بأحد أمريْن:

إما أن تسكت عن هذا الأمر، حتى تتمكن من منافسة مثل هذه المنتوجات، فتقوم قومة الأسد هذه، أو أن تستخدم هذه الوسائل - التي سمحت لك بها الحضارة الغربية - كي تشجع منتوجاتنا العربية. 

أما أن تهاجمها بها.. فهذا كذبٌ على النفس وخداعٌ لها.

الحضارة الغربية ساهمت في إعادة هيكلة نظم المعلومات في العالم، ولم يضاهيها حتى تاريخه أي بديل عربي للأسف، الحضارة الغربية هي من أطلقت الثورة الصناعية وعليها صار ما نحن فيه الآن، الحضارة الغربية شكلت الوعي الإعلامي لك ولغيرك من العرب وسيطرت بكامل قوتها على عقول العالم، ونحن نكتفي بمقعد المتفرج والناقد الساذج أحيانًا.

وهنا يحضر الذهن تنبيه هام: وهو أن الحضارة الغربية قامت بمثل ما قامت معتمدة على قيم اجتماعية معينة ارتضت بها لنفسها، هذه القيم فيها ما هو مستنكر وما هو غير مستنكر. فضلًا عن ارتباطها - إجمالًا - بالمادة لا غيرها، فمثلًا: استعباد الناس المخير ظاهرًا المسير باطنًا من أجل المال والتربُّح هو من آفات هذه الحضارة، على غير ما كان عليه الأمر في الحضارة الشرقية بحسب ما ندَّعي - ولا يتسع المجال هنا لسرد الفروقات - فلا يعني الاعتراف بواقع تقدم وتطور الحضارة الغربية وإسهاماتها للبشرية أننا نقول أنها مُثلى. بل إن فيها من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية ما فيها، ولكن العيب هنا علينا كعرب أن نغطي على فشلنا الإنساني والثقافي والحضاري بهجومنا الغير مبرر والإدعاء الباطل على الحضارة الغربية. وفي رأيي، من العيب أيضًا أن يفخر العرب حتى تاريخه بحضارته القديمة - والتي كان لها فضل ويد على البشرية أيضًا في وقتها - ويكتفي بذلك مخدرًا بذلك ضميره وراضيًا بحاله البائس. فالطبري والخوارزمي وابن سينا والحسن وابن فرناس ساهموا بعقولهم وأفادوا الإنسانية في الماضي، أما الآن فنحن نستهلك ما يصنعه لنا الغرب ونتبجَّح متأففين من ماديتهم القذرة بينما نحن غارقين فيها راضين بما قسمه لنا الغرب من كسرة خبز تعيِّشنا فقط لنستهلك ما يصنعه لنا.

انتهت فعالية الكلام، وعلينا أن نقف مع أنفسنا وقفة حقيقة لنرى ما المطلوب منا في هذا الزمان وما علينا فعله، دون جعجعة شعارات فارغة وتعلق بماضٍ انتهى منذ قرون.

الثلاثاء، أكتوبر 29، 2013

الانتشاء..

*يكتب استيتس على الفيسبوك، ويضغط Post..*
وينتظر..
..
..
.
.
Moh'd Kadi El-Brince liked your status
.
.
.
Jerry Benjamin Franco liked your status
.
.
.
ميادة الحناوي commented on your status : إيه الروعة دي، شكرًا بجد
.
.
*يبدأ الانتشاء بالنفس، ويعلو حظَّها وينتفِخ ذاتيًا..*
..
..
يترُك الفيسبوك قليلًا، ثم يعاوِد فتح الأبليكيشن من على الموبايل، ينظُر على الكرة الأرضية أعلى اليمين فيجد رقم 8 مكتوبة، فينتشي ويسعَد، فيفتح فيجد:

ميادة الحناوي shared your status
Amr Shukarelli liked your status
عبد الستار محتار commented on your status: شكرًا أخي الكريم، دماغك ألماظات!
Balotelli Mango Halabessa shared your status

فيُعجَب بنفسِه، ويظُن في نفسِه غير ما فيها تمامًا، ويفكِّر هل يعلق الآن أم ينتظر حتى يفرغ معجبيه من التعليق على كلامِهِ - بالإعجاب طبعًا -، ثم يعلق عليهم: شكرًا، لمجاملتكم الرقيقة.

ولكنه يظن في نفسِه أنها ليست مجاملات، وإنما هو تعبير عن بعضِ ما به من حِكمة وخبرة السنين..!

وهنا يترسَّخ لديه أنه عليه أن يعلِّق على كل ما يجري في البلاد وإن حدث فيها ما لا يفهم فيه مُطلقًا استعان بكلماتٍ لا يفهمها كلها ممن يتكلمون فيه، ويُصر على أن ينضَم لأيٍّ من الرأيين ليدافع عنه..

مع أنه في الواقع،

- مش لازم تقول رأيَك في كل حاجة..
- الأدهى بقى، Guess what?: مش لازم يبقى لك رأي فيها أساسًا؟! علشان انت مش الخبير العالمي الحكيم الدولي المُطلق اللي بيفهم في كل حاجة! ممكن تحصل حاجة حواليك متبقاش فاهمها.. فإيه رأيك متعلَّقش غير على اللي بتفهم فيه؟! إيه رأيك؟!
- إيه رأيك تقتنع إن الاستيتس على الفيسبوك زيَّها زي الكلام بالضبط اللي خارج من لسانِك، يعني هتتحاسب عليها زي ما بتتحاسب على كل كلمة بتقولها.. ده الاستيتس ولا التويتة على الفيسبوك أمرها أسخَم عشان بتنتشر في الوسط كالنار في الهَشيم، على الأقل الكلمة اللي بتقولها لواحد ولا اتنين.. فلو كنت بتفتي أهو على الأقل الموضوع مُتدارَك، إنما التويتة ولا الفيسبوك ده مصيبة.. خاصةً بقى لو كان لك فولورز كتير، وفريندز كتير.. فاللبسة هتكون كبيرة.
- وعامةً أهي فُرصة يعني نشوف بعض بقى، ونعيش الحياة على حقيقتِها كده، لما نعوز بعض نتكلم على التليفون مثلًا، لما نحب نتقابل ننزل نتقابل مش نكتب post على الـ Wall عند بعض..

----
#موجهة_بافترا
#يا_ترى_هتسنى_لايكات_للاستيتس_أنا_راخر
#كام_لايك_وشير
#حرام_أن_ترى_بوست_لي_وما_تضغط_لايك

الأحد، يوليو 28، 2013

ولا مؤاخذة - فضفضة



الموضوع فيه حاجات منغصة وهي نفسها بتشيل شوية الغشاوة من على عينين الواحد - أو هكذا أعتقد - فده شئ كويس يعني، يعني الحلو طلع من قلب الكويس. المنغص إننا مع الوقت بنكتشف إننا مش طرف في اللعبة، مصر طلعت تقيلة وكبيرة أوي، رغم إنها فقرانة وضايعة ومسلوب إرادتها.. وده لإنها كبيرة أوي، وقدر ربنا مكانها اللي جنب فلسطين المحتلة، وفي كورنر إفريقيا الفوقاني، يخلي الدنيا كلها متلبشة عليها.. مبحبش أنسجم أوي مع نظرية المؤامرة وجو الماسون الأعظم والكلام ده، لكن لا يمكن أبدًا إنكار إنه فيه - بلاش مؤامرة - إرادة عالمية إن بلدك دي تفضل في حجم معين من حيث الإرادة والقوة.. من بعد كامب ديفيد ولا يمكن قبلها كمان والبلد دي متحجمة إقليميًا وتأثيرها الدولي لازم يكون تبع حد. وأي حد بييجي في السلطة مبيعرفش يخلي إرادة البلد مستقلة حقيقي، لازم يكون ورا قوة عظمى موجودة.. وماقدرش ألوم في كده، لكن في نفس الوقت: طب هو إيه اللي خلى حالنا عامل كده؟! 

وأنا لما بضرب المثال بمصر فده لأنها بلدي، لكن واقع الأمر الدول العربية كلها مسلوب إرادتها، والعالم الإسلامي كله اتنزعت شوكته، حتى الدول المتقدمة اقتصاديًا منه - زي تركيا وماليزيا وغيره - برضو شوكتها منزوعة، وحتلاقيها رامية نفسها في حضن ماما أمريكا.. أيوة، إردوغان حلو وجميل وكل حاجة، لكنه مخرجش برة الدور المرسوم له، وعشان كده هو لسة في السلطة، هو عايز يعمل دور محوري أكبر لتركيا في المنطقة، لكن صدقوني في ضوء اللي مرسوم له برضو، كده كده له حدود، تركيا لا تزال عضو في الناتو، تركيا لا تزال على علاقة كويسة بإسرائيل، تركيا حلوة مفيش كلام :)

فمن ساعة الثورة وأما كان الناس في التحرير بيضغطوا كل ضغطة والتانية، السيناريوهات كلها كانت متضبطة، أصل للأسف أمريكا مش دولة عظمى من فراغ، ومصر مخرجتش برة حجرها تمامًا، ومينفعش تخرج، لا أمريكا هتسيبها ولا اللي في الحكم هيسيبوها.. أمريكا لها رجالتها التُقال في مصر في كل حتة، وبتعرف تتفاوض مع الكل، وبتعرف تتعامل مع الكل، مهما كان ميوله الفكري، لها سكة معاه.. إحنا اللي غلابة ومالناش غير اللي ع الأرض بس.. لكن واقع الأمر بيقول إننا بعد الثورة أهو، وبعد ما كنا متخيلين إننا ماشيين في سكة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، لفت الدنيا ودارت، وبقينا بندور على الحرية تاني! وفريق مننا - كبير عشان محدش يزعل - بقى شايف إنه مفيش مانع آخد حريتي مبنية على نسف وجود لفريق تاني قرفني قبل كده وعمل مشاكل كتير - والفريق التاني ده، لما كانت الكحكة في إيده، أقصى الباقين، واشتغل في مجالات مش هي الأولويات خالص، واصطدم مع كل مؤسسات الدولة في حين إنه طالما رضي إنه يكون هو الحاكم وأعلى نقطة في الدولة، مكنش ينفع يصطدم معاها.

لكن الإخوان اتزقوا زق إنهم يرشحوا رئيس جمهورية، رغم إن كل المرشد قبل كده بعدم النية في الترشح للرئاسة ميوحيش أبدًا إنه ممكن يتضاف عامل جديد يغير من الموضوع.. الراجل كان بيقول: أدينا شايفين نموذج حماس، ومصر ماينفعش دلوقتي يكون رئيسها إسلامي.. طب إيه اللي جد؟! مين اللي زقك؟! إيه اللي خلاكو تاخدوا التصويت تاني في مجلس شورى الجماعة عشان النتيجة تطلع بتأييد ترشيح رئيس جمهورية منكو؟! هي كان إيه الحلاوة في أم الرئاسة يعني؟! ليه آمنتو لأمريكا وللدولة العميقة؟! مين اللي زن في ودانكو وقال لكو انتو فصيل كبير ولازم يعتمد عليكو في إدارة مصر وفي المرحلة القادمة؟ ليه استعجلتوا؟ ليه ورطتوا البلد كلها معاكو في المرحلة الحساسة دي؟! طالما انت عارف إنه في زفت دولة عميقة، يبقى الإصلاح - حتمًا - لازم يكون من تحت. انت عارف كويس إنك مش هتعرف تصطدم مع مؤسسات الدولة اللي اتربِّت على إيد نظام حسني مبارك، وعارف كويس إنهم يعرفوا يفشِّلوك كويس.. رغم إنك قعدت تتملحَس برضو، للشرطة والجيش - كيان الدولة القمعي بالأساس أيام حسني مبارك - إلا إنه برضو قلبوا الطاولة عليك، وكلهم بلا استثناء اتشفوا فيك. 

كان إيه المشكلة إنك تفضل فصيل سياسي قوي جدًا في البرلمان، مفيش قانون مش عاجبك ميعديش من تحت إيدك، والناس عارفاكو إنتو مش بتوع فساد، ساعتها كنت هتستأصل جذور الفساد، هياخد وقت ماشي بس الناس معاك، ومش هتواجه ثورة مضادة ولا زفت، لكن انتو بالطريقة دي استُخدموا من دون ما تشعروا في حريق المشروع الإسلامي بصفة عامة. والناس بسهولة جدًا بتتأثر بالإعلام وبالباطل بتاعه..

المشكلة، إننا فقدنا الثقة بالمطلق في التصويت، الجيش بقى مؤسسة فوق الحساب، والغلط فيه بقى زيه زي الغلط في المقدسات.. مش مسموح تقول الجيش بيظلم بالمحاكمات العسكرية، مش مسموح تقول الجيش ذبح الناس عند الحرس الجمهوري مش مسموح تقول الجيش عمل وسوى فينا من بعد الثورة.. مش مسموح المساس بالمؤسسة "الوطنية" دي.. أصل المساس بها مساس بالبلد.. عشان أسطورة آخر عامود في الدولة وإلا الدولة هتقع! كأن الجيش لازم يفضل على وساخته وإلا الدولة هتقع!! وإننا لازم نتقبل مبررات الجيش الواهية على كل مصيبة والتانية يعملها عشان ياعيني مالناش سبيل غير كده.. ما هو الجامد اللي مع السلاح الكتير اللي كده كده كلمته بتمشي اللي عمل انقلاب عسكري واضح زي الشمس وعشان هو قال إنه تأييد للإرادة الشعبية مبقاش انقلاب عسكري وبقى فعلًا تأييد للإرادة الشعبية!

وهو بأمارة إيه الجيش ده برة لعبة المؤامرة على البلد وسلب إرادتها، حتى لو توافر في قيادة الجيش ناس وطنيين للأسف لا يملكوا يقولوا لأمريكا لأ. بأمارة إيه؟ إذا كان أمريكا هي الداعم العالمي الأول للجيش المصري وهي اللي مسلحاه! وكل واحد غشيم هييجي يعمل فيها دكر شوية وهيعرف التيتة ويرجع ينخ تاني.. زي مرسي أما جه مسك كده.. راح قابل ويمين وشمال، وسوريا ومش سوريا، لكن أما الأيام مشيت عرف حجمه الحقيقي.. إحنا نسيبك تقول سوريا وإيران وكل حاجة، لكن في النهاية هتلزم حجمك.. وتعرف - ويا للمأساة - إنه قبل كل خطوة تخطوها عشان تبقى ماشي في السليم لازم تستشير ماما أمريكا، وإلا هتقلب الدنيا كلها عليك، وهتقلبها عليك آجلًا أو عاجلًا بس أما دورك يخلص! لازم ساعتها تتحرق..

طلع الناس دي قبِّبهُم ع الوش، وخلِّ كل اللي بيأيدوهم/يتعاطفوا معاهم/ بيتمحلسوا لهم يقبوا معاهم هم كمان، ويبقى الطيور كلهم في العش، واحرق كل النماذج دي مرة واحدة.. وارجع تاني للنموذج القديم المستمر، بس ساعتها قطاع واسع من الشعب هيبقى معاك.. أصل إحنا - فضلًا عن كون الناس دي فشلة - فشِّلناهم كمان، ولعبناهم بالعصا والجزرة..

تخيل دلوقتي القوة اللي بقى فيها وزير الداخلية إنه يقول: إحنا لازم نرجع ضباط أمن الدولة والنشاط الديني تاني، القوة اللي هو فيها دي مش بس قوة نظام ومدرعات أمن مركزي وكده، لأ.. الناس معاه.. 

وده يخليك تسأل نفسك سؤال: يا عمي ما الناس مبسوطة كده؟! إذا كان أغلبية الناس موافقين إنه اللي يتكلم بعد كده بغير اللي يشوفه السيسي يطرقع له.. أغلبية الناس كده.. هتفرض انت عليهم إرادتك بمناسبة إيه؟! الناس بتشوف 200 واحد بيتقتلوا ولا حتى بيترحموا عليهم ولا يستنكروا أسلوب القتل.. ده لو كانوا شوية فراخ كانوا تأثروا لهم عن كده.. بس هتعمل إيه؟!!! مينفعش تحُط قناعتك وضميرك في الرمل.. مينفعش عشان كَثُرَ الخبث تعمل من هولندا وتقول ما هي بلد وسخة.. لأ! اللي له مبدا يفضل ثابت عليه، مش عشان البلد - للأمانة يعني - بس عشان أما يلقى الله يعرف يقول له إيه.. لعل الله يجازيه خيرًا أن كان يقول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر.. وهنا السلطان الجائر مبقاش ديكتاتور وبس، بقى ديكتاتور ومعاه الشعب بتاعه.. فيا تعيش بكرامتك وتموت على كده، يا تعيش مذلول وهتموت برضو.. كونك رضيت بالذل مش هيزود في عمرك ثانية واحدة.. والله ما هيزود في عمرك ثانية واحدة..

اللهم أرِنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطلَ باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم انصر عبادَك المُستضعفين.. إنك ولي ذلك، والقادر عليه.

الأربعاء، أبريل 10، 2013

سردُ الآلام، وحقيقة العيشة!



بالتحامٍ بسيطٍ لك في الشارع مع إخوة كادحين يكافحون في هذه الحياة تكتشف أن الواقع مغايرٌ لأرضية العالم الافتراضي من فيسبوك وتويتر، وتعلم جيدًا أنه لمعرفة ما يجري للشعب المصري فإنه عليك - بديهيًا - أن تنزل للشارع المصري لا أن تكتفي بتتبع الأخبار من على الانترنت، يُرسل الحق تعالى رسائل إلينا وعلامات لعلنا نهتدي لما يُنجز لنا هذه الدنيا على خير ولكننا نأبى إلا أن نضيِّعَ أوقاتَنا على الهالِكِ من سُخريات الفيسبوك وحواديته المُستهلكة.

فيما مضى كان استخدام العالم الافتراضي مقتصرًا على التنفيس من واقعنا، على مستوى المنتديات أو المدونات أو الميلات المرسلة، أما الآن احتل الواقع الافتراضي مكانًا عظيمًا على حساب العالم الحقيقي.. الكل يريد أن يعمل "شير" ويغرِّد بما ألهمته حكمته اللؤلؤية بشأنِ موقف ما، تمكَّنَت شهوة الكلام منا حتى صار المغبون منا يعتقد أن العالمَ كلَه ينتظره أن يدليَ بدلوِه ويشتاق لمعرفة تحليلاته وتعليقاته وتفسيراته لما يجري وتوقعاته لما هو قادم، وظنَّ معظمُنا أن العالمَ الافتراضيّ أصبح هو الأصل، بينما الحياة الطبيعية يا إخوة هي الأصل!

الانفصال عن الواقع لن يمحوَ كآبته وكسرته، وكثرة الارتباط بفيسبوك وتويتر تُسَرِّع من توالي الأحداث وتضخِّمها وتشعِّبها فتجعل من الحدث التافه أسطورة هائلة يتكلم الجميع عنها،

مثلًا، حينما كتب أحدى صحفيي قطر مقالًا قال فيه ما قال عن مصر والمصريين مما حُمِل على السُخرية، لو كان حدث هذا الأمر من قبل أن يولَدَ فيسبوك وتويتر لعلنا لم نسمع به قَط، ولعل تناقلته صحيفة أو أخرى لن تصلَ إلى كافة المصريين، أما الآن، وعلى تفاهة الحدث، اشتعل الأمرُ سُخريًة من دولة قطر بكاملها، ومن كل الشعب عن بكرة أبيه، وانتشَت لدينا حواس العنصرية المتأصِّلة فينا فلعبنا على أوتار صغر مساحة الدولة وقلة عدد السكان، وإن كان واقع الأمر لا أدري إن كانت هذه سُبَّةٌ لهم أم لنا.. 

وكذلك، من قبل، لما حدث ما حدث وقت مباراة مصر والجزائر، لا أعادها الله تلك الأيام، ظل الفيسبوك يشعل نارًا للفتنة بين شعبيْ الدولتين، حتى كادت العلاقات على المستوى الرسمي تنهار، وكل فريق يتصيَّدُ نواقصَ الآخر ويصطنع السُخريات بشكل عنصريّ فجّ عاد بنا إلى أقبح عصور الجاهليّة.. لو أن الدنيا كانت في مقامها الطبيعي لما حدث كل هذا الهرج والسَّفَه..

ومن ذلك أيضًا، قُبيْلَ مباراة الأهلي والمصري ببورسعيد، تناوب جمهورا الفريقان السُباب والأغاني الحماسيّة التهديديّة، وساهم فيسبوك في نشر هذا التهييج حتى أصبح عنصرًا فيما حَوَت الأحداث من هرج وعنف عَمَّ المجزرة المؤسفة هناك..

وأخيرًا وليس آخرًا، تأتي إسهامات فيسبوك وتويتر في إشعال الفتن الطائفية غاية في الروعة والإتقان، وأسهل ما يكون على أي تافه أن يشعل نيران الفتنة بين مسلمي مصر ومسيحيّيها، بضغطة شير لفيديو يصوِّر اثنيْن يتعاركان - في الغالب يكون السبب لا علاقة له بالطائفية - إلا أن الأحداث كانت قُرب كنيسة أو بين مسلم ومسيحي.. بضغطة شير بسيطة جدًا تنتشر على حوائط الكام مليون مصري المشتركين في فيسبوك، كفيلة تمامًا بتوليع الدنيا، والدعوة لمظاهرات احتجاجية يعقُبُها اشتباكات من الفريق الآخر.. والموضوع أساسُه "خناقة" بين عائلتين..

دعني أقول، أنه ليس واجبًا على سيادتك أن تنقل كل ما تراه عيناك لجموع المصريين، اثنان تعاركا ما الفائدة التي ستعم على المجتمع أن يعلم الجمعُ أنهما تعاركا وأنهما - ويا للنشوة - مسلمٌ ومسيحيّ.. بل يتعيَّنُ عليك أن تضع الأمور في نصابها فلا تنقل إلا ما يفيد..

الخبر إما صادق وإما كاذب، فإن كان كاذبًا فلا تنقله قولًا واحدًا، وإن كان صادقًا ففكِّر بعقلك الذي منحك اللهُ إياه هل تعود فائدة على الناس إن نشرت الخبر؟ إن كانت الإجابة "لا"، فقولًا واحدًا لا تنشُر الخبر.. ما بالك إن كان نشر الخبر يضُر ويُحَمَّل على غير حقيقته، ويتلاعب به أصحاب القلوب المريضة لإفشال البلاد أكثر مما هي فاشلة!

لقد مات الضمير وماتت روح المسئولية فينا، وتوحَّشت فينا أمراض العنصرية، واللامبالاة، والظُلم إن غاب الرادع، وكراهية الآخر، وعدم الموضوعيّة، وغياب الإنصاف، وحُب الظهور، والعُجب، والفتي! كل هذا يتمثَّل لك كيانًا قبيحًا متمثلًا في الفيسبوك، إلا ما رحم ربي من أولي الألباب.

ابتعد عن صخب مواقع التواصل الاجتماعي - أو التنافر إن شئت - وضَعْها في حجمِها، فإنها تقتل القلوب بدم بارد.. واتَّصِل أكثر بالشارع إن كنت بالفعل "محروقًا" على هموم الشارع المصري ولا تكتفِ بالجلوس أمام فيسبوك وتويتر تلعن وتسُب في المسئولين اكمنُّهُم - وهذا واقع في كثيرٍ من الأحيان - مش مسئولين!

فإذا كنت تـ "شير" عن أزمة السولار على الفيسبوك، حاول أن تلتحم بالحركات المهتمة بالعمل في الشارع لحل هذه الأزمة ولتتواصل مع من لهم صِلة بحل هذه المشكلة، أما نشر النِكات واللطائف حول المشكلة فلن يُجدي نفعًا ولن ينشُرَ إلا الروح السلبية ويعمِّق اليأسَ في نفوس الناس.

انزل لتعرف كيف يعاني الكادحون بسبب اختفاء السولار وغلاء الأسعار، انزل لتعلم أن غيرَك من الموظفين لا ينالون مرتباتهم إلا كل ثلاثة أشهر شهرًا، انزل الشارع كيف تعرف حقيقًة ما وضع الخُبز وكيف يتطاحن البشر على المخابز لنيل لُقمة العيش.. انزل الشارع اركب المواصلات لتعرف أن سيارتك هذه نعمة رفاهية ستُسأل عليها فاشكرها واحمد ربَّك عليها فساعِد غيرك.. 

انظُر كيف يفسد النشء الجديد إذ يربيهم آباؤهم على الترف والدلع و"المــــادية" البحتة، وفكِّر أترضى ذلك لأولادك وأولاد "عشيرتك"؟ أم أنه عليك أن تفعَلَ شيئًا في هذا الصدد؟! أي شئ؟!

انزل الشارع وانظُر كيف علام يتربى ابن الشارع؟ وكيف يُنتجُ البلطجيّة؟ وما أصل البلطجيّة؟

انزل الشارع و"شوف" كيف حال التعليم الحكومي في مصر؟ 

اقرأ مناهج التعليم المصري؟ تُرى ماذا يتعلم أولادنا؟ كيف يعلمهم معلموهم في المدارس؟ وهل يا تُرى معلموهم أساسًا مؤهلين لتعليمهم؟ وهل تظّن أن معلميهم - أساسًا - يأبهون لتعليمهم بشكل ينبتهم نباتًا سويًا؟ طيب، هل يمكن لك أن تساهم في تحسين هذا الأمر؟

تُرى كم نسبة الأمية في المصريين الآن؟ ما ترتيبنا في مصافِّ الدول؟ وهل يمكن لك أن تساهم في تحسين هذا الأمر؟

كيف تنهض الأمم؟ هل تنهض بقرارات من حُكامها فقط؟

تُرى لو وُلِّيَ علينا أوباما، ماذا عساه أن يفعَلَ في مستنقعاتنا هذه؟ 

لو وُلِّيَ علينا أفضل حُكّام العالم في الوقت الحاضر، هل ستنهض مصر؟ 

إذا كانت الإجابة نعم: ماذا سيفعل هذا الرجل لينهض بمصر؟ وهل يمكن أن تساعده أنت في ذلك؟ كيف؟ 

وإذا كانت الإجابة لا: ماذا أذًا الذي ينهض بالأمة؟ الشعب؟ وحده؟ هل يمكن أن يتحد الشعب وحده على هدف قومي واحد يعمل الجميع من أجله من غير توجيه عام من الحاكم؟ 

هل الشعوب تُربّى؟ ما الذي يُربِّي الشعوب؟ الخبرة على مدار العصور؟ إذا كانت الخبرة، هل معنى أن ذلك أن الشعوب لا تقع في نفس الخطأ مرتيْن؟ أم أنه الحسم في تطبيق القانون هو الذي يُربّي الشعوب؟ أم أنه انتشار المجتهدين في وسط الشعوب يطوِّرُ الشعوب ويصلحها ولو طال بذلك الأمد؟

انظر ماذا يمكنك فعله وافعله.. الحياة قصيرة!

اعترف من داخلك أن الحياة قصيرة، لعل ذلك يغيِّر من سلوكِك شيئًا ما..

الخميس، مارس 07، 2013

قوة الفرد

قدرًا شاهدت بعض من حلقة لمسلسل مصري قديم اسمه عصفور النار لم أكن أسمع عنه من قبل، غايته أنها قرية يتسيَّدُها شخص ذو نفوذ واسع في البلد وينصاع له جُل أهل القرية لا إراديًا، ويستعين هو بمنظومة أمنية قوية للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، من بطش وتخابُر وغيره، 

المسلسل به تفاصيل أخرى كثيرة، ولكن ما سبق هو أكثر ما لفت انتباهي، ويتضح بقوة أن القرية هي تمثيل لفكرة للمجتمع، والحاكم هو تمثيل للحاكم الديكتاتور الطاغية الذي يعتقد في ولاء أهل القرية له، ومن ذلك أنه وضع تشريعًا بالعرف أنه لا يجوز أي من أهالي القرية أن يبيعوا أملاكهم للغير، وإلا يصيب القرية العار.. وفي الحقيقة هو يهدف لتماسك البلاد وأن تظل كل أراضيها تحت ملكه أو تحت ملك من يدينون له بالولاء إما خوفًا أو نفاقًــا، 

الفكرة في: ما الذي يُجبر عامة الناس على الولاء لشخص ما؟

قوة سطوته ونفوذه والاعتراف بسلطانه.

وما الذي يصنع هذا النفوذ لهذا الشخص؟

استعانته بالمنظومة الأمنية التي تعطيه القوة والسيطرة على عامة الناس.

وما الذي أجبر الأفراد بهذه المنظومة الأمنية أن يدينوا بالولاء لهذا الشخص تحديدًا؟

إما لأنه يعدُهُم بالمال أو القُرب من السُلطان ومن ذلك سطوتهم هم شخصيًا على عامة الناس.

وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لا تنقض هذه المنظومة الأمنية على الحاكم ليصير معها النفوذ الكامل والسطوة الحقيقية على مقدرات البلاد؟

لأن وجود الحاكم القوي يمنعهم من ذلك.

وما الذي جعل هذا الحاكم قويًا؟

منظومته الأمنية.

إذًا هم سر قوته، وبالتالي مفترض هو أن يرتعد منهم وليس العكس؟

لا، لأن الحاكم لديه الشخصية القوية "الذكية" التي تقودهم وتعرف كيف تديرهم وبغيره سيصيرون قوة طائشة غير متحكم فيها مآلها الهلاك في النهاية.

إذًا فالذكاء حتمًا هو الذي يعطي القوة لشخص ما كي يسيطر على عامة الناس؟

نعم،

أي نوع من الذكاء هو؟

ذكاء القيادة.

هَب أن لدينا حاكمًا ذكيًا، ولكنه لا يملك من الجسم نصيبًا، فهو "قليل" كما يوصف اصطلاحًا بالعامية.. هل ستكون لديه القدرة على قيادة الناس لما يراه هو؟

وارد، ولكن يتطلب الأمر في هذه الحالة عبقرية، كما كان الحال مع نابليون بونابرت.

ولماذا يهاب الناس من صاحب الجسم القوي؟ أليس إذا ما انكبّوا عليه جميعُهُم طرحوه أرضًا؟

بلى، ولكنها طلّته الأولى عليهم تصنع بداخلهم رهبًة منه، تمنعهم من التفكير في مواجهته.

ولكن إذا ما فكروا قليلًا علموا أن القوة معهم هم لا معه هو؟

نعم.

إذًا فالإشكال أن الناس لا تفكر؟

نعم.

إذًا فقادة التحرر من الطغيان حتمًا مفكرون؟.

نعم.

ولو كانوا غير مشهورين؟

نعم، ولكن الشُهرة تجعل لأثرهم صدى أكبر.

لماذا؟

لأنهم مسموعين أكثر، بطبيعة الحال!

لماذا هم كذلك؟

لأن الكثير يعرفهم والكثير يطرب لحديثهم وبالتالي دائرة تأثيرهم أوسع.

ولماذا يسمعهم الكثيرون؟

لأن لديهم كاريزما.

وكيف اكتسبوا تلك الكاريزما؟

تعلموا، وعلّموا، وتربَّوْا على القيادة.

في الحق؟

أو في غيره.

إذا كان في غيره، هل يمكن أن يكونوا قادًة للتحرر؟

نعم.

كيف ذلك؟

قد يُستدرج التحرر لفعل أمر مذموم.

كيف؟

قد يكون التحرر بهدف سطوة ولكن من نوع جديد.

كيف؟

أن أخرجك من سطوة ديكتاتور طاغية بناءً على مبادئ معيّنة نفّرتك من سطوته، وأُدخلك تحت سطوتي بذات المبادئ.

كيف يمكن لمبادئ فعلت خيرًا بدايًة هي ذاتها تفعل شرًا؟

المبادئ وحدها لا تفعل، وإنما أسلوب استخدامها وتطويعها هو الذي يفعل. فمثلًا، مبادئ مثل التحرر قد تُصاغ لتشرعِن الفوضى ورفض الاحتكام لمبادئ وضعها الناس لتنظيم حياتهم. المبدأ هنا برئ من تطويع من احترف البلاغة وتهييج العوام ليتحول إلى الفوضى ورفض أي انتظام لأي نظام ولو كان برضا الناس أنفسهم.

ومن حق كل فرد أن يمارس بلاغته وحلاوة لسانه على الآخر، ولا يمكن منع أي أحد من الاستماع لهذا أو ذاك، ومن هنا تأتي المسئولية الحقيقية على فضلاء المجتمع بتنوير الناس وتوعيتهم ألا يكونوا قطعانًا ماشية تُساق حيثما أراد صاحب اللسان والجسم والذكاء والعلم، وإنما أن يفكّر كل فرد فيما يُقال، فيعقله بعقله هو وحده، وأن ينصفَ في ذلك، فلا يتبع هواه وإلا ظلم نفسه قبل أن يظلمَ أحدًا، 

اتباع الحق وحده جهادٌ للنفس.


الثلاثاء، يناير 29، 2013

إتس سو نايس بينج أنارك!

شخصيًا لا أبرر تحت أي ظرف - قبل الثورة أو بعدها - أعمال عنف تستهدف "بشر" إلا في حالة في الدفاع عن النفس، ولا أبرر كذلك محاولة - أيًا كان بقى - تعطيل مستشفيات ولا مصالح حكوميّة، ومش ضروري يكون التعطيل إن المستشفيات في حد ذاتها تُتسهدف، لكن تحصل أحداث عنف وضرب ومولوتوف ومواجهات بحيث يبقى التوجه للأماكن دي شبه مستحيل، ولا قطع طريق حيوي - زي كوبري 6 أكتوبر مثلًا - يمنع العيان يروح المستشفى ولا اللي بتولد..

حُط نفسك مكان واحد عادي عايز يروح المستشفى عشان يوصّل والده ولا والدته اللي في حالة حرجة مثلًا هناك، ويا ترى ساعتها حتبقى متعاطف مع "الثورة" و"الثوار" ولا لأ.. يا ريت بس قبل ما نُزكّي أي أعمال من هذا القبيل نعرف:

1- جدواها أساسًا!
2- بتعمل إيه في الناس،

علمًا بإن الحوار مش موود لطيف بنقضّيه مع بعض واللي هو نعيش اللحظة بقى ونرمي الناس بالطوب ونرمي مولوتوف على أي بتنجان ويبقى إحنا كده بقى شُجعان وعيال فِت مبيهمّهاش!

والكلام للجميع مالهاش دعوة بفرق ولا طوائف ولا جو حرب الشوارع ده..

الخميس، يناير 17، 2013

السرُ الكبير لرحْرحة النفس ومكافحة الإحباط !

في هذه التدوينة يسعى كاتبها أن يجد حلًا للمعضلة الأزلية للإنسان، والتي تتمثل في "السعــادة"، والحقيقة أن التدوينة لن تحوي على جُمل من عينة: "ليست السعــــــــادة في المــــال" أو "القنــــاعة كنزٌ لا يفنى"، وإن كانتا حقيقيتان لكن أعتقد أن الجميع شاهد ما يكفيه من أفلام الأبيض والأسود التي أشربته مثل هذه القيم ع الآخر..

***

بشكل عام، أعتقد أن الإحباط يتمكّن من الإنسان إذا ما فشل أو فُشِّلَ في محاولاته لبلوغ هدفه، والحقيقة أنه سواء كانت هذه الأهداف نبيلة أو بكيزة، ففي النهاية هي أهداف.. وبما إننا نتحدث عن السعادة وراحة البال - وركز على راحة البال - فإنه لا يعنينا في هذا المقال ما يُنسب للأهداف البكيزة - بكيزة اللي هي غير نبيلة، مع كامل الاحترام لمسلسل بكيزة وزغلول - فسنتعرض هنا لمن كانت أهدافه نبيلة وفشل في تحقيقها أو فُشل في ذلك، أو أُحبطَ من قبل أن يبدأ، أو تكالبت عليه الأمور كلها لتعطيله عن مسيرته لبلوغ أهدافه.

ونحن أيها الإخوة، ندّعي فيما ندّعيه من آمال وتمنيات.. ندّعي أننا نسعى إلى عمارة الأرض كأحد الوسائل التي تقربنا إلى الله تبارك وتعالى، وتمكّن لنا من عبادته حق العبادة، وهو الهدف من خلق الله تعالى لنا.

وإذا ما تعثّرنا في بلوغ ذلك، وقد تعددت الأسباب المُعثرة هذه.. من بين تضافر جهود الأشرار لوقف مشاريع إعمار الأرض، أو تضافر جهود المُثبِّطين لإفشال أي نجاح بصفة عامة، أو يتأخر النجاح لأسباب لا يعملها إلا الله وحده.. هنا قد يحدث الاكتئاب، وقد تنجح المخططات في تثبيط الهمم، لأننا ربطنا الأمر بالنتائج، ولأننا نربط نتيجة ما عملنا بالظروف الكُبرى حولنا.. تلك الظروف التي لا شأن لنا بها، ولم نتسبب من قريب أو من بعيد في حدوثها، كأننا وُلدنا لنجد بلادًا فقرًا، وجهلًا متفشيًا وأرضًا محتلة، وذلًا وانكسارًا اكتسح الجميع.. فنربط ذلك بعملنا ونعتقد تمام الاعتقاد أن كون مثل هذه المعطيات لا تزال كما هي لا تتغير فإن ذلك لا لشئ إلا لأننا فشلة لم نغيّر من الوضع، وبالتالي فالنتيجة صفر.

وهنا دعونا نؤصّل لأمريْن هامَّيْن:

- إن الله تبارك وتعالى أمرنا بعمارة الأرض، وبالإصلاح ما استطعنا، وأن نأخذ بالأسباب كلها، وأن نتوكل على الله حق توكله، ثم نعلق الأمرَ كله لله ولا نعلقه على ما اتخذنا من أسباب، فندعوه جل وعلا أن يحقق لنا المرادَ أملًا أن يرضى عنا. وأن الهدف من ذلك كله، هو نيْل رضا الله تبارك وتعالى.. فإذا لم يشأ الله عز وجل للأمر أن يتمَ، ولكنه جل وعلا رضيَ عنا، فقد تحقق المُراد.

- إن الدنيا كلها لا تسوى شيئًا، لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها بكل أحداثها وفتنها وبهرجتها وزخرفتها وصخبها، بكل جبروت طواغيتها واستبداد مستبدّيها، ستُنسَفُ نسفًا.. ولن يبقى غير وجه الله ذي الجلال والإكرام، فلا تستكثر يا من تدّعي سوء الحظ فيها أن تعيش في زمان ذل ومهانة، فالأمر لا علاقة له بالمُحيط، وإنما بتصرفِك أنت حيال المُحيط.

خلقك الله وهو يعلم بالحال الذي وجدت نفسك فيه، وتكون العبرة بما ستفعله أنت، بمَ ستختار؟!

قد هُديت النجديْن فلا تأثير على اختيارك، ولن تُحاسَب أنت على احتلال العراق ولا احتلال فلسطين، ولكنك ستُحاسب على ما كان في يدِك فعله حيال العراق وفلسطين والشيشان وتركستان ولم تفعله.

ستُحاسب على ما كان في يدك أن تفعله حيال الفقر والجهل واضمحلال الفكر وقبح الثقافة في بلدِك ولم تفعل.. إن اللهَ تعالى خلقك في ظروف هو أعلم بها منك، وسيُحاسبك على ما كان منك في هذه الظروف، أنت ليس مطلوبًا منك أن تحرِّرَ العالم وحدك من الطواغيت والشرور، ولكنك مطالَبٌ أن تسيرَ في هذا الاتجاه، وأن تعمل ما في وسعك لتوصيل الرسالة، ثم تتوكل على الله وتدعوه أن يتمَ نعمته.

لا يفرق معك وضعك أو ظروفك التي وُضعت فيها، هي في النهاية دُنيا، كانت أمتك عزيزة أو ذليلة، هذه مجرد معطيات عليك التعامل معها، لا التضجر منها والاكتئاب منها.

أعتبر ذلك كبسولة تجديد نية، لم نحن هنا؟ وما هي غايتنا؟ ومن ذلك ترتاح أنفُسُنا، فإنا راحلون راحلون، لا محالة في هذا الأمر.. إنه أمرٌ يقينيٌّ، يؤمن به المؤمن والكافر، ولكن المؤمن يعلم لماذا أتى إلى هنا.. ومن هنا يرتاح باله، ويطمئن قلبه، وتعمل سواعده وجوارحه على تحقيق الهدف من وجوده، ويؤمن قلبه بالله ويتطلع إلى الجنة التي وعده إياها..

الأربعاء، نوفمبر 07، 2012

خواطر تنفيسية - المجتمع والكلاب!



كُتب على الشعب المصري لعقود من الزمن أن يعيش تحت رحمة حاجاته الأساسية ومن هنا استبد به الحُكام وقتلوا كل إبداع فيه، ولما رأي المصري أن بلدَه لا تستحق منه العيشَ فيها، فرّ منها كلما سنحت له الفرصة، ونشد الحياة الكريمة في بلاد الغرب غير مكترث ببلاده التي ارتبطت في ذهنه بالقحت والعرق والعمل العقابي.

لا يزال الشعب المصري - في غالبه - يصارع أول مستوى من مستويات هرم لماسلو لحاجات الإنسان، يعيش قابعًا فيه يدور حول نفسه لا يصعد إلى أعلى أبدًا.. حتى أن الدنيا أصبحت بالنسبة له أكل عيش، بيت يؤيه، وعذرًا.. جنس.



ما يلبث أن يُهدّد في أي من هذه الحاجات، فيسعى جاهدًا للحفاظ عليها، غير معتني تمامًا بالرقي في حاجاته، فلا يسمو بطلب الرأي ولا يرى للإبداع في بلاده موقعًا.. ودأبت الحكومة خلال العقود الماضية أن ترسّخ وتعمّق هذه الحالة.

عقود مضت ولا تجد حلمًا قوميًا تحُث الدولة عليه الناس، وأحيانًا تعلّي سقف الحياة ومطالبها رغم عدم استعداد الشعب لذلك، فتجد نفس البلد فيها الدش والنايل السات ومشاريع لأضخم المتاحف، وكذلك البحث في القمامة عن لقمة العيش، والعشوائيات، وأطفال الشوارع.. تجد الشوارع مكتظة - ما شاء الله - بالمرسيديسات والبي إمّـات - وكذلك الأتوبيسات من أردأ ما يكون، تنعدم الإنسانية فيها..

وعلى الرغم من فقر غالبية الشعب المصري، تجد الأفلام والمسلسلات تعرض ما تشتهيه أنفس المواطنين من كل الملذات التي لا تطالها أيديهم، من طعام وبيوت فاخرة وجنس! فيشاهد المواطن المسكين على تليفزيونه الترانزستور تحت الكوبري فيلمًا لجزار الأخلاق أو غيره ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الناس، فلا يطول اللحمة في الجزارة ولا في الأفلام، يتحنَّسُها!

إن الدولة المصرية أصبحت دولة منفتحة منذ عهد السادات، الذي فتحها على مصراعيْها لتستقبل كل الأفكار وأضدادها في آن واحد.. ليكون الشعب المصري أكبر نموذج للتخلف الشعبي، في وقت لم يكن هو على استعداد للانفتاح أساسًا..!

لا أعلم كيف كان يفكر السادات إن كان ينشُدُ مصلحة الوطن، ولا أدري كيف أدار ذلك من بعده طريح السجن حسني مبارك.. إذ استمر على سياسة "الْهِ تسُد".. اجعل الشعب فقيراً ولو كان غنيًا..

نعم، الشعب في عهد حسني مبارك لم يعِش راضيًا حتى المتيسّر منهم، طفحت المادية وجوه الجميع.. فأصبح المتيسر صاحب السيارة مالك الشقة يتعسّف في زواجه شأنه شأن فقير الحال المحتاج.. الكل متغوط في مسالك الحياة التي سحبت مجهوداتهم كلها فأصبحوا لا يفكرون إلا في لقمة العيش وسد الغرائز وفقط..

ياه، لو أن هذا الشعب حظيَ بحياة طبيعية.. شأنه شأن باقي العالم.. لقاده..

ولهذا يرى فينا العرب وغيرهم أننا فينا من الكنوز ما نضنّ به عليهم وعلى غيرهم.. ولكنهم لا يعيشون معنا في نفس المجاري.. لعل الباقي مجاريهم مختلفة عن مجارينا..

ومع كل هذا، تعمّد القائمون على هذا البلد، ترك الحبل على الغارب بخصوص الإعلام المسئول، في وقت لم يكن الشعب أكثر مسئولية من حاكميه.. فأصبح بائع اللحم الرخيص هو الفائز.. وانتشرت الدعارة عيانًا بيانًا على شاشات السينما بل واقتحمت البيوت من خلال الفضائحيات على شاشات التليفزيون.

إن لم تكن الحكومة مسئولة عن ضياع أخلاق الشعب وسيطرة الهوس الجنسي فقط على مقدراته فمن المسئول؟! أرجوكم، كفاكم عويلًا أن الحكومة لا شأن لها بأخلاق الشعب.. نعم.. هذا صحيح، ولكن فقط إن مرّ هذا الشعب بفترة يكون بُنيَ فيها خلقُه وتكوّنت فيها شخصيتُه.. أما شعبنا هذا، فانغمس في لقمة العيش بدري بدري.. ولم تهتم الحكومة بكفايته المعيشيّة واتّكلت عليه هو ليسدّها، فأصبح الفكر العام السائد لدى كل الشعب هو الماديّة الجارفة، إلا من رحم بي، وعاش كل فرد في جزيرة منعزلة لا يهتم تمامًا بصالح أخيه.. بل يعتقد تمام الاعتقاد أن مصلحته الشخصية لا يمكن أن تتشابك تمامًا مع مصلحة أخيه..



فإذا سُمع عن احتمالية نضب المياه، سارع الجميع بشراء كراتين المياه ليحصن نفسه من العطش، ولينحرق الباقون.. ويشتري فوق احتياجاته الشخصية.. لا يهم.. المهم أن أضمن أنا تمام الضمان ألا أعطش.. احتمالية عطش غيري أمر لا يهمني بالمرة! والحكومة لا ترسّخ إطلاقًا أي من مبادئ التكافل الاجتماعي بل هي شخصيًا تعيش في مجتمع منعزل عن الناس.. وكل فرد فيها إن ضرب البلاد خطرٌ عظيمٌ فيصرخ بملء فيه: أنا ومن بعدي الطوفان!

استكمالًا لذلك، أصبح لدينا شعب غير مسئول، يستجيب لكل خبر تافه ، صحيح أو مكذوب.. كل فضيحة تشد انتباهه ويا للهنا إن كان للجنس فيها نصيبًا.. والإعلام الغير المسئول - وهو الأغلبية الكاسحة من الإعلام الموجود - يشحن في تهييج المجتمع، تهييج وعيه، وتهييج غرائزه..

تهييج غريزته في الطعام، فالحياة هي ماكدونالدز وبيرجر كينج والمشوي والطازج.. فأن تملأ بطنك بأي من منتجات الدهون والشحون والزيوت ثم تنجعص على سريرك كما البعير هي كل المتعة!

وتهييج غريزته الجنسية، بجعل المجتمع كله جنسيّ.. Society Eroticization، فالجنس في الأفلام، وفي الإعلانات على التليفزيون، وفي الإعلانات بالموديلز في البانرات في الشوارع، وفي الجرائد، وفي الأغاني.. العُري والجنس في كل شئ.. ولا تجد من ذلك مفرًا.. ستصطدم بذلك حتمًا.. لن تقاوم كثيرًا.. إلا إن رحمَك الله ورزقت الجلد والصبر..

كل هذا، لعبٌ في الجذور.. فقط، أُثير خبرٌ حول مطالبة النائب العام وزارات الاتصالات والداخلية بتطبيق قرار منع المواقع الإباحية.. حتى ثارت ثورة الجميع.. ممن شكّكوا في النوايا ومّمن ثاروا للثورة وفقط.. ماذا؟ المواقع الإباحية!!!

واللذيذ أنك تجد نفس سياسات الإلهاء تطبق هي هي.. فالأول كان يُلهي بالإباحة، والجديد يُلهي بالتلويح بالحجب.. الاثنان ألهيا الشعب فيما لا طائل منه..

يا سلام على من يحجُب المواقع الإباحية، وعلى يده تخرج أفلام لكل المواطنين لا تُصنف حتى أنها للكبار فقط تقدح في كل معروف تعلمه أي فرد في "الأسرة المصرية".. يالها من دولة ذات كيان ووحدة ومركزية! ياله من أي كلام!!

وكأنه بمجرد قرار الحكومة بحجب المواقع الإباحية سيكون الأمر: كُن فيكون! سينتهي الشعب المصري عن متابعة الجنس.. وسيكتفي إذًا بتجارة البشر في أفلام السُبكي مستمتعًا بالقذارة فيها..

القضية في الجذور.. لا تعالجوا أطرافًا ونحن نرى أنكم لا تتحركون تجاه إحلال الجذور ولو قيد أنملة!!!

تُبقي على كل رموز الحكومات السابقة من عفن وروتين جاهل أصم - كنت تنتقدها في السابق - ثم تفرقع فرقعًة جديدة لتعبئ بها الشارع لتكف متابعة الناس لك..

هي دائرة مغلقة، من الشعب للحكومة ومن الحكومة للشعب! كل يفسد على الآخر، وكلاهما يعلم ذلك وأيُّهما لا يريد أبدًا "تصحيح المسار".

الجمعة، سبتمبر 28، 2012

الموقف من "الشريعة"!!!



كونك مسلمًا يسلّم معناه أنك ارتضيت منهج الله تعالى الذي ألزم به المسلمين، وارتضاه لهم.. وأنك على يقين أن في هذا المنهج الصلاح لعباده، وأن في غيره ضلالًا كبيرًا..

وهذا يعني أنه علينا جميعًا السعي لتطبيق شريعة الله في أرضه، وأن الأمر لا يمكن أن يكون حِكْرًا على التيار السلفي ولا الإخوان.. القضية قضية المسلمين كلهم جميعًا..

وبالتالي فإنه على هؤلاء الذين تحمرّ أوداجهم عصبيًّة لمن ينسبهم لغير كتاب الله أن يسعوا هم الآخرون لتطبيق شرع الله..

حسنًا، وما هو شرع الله إذًا..؟

الهدف من هذه الكلمات، ليس تحديد شرع الله الذي علينا جميعًا اتباعه، ولكن الهدف منه تقرير أنه على الجميع أن يسعى لتطبيق المنهج الذي وضعه الله تبارك وتعالى لعباده كي لا يضلوا أبدًا..

والقضية هنا ليست فيمن يحظى بهذه المسئولية، وإنما وجب عليك كائنًا من كنت أن تتفق معي أنه إذا ما تأكّد كلٌ منا أن الله إذا ما أمر في أمر ما أمرًا، أو قضى في قضية ما بحكم ما، أنه لا يجوز لنا الاختيار.. فالالتزام بما قضى الله ورسوله حقٌ لا يمكن النقاش فيه.. إذ أننا سلمنا نحن الاثنان أننا نؤمن بالله، ونؤمن بكتابه، ونؤمن برسله..

أما الوقوف عند الأشخاص فلا مانع تمامًا.. قد نختلف مثلًا في أهلية الإخوان أن يلتزموا بشرع الله، وقد نتفق معهم أحيانًا ثم نختلف من جديد في قضايا أخرى.. هم بشر وأشخاص في النهاية.. زائلون ويتغيرون..

ولكن ما أريد قوله هنا، هو أيًا كان توجهك السياسي.. إذا كنت من أبناء التيار الإسلامي، أو مِلت لليسار أو.. أو.. طالما أيقنت أن اللهَ تبارك وتعالى حَكَم في أمر ما بحكم معيّن ما كان لك الخيَرة في الأمر..

هذا لأنك مؤمن بالله رب كل شئ، والإله الذي هو - فقط - من يستحق العبادة، والالتزام بشرعِه..

يقول الله تبارك وتعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. ~ سورة الاحزاب.

الأمر في غاية الوضوح..

والشريعة كما قيل مرارًا، هي ليست الحدود وفقط التي طالما أتت في مقدمة الصور التي تظهر في أذهان الناس إذا ما ذُكرت الشريعة.. بل يجب أيضًا إذا ما ذُكرت الشريعة أن تظهر صور جديدة في أذهان الناس من قبيل:

- العدالة الاجتماعية.
- الكرامة الإنسانية.
- العزة.
- المساواة بين الناس، بصرف النظر عن أعراقهم ولا أديانهم ولا أنسابهم.
- مكافحة الفقر.
- تنمية المجتمع.
- احترام الآداب العامة.

وغير ذلك..

وكما ترى هي كلها "مبادئ" وقيم عامة، قد تجدها في ديانات غير سماوية، قد تجدها في تعاليم حكيم من حكماء التاريخ.. وهنا قضية غاية في الخطورة..

هي أن الجميع اتفق على سمو هذه المبادئ والقيم، ولكن لم يتفق الجميع إطلاقًا كيفية تنفيذها..

فمثلًا، الكل على وفاق تام في أن العدالة الاجتماعية مطلب إنساني عظيم، ولكن تختلف الشريعة الإسلامية في سبل الوصول للعدالة الاجتماعية - وقد تتفق في بعض الأحيان - واختلافها في نظرية الاقتصاد مثلًا، وفي فرض الزكاة وفشل فكرة الضرائب من الأساس..

هنا اتفق الاثنان على المبدأ، ولكن أحدهم "رأى" الوصول لها بأسلوب معين وضعه بشر، والآخر التزم بما أنزله الله تعالى من منهج يصل بنا حتمًا للعدالة الاجتماعية إذا ما طُبقت الشريعة بمفاهيمها كلها جُملًة واحدة.. كافــة.

وبالتالي كلمة "مبادئ" هنا - شخصيًا - أرى فيها تملُصًا من الشريعة إذا ما أتت بما لا تهواه الأنفس وتمحُّكًا فيها إذا ما صادف حكمُها هوى الناس..

بالتأكيد، لن تكون كلمة أو أخرى في ورقة مكتوبة هي سبيل الخلاص للحال الذي وصلنا له.. فطالما الناس أنفسهم غير مكترثين بما أنزله الله تعالى من خير لهم فلا فائدة من كل هذه النقاشات السياسية..

ولكن يبقى النقاش في مثل هذه الأمور مفيدًا على كل حال، و"مفلترًا" للناس على كافة المستويات..

على الجميع:

مراجعة نفسه فيما يعتقد، ومراجعة قلبه.. تجديدًا للنية، والإخلاص لله وحده..

وأن يحسن الظنّ في إخوانه إذا تناقش.. :)




السبت، سبتمبر 08، 2012

في الألتراس.. والقصاص



شباب وجدوا أنفسهم وسط مجتمع ماديّ مفكّك، انتمائهم للبلد يتدهور يوم بعد يوم، في وقت كان إعلان حب الوطن أمر غريب ومُدهش!

نظروا لناديهم فوجدوا فيه أملًا لرمز ليلتفوا حوله، وأرادوا أن يطبقوا فيما بينهم مبادئ الأخوة والاتحاد..

الحماس سمتُهُم، والصيحات القوية الصاخبة ملمح أساسي لهم..

لا يأخذون الأمور على اللون الرمادي، إما أبيض أو أسود..

أعترف أني لم أكن على إحساس متصل مع هؤلاء الشباب، فما كنت أرى فيهم إلا شباب بحثوا عن أسلوب جديد لتضييع الوقت فوجدوا ضالَتهم في توجيه طاقاتهم السلبية المكبوتة كلها تجاه التشجيع ورجّ الاستادات.. لم أرَ فيهم نبلهم ولم أعرف فكرَهم ولا معنى أغانيهم التي ينشدونها إلا مع أحداث الثورة..

ولم أعرف صدقَ شجاعتهم إلا بعد أن توالت الأيام تلو الأيام، وظهروا رجالًا في المواقف العصيبة التي عصفت البلاد في الآونة الأخيرة..

وإن كنت لا أزال أختلف مع كثير من أساليب حلولهم للأمور، وكثير من معتقداتهم - وإن كان هذا لا يعنيهم في شئ - ولكني في هذا الوقت، أجد نفسي متعاطفًا مع مشاعرهم.. وأتخيل نفسي لو أني كنت بينهم وقت أن مات من مات من اخوانهم وأصدقائهم بمجزرة بورسعيد.. وكيف بعد أن أمضيْنا أيامًا وأيامًا في استادات البلاد كلها، وفي الميادين.. نشحن بعضنا بعضًا بهتافاتنا الحماسيًة.. كيف يتركون حق إخواني يذهب سدى هكذا؟

وإن تفكّرت قليلًا لوجدت أن ضحايايْ ليسوا الوحيدين الذين لم يُقتص لهم.. قد مات من قبل سدى من كانوا في محمد محمود وماسبيرو، ومن قبل في بدايات الثورة..

ثم أجد من ناديّ الذي هتفت له في استادات مصر كلها حتى جُرحت حنجرتي أن يبيعَ القصاص، ويقرر البدء في الدوري وكأن شيئًا لم يكن..

سحقًا للبيزنس من وراء الكرة..

وسُحقًا للأموال التي تجترّونها من مباريات الكرة، والتي أضفنا لها نحن طعْمًا وحسًا..

أنتم لا تدرون معنى أن يُفقَد لكم عزيزًا شريكًا للعمر.. كسحت الرأسماليةُ مشاعرَكم كلها فلم يتبق إلا المادية القبيحة التي أنْسَتكم القصاصَ والعدلَ وأصبح جُل ما تفكرون فيه هو متى سيأتي المليون القادم..

فهمتمونا خطأ إذًا إذ ظننتم أن غاية ما نبغي كرة القدم وفوز فريقٍ بدوري أو كأس..

واقع الأمر أن النادي كان رمزًا للوحدة وللإرادة..

وكنا نتشدّق بانتصارات النادي وننسبها لنا.. إذا انتصر النادي انتصرْنا وإذا خسر لم تمنعنا خسارته من الهتاف والصراخ..

حتى جاءت الثورة، وعشنا معنًا جديدًا للانتصار..

وعشنا معنًا جديدًا للهتاف من أجل الحق والعدالة والحرية..

لم يفهم النظام ما صرخْنا من أجله.. صرخْنا من أجل الحرية..

ولا يفهم الآن اتحاد الكرة أو أعضاء مجلس إدارة النادي ما صرخْنا به من قبل.. وهو..

القصاص..

الثلاثاء، أغسطس 21، 2012

في التحرّش


الموضوع فيه بديهيّات..

- إن المتحرش سافل ولا مبرّرَ له تحت أي ظرف من الظروف.
- إن كون البنت لابسة اللي لابساه هذا لا يبرّر تصرف المتحرش إطلاقًا، بصرف النظر بقى لبس البنت ده غلط هذه قصة أخرى.. المهم أنه لا يبرر ذلك.
- كون فيه بنات بينبسطوا من موضوع التحرش ده - ممكن يكون موجود - لا يزال برضه هذا لا يبرر للمتحرش تحرشه.
- الموضوع زاد في مصر بشكل كبير جدًا في الكام سنة اللي فاتت، لكن مش معنى كده إنه مكنش موجود قبل كده.. لكن بالإضافة إنه زاد كمًا، كمان زادت سفالته وانحطاطه.. وكل ما الوقت بيعدّي إحساس المتحرش إنه بيعمل حاجة غلط بيتلاشى.. لغاية ما وصلنا للحالة القذرة اللي إحنا فيها دي.
- وصلنا لمرحلة - بنت ستين كلب - إنه لما المتحرش دلوقتي يتحرش بلسانه بس يبقى فل أوي على قد كده إنه ما مدّش إيده.. ودي مصيبة!
- مينفعش التشفي أبدًا فيمن يتم التحرش بهنّ عشان لابسة ضيق أو غيره، لا يمكن السكوت على فعل التحرش مهما كان الأمر.. والمفروض إن كون البنت لابسة إيه ده مالوش علاقة بتبريرنا للمتحرش تحرشه..
- تاني! التحرش بقى ظاهرة، وللأسف مش معنى إن البنت مش بتحكي إنه تم التحرش بها إنه لم يتم التحرش بها.. الموضوع من كتر ما زاد وغطى بقى حاجة شبه الطبيعي لما بنت تبقى ماشية لوحدها في موول زحمة، سهل أوي يتم التحرش بها.
- قبل كده، كان لما بنت تبقى ماشية لوحدها، في مكان زحمة - مش زحمة حكّ وكده زحمة عادية زي موول يعني - مكنش يحصل معاكسات عشان كان المعاكِس يخشى اللوم المعنف من الناس لما يعاكس واحدة ماشية لوحدها.. حتى من باب النخوة يعني.. إنما اللي حاصل دلوقتي إنه حتى هذا الإحساس زال.

اللي فوق ديه، بديهيّات.. وكلنا عارفينها.. هدف المقال بقى.. منكرّرش الحِكًم دي خاصّة لما نكون موجّهين كلامنا لفئة المتحرشين دول..

يعني القصد إنه مش حيقتنع لما يبقى داخل ع الفيسبوك يشوف بوست من واحد صاحبه مرسوم عليه واحدة "سيلويت" ومعمول كروس على واحد جنبها بيمدّ إيده ناحيتها ومكتوب تحت: دي زي أختك!!

لا تصدقوا فعلا هو كان ناقصه المعلومة دي بس الحقيقة.. لما شاف البوست ذرفت دموعه بقى وانهار.. وتاب بقى، وانضم لشباب حملة احترم نفسك بقى وكده!

أعتقد إنه الأسلوب الأمثل لحل المشكلة، هو إننا نشوف أساس المشكلة.. ونحلها.. (نجزّها يعني).

المتحرش ده فاكر النت دي مالهاش حرمة، أو إنها بتاعته.. ولما يعمل كده بقى دكر وراجل، ويرجع يحكي لشوية الصيّع بتوعه أنا بقى عملت وسوّيت في العيد، ***** ييجي خمس بنات النهاردة..

يبقى لازم الواد ده - واللي زيّه - يعرف إن البنت لها حرمة، وإنها مش بتاعة اللي خلفوه وربنا مخلقهاش السلّيوة بتاعته..

لازمًا وحتمًا نعترف بالمشكلة، والدولة نفسها تحط الموضوع ده مسئولية عليها - مش تفضُّل منها ده واجب عليها - واللي يتشاف بيعمل كده، يتمسك ويتعلق وينال من العقاب ما يردعُه.. وبالقانون!

فيها إيه لما يبقى في كل مكان فيه أفراد أمن واقفين يتحروا اللي ممكن يعمل عملة زي دي عشان يروّقوه وقتي.. مينفعش الجهود تبقى شعبيّة - بس - لازم الدولة نفسها ترعى ذلك.

الحاجة التانية، تجنب خلق الحالة اللي تؤدي للتحرش، بمعنى إيه؟ إنه مينفعش أبدًا يبقى المكان مزدحم جدًا.. وشباب على بنات، وكله - آسف في اللفظ - حك في حك على الملأ.. والله ده احترام لآدمية الناس.. حاجة زي المترو دي.. صحيح في عربة مخصصة للسيدات، لكن التعامل في الموضوع ده لازم يبقى بحزم وشدة أكتر م اللهلطة اللي موجودة دي.. لازم يبقى فيه آلية إن لما نطع يخش عربة السيدات يتبلغ ويقف المترو ويروح لنقطة المترو يتربّى.. حنقعد نقول أصل الثقافة والمثقفاش.. مفيش أمم اتعلمت الأدب غير بكده..

برة اللي إحنا فرحانين بيهم دول إنه مفيش حد فيهم يجرؤ يكسر إشارة ولا يعدي في حارة مش حارته متولدوش كده!! مروا بفترة كان اللي بيغلط بيتشألط.. وبكل قسْوة.. لحد ما بقت ثقافة متراكمة عندهم.. الطبيعي إن أنا ألتزم بالقانون والأخلاق والعُرف العام..

إحنا ثقافتنا انتحرت، والأخلاق انحرفت.. وعشان ترجع تاني لازم شدة وجزم في تطبيق القانون - مش افترا يعني - لكن بالحق..

الحاجة التالتة بقى، النشء نفسه وهو صغير.. يتعلم في المدراس الكلام ده عمليّ.. مش مجرد درس في العربي: إشارة المرور خضرا يعني امشي حمرا يعني قف اصفر اللي مبيشوفْهاش يعني استعد.. لأ! لازم يبقى في تعويد للأولاد من وهم صغار الالتزام بالتعليمات.. يقوم الولد من وهو صغير يتربى على احترام غيره والتزام القانون.. مينفعش نسيب الموضوع للظروف، الواد أهل بيته محترمين حيربّوه كويس حيطلع محترم، لو أخل بيته مش كده حيطلع سافل!! مينفعش نسيب حاجة للظروف، دي بلد والله ده مستقبل أمة.

كل ده لازم يحصل مع بعض، والدولة تكون مسئولة عنه.. المبادرات دي حاجات جميلة جدًا والله وهي اللي بتخلي الواحد عنده أمل في بكرة.. لكن الأز لازم يكون ع الدولة إنها هي اللي تكون مسئولة مسئولية كاملة عن الكلام ده مش تفضّل منها..

الثلاثاء، يوليو 17، 2012

الإنسـان المصــري أما يتْمِرِع!



استكْمالًا للحلقة الماضية في سرد ما حلّ بالإنسان المصري، نتوقف عند ظاهرة ملموسة ولعلكم تشاركوني فيها - خاصّة من اعتمدوا لفترة طويلة من حياتهم على المنتجات الاستهلاكية المصرية "الأكل" - والحقيقة أود أن أشير إلى حقيقة ثابتة وجب التنويه لها:

أنني حينما أنتقد الإنسان المصري وأتغزّل في ما حلّ به من تشوه لفطرته أو نقص في صفاته الكريمة فإني بذلك لا أعفي نفسي من هذا النُقْصان.. ماهو محسوبكم إنسان مصري برضُه - ولكن شاءت الأقدار أن يلتفت انتباهي لمثل هذه الصفات التي انتكست في طبع المصري كي أكتب فيها فأقوّم نفسي وإياكم.. وأيضًا وهو هام جدًا: أن يتحلى كلٌ منا بقدر من الإيجابية بحيْث إذا رأى أي من هذه التصرفات السلبية في الشارع يسعى بكل ما أوتيَ من قوة أن يغيّرها.. بالكلمة الحسنة طبعًا مش عافية يعني..

ما أود لفت النظر له في هذه الخاطرة هو أمر يشعر به كما أسلفت من في تعامل مباشر مع المنتجات الاستهلاكية المصرية خاصّة تلك التي لا تنتمي لمؤسسات كبيرة.. يعني مثلًا محلات الأطعمة السريعة..

هي سمة عامّة حقيقًة لا أدري لماذا.. حينما يظهر على محل من محلات الأكل بدايات مبشّرة للمستهلك ولأصحابه، ثم يبدأ يُدرّ الدخل والشُهرة على أصحاب المكان.. يتنطّع المحل في جودته وفي أسْعارِه!

المفترض أنه حينما يُعرف عن محل ما أنه اشتهر لجودة طعامه ولأسعاره المناسبة بالمقارنة مع أقرانه يكون كل سعيه أن يؤكد هذه الصورة لدى الزبون.. ويسعى بكل ما أوتيَ من قوة لاستقطابه، ولكن الحقيقة أنه ما يلبث قليلًا - سنة أو سنتين - حتى تجد جودة وكمية الطعام في النازل والسعر في الطالع.. يعتمد على طبع سلبي آخر في المستهلك المصري وهو ما إن تعوّد على مطعم معيّن في مكان معيّن تجده لا يريد تركَه ولو اعترف بسوء جودته مع الوقت.. دائرة ثقة يخلقها لنفسه لا يحب أن يخرج منها ولو بالطبل البلدي.. نحن نحب الاستقرار.. واخد بالك.. الاستقرار.. وأن يركد الحال كما هو خير ألف مرة من أن يتشقلب مرة واحدة ولو للأحسن.. ما علينا!

مثال: مطعم أبي قير للمأكولات البحريّة قرب ميدان تريومف، اشتهر بشوربة السي فوود لديهن كانت تنافس أعتى مطاعم الأسماك على الرغم من أن مطعم أبي قير هذا محل صغير جدًا.. مفيهوش قعدة أصْلًا.. ويمكن القول أن ذاع صيته وانتشر اسمه على مسامع الكثيرين، ويندر أن تمرّ عليه إلا وتجد عليْه زحام شديد..

مع الوقت، الأسعار زادت.. نقول مبرّر، ماهو يعني المطعم مش حيسلم من التضخّم وازدياد أسعار البضاعة عليه ولا عماله.. لكن مع زيادة السعر، يصغر الحجم.. وتقل الجودة بشكل ملحوظ!!!

السؤال هو: ليه؟!

يعني مفترض أن الإنسان: 1- يشكر ربه عز وجل على ما أنعم عليه من النجاح، 2- يفعل كل ما لديه لتأكيد صورة النجاح هذه لدى المستهلك عشان ميْجيش واحد زيّ يكتب فيه مقال مخصوص!!!

طب قُل يا سيدي ده محل صغير، واتمرَع ميجراش حاجة.. محلات تانية مفترض أنها تنتسب للفئة الكبيرة من المحلات تعمل نفس العمْلة.. زي كوك دوور اللي عيشه بقى بيفَروِل - ده الطبيعي - وبيغْلى exponentially بما لا يتناظر مع غلوّ البُضاعة ولمؤخذة.. وده كوك دوور يعني.. ميصحّش.. دا عِلي عشان المقاطعة أساسًا..

والمثال الذي تتجلى فيه هذه السمة هو بالطبع محلات شاورما الريم، اللي مكمّلش سنة وهوب فرقع الفراقيع، ما إن حدث ذلك حتى زادت أسعاره، وساءت جودة شاورمته، وساءت خدمته "الدليفري وكده"..

فالموضوع يتحمّله اثنين:

1- المطعم أو خلّينا نقول صاحب الخدمة اللي اتْمرع عشامّا كَبَر وبقى يلعب بالناس..
2- الناس نفسها اللي مبقاش عندها فرق، فلا تقيّم الغثّ من السمين، ومعندهاش قُدرة على معاقبة اللي يتنطّع عليها..

وبس كده!

الاثنين، يوليو 16، 2012

الإنسان المصري وتشوّه الفِطرة!



على الرغم من إن الموضوع اتهرى قبل كده كثيرًا.. ولكن بما إنه الأمر كما هو، فلا مانع من المزيد من الهري، ولكن نحسب أن يكون هرْيًا إيجابيًا نوعًا ما..

الفكرة التي نود "تسليط" الضوء عليها - قال يعني هي ناقصة - هي الحفاظ ع الحاجة.. الصيانة.. النظافة..!

السؤال: لماذا لا يلتزم المصري بالحفاظ على الحاجة.. من تلقاء نفسه؟

حينما تسير في شوارع الكوربة، تبقى بتتمنى تستمتع بمبانيها الفنية الجميلة، ولكنك تجد نفسك بتضحك على نفسك، لما تلاقي نفسك بتحاول تقنع نفسك إنها تستمتع بمباني مترّبة، ومش نظيفة..

في الغالب، الفراغ ما بين اللافتات المعلقة على الكوبري وجسم الكوبري مبيبقاش فراغ.. الحقيقة بيتحوّل لمقلب زبالة.. شوف ابتكار المواطن المصري الأصيل إنه يخلّق أماكن جديدة يرمي فيها زبالته..!! الصراحة حاجة تقرف!

الحقيقة، مما استنبطته.. أن المواطن المصري - في الغالب يعني إلا من رحم ربي - لا يجعل من الحفاظ على الجمال همًا له إلا إذا كان ذلك مرتبط بعائد مادّي له..

يعني طول ما الموضوع مفيهوش مصلحة، يبقى إنشالله تولَع!

والحقيقة أن الموضوع غير قاصر على النظافة فقط، بل الصيانة بشكل عام.. يعني مثلًا.. مصاعد العمارة التي أسكُنُها، هم أربعة مصاعد مقسّمين بالتساوي على نصفيْ العمارة.. المصعدان اللي بيخدموا صفّ الشقق اللي ساكن في وسطهم رئيس اتحاد الملاك، ماشاء الله اللهم لا حسد.. ويارب يفضلوا كده علطول.. مبيعطلوش، ونظاف كده دايْمًا ماشاء الله.. أما بقى المصعدان الآخران.. اللي بيخدموا السُكان العادة.. من فترة لفترة يعطلوا، وأداء المصاعد عامًة تلاقيه في الزُقزيقة.. ونوره يرعّش أحيانًا.. ومش نظيف، تملّي يعني.. كده!

الدافع اللي يخلّي القائمين على العمارة يصيّنوا المصاعد اللي بتخدم رئيس اتحاد الملام أكبر بكتير جدًا من الدافع اللي يخلّيهم يصيّنوا مصاعد الناس العادة، بل أحيانًا قد تصل - في بعض الأماكن يعني مش شرط عمارتنا - إنه لما القائمين على الأمر يقوموا بدورهم، يبقى فضل من عند معاليهم مش الواجب، ولما حتى هذا الفضل بيتعمل، مش لازم يتعمل بذمّة أوي..

هذه الذمّة أصبحت صفة لقلائل في هذا البلد، ما هو برضُه حاسس إنه مظلوم وحاجاته مش متلبّيّة، فعلى قعد فلوسْكو بقى!

من فترة، جُدّد ميدان هليوبوليس، جُدّدت حديقة الميدان الوسطى وسُفلت الشارع ليصبح أكثر نعومة، ووضع علم مصر ليرفرف وسط الميدان، قماشة العلم كبيرة كده تفرح، والله لما كنت بشوفها كنت بنبسط.. والله فعلًا أنا الحاجات بتؤثر فيّ.. الموضوع لم يمُر عليه زمن طويل، حتى تمزّق الجزء العلوي من العلم، وأصبح يرفرف متناثرًا وكأنه يشحذ، أو بيرْدح مثلًا.. والموضوع مطوّل الحقيقة.. متعرفش بقى اللي جدّد معملش حسابه لو حاجة زي كده حصلت من المسئول عنها يصلّحها؟ ولا على قد فلوسْكو برضه - الموضوع معمول هدية من شركة تعمل في الإضاءة بالمناسبة- ؟ ولا فاكس الفكرة إنه العلم يتقطع ميتقطع ولا يتنيّل يعني هو مين اللي حيركّز..

الفكرة بقى فـ إيه؟ إنه الفِطرة.. انتكست!!! خاصّة في موضوع الزبالة اللي في الشوارع ده، بصرف النظر إنه المفترض إنه في حيّ وناس تُسأل عن الزبالة اللي في الشوارع دي اللي طالت النظيف والمتواضع.. الناس أصبحت لا تجد مشكلة فإنها تمشي وجنبها كوم زبالة مرمي، القطط جوّاه ياما وأعزكم الله يعني الريحة جايبة مدى بتاع أربعة أمتار حواليها..

نرجع نقول، إنه ليه تنظف، هل في فلوس ورا إنها تنظف؟ إذا كانت الإجابة لا.. يبقى فاكِس!!! وهذه مصيبة في حد ذاتها الحقيقة.. أعتقد أن هذا عَوَر أصاب الشخصية المصرية وقد نحتاج سنوات لعلاجه..

بالإضافة إنه سلوك المواطن نفسه في تزبيل / إهْمال الشارع أو المكان العام - اللي ماله سايب ده - أصبح أمر لا يُزجَر عليه.. لا من قبل الحكومة، ولا من قبل الناس أنفسهم، ولا من نفسِه.. بل قد يجد في نفسه ما يبرر تزبيل المكان العام الذي يرتادُه..

شئ يغيظ أما تشوف كل مواطني بلاد الدنيا مش عايز يزبّل بلده - وده شئ طبيعي مش إعجاز يعني - وأنت البلد المتفرد اللي الزبالة أصبحت سمة من سماته..

طبعًا الموضوع متباين، مش كل محافظات مصر واحد، الحقيقة القاهرة بتتألق بالذات في الموضوع ده، لكن إذا كان نصيب بقية المحافظات أقل في العتاب بخصوص الزبالة والتزبيل، فمسألة الضمير كلنا فيها في خندق واحد.. انهيار عقارات الإسكندرية - مش أول مرة - والعمارات المخالفة في الإسكندرية كثيرة جدًا وقد "نفاجأ" بسقوط المزيد من العقارات إن لم يتحرك ساكن من أصحاب الضمائر الميتة في الأحياء هناك، وغير ذلك في شتى ربوع مصر..

مصيبة لما الموضوع يتعلق بأرواح الناس، والضمير فيه يغيب، والله أنا ما عارف اللي أعطى تصريح هذه العمارة المخالفة - لو عايش يعني - يا ترى نايم في سكون وعلى راحة راحته ومش على باله العشرات اللي قُتلوا بسبب إهمالِه وضميرِه الميّت!

داحْنا عالم سايْكو باين!!

ربنا يصلح الحال..

الثلاثاء، يوليو 03، 2012

خواطر تنفيسية - أيها التويب/الفيسبوكر الجامد!


هذا الجيل ومن قبله أول مرة بالنسبة له إنه يمر بمثل هذه الفترة من الثورة والصراعات السياسية واللخفنة والمقصّــات وتساقط الأقنعة والكلام ده.. فالطبيعي.. الطبيعي.. إنه يفاجأ بكل حاجة بتحصل، والطبيعي إنه ميبقاش فاهم.. يعني ده مش عيب في ذات هذا الشعب - بجيلينه - إنه يتوقع حاجات تطلع مش هي اللي حتحصل.. ولا هو عيب إنه يُصدم من كده..

صحيح لازم يبني توقعاته ع المنطق، ويحلل بمنهجية - بقدر الإمكان يعني - بحيث يقدر يتوقع اللي ممكن يحصل من العسكري بقى من الثوار من الإخوان من الشعب من برة من جوة من أي حتة.. العوامل والأطراف كتيرة أوي أوي.. والإعلام كبير ومتشابك وفتاي أوي أوي.. فمصادر التشويش ع المواطن المصري مش طبيعية.. كل ده بيخلي توقعاته ممكن متبقاش في محلها.. ده مش نقص في عقله.. ده لإنه مفيش أي حاجة من اللي إحنا عايشينها ماشية بشكل قياسي..

العيب بقى، ع اللي ربنا مديله بُقين حافظهم.. ومعندوش غيرهم.. ووقت ما الناس قاعدة - غصب عنها مش قاصدة - تتوقع إيه اللي حيجرى في البلد، ما هي البلد بلدهم برضُه وأكل عيشهم فيها فطبيعي يتوقعوا عشان يعرفوا يعملوا إيه في دي بلد.. هو يبقى ساكت.. قوم بقى لما يحصل شئ غير اللي ناس متوقعاه.. تلاقيه يكتب لك تويتة ولا ستيتس ع الفيسبوك على إحدى الهيئات التالية:

- والله انتو شعب غلبان، لسة بتثقوا في فلان الفلاني، ده راجل **** من زمان.. "على أساس إن سيادته من كَوكب تاني"..
- ناس طيبين أوي يا خال..
- انتو لسة واخدين بالكو دلوقتي.. "وكأن معاليه هو الجهبذ اللي ما فاتتوش حاجة"..
- الموضوع باين م الأول.. - يكتب جملة قرأها في أي بتنجانة تدل إنه علامة يعني ثم يتبع ذلك بـ "يا غجر"..

يا ريت بس معالي جناب التويب ولا الفيسبوكر الأسطورة يتواضع ويتنازل للشعب العادة اللي زيّينا، وينخرط معانا في الخرنوط اللي إحنا كلنا عايشين فيه ده، عشان م الآخر مفيش حد مننا كلنا عاصر البتنجان المقلي اللي إحنا عايشينه ده، وكل ما تقارن اللي حصل في مصر باللي حصل في أي حتة في العالم تلاقيه معاه شوية فـ حاجات، وحاجات تانية يتفرّد النموذج المصري بشتتان في جهات متفرقة وعديدة.. ده غير إن زمان غير دلوقتي.. العوامل المؤثرة زمان غير البظرميت اللي إحنا عايشينه دلوقتي..


ولو فعلا سيادة معالي التويب أو الفيسبوكر ده جامد وكان متوقع الكلام ده.. يتواضع يعني.. يتواضع.. مفهاش حاجة.. داحنا في الأول وفي الآخر برضه.. عايشين في بلد واحد، نتّيتة زي بعض.. فمش أسلوب يعني..

وربنا يهدينا جميعًا..

السبت، يونيو 23، 2012

بوشّين!

أنا عايز أعرف هو اللي بيقول إن دي معركة الإخوان والعسكر، وزي ما الإخوان باعوا الثوار والثورة في محمد محمود حيكون لذيذ أوي التشفّي في صراعهم الآن مع العسكر.. ماشي الإخوان بصّوا للانتخابات في محمد محمود وغيره وغيره.. إنما بقى سعاتّك شُفت إيه من القوى "المدنيّة" في الوقت ده؟ واللي منهم قعد يجعجع ويتاجر بدم الشهدا وقتئذ يا ترى إيه موقفك منه النهاردة لما لقيته بينتخب "شفيق"..!!

أنا لا مع الإخوان، ورافض كتير من نهجهم أولها خلط العمل الدعوي بالسياسي في مواقف كثيرة.. إنما أساسًا الموضوع مش موضوع تأييدهم ولا اللي نازل الميدان دلوقتي ده بيدعّمهم.. أنا انتخبت مرسي مضطّر مش على قناعة ببرنامجه ولا برنامج حزبه، ودلوقتي أنا أدعّم رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب، وبرفُض بلطجة العسْكر!!!

وبعدين بقى لما الحرية والعدالة يعلن فوز مرشحه في انتخابات الرئاسة - اللي شئ عادي جدًا في أي حتة في العالم فيها شفافيّة - ده يبقى خَرْق للقانون، ولما المجلس العسكري يروح يحلّ البرلمان كده من نفسه ولا قانون ولا هجص من ده، ويروح يطلّع قرار من وزير العدل يخلي ضابط الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية من حقّه يقبض على المدنيين، ويعملّك إعلان دستوري هو مش مخوّل إنه يطلّعه أساسًا يكبّل فيه صلاحيات رئيس الجمهورية في بلطجة وعسْكرة فجّة لا "مبرر" لها.. كل ده ما يبقاش خرْق للقانون؟!!! اللي يقول كده يبقى - رسميًا - مؤيد ومحبّ وعاشق للحكم العسكري الاستبدادي - اللي مينفعش ميبقاش استبدادي - وبيرْضخ لبلطجة الجيش ومش شايف إن مصر تستحقّ حُكْم محترم قائم على الديمقراطيّة والكفاءة في تولي المناصب وفُل أوي بالنسبة له القرف اللي احنا عايشين فيه بقالنا أكتر من ستّين سنة..

الأحد، يونيو 17، 2012

إلى كارهي الثورة..



- قام بالثورة قلة مندسّة كانوا يرون في مصر أعظم بلاد الدنيا ولكن دنّسها الفساد والاستبداد..
- اعتقد هؤلاء اعتقادًا يقينًا أن الشعب المصري كله اتخنق من الفساد والمحسوبية وإهدار الكرامة..
- ظنّ هؤلاء ظنًّا يقينًا أن الموت في سبيل انقشاع هذه الغُمّة سيبلّغهم الشهادة، فرأوا إما أن يحيَوْا كرامًا أو يستشهدوا في سبيل الله كرامًا..
- ما اعتقد هؤلاء أن موتَهم سيكون سُدى..
- ما تخيّل أحدُهُم أن موته سيستهزئ به البعض..
- ظنّوا أن قلة كانت منتفعة من نظام مبارك، ولكن السّواد الأعظم من الناس يرون في نظامه عفنًا جثم على صدر هذه البلاد عقود حتى أفقدها صلاحيّتها..
- اعتقد هؤلاء أن مصر رائدة، وأنه إذا كان هذا النظام المباركي دنّس ريادتها ونسب للدولة المصرية العِمالة والخيانة للقوى الكُبرى، وإذا كان هذا النظام باع أهلَنا في مختلف بقاع الأرض من غزة إلى السودان إلى الصومال، فإن هذا ينتسب للنظام والمنتفعين منه فقط، ولا يمكن أن يوافق الشعب المصري كله على ذلك!
- لم يكن يتصور هؤلاء بأي سبيل أنه سيسعى أقوام ممن لم يكونوا على انتفاع رسمي بالنظام السابق إلى إعادة إنتاجه.
- بل في ظنّي أنهم سيُصدموا إذا ما علموا أن قطاع كبير ممّن أوذوا في العهد السابق شرّ إيذاء، هم أنفُسُهم، أن يسعوا لإعادة إنتاج النظام السابق!

* * *

تخيّل أن مثل هذه الآمال التي قامت عليها الثورة وخلعت من أجلها حُسني مبارك، بعد أن ظنّ الجمع أن مصر من شأنها أن تصبح دولة محترمة بين الأمم، يصبح المستفيد الأكبر من هذه الثورة.. هو الحُكم العسكري.

ونقول الحُكم العسكري وليس الجيش، لأنه من الآمال البريئة التي قامت من أجلها الثورة أن يصبح لدينا أقوى جيوش المنطقة، من ذا الذي يكره أن يرى جيوش بلاده عظيمة قوية لا تخشى إلا ربّها.. وتتطلّع إلى النّزال إذا ما دُقّت طبولُ الحرب!

لما قامت الثورة، لم تقُم من أجل خلع رأس نظام أفسد بينما يبقى نظام الحكم كما هو.. المشكلة الحقيقية لم تكن في مبارك بقدر ما كانت في الحكم العسكري.. الحُكم العسكري هو أساس كل الشرور التي مرّت بها مصر..

مصر تعيش حُكمًا عسكريًا طوال ستين عامًا، ومن قبلها عاشت نظامًا ملكيًا لم تكن إرادتها الكاملة في يدها أيضا، في الثورة الماضية - أحداث 25 يناير - لم يكن الهدف خلع مبارك ليحل محله حاكمًا عسكريًا جديدًا.. يأتمر بما يأمره به العسكر وينتهي بما ينهاه به.. كان الهدف، إذا ما تأمّلت هذه الجموع الحاشدة التي خرجت في ميادين مصر كلها.. دولة جديدة.. جمهورية ثانية..

لم يتصوّر أي من هؤلاء الذين خرجوا أن يكون نتاج هذه الثورة استكمال استبداد الحكم العسكري وتملّكه من زمام أمور البلاد، إن ما نعيشه الآن لا يمكن تفسيره إلا أنه انقلابًا عسكريًا جديدًا يضاف لانقلاب 23 يوليو..

أستغرب استهوان الناس بانقلاب 14 يونيو، الأمر لا علاقة له بحكم الدستورية الذي كان في أدراج المحكمة من شهور - والذي علق عليه الإخوان المسلمون في إحدى بياناتهم ولكن اكتفوا وقتئذ بإعلان الضجر والصخب، كان هذا البيان الإخواني ضمن سلسلة بيانات الإخوان التي كانت تخرج علينا وهم بمعزل عن الشارع - ، الأمر لا علاقة له بالقانون.. هو انقلاب على السلطة التشريعية يمكن تسميته انقلابًا خشنًا بعدما حاوطت الآليّات الأمنية العسكرية مبنى البرلمان..

في البداية، استهلّ الجيش المصري ثورة الشعب على طبق من ذهب ليذهب عنه هاجس التوريث، أزاحت الثورة ماء الوجه الذي كان يتصبّب من طنطاوي وعنان خوفًا من المستقبل من كان سيحكم مصر، وهل سيأتي اليوم الذي يقدّمان فيه التحية العسكرية لجيمي، جاءت الثورة لينحاز الجيش المصري وقتها للشعب المصري لا لشئ إلا أنه وجد نفسه في خيار إما ذليل مبارك الضعيف الذي سينتهي آجلًا أو عاجلًا وإما أن يستحوذ هو على الأمر برمّته.. فمن غير تفكير الخيار الثاني كان "الخيار المختار".. كما أن هذا الخيار ولا شك يتماشى مع رغبة أمريكا التي تعلم ضعف مبارك وقلة حيلته خاصّة في آخر عقد له في الحُكم..

ثم يعد بأن خيار الدولة المدنية لا رجعة عنه، وأن الديمقراطية ستكون سمة الحكم، وأن الجيش ليس بديلًا عن الشرعية التي اختارها الشعب.. ولكن مع مرور الأيام..

- يُحلّ مجلس الشعب الذي اختاره الناس بملء إرادتهم في أول انتخابات تشريعية نزيهة يعرفها المصريون.
- يُقضى على محاولات تأسيس الهيئة التأسيسية لوضع دستور البلاد على أيدي من اختارهم الشعب لينفرد بها هو.. تخيل أن دستور مصر الجديد سيضعه مئة فرد يختارهم "المجلس العسكري" الذي عادت له السلطة التشريعية..
- يُخلف وعده بتسليم السلطة كاملة في 30 يونيو، فالرئيس القادم لا برلمان له.. رأس السلطة التنفيذية ستُسلّم فقط، أما التشريعية ففي يد العسكري، والقضائية كذلك كما هو واضح في يد المجلس العسكري.
- تكتشف أنك على مدار عام ونصف كنت في مسرحية هزلية، كره الناس فيها الثورة والثوار واللي ثاروا، وأصبح همّ العامّة من الناس استعادة الأمن والأمان، حتى لو كان السبيل إلى ذلك انتخاب من سلبهما إيّاهم.. لأنه هو الذي خطفهما منهم..

* * *

إن دولًة بحجم مصر وأهميتها، لا يمكن أن يُترك قرارُها بيدها وحدها إلا إذا بُذل الغالي والنفيس، ولن يكون ذلك على مدار عام أو عامين.. الأمر يحتاج جهاد وكفاح عظيم.. الثورة على الفساد وحدها لا تكفي.. لدينا تحدّيات عظيمة مع الشعب نفسه.. هذا الشعب الذي وصل لمرحلة يعتبر فيها نفسه أقل من أن يعيش حياة كريمة..

السبت، يونيو 02، 2012

الثورة مستمرة..


- مساعدو العادلي وعلى رأسهم كبير أمن الدولة هم أكبر أسباب قيام الثورة، إذا استقر في نفس القاضي أن هؤلاء بريئون من التهم الموجهة إليهم وأنهم "زي الفل"، لماذا إذا شكر القاضي ثورة 25 يناير؟

- القاضي برّأ حسني مبارك من تهم التربّح من خلال النفوذ، لماذا إذا شكر ثورة 25 يناير التي قامت من أجل استرداد ما نُهب من ثروة مصر؟!

- حُسني مبارك برئ من كل التهم المنسوبة إليه قبل اندلاع الثورة.. يعني الثورة قامت على كذب!!! يعني الثورة افتراء!! يعني الثوار هم المجرمون.. ويعاقب حسني على من مات فيها فقط.. لماذا إذا يعاقب..؟ هؤلاء كانوا شرذمة قليلون انتفضوا ضد حاكم عادل لم يسرق فيهم ولم يولّ عليهم من سرقهم ولم يسع يومًا لتوريث الحكم ولم يُطعم شعبه مسرطنات ولم يُغرق شعبه في اليمّ إهمالًا ولم يحرق شعبه في القطار إهمالًا ولم يترك صخور الدويقة تسقط على رؤوس أبناءه من غير أن يُحرّك ساكنًا ولم يترك أهله في العشوائيات بغير صرف ولا ماء ولا صحة حتى أصبحوا على قناعة أنهم في مرتبة دون البني آدميين.. لم يفعل فيهم هذا كله.. كان الواجب لمّ كل هؤلاء في السجون والتنكيل بهم أنهم ثاروا على مثل هذا المستنير!

- علينا إذاى محاكمة كل من نزل إلى التحرير ووُصف بالثائر لأنه ثار على حق.. نحن المجرمون الآن وليسوا هُم!

- القاضي برّأ حسين سالم "الهارب" من التهم الموجهة إليه، واتضح أن تصدير الغاز لإسرائيل كان حلالٌ حلالٌ حلالٌ.. ولم يُبخَس منه شيئًا..

- القاضي لا يرى مسئولية على كبار مساعدي العادلي في قتل المتظاهرين ولكنه رأي مسئولية على كبيرهم.. بأي منطق؟ أنهم ائتمروا بأمره فليس لهم أن يردّوه ولو أمرهم بقتل أبنائهم..؟ ماذا لو أمرهم العادلي بالسرقة.. عليهم ألا يردوا أمر سيدهم فيسرقون ويُحاسب العادلي على كل السرقات؟

- كيف تجرأ القاضي وقال أن الثورة قامت بسبب ثلاثين عامًا من الذل؟ أي ذل عاشه الشعب المصري إذًا والرجل ناصع البياض لم يسرق من ثروة البلاد ولم يتربّح من منصبه، وعياله لم يستغلوا ثروات البلاد مطلقًا.. إلا أنهم ياعيني قد يحاكموا على "التلاعب في البورصة"؟

- إذا كان حسن عبد الرحمن ناصع البياض.. علينا إذا إعادة جهاز أمن الدولة كما كان كاملًا غير منقوص! وأن نحاكم من أسقطوه فهم أسقطوا كيانًا بريئًا لم يرتكب جُرما؟!

- هل القاضى على قناعة حقيقية بهذا الحكم؟ كيف يفصل القاضي نفسه عن العالم ويحاكم حسني بما لديه من "ورق".. إذا كانت الدنيا تُقاس بالورق، فلم يكن لنا حاجة في محاكمة حسني مبارك أساسًا؟

أيها الإخوة، على قدر ما يكون إيماننا بقضيتنا ورسالتنا على قدر ما يكون تمسّكنا بها كلما ابتُلينا فيها.. فأصحاب الرسالات الحقّة لا يجزعون عند الشدائد.. بل كل ضربة لهم فيها تزيدُهُم قوة..

ولا تيْأسوا إخواني مما ابتُلينا به.. فمن رحمة الله علينا أنه جل وعلا لا يحاسبنا على النتائج.. بل ينظر هل أخذنا بالأسباب كلها متوكّلين عليه وحده أم جزعنا وعجزنا فقُلنا: مفيش فائدة..

اعلموا أنه دائمًا.. فيه فايدة! ولو لم نرَ أي شئ مما نصبو إليه..

وَلَرُبَّ نازِلًة يَضيقُ لها الفَتى   *** ذَرْعًا وَعِنْدَ اللهِ مِنْها المَخْرَج
ضاقَت فَلمّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقاتُها *** فَرُجَتْ وَكُنْتُ أَظُنُّها لا تَفْرَج