‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإنسان المصري. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإنسان المصري. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، أغسطس 25، 2020

رسائل | الموالاة والبراءة.. والحكم بإنصافٍ وموضوعية

فيه فرق بين إننا نوالي ونتبرأ في الله من ناس معينة وإننا نقول الحقيقة عموما على الناس دي.

الموالاة والحب أو البراءة والبُغض حاجة، وإننا نكون موضوعيين في تناول الحديث عن الناس حاجة تانية.

الخلط بين الأمرين دول بيضرب المصداقية بتاعة المتكلم في مقتل، وما بيبقاش لكلامه لازمة. والحقيقة إنه الإنسان مش محتاج يبقى غير موضوعي عشان يوالي أو يتبرأ من ناس معينة، لأنه بيوالي ويتبرأ بما تُمليه عليه قيمه اللي عايش بها.. إيه علاقة ده بقى إنه يُقِر بإنصاف ما يراه من إيجابي أو سلبي بخصوص الناس دول.

ففكوا الحزءة دي عادي مفيش مشكلة يعني..

الروح الغلاوية..

 

الروح الغِلاوية: وهي المصطلح الأوقع من الروح التنافسية، حيث أن الأخير يُضفي سَيْسَنة نسبية على المصطلح. وعلى كلٍ، فإن هذه الروح أصبحت نادرة الوجود في الملاعب المصرية. وهنا لست بصدد تقييم هذه الروح أخلاقيا ولكن أريد لفت الانتباه لفاعليتها.

الكابتن العميد المخضرم حسام حسن كان مهاجما فتاكًا شرسًا على المرمى رغم أنه لم يكن من أحرَف اللاعبين.. وذلك في نظري بجانب إتقانه مهارات "التفنيش" ع الجول فهو لاعب غِلاوي، لا يرضى لنفسه الهزيمة أبدًا، يموت كَمدًا لو خسر مباراة خاصةً ممن يريد إثبات التفوق عليهم، ويشحذ الهمم في زملائه اللاعبين بمنتهى العنف لا لشئٍ إلا أنه لا يسمح لنفسه سوى بالانتصار. وينعكس ذلك على مقاومته للإصابات وربما التحامل عليها أثناء المباراة كما كانت تحكي عنه الأساطير، ربما تعرض لما يقارب الالتواء أو مقدمات الشرخ في عظامه ويلعب عليها لنهاية المباراة ويرفض التبديل لأنه يريد هو أن ينتصر بيديه. ولا يهتم بالتصوير عاريًا ليظهر عضلات بطنه الستة ولا يلهث وراء تصاوير الدعايات إلا نادرًا لتحقيق المكسب المادي المطلوب. يكاد أن يقتل نفسه في التدريبات حتى لا يتفوق عليه أي من زملائه في الفريق أو ينتزع أي من منافسيه لقب الهداف.. همه الأول والأخير الانتصار الشخصي والإثبات لنفسه وللغير أنه الأجدر مهما تقدمت به السن.

إذا أضاع فرصة لهدفٍ كاد أن يشق ملابسه ندمًا عليها، على عكس غالب لاعبي اليوم إذا أضاع الفرصة أو أدخل هدفا في مرماه نظرا للسماء يائسًا وكأنه يقول: بوف بأه، إلى متى يستمر سوء التوفيق! ويليق أن ترسم فةق رأسه قلبا مكسورا دلالة على كسرة النفس التي تعرَّض لها. ولعله يخرج بعد مباراة أول ما يفكر فيه قصة الانستجرام التي سينشرها لمحبيه ومعجبيه.

انقراض هذا النوع من اللاعبين الغلاوية نذير ضياع للكرة - ولا بأس في هذا - ولكن الأمر عبرة عظفي تبدل الأحوال وتغير المعايير وتباين الإعجاب على مر العصور.

ساعات العمل معيار النجاح؟!

 

 
ده تدليس كبير..

لأن المهندس أبو هشيمة ممكن يكون بيشتغل ٢٣ ساعة كمان مش ١٨ بس ده لأنها شركته وفلوسه وشغفه وكيانه هو، لما تكون موظف في الشركة ففي كل الأحوال لك سقف في العائد اللي هيجيلك.. لأنك ببساطة موظف لك نطاق أعمال ومسئولية مُحددة جوة شركتك، مش مطلوب منك تموِّت نفسك في الشغل وتحرق في ساعات عمل فوق طاقتك. وتلبيس كلام المهندس أبو هشيمة في إنه كأنه لوم على الشخص اللي ملتزم بعدد ساعات العمل بحسب القانون بس، أو تأنيب ضمير له إنه أنت السبب في اللي أنت فيه؛ بينما حقيقة الأمر إن ممكن جدًا تكون موظف في شركة وبتقعد فيها ١٨ ساعة ونجاحك "عادي" برضو لأسباب كتير منها إن مديرك مش مقدَّر شغلك (وده عامل مش موجود عند المهندس أبو هشيمة) ومنها إن يكون ضغط الشغل عليك عالي جدًا فبتسهر في الشغل عشان بس تبقى خلصت اللي وراك (وده برضو بسبب سوء إدارة في الشركة فبرضو ده عامل مش موجود عند المهندس أبو هشيمة لأنه أساسا صاحب الشركة محدش متحكم فيه) وأسباب تانية كتير..

النجاح مش بساعات العمل الكتير في حد ذاتها كده متقطعة من كل سياق، النجاح في الأول وفي الآخر توفيق من ربنا سبحانه وتعالى للشخص وأسبابه ممكن تبقى حُسن اتخاذه لقراراته وحسن استغلاله للفرص وإحسانه في الشغل اللي ممكن ينعكس في بعض الاوقات على زيادة ساعات عمله، بس مش هو ده الأساس.

الثلاثاء، أبريل 28، 2020

لمحة عن شمول مصر المالي

من السياسات التي اعتمدتها الدولة مؤخرًا في برنامجها للإصلاح الاقتصادي سياسة الشمول المالي واللي حابب أهلِك فيها قليلا.
جاءت قرارات البنك المركزي الأخيرة والخاصة بتقييد سحب وإيداع الكاش من البنوك كرد فعل لسحب المصريين مليارات بعد أزمة الكورونا فضلا عن قراره السابق بتأجيل سداد أقساط القروض كافة لمدة ٦ أشهر. فالكاش بقى برة البنوك ومش تحت عين البنك المركزي. رغم إن قرار تقييد سحب وإيداع الكاش ظاهر إنه رد فعل لما ذكرت، إلا إنه يرجَّعنا لفكرة الشمول المالي اللي الدولة بتروِّج لها منذ الإعلان عن برنامج الإصلاح الاقتصادي المرتبط بصندوق النقد الدولي.

النظرية بتقول فيه فلوس كتير في البلد ولكنها مش على رادار الدولة، وفيه معاملات مالية كبيرة جدًا بتحصل كاش مبتشوفهاش الدولة وبالتالي فيه فرصة كبيرة جدًا إن لو المعاملات المالية دي اترصدت تتضاعف الحصيلة الضريبية للدولة بالمقارنة بالحال دلوقتي.
إذًا الدولة عايزة:

- الفلوس اللي تحت البلاطة في البيوت بدل ما هي في البيوت مش تحت عين الدولة تتحط في البنك. ساعتها البلد تعرف حقيقةً حجم الأموال اللي في السوق أد إيه بدل ما فيه سوق موازي كبير جدًا مش قادرين نتتبعه.
- كل التعاملات المالية تكون معاملات بنكية (فيزا/تحويل بنكي/..) بحيث يسهُل تتبعها وتحصيل الضريبة المُستحقة قانونًا عليها في وقتها، وتحجيم السداد بالكاش لأضيق الحدود ويكون فيه إلزام على المواطن اللي يستلم كاش إزاي يسجله في سجل ما تقدر الدولة تتابع من خلاله العمليات دي.
طبعا تطبيق ده في مصر في الوقت الحالي صعب جدًا، عشان كده هم بيحاولوا يمهدوا للموضوع عن طريق إدخال طرق السداد بالفيزا لأي معاملة داخل مصلحة حكومية مع تطبيق غرامة لو هتدفع كاش، وزي إطلاق كارت ميزة لأي حد ماشي في الشارع عشان بدل ما يدفع الفلوس باليد منعرفش مين راح فين.. يدفع بالكارت في معاملية مالية مُراقبة من قبل الدولة عشان تخش في حساباتها وتعرف تطبق الضريبة عليها بسهولة وهكذا..
مع التكريك السريع والوتيرة اللي ماشيين بها في تنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادي وارد جدًا كمان كام سنة تلاقي:
- تغيير شكل العملة. يمهلوا الشعب فترة زمنية معينة لإيداع كل فلوسهم في البنوك عشان ما تروحش عليهم قبل ما يتغير شكل العملة ويصبح شكلها القديم لاغي، وبعدين يتعمل قانون يجرَّم حمل شكل العملة القديمة لأنه ساعتها مش هيبقى فيه مبرر للاحتفاظ بها غير إنه غسيل أموال مثلا..
- تجريم حيازة الكاش فوق مبالغ معينة لأنك مش المفروض تعوز الكاش غير في المعاملات المالية البسيطة.. فمش هيبقى فيه حاجة اسمها تروح تشتري عربية ولا شقة وتدفع تمنها نقدًا بالفلوس كده ولا إنك تشتري احتياجات البيت من الهايبر ماركت بالفلوس نقدًا وهكذا.. فده هيعظَّم الحصيلة الضريبية للدولة أكتر وأكتر.

يعني فعمومًا محتاجين نؤهل نفسنا لمثل ذلك وناخد أكتر على التعاملات المالية بالفيزا وأمرنا لله وأهي أحسن حتى من باب الاحتراز من نقل عدوى الكورونا بالكاش.

الاثنين، فبراير 24، 2020

آخر ما أكتب ليناير

لا يخدعنَّك العنوان، فإنه قد يوحي لك أني طالما كتبت وكتبت عنها وكأني حفيٌ بها أو خُضت غمار ثورتها أو اعتصمت بين ثائريها في ساحات الميادين، ولكن الحقيقة أن نصيبي من المشاركة في تلك الثورة هو الفضول والاندهاش أكثر من العزيمة والقرار.. لم أعرِّض نفسي للخطر فيها إذا ما ظننت أن احتمال الوقوع في الخطر قائم ولو بنسبة ضئيلة. 

غير أن أصحابي كانوا ممن ينزلون الشوارع فمنهم من كان دائم الحضور في المسيرات ومنهم من كان يبيت مع المعتصمين ومنهم من كان يؤمن بها فكان يكتب وهو مغترب وإن سنحت له الفرصة للرجوع للبلاد فيرجع وينزل مع النازلين.

وبعضٌ من أصحابي كانوا غالبا لا ينزلون مثل حالي، وقد تباين السبب في ذلك.

بالنسبة لي، فلما كان الأمر أمر موت. يعني أن من ينزل يعرِّض حياته حتمًا للخطر خصوصًا في أيام الثورةِ الأولى، فقد كنت أتورَّع عن النزول بثقة لأمريْنِ هامَّيْن:

أولا: أني لا أفهم ما يحدث على الحقيقة. وإن كان ظاهر الأمر أن مظلومين انتفضوا ضد ظالمهم. فحبس الناسَ ظُلمًا وقتل منهم من قتل. ولكن السؤال: متى يخرج الناس على حاكمهم؟ وقد كان هذا الحديث وقتها يُقابل بالاستهجان، ويوصَف من يطرح الفكرة للنقاش بالخضوع والجُبْن. وأنا لا أعرف الجبان من الشجاع. فالكل يتكلم ولا ضابط لذلك. والأقرب لقلبي وقتها هو دعم الثورة، ولكن لا رؤية بعد ذلك. ولا وعي حقيقي بأساس المُشكل. كل ما كان يسيطر على العقول هو الخلاص من الموجود بغرض التغيير. يجب أن نرى وجهًا آخر غير حسني مبارك في سُدَّةِ الحكم وقد كان.

وثانيا: أهلي. والذين إن كنت أخاف على نفسي القتل، فإني أخاف عليهم أكثر الحزنَ عليّ. ولا أطيق تصوُّرَ مشهد حزنِهِم عليّ، خاصةً وإن كان الأمر كما ذكرت في "أولًا" ليس قضية جليَّة الوضوح كجهادِ ضد كافرٍ معتدٍ.

فكنت متابعًا للأحداث متابعةً قريبة، مهتمٌ بالتطورات السياسية ومتابعٌ للأحزاب والاتفاقات والتحالفات والمساومات وغيره.. للساسة مُدَّعي دعم الثورة ولرموز الثوار في الميادين الذين ظهروا في الإعلام دون غيرهم للحديث عنها ولبعض عابري السبيل فيها الذين إما لاقوْا نحبهم أو انتظروا أو بدلوا تبديلا.

وقد خُضت مع من خاضوا وأفتيْت في الأمور السياسية، وقد ساعد في ذلك منصة فيسوبك والتي أعطت لمن يعرف ولمن لا يعرف الحق في الخوضِ في السياسة وإعلان آرائه النيِّرة وليتأثر بها من يتأثر، دون دراسة. ربما عانى السياسيون وقتها معاناة علماء الدين لما رأوْا آراء العوام في تحريك جموع الناس أو تثبيطهم، كما عانينا من آراء المشايخ الذين لا يفهمون في أمور السياسة بتاتا إلا أنه كان عليهم الخوض فيها للتأثير على تابعيهم والذين كوَّنوا ثقافتهم ووعيهم منهم لا من غيرهم. فكانت تجارةٌ بالسياسة وتجارةُ بالدين وتجارةُ بالفقر وتجارةُ بالغنى. انكشف معدن الناس فما صمد إلا القليل. فإن للكلام شهوة كانت في ذروتها في تلك الأيام.

 كان آخر علاقتي بالسياسة قبل الثورة انتخابات مجلس الشعب عام 2005 وانتخابات رئاسة الجمهورية والتي ولأول مرة نُفذت طبقا للتعديلات الدستورية التي أقرَّت انتخابات تعددية على منصب رئيس الجمهورية. قبل ذلك، كان ينتخب مجلس الشعب رئيسا للجمهورية ثُم يُستفتى عليه جموع الشعب فإن وافق الشعب كان بها وإلا فلا. وطبعا لم يحدث منذ قيام الجمهورية أن الشعب رفض رئيسا. في انتخابات مجلس الشعب هذه تحديد علا نجم جماعة الإخوان، ولأول مرة نجح 88 عضوا منهم لنيل مقاعد في البرلمان. في سابقة، وفي انتخابات الرئاسة هذه ترشَّح ضد مبارك أيمن نور - وقد كان وقتها فتى المعارضة الذهبيّ الذي تنسَج على ذكراه الآمال - وترشَّح ضده كذلك رئيس حزب الوفد. شاركت وقتها في تلك الانتخابات واستخرجت بطاقة الانتخابات الحمراء وبصمت لأول مرة وقد كنت أدرس في كلية الهندسة وقتها وقد كان شعورًا لطيفا، فلأول مرة أشعر وكأني أشارك في اتخاذ القرار. وقد كان معلومًا وقتها للمُطلعين أن سر اتجاه التعددية في انتخابات الرئاسة فضلا عن نزاهة انتخابات المرحلة الأولى في مجلس الشعب هو ضعط إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش والأستاذة كوندوليزا رايس على الرئاسة المصرية.. وقتها فاز حسني مبارك بنسبة 88% وكان منافسه في المركز الثاني أيمن نور زعيم حزب الغد ثم رئيس حزب الوفد هذا (المفارقة أني لا أذكر سوى أن اسمه كان جمعة، والمفارقة الأكبر أني وقتها انتخبته هو، وذلك لأني تأثرت بحملات التشويه الممنهجة التي طالت أيمن نور فانتخبت أي اسمِ آخر غير مبارك وأيمن نور، انظر كيف كان الوعي وقتها وكيف كان أسلوب اتخاذ القرار.. حاجة تكسف!). ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب عام 2010 والتي تولى إدارتها وحنكتها رجل الأعمال الشاب وصديق جمال مبارك (أو هكذا كانوا يقولون) ورئيس شركات حديد عز وعازف الدرامز بفرقة حسين إمام المهندس أحمد عز الذي علا نجمه بعد أن احتكر توريد حديد التسليح خاصةً بعد ما استحوذ على حديد الدخيلة ثم فصَّل بعدها قانونا لمنع اتهامه بالاحتكار. المهم أن إدارة أحمد عز للانتخابات لم تكن بحكمة وحنكة سلفه الأستاذ كمال الشاذلي المخضرم الذي نال خبرته من إدارة الانتخابات بل وإدارة نقاشات مجلس الشعب بشكل غير رسمي على مدار عقود. كانت تمثل الانتخابات للبعض وكأنها المتنفس الوحيد لشعور الناس بحريتهم في الاختيار حتى لو كانوا يعلمون أنها مسرحية، ولكن ثمة فارق بين مسرحية اجتهِدَ في حبكتها الدرامية وإخراجها وأخرى غرضها عرض النتيجة، والأخيرة هي ما حدث في انتخابات 2010 حيث اكتسح الحزب الوطني لمقاعد المجلس كلها بشكلٍ فجّ مما دلَّ على أن ضغط إدارة أوباما والأستاذة هيلاري كلينتون لم يكن كسلفِه، وكانت الانتخابات بمثابة إعلان حالة الوفاة للسياسة في مصر وكانت أقرب ما يكون لما يجري حاليا فيما يخص إدارة انتخابات مجلس الشعب.. وفي ظني أنها كانت عاملًا كبيرًا من عوامل إشعال شرارة الثورة واتحاد الحركات السياسة وظهور الجبهة الوطنية للتغيير...

كان 25 يناير 2011 يوم ثلاثاء، رجعت للبيت بعد انقضاء يوم عملٍ شاق لأجد رسالة نصية من أحد الأصدقاء تقول: "أوف أح، الشعب عمل الصح". نزلت الجماهير في ذلك اليوم في أعداد كبيرة باغتت أفراد الشرطة بينما لم يتدخل الجيش في أي فض، وعلمنا بسقوط أول شهيدٍ للثورة بمدينة السويس. ثم كانت الدعوات للنزول يوم الجمعة 28 يناير 2011، وقتها تُوُفي والد صديق لي فذهبت لصلاة الجنازة عليه وكانت الخطة أن تكون بعد صلاة الجمعة بمسجد السلام بمدينة نصر. وصلت لصلاة الجمعة بالمسجد وصليت صلوات جنازات ولكني لا أجد صديقي ولا أي من أصدقاء الكلية، وانقطعت الاتصالات وقتها بالكلية فم أدرِ ما أفعل. فلما خرجت من المسجد إذ بتجمهرٍ سريع قد تكوَّن وتعالَت الهتافات وكان الناس ينضمّون إليهم ليزيدَ عددهم، وكان الهتاف الأعلى والأكثر: الشعب يريد إسقاط النظام. وأذكر بوضوح انضمام رجلٍ كبيرٍ في السن للشُبان فكان يصرخ بعزم ما كان يستطيع ولكنه كان يهتف: الشعب يريد إصلاح النظام، لعله كان يسمع الهتاف هكذا أو لعل هذا ما أراده هو لا أدري. وأنا لا أزال في حيرةٍ من أمري ولا أعرف كيف أصل للشباب ولا لأهل الجنازة.. فقلت أذهب إلى بيت الفقيد فلما وصلت قيل لي أنهم ذهبوا لتشييع الجنازة ولا يعرف الرجل أين كانت هي.. فانقطع أملي أن أصلَ إليهم. ولكني وصلت لبعض أقراني في الكلية وعزمت أن أسيرَ معهم نحو المظاهرات، وفي الطريقِ قابلنا صديقٍ لنا أخبرنا أنه كان بالتظاهرات برمسيس وعليه العودة الآن للبيت لضغطِ أهله عليه، ولم أكُن أخبرت أهلي أني أعزم على ذلك ولا أتصوَّر أن أخبرهم بذلك أصلا ولأن اتصالات الهاتف الخلوي منقطعة تعذَّر حتى أن أطمئنهم عليّ، فآثرت الرجوعَ كذلك. ولما رجعت البيت وفتحت التلفاز لأشاهد على الجزيرة مشاهد للثورة في المحلة الكبرى ولبعض مناطق القاهرة، فلما رأيت الناس يهجمون على لافتات حسني مبارك يمزقونها قُذِفَت في قلبي الرهبة ووقتها تيقَّنت أن الأمر ليس هزلا.وقُتِلَ من قُتِل. وقد اطمئننت على أصحابي أن الكل عادَ بيته، ثم كان الترقب لخطاب حسني مبارك والذي كان يأمل الثوار أن يتخلى فيه عن حكمه إلا أنه أعلن فيه عن نيته عدم خوض انتخابات الرئاسة المقبلة وأنه أساسًا لم يكن ينتوي ذلك. كنت ممن رضوا بذلك وقتها - في نفسي - وقلت أن حياة الناس أولى وأن التمادي قد يعرض الناس للخطر ثم أنه لا حاجة للناس في الاستمرار في التصعيد خاصةً وأنه وعد بقبول الطعن في انتخابات البرلمان كذلك، وقد عهدت أن أتحصل على المكاسب الممكنة أفضل من الإصرار على المطلب الأعلى. والحقيقة أنه وقت انفجار المظاهرات لم يطلب الثوار تنحي مبارك بل كانت المطالب هي تغيير الحكومة وحل مجلس الشعب. وكان خطاب حسني مبارك عاطفيًا أثَّر في نفوس البعض، فكثيرٌ من معتصمي التحرير آثروا ترك الاعتصام وبقي جمعٌ آخر من الثوار منهم الإخوان، رفضوا ترك الميدان حتى يتنحى حسني مبارك عن الحكم. ثم كانت موقعة الجمل إذ أزَّ بعض ضعاف النفوس وأصحاب المصالح بعضَ المجرمين أن يهاجموا معتصمي التحرير بالجمال والخرزانات، ولم يتدخل الجيش وقتها لحماية المعتصمين، وصدَّ المعتصمون ذلك الهجوم ببسالة وشجاعة ونُقِلَ ذلك بالصوت والصورة كأنه فيلم وثائقيّ، إنها مصر بلد العجائب! فعاد من كان قد تأثر بخطاب حسني مبارك وتمكَّن المعتصمون من التحرير مرةً ثانية. وصُوِّرَ الأمر وقتها أن حسني مبارك هو من أرسل هؤلاء البلطجية ليجليَ الميدان من المعتصمين، والله أعلم إن كانت تلك هي الحقيقة، فلعل بعض أصحاب المصالح لما رأى أن حسني مبارك سيمنح حق الطعن على انتخابات مجلس الشعب للمتظلمين أراد أن يفسد عليه أواخر أيامه.. ثم كان خطاب اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات بتخلي حسني مبارك عن الحكم وتفويض المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، فرح الناس بهذا النصر، وقد نزلت للكوربة لأشاهد الاحتفالات، ورأيت الناس ينثرون الورود على الدبابات، ويزيح الجيش فوَّهات الدبابات عن الناس إشارةً منه أنه لا يعاديهم وأنه منهم وأنهم منه.. وطاردني شعور هل يحق لي أن أفرح بهذا النصر وإن لم أكن مشاركًا فيه؟ لم أفكر وقتها في شكل الرئيس المقبل، لم يسيطر عليّ سوى الشعور بالفرح الحذِر والترقُب.  لتبدأ هنا حقبة في تاريخ مصر سالت فيها دماءٌ كثيرة وظهرت فيها أحقادُ وأطماع سوداء وتناطحت فيها الأفكار وظهر من تحت الأرض معتقدات عجيبة لم نكن نعلم أنها موجودة أصلا وبغى فيها الظالمون على المستضعفين حتى مهَّدوا السبيل وفرشوا الطريق لما نحن فيه الآن.

رحم الله من مات وأفضى إلى الله سبحانه وتعالى، كأني على قناعة أن ترك هذا الخناق نجا. فقد كانت فتنة الكل يخوضُ فيها وقد يتنازل عما تربَّى عليه من قيم وفضائل لأجل كسب معركة من تلك المعارك الوهمية.

رحم الله من مات، وعلى رأسهم مولانا الشيخ عماد عفت. ولم أحظَ بالتعلُّمِ على يديه، ولكني رأيت وأرى الآن من كان لهم الشرف في ذلك. وحين أقرأ عنه وعن مناقبه رحمه الله يتسلل إلى قلبي أن مثل هذا لم يكن ليعيش مثل أيامنا هذه. فسبحان الله مُدبِّر الأمر.

إن ما نراه من إرهاق لمن هم في مثل أعمارنا لعله من آثار تلك الأيام، أو قُل أن الناس أيقنوا أن الكلام لا طائل منه طالما أن القوة الحاكمة في النهاية ستمضي إلى حيث ترسم أو قل رُسِم لها، ونحن ليس لنا إلا ننتظر ونجتهد في الممكن أو نسافر.

وقد ارتحل كثيرون من أصحابي لخارج البلاد آملين في عيشة سوية. ولا أظنَّهُم لاقوْا الصفاء النفسي الذي نشدوه بسفرهم، فإن النفوس مقهورة. لا نزال نرى بعضًا منهم يذكرون تلك الأيام أو يتابعون ما يجري في البلاد في غيابهم والآخرون غالبا يساورهم نفس الشعور إلا أنهم آثروا السكوت. يكاد يستحيل على المرء أن يفصلَ نفسه عما يجري أو أن يفصل مشاعره تجاهه بمجرد تركه للبلاد. 

وقد سبق من قبل أيام مبارك ارتحل الكثيرون لما رأوْا أن الحياة في مصر لا مستقبل فيها وأن الظلم كبير، فلما رأوْا في الثورةِ أمل عادوا. وهذا يدل لي أنهم تركوها بأجسادهم فقط ولكن وجدانهم ومشاعرهم ظلت هنا.

حسنًا، وماذا كان ينتظر البعض؟ إن مصر العظيمة لم تُحكم حقيقةً سوى بسيطرة الجيش. إن نموذج مصر السياسي قائم على جيش مُتمكِّن من أصول وفروع الحكم فيها، ما دون ذلك من أحزاب وخلافه كانت أمور هامشية للغاية. ووصف عصر الملكية حيث كانت الأحزاب والبرلمان والصحف الحرة بالنموذج الديمقراطي لمصر في الحكم في رأيي باطل، لأنه وقتها القوة الحقيقة كانت في يد الإنجليزي المحتل والذي كان يسيطر في نهاية الأمر بالجيش كذلك، ولما انجلى الانجليز حلَّ محلَّهم الضباط المصريون فلا فرق إذًا. ولما قامت الثورة وانتُخب مرسي رئيسا لم يُمكَّن الرجل من أصول وفروع الحكم والدليل أنه لما قامت 30 يونيو وجاء وقت إزاحته من كرسي الحكم في 3 يوليو لم يكُن الأمر عسيرًا على الإطلاق. فقط تم حجزه وإعلان البيان وانتهى الأمر، وظهرت قوة الجيش في تطبيق حظر التجوال والسيطرة على مقاليد الأمور حتى رأى الجيش ضرورة وجود رئيس من خلفية دستورية للحكم أثناء الفترة الانتقالية، والكل يعرف أن ذلك الرئيس المؤقت - عدلي منصور - كان رمزيا أو قُل بغرض تسيير الأعمال ليس إلا.. وعليه فإن الحكم الأساس في مصر هو حكم الجيش، ولا أتصوَّر في الوقت الراهن نموذجا غير هذا. ليس هذا تأييدًا لما يجري أو اعترافًا بأن هذا هو الأنسب والأصلح، ولكن هذا - حاليا - هو الواقع. 

افتقدنا في تلك الفترة الكبير الذي يوجّه بالحكمة والعلم والخبرة. ولما ظهر أمثالهم كانوا يُشوَّهون إما من إعلام الدولة الرسمي والخاص وإما من بعض المنتفعين. والسهل عندنا في مصر هو إبطال وإسقاط الفرص والكيانات الناجحة لا دعمها. مصلحة القوي الخاصة فقط هي ما تتحكم في الأمور لا الصالح العام ولا حتى مصالح المنتفعين المشتركة. بل هو طرف واحد قوي يطغى على الكل بسلطانه وإرهابه لهم وفي النهاية رؤيته هي التي تُنفذ ويسعى المنتفعون لتوفيق أوضاع مصالحهم بحسب هذه الرؤية.

لقد كانت أياما عسيرة، ابتُلينا فيها.. وقد كان منا فيها ما أراد الله سبحانه وتعالى. فنسأل الله تعالى أن يسامحنا على أخطائنا ولغونا وفسادنا وأن يرحمنا برحمته في الآخرة.

لطالما كان يلك الساسة وقت الثورة بمصطلح: "الخروج الآمن" وكانوا يقصدون به فكرة أن يخرج القائمون على الدولة وقت الثورة خروجًا آمنًا يليق بكونهم كانوا قادة في وقت من الأوقات فلا يُحاكمون ولا يُهانون.. أما والله إني لأقلِّد شيخنا الفاضل أنس السلطان في طلبي لهذا، خروجًا آمنًا من هذه الدنيا وما فيها، فتصورُّ أن كل هذا الدم والفساد والتناطح على لعاعةٍ لا تسوي عند اللهِ شيئا يجعل العاقل يعيد التفكير في أمره، وما عليه أن يجتهد فيه في الأيام التي يعيشها في هذه الرحلة القصيرة.

والحمد لله رب العالمين.

الجمعة، مايو 11، 2018

رمضان جانا ♥

تصور أغنية "رمضان جانا" وكأن شهر رمضان ضيفٌ كريم، يضنّ علينا بالزيارة فلا ياتينا سوى مرةً واحدةً بالعام. وحين يأتي نعد له كافة الإعدادات اللازمة ليكون استقباله لائقا ببهائه وحبنا له، فنقيم له الاحتفالات ابتهاجا بقدومه الكريم، وحين يكون على وشك الرحيل ننسد له أغاني الوداع ونتمنى أن نلقاه العام المقبل بذات الزينة والبهجة أو ربما أكثر. وسر نجاح تلك الأغنية طوال هذه العقود هو تركيزها على العاطفة والتي مهما أنكرنا تظل عاملا مهما مؤثرا لدى المصريين، رغم تحول الحياة الاجتماعية في مصر للمادية وأصبح المواطن يعيش همّ يومه بحثا عن ما ينجيه من صراع الوجود اليومي إلا أنه تظل العاطفة - ربما في الأغاني والاعمال الفنية فقط - هي الملاذ الأخير لما تبقى لديه من مشاعر.

"رمضان جانا..
وفرحنا به..
بعد غيابه..
وبقالُه زمان..

حيوا معانا..
شهر بطوله..
غنوا وقولوا..
أهلا رمضان"

الأربعاء، مايو 09، 2018

حقبة التطبيع.. هل ينسى العرب التاريخ ويتعايشون مع الاتجاهات الإقليمية الحالية.. ؟

يأتي احتفال الكيان الصهيوني بمُضي سبعين عاما على قيامه على أرض فلسطين في قلب القاهرة بفندق الريتز كارلتون مُتوِّجا لجهود بُذلت على مدار عقود من أنظمة حكم متعاقبة في مصر تمهّد للتطبيع التام مع هذا الكيان الغاصب.

ولكن لا شك أن وتيرة التطبيع الإنساني والثقافي والدبلوماسي تحديدا قد زادت بحدة في السنوات الأخيرة تماشيا مع التغيرات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، ومع دخول أطراف جديدة - بشكل رسمي - في قصة التطبيع مع الكيان الصهيوني كالمملكة السعودية والإمارات المتحدة.

هذا الزمان ليس زماننا، وعلينا أن نفعل كل ما يمكن فعله لننجو من هذه الدنيا ونحن وأولادنا وأحفادنا غير مفتونين.

السبت، مايو 05، 2018

كم من فرصٍ للتعلُمِ ضاعت!

الحمد لله.

حين أسترجع ذكريات التعليم في المدرسة وكلية الهندسة، لا يغيب عن ذهني شعور الندم أو قل الحسرة على الفترة التي تلقيت فيها تلك العلوم دون وعي حقيقي بالهدف منها أو بتطبيقها في الحياة العملية.

أذكر بعض المواد التي كان يمكن الاهتمام بتفاصيل أسلوب إلقائها على الطلاب، وتوعيتهم بالهدف الأخير لدراستها.. اعكس ذلك عليّ وربما على غيري من الطلاب، فأقول أنه حتما إن اهتم الأستاذ أو بالأساس مصمم المنهج أن يصل الطالب تطبيق هذه المادة عمليا والهدف منها، لتغير دافع الطالب للاهتمام بها وتحصيلها، بدلا من الوضع السائد والذي يقتضي اجتهاد الطالب فقط ان يعرف ما يجمع به الدرجات في امتحانها، شتّان ما ببن الحالين.

وأتحسر أكثر حين أنظر في تلك التفاصيل المطلوبة لكل مادة لإفهام طالب العلم الهدف منها ولجعله مطلعا على تطبيقاتها المختلفة ولإدراكه لماذا يدرس هذا العلم تحديدا، أجد ان تلك التفاصيل لا تحتاج إمكانيات مادية فوق المعتاد.. فقط تحتاج لمجموعة من أساتذة هذا العلم وغيرهم من خبراء التدريس أن يعكفوا جاهدين على تصميم هذا المنهج بالشكل المطلوب، والذي يهتم بالأساس على إجابة السؤال: "لماذا؟" في كل وقت.. وأن يكونوا مخلصين في ذلك، وأن يضعوا أنفسهم مكان هؤلاء الطلاب المساكين لينظروا كيف سيكون الحال إذا ما تغيرت الأساليب لتكون أقرب للعملية والحياة الحقيقية..

لماذا نرضى بمشاهدة الأجيال المتعاقبة وهي تخرج من نظامنا التعليمي الأسطوري ظانّة أنها ستسوي الهوايل في الحياة العملية بالسوق ثم تُصدم بالحقيقة المُرة وهي أن البوْن شاسعٌ بين خيال المواد النظرية القاصر والواقع السوقي العنيف بالخارج؟

الاثنين، فبراير 27، 2017

أقليات أم مصريون؟


في التعامل مع الأقليات، بحسب ما أرى، يوجد لدينا صنفان من التعامل:

- تعامل مع الأقلية على أنها أقلية، وفي هذه الحالة تكون أواصر الحكم والملك للطائفة الغالبة. ويعي الجميع ذلك. حتى الأقلية أنفسهم يعرفون أنهم ضيوف في هذا الوطن. فالحقيقة أنه ليس لهم حقوق، وأن ما يتمتعون به من مزايا ما هو إلا محض فضل ومِنة من الأغلبية. وعليهم إما القبول بذلك أو ترك الوطن. وبما أنهم ضيوف، فأنت تسمع بين كل حين وآخر إطراءات من جانب الطرف المضيف (الأغلبية)، فتسمع مجاملات مثل: "شركاؤنا في الوطن" وهي شبيهة للغاية بـ "أنتم أصحاب مكان"، و"الإخوة المسيحيين" وتلك شبيهة للغاية بوصف أحد ما ليس بأخيك بوصف الإخوة حتى يشعر بالأمان لأنه في غير وطنه.

- ألا توجد فكرة "الأقلية" هذه أصلا، فالكل يعيش في نفس البلد، يتمتع بنفس الحقوق ويلتزم بنفس الواجبات. وحينها، لا داعي إذا للتعبيرات الاعتذارية التي تُصِر على وصف هذه الفئة بصفة اعتبارية خاصة بهم. لأن كونهم أصحاب ديانة مختلفة مثلا لا يهم في شئ. فالقانون المُطبق عليهم واحد إذا. وهذا ما أعرفه عن مفهوم الدولة المدنية الذي طالما صرخوا به على برامجهم الإذاعية أو في بيانات ساساتهم.

بتطبيق المذكور أعلاه - باعتبار أن القارئ يوافق ولو مبدئيًا على هذا التصنيف من هذا الوجه - على مصر، فإنك بمشاهدة تصرفات الدولة سواء رسميا أو على لسان أبواقها الإعلامية يمكنك أن تعرف إلى أي الصنفين ننتمي.

الخطاب المستمر الذي من نوعية: "أشقاؤنا الأقباط هم شريك حقيقي في الوطن" يجعلك - كمسلم مصري - دائمًا تشعر أنك محمل بمسئولية استثنائية تجاه المواطن المسيحي المصري لأنه ضعيف ينتسب لأقلية لا يمكنها أخذ حقها بنفسها فعليك إذًا - بصفتك من طرف الأغلبية المسيطرة - أن تساعده، لأنه مهما رفع سقف طموحه فإنه حتمًا لن يصل إلى ما أنت عليه.

بيانات الإدانة التي تصدر عن مجلس النواب والتي تستنكر استهداف "إخوتنا المسيحيين" تتعامل مع المصريين المسيحيين أنهم ضيوف عندنا مؤمنين ا يجب المساس بهم. تختلف صياغة البيان بحسب الفئة المستهدفة. فإذا كانت الفئة المستهدفة مصريين مسلمين فإن البيان يأتي في إطار عام وأن يد الإرهاب لن تنجح في النيْل من مصر وأن الدم المصري غالي إلى آخره، ولكن إذا كانت الفئة المستهدفة مصريين مسيحيين تتحول صياغة البيان إلى صياغة طائفية تتعمد ذكر ديانة من استُهدِفوا. ثم أن كلمة "إدانة" هذه هي أقرب للجنون من العقل، وكأن الجهة الرسمية التي أصدرت البيان - ووكالات الأنباء الناقلة عنها من بعدها - تتحدث عن عمل إرهابي في بلدٍ آخر.

تعمُد الدولة استخدام هذه الصياغة الطائفية لا يحتمل إلا أمر من اثنين:

- إما جهل.
- أو تعمُد من قبل الدولة على تزكية هذا الشعور عند الناس أننا فِرق.

وفي الحالتين، لا يتحقق مفهوم الدولة المدنية أبدًا.

إذا كان المصريون المسيحيون بالفعل هم مواطنون مصريون كاملو الأهلية، فإنه لا يجب تخصيص ذكر أن الدولة ستنتقم لهم هم دون غيرهم أو أن الدولة تسارع في الكشف عن مجرمي الحادث الإرهابي إذا ما كان الحادث يستهدفهم، وإنما يستقيم الأمر أن تنتصر الدولة لمواطنيها أيًا كانت مللهم طالما أنهم ينتسبون لها. وإلا، فإن هذا أول ما يهدم فكرة الدولة والحدود والذي منه.

الأربعاء، ديسمبر 14، 2016

أساس المأساة.. #حلب #سوريا #العالم


 إزهاق الأنفس وسلب الحياة هو بلا شك أقسى ابتلاء لذوي المقتولين، ولا أرى ما هو أصعب على الإنسان تحمله من قتل ذويه أو إيذاؤهم. لذا، فإنه من الطبيعي أن ما يجري في بلادنا كلها على مدار سنين طوال أن يجلب علينا الحزن والشعور بالمأساة.

ولكن الجانب الأكبر من المأساة - في نظري - هو الأسباب الدنيوية التي دعت لمثل هذه النتائج. فإن ما نعيشه الآن ما هو إلا محصلة طبيعية لتراكمات من الخسارة والخيانة والظلم والتفرق والفشل والجهل على مدار عقود طويلة من الزمن. وبالتالي، فإن الوقوف عند الحالة الحالية مما نحن فيه هو محض قصور نظر أو قل تغافل عن أساس المأساة.

لقد عاش المسلمون سنينا طويلة من الفرقة والتشرذم وحب الدنيا والتعلق بها وقهر للضعفاء وشراسة لأصحاب النفوذ والقوة، أحيل ذلك بقدر لا بأس به إلى بعدهم من المنهج الرباني الذي ارتضاه الله لهم. ولا أريد  بذلك أن أعيد وأكرر بكائيات على المجد الزائل.. ووقت أن كنا وكانوا.. ومثل ذلك من الخطاب، الذي لا يؤدي إلا للتحسُرِ والندم، والبكاء الذي لا طائل منه. وإنما أريد فقط أن أقرر هنا، أن السبب الأعظم لتعاسة البشرية وبالأخص المقهورين من المسلمين منهم هو البعد عن منهج تزكية النفس القويم الذي أنعم الله به علينا، ثم تأتي من بعد ذلك الأسباب العملية المتعلقة بسوء إدارة الأمور، والخيانات، والطغيان، والظلم، والجهل، ومثل ذلك..

---

ما الواقع الآن؟

الواقع مرير، أراضٍ محتلة. حكام طغاة. جهلٌ مُطبق. أمة لا تملك قرارها. يتسابقون أيهم يفوز برضا الغرب المنتصر. ولاة أمور إما مرضيٌ عنهم من الغرب المنتصر أو هم عملاء خونة من أساس الموضوع. بشر يُقتلون. لا ثمن لدماء المسلمين ولكن دماء الغرب المنتصر غالية. نقتل بعضُنا بعضا والأسوأ من ذلك أننا صِرنا نستسيغ ذلك..

الشعوب مُنقادة لما يُراد لها أن تنقاد إليه، ابتلوا بالجدل إلى أقصى حد. نسوا أنهم هنا في هذه الدنيا ليفعلوا ويكسروا العادات، بل انصاعوا لما هو موجود وركنوا إليه. ومن منهم لديه بعض الإحساس، آثرَ البكاء على ما يحدث آملًا بذلك ألا ينسى شاعريَّته. إلا قليلُ منهم، فالخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين.

والجانب المظلم من المأساة، هو من يظن أنه بكتابة كلمات لا يراها إلا هو ومن حوله من الأصدقاء والمعارف حول ما يجري من أحداث أنه بذلك انتصر للقضية، وفعل ما عليه بها. والأظلم في هذا الأمر، أن تتسع تلك الشريحة بشكل كبير، فيصبح وكأنه لا يحدث سواء البكاء على ما يجري. فتجد أنه فعليًا لا ينتصر أحدٌ للقضية، إلا القليل. والقليل مُحارَب بضراوة وشراسة شديدة من أصحاب المصالح، ومع الوقت يزداد الأمر عليه صعوبة أكثر فأكثر. وييْأس من "القليل" أعداد أكثر فأكثر. حتى يعود ذلك المحارِب الذي يريد أن يؤثرَ بقوة فيما يجري من أحداث غريبا، لا أحد يستسيغ تواجده أصلا. وكأن الجهاد انحسر في جهاد البكائيات واللطم، وصار من يريد أن يغير بقوة في الأرض ويجتهد في ذلك كمن يحفر بالماء. حتى تجد أن أنصار البكاء واستجداء العالم ينكرون على من يعمل ويجتهد فيما يراه مؤثرًا ما يفعل، فيقولون موالٍ، أو صامت، أو جاهل.

ومن هنا، فإن المشكلة بوضوح منا نحن. من داخلنا. لا من العدو. من انعدام بوصلة التحرُك الحقيقي.

---

دعك مما نعيشه الآن، وتخيَّل لو أن الواقع كان كما يلي:

الأمة تتعرض لهجمات العدو الواحدة بعد الأخرى، ويتولى عليها إما طغاه مستبدين أو خونة عملاء للعدو، ولكن قطاعا واسعا من شعوب هذه الأمة مرتبطٌ بالله سبحانه وتعالى ومؤمنٌ به وقد أخذ قسطًا من التعلُمِ والتربية والفِكر فعرف ما يجب عليه فعله ليقلب طاولة العالم رأسًا على عقب فينتزع زمام الأمور مرةً ثانية. لا ييأس. لا ينظر للنتيجة. يعرف أن الأمرَ سيستغرق سنوات طوال. لا يلتفت للجدل الذي لا فائدة منه. لا يبكي على الحال وفقط. يعي ما يحدث حوله من الأمور.

ترى إن كان ذلك حاصلًا، ما استطاع أن يتولى أمرهم من يفسد عليهم دُنياهم.

ما هذه المثالية؟ تتحدث وكأن الأمر أسهل من السهولة..

لا طبعًا، هو ليس أسهل من السهولة على الإطلاق - وإن كان الله على كل شئٍ قدير - ولكن المُراد مما أقول هنا ليس تهوين الأمر على الناس وتخديرهم و/أو تصوير القصة وكأنها 1+1=2. لا. بل إن الأمر يحتاج التأسي بالنهج النبوي فيصير الجهد، والإخلاص، والتضحية، والصبر، وعدم الاستعجال، ومعية الله سبحانه في الضراء والسراء، والتواصي بالحق وبالتواصي بالصبر، وغير ذلك.. بل لأن الأمر بهذه الصعوبة، فإننا نستسهل الخوض في الجدال ومعارك شبكات التواصل الاجتماعي واللغو فيها وبذل فيها كل الطاقات بدلًا من الانشغال بما ينفع حقا.

---

عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا:

ألا تستنصر لنا؟!
ألا تدعو لنا؟! 

فقال : "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون". رواه البخاري.

هؤلاء كانوا صحابة، وكانوا يُعذبون لأنهم أسلموا! وما صدَّهم فعل الكفار عن دينهم أبدًا، ولم ييأسوا.. فقط قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فما كان من نبي الله إلا أن أخبرهم أنه سبقهم من أوذوا في الله أكثر مما أوذوا، فما كان منهم إلا الصبر على البلاء والمُضي كما شرَّع الله لهم.

---

والحق سينتصر حتمًا، بك أو من غيرك. سواء انتسبت لذلك أم أعرضت ويأست. فأولى بك أن تنظر في أمرِك، ماذا عليك فعله كي تنجو من هذه الدنيا؟!

إن من أكثر ما نحتاجه فعلا في مثل هذه الأيام هو الهرع لسنة نبي الله صلى الله عليه وسلم، ونرى كيف كان يفعل، بكل التفاصيل.. نتأسى به بحق، لا بالكلام وكثرة التجارة به. صلى الله عليه وسلم، أشرف الخلق وأعظمهم.

---

علينا النظر، ما المُتاح الآن فعله.. وإني على قناعة تامة أن كل شخص يمكنه أن يخرج بغير ما يخرج به أخوه مما يمكننا عمله للتأثير بالإيجاب على مُجريات الأمور. وأرى أنه في العموم، توجد أساسيات علينا العمل عليها، ثم قد تنبثق منها فروعٌ أخرى تناسب كل شخص:

- جهاد النفس، والسيطرة عليها. التوبة إلى الله وترك معصيته. عهد جديد مع الله سبحانه وتعالى.
- الالتزام بصحبة القرءان الكريم وتدبُر آياته والحرص على تطبيقها عمليًا.
- الالتزام بالدعاء وعدم تركه. واليقين بالله.
- التعلُم. تعلُم الدين. وتعلُم ما ينفع من العلوم، والسهر على ذلك. وأن ينظر كل إنسانٍ في نفسه، فيعرف أين سيكون تأثيره أكثر فعالية، وبذلك يعرف في أي مجال سيبدأ. وعليه أن يبذل وقتا كافيا ليدرس بعناية كيف سيؤثر عمله إيجابا في واقع الأمة، ومن ثم يضع الخطة لذلك، ويختار الصحبة التي سيعمل معها لتحقيق هذا الهدف السامي، ثم يتوكل على الله أو ينضم لمجموعةٍ يراها تعمل بجِد في هذا الاتجاه فيستعين بها ويستعينون به على إتمام ما يروْنه مؤثرًا إيجابًا في رفع البلاء عن الأمة، ثم يتوكل على الله. المجالات التي يمكنك التأثير بها متنوعة وكثيرة.. انظُر في الثغرات التي تؤتى منها الأمة واعمل على حمايتها. وهي كثيرة الآن وتحتاج من يعمل بجد.


---

قال الله: "يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون". آل عمران.

وقال الله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة". الأنفال.

تأمل مع نفسك دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الترمذي بإسناد صحيح: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذيْنِ الرجليْنِ إليك بأبي جهلٍ أو بعمر بن الخطاب، قال: وكان أحبهما إليه عمر".

لماذا لا ترجو من الله أن يُعز الإسلام بك؟

الاثنين، نوفمبر 28، 2016

مصطلحات قضية فلسطين..

الكلام ده مهم جدا، مش مجرد ألفاظ بدل ألفاظ.. الفكرة إنه ده بينبني عليه تصرفاتنا وأسلوب تعاملنا مع قضية فلسطين. ده بيرجعني تاني للكلام بتاع المنشور السابق والخاص بتصرفات البعض اللي فيها استعطاف للعالم فيما يخص حق فلسطين..

ليه بقى؟

عشان لما بنقول مصطلحات زي معتقل/اعتقل من دون محاكمة/إسرائيل/.. ده بيعتبر إنه خلاص الكيان الصهيوني ده بقى كيان شرعي وقانوني ومشكلتنا معاه بس إنه بيعتقل الفلسطينيين دون تُهم. لكن لما أقول إن دول أسرى، يبقى أنا لسة فاكر إنها حرب وإن الكيان ده غير شرعي وغاصب وإن القضية دي مش هتتحل غير لما الكيان ده يُقتلع وينتهي تماما وتعود الأرض بكاملها لأصحابها. ده الأساس اللي ما ينفعش ننساه.. خاصةً في الأيام دي اللي بيحصل فيها حاجات عمرها ما كانت بتحصل من قبل فيما يخص التطبيع مع الصهاينة، الحد إنها بقت دولة شقيقة وبنتعامل معاها بمنتهى الأخوية: نروح نعزيهم، نطفي لهم حرايق، ده غير العلاقات الاقتصادية والسياسية اللي مع العرب كلهم والعالم الإسلامي..

فالخلاصة إنه مش كلام ومصطلحات وفراغ يعني، ده حفظ للحق من الضياع، وعشان نربي أولادنا على كده وما ننساش!

الجمعة، نوفمبر 25، 2016

#إسرائيل_بتولع

السلام عليكم..

سعدت جدًا بأخبار الحرائق التي طالت ممتلكات الصهاينة المحتلين.

بالمقابل، لا يمكنني أبدا - تحت أي ظرف - أبدي المسكنة والاستعطاف في حال حدوث العكس - أي في حال أبدى الصهيوني سعادته ونشوته إذا حصل لي مثل ما حصل له - وذلك:

لأني أعتبره عدوي، وهو يعتبرني عدوه. فلا منطق ولا عقل ولا تاريخ ولا جغرافيا يبرر استعطاف وتمسكن العرب للعالم حال وقوع الأذى من ذلك الكيان الغاصب. يعني إذا كان هو عدوي الذي لا أتوقع منه غير كل أذى واضطهاد وقمع، كيف لي أن أناشد العالم أن يضغطوا عليه كي يرحمني قليلا.. وهو عدوي الذي أشمت فيه إن أصابه ضرر بل مفترض أني أسعى دوما لذلك..

وبالتالي، فإني لا أجد نفسي داعمًا في أي وقت من الأوقات لنشر صور ومقاطع الإهانات والإذلال التي يقوم بها الكيان الصهيوني للشعب العربي على مدار عقود.. بينما أجد نفسي في غاية الحماس لنشر صور ومقاطع وأخبار المقاومة والانتصارات التي ينعم بها الله عليها كل حينٍ وآخر..

الأربعاء، نوفمبر 23، 2016

هل ترغبونهن في الحجاب حقا؟

انطلاقا من أننا ديننا دين إيجابيّ، فكل منا يجب أن يكون حريصًا على أخيه المسلم أن يكون على الطريق المستقيم السويّ. أملًا أن يعمنا الله سبحانه وتعالى جميعًا برحمته. ويجب أن يكون الدافع الأساسي وراء دعوة بعضنا البعض للخير هو التطبيق العملي لقول الله سبحانه وتعالى:

والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

وبالتالي، يجب علينا الحرص حين يدعو أحدنا الآخر، ألا يدخل في قلبه مثقال ذرة من كبر أو عجب أو سلطوية. فلا يظن نفسه مثلا أفضل من ذاك الذي يدعوه، لا لشئ إلا أن الله قدر أن جعله يسبقه بالنصيحة. فإن كان الأمر كذلك، سينعكس ذلك حتمًا على أسلوب الدعوة التي ينتهجها هذا الداعي. فيكون رحيمًا بمن يدعوه، معينًا له. لا أن يكون متسلطًا عليه وكأنه قد ملك أمر دنياه وآخرته.

---

من الأمور ذات الطابع الحساس لدينا هنا في مصر، هو دعوة البنات والسيدات لارتداء الحجاب. وهو أمر من الله سبحانه وتعالى صريح لا خلاف على ذلك. ولكن الأسلوب الذي ينتهجه البعض يؤدي - في الحالة الطبيعية - إلى نتائج سلبية تمامًا. إما بتنفير المُوجه إليها الخطاب من الحجاب - وربما من الدين - أو بخروج الأمر عن سياقه الأصلي الذي شرَّعه الله سبحانه وتعالى تمامًا.

الحجاب - أو قل الزي الشرعي (وذلك للرجال والنساء) - هو أمر من الله سبحانه وتعالى كسائر الأمور التي فرضها علينا سبحانه وتعالى. كالصلاة والصيام والزكاة وخلافه. مع اختلاف تفاصيل كل أمر شرعيّ و/أو أولوياتها بحسب ما يقوله الفقهاء. لا يجب أن يتعدى الأمر هذا الإطار. ولا يجب اختراع مبررات لا أصل لها لترغيب النساء فيه.

فمبادرات البعض - مع افتراض حُسن النوايا فيها - بمدح جمال النساء وهن يرتدين الحجاب أمر عجيب وغير معقول! فتقول إحداهن أو أحدهم - ومصيبة أن يقول أحدهم ذلك أفدح - "انظروا إلى وجهها وقد نوَّره الحجاب"، أو تقول هي: "شكلها أحلى بالحجاب". وهل ارتدت هي الحجاب ليكون شكلها أجمل فيه؟ لو كانت تلك هي الحقيقة للزمها التوبة من ذلك وتجديد النية في الأمر. ثم عليكِ يا أخت أن تراعي مشاعر من تظنين نفسك أنكِ تجمِّلي الحجاب في نظرها بمثل هذا الخطاب، فكلامك معناه بشكل مباشر أن البنت ليست جميلة بغير الحجاب، فلتلبس الحجاب لتحسِّن من الأمر قليلا. ما هذا؟ إلى أي مدى صِرنا لا نميِّز بين الكلام الجميل والكلام الجارح؟ لماذا يجوِّد البعض بما لا يعي ولا يفهم؟ خاصةً أنه غير مطلوب منه ذلك على الإطلاق. الأمر أبسط من ذلك بكثير: با بُنيتي: إن الله تعالى أمر بالحجاب فريضة على كل مسلمة بالغة مثلك، فافعلي ما تؤمرين - ويجب أن يسبق ذلك حبا لله وشريعته - لا أن يتعدى الأمر ذلك أبدًا.

المشكلة الحقيقية - في رأيي - أنه قد يكون الدافع وراء الدعوة لارتداء الحجاب اتجاه آخر غير اتجاه رضا الله سبحانه وتعالى والحرص على المسلمين. وقد تختلط النوايا بشدة في هذا الأمر، ولذلك علينا الانتباه. فمن الممكن مثلا أن يكون الدافع:

- تسلُط. فقط لذة فرض الرأي على الآخر. غير معتبر تمامًا أصل الموضوع.
- إحساس بالإنجاز. تريد أن تشعر أنك أنجزت شيئًا ما في حياتك، فتعتبر ارتداء إحداهن للحجاب سمعًا وطاعةً لك هو إنجاز شخصي لك بينما الأمر ليس كذلك تماما.
- تغذية الإحساس بالكبر، أو أنك أفضل منها. فتنصحها. حقيقة الأمر لا يهمك أن ترتدي هي الحجاب أو لا. القصة أن تظل أنت في مرتبة أعلى منها تلقي عليها النصائح والمواعظ. فبدلا من أن يكون ذلك مساعد لك أن يستقيم أمرك أنت الآخر فتنظر لحالك يا مسكين مع الله، يتحول الأمر إلى تغذية الكبر في نفسك. فمع كل موعظة وأخرى تنتشي نفسك بالدخان.

وربما غير ذلك..

وأقول إنه مما يساعد على خلق هذه الشوائب في القلب واختلاط النوايا هو فقر تزكية النفس لدى الإنسان. فلو أن نفسه نقية صادقة مع ذاتها وتعرف أولها ومنتهاها أو تريد ذلك بصدق، لما كان دافع دعوته لغيره إلا حرصه على نفسه وعلى غيره، واتباعا لقول الله تعالى: وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. ومن هنا، فإن ضعف تزكية النفس لدى الإنسان - وهي الهدف الأعظم والأسمى من خلقها - يجعل الإنسان يترك حتى الأخذ بالأسباب في أسلوب الدعوة. فإن مثل هذه الأمور الحساسة تحتاج إلى فطنة وحذر، ودراية بالأمور، وبالخلفية الثقافية لمن تدعوه.

الحجاب شأنه كشأن أي أمر تعبدي آخر، يحتاج إلى قلبِ صافِ نقيّ من أمراض القلوب حتى نحصل على الفائدة الكبرى من الالتزام به. فالصلاة إذا ما كانت تؤدى كحركات جسمانية فقط دون ارتباط حقيقي بين قلب العبد وربه أثنائها، فإنه بذلك يفقد عظيم الفائدة منها. كذلك الحجاب. أرى أنه يكفي للمرء أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى أمر بالعبادة على هيئة ما كي يتم تنفيذها بقلب منيب، ولكن حتما يجب أن يسبق ذلك تعلق بالله الواحد الأحد، وتدريب النفس على ذلك ومجاهدتها مع اليقين أن الله سبحانه وتعالى سيهدي إلى سبيله، فهو القائل: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا..."

والله من وراء القصد..

الاثنين، نوفمبر 14، 2016

انتباه | في كلام دونالد ترامب بمنظمة الـ AIPAC

مما قال دونالد ترامب في خطابه الذي ألقاه بمنظمة الـ AIPAC خلال حملة ترشحه لمنصب رئاسة أمريكا أنه: في مجتمعاتنا، الأبطال هم الرياضيون ونجوم السينما، بينما في مجتمع الفلسطينيين فإن الأبطال هم القتلة - يقصد بذلك جنود المقاومة. في إشارةٍ منه أن مثل هذه المجتمعات تختلف عنا كثيرا. نحن نعلي من قدر نجوم المجتمع من الرياضيين ورموز السينما، بينما هم يعلون من قدر المقاتلين. والحقيقة: أنه لم يخطئ في ذلك، بل أقول أنه طالما تواجدت هذه الظاهرة - حب المقاتلين والمجاهدين - في صفوف بعضِ ما، لازم ذلك استمرار الأمل ولبشَّر بعدم موت حمية نصرة الحق في أمتنا. أما إذا أصبحنا سواء، فصارت أمثالنا العليا في لاعبي الكرة ونجوم السينما، فإن أمل الانتصار والمقاومة سيخبو ونصبح - حرفيا - تابعين لمن يعتدون علينا، وعيالا عليهم.. حتى تكالبوا علينا كما تكالب الأكلة إلى قصعتها. كلام خطير من شخص سيتولى حكم أقوى دول العالم والمسيطرة عليه. فعلينا الانتباه لقضيتنا ولديننا. لمن نوالي وممن نتبرأ.

اضغط هنا لتقرأ خطاب دونالد ترامب المشار إليه كاملا..

الثلاثاء، نوفمبر 08، 2016

إلى من توجه كلامك؟


الكلام وسيلة تواصل عبقرية خلقها الله سبحانه وتعالى، أهمية فارقة وقصوى. تخيل لو أن الكلام لم يكن موجودًا. لا لغة ولا كتابة ولا كلام ولا أي شئ. تلك الحضارات لم تكن لتقوم أبدًا. تنتقل المعرفة بالكلام وبعض المشاعر لا مفر من التعبير عنها بالكلام. نعمة كبرى أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بها. وكسائر النعم، علينا حسن استغلال هذه النعمة حتى لا تنقلب علينا ابتلاءً كبيرًا.

والكلام هنا أعني به كل ما يُقال وما يُكتب. في حياتك الحقيقية وعلى وسائل التواصل الاجتماعية على الانترنت.

ومع أهمية وفعالية هذه النعمة، فإن كثرة استخدامها أو استخدامها في غير محلِها يقلب الأمر رأسًا على عقب. وتنقلب من نعمة كبرى نعتمد عليها اعتمادًا أساسيًا في التواصل إلى نقمة في شكل حفرة واسعة يتجادل فيها الناس بغير هدف واضح في النهاية.

في نظري، يتم تفعيل الفائدة الكبرى من نعمة الكلام إذا ما تم توجيهه للأشخاص المعنيين أو الشريحة المُستهدفة بشكل صحيح. وقتها سينتج عن هذا الكلام عمل وبالتالي لا يكون الكلام هباءً منثورًا لا فائدة منه.

المطب:

وهو أننا أصبحنا نستخدم خاصية الكلام لذاتها. نتكلم لمجرد الكلام. وبالتالي أصبح لا ننتبه لأي الناس نوجه الكلام على خصوصيته. فمثلًا:

(*) شخص لديه دائرة معارف محددة على فيسبوك: جُلها أو قل كلها لا يد لهم فيما يجري في البلاد ولا علاقة لهم بالقرارات التي تتخذها الحكومة سواء كانت قرارات اقتصادية أو شئ من هذا القبيل. ما الفائدة أن يسخِّر هذا الشخص من وقته ساعات عديدة يتحدث ويتناقش مع من لا يد لهم ولا حيلة فيما يجري ويسعى بكل قوته أن يقنعهم بوجهة نظره - سواء كانت مؤيدة أو معارضة لما يجري - وقد يفقد صداقات في ذلك. دعك أن إقناع أي منا بأمر ما مخالف لقناعاته فيما يخص حال البلاد حاليا هو من المستحيلات حاليا، ولكن هب أن حصلت المعجزة الدنيوية فاقتنع. ما المحصلة؟ لا شئ. ما قام به صناع القرار قد قاموا به. ولن يتغير من الأمر شئ.

تقول ولكن النقاش مفيد للفكر بصفة عامة لذاته هكذا..

حسنا، أوافقك ولكن حين يكون النقاش على أسس عقلية. تُمتع من يتناقش. ولكن حين ترى أن من يتكلم لا دارية له بما يجري وما يقوله فقط هو نابع من رأيه السياسي والأخلاقي تجاه الأمر - وهو وضع للأمر في غير محله - فهو لا يعي تماما بفنيّات الموضوع. فقط يكتب لمجرد أن يعلن عن رأيه، والذي - في مجتمع سوي الفطرة - لا يُفترض أن يهتم أحدًا به. ولكنك تجد من يجادله، فهنا يجد الكاتب أو صاحب الرأي هذا فرصة للدخول في هذه المعركة الوهمية. وكأنه يصارع طواحين الهواء. لا فائدة مما كتب لأنه صادر من شخص لا علاقة له بهذا الفن، وصادر لشريحة لا علاقة لها بهذا الفن كذلك. فلا نجد مُحصلة لذلك كله سوى: الجدال.

(*) كتابة ونشر على فيسبوك/تويتر ما يُفهم منه أنه نقد لسلوك معين في المجتمع صادر من فئة معينة. هذه الفئة غير موجودة في محيط الكاتب على الانترنت. فتجد أن المحصلة لا شئ غير الجدال الفارغ الذي لا يُنتظر منه نتيجة إطلاقا. لأن الفئة المستهدفة من الخطاب غير موجودة. لم تقرأ مقالك. فما كان منك إلا التفريغ على صفحات التواصل الاجتماعي على الانترنت لا أكثر. لو أنها كانت دعوة لمن حولك للنزول لأرض الواقع لتغيير هذا التصرف الذي تراه سلبيا ثم يتبع ذلك خطوات جدية في هذا الأمر لكان الأمر منطقيا نوعا ما.

ومن هنا، علينا أن ننتبه إلى من نوجه حديثنا. وبالتالي: قبل أن نكتب، نختار الفئة المستهدفة من الكلام أولا فنقول مثلا أن الكلام موجه إلى:

- الشباب المتواجد على الانترنت: فوقتها سيكون أسلوب الكتابة مناسب لهذه الفئة، وكذلك ستنشر ما تكتبه في الوسط الذي يتواجدون فيه (فيسبوك، تويتر، ...)

- الأهالي: فحسب. هم متواجدون فعليا على وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، ولكن ظني أنه ليكون الكلام أكثر تأثيرا وفعالية بالنسبة لهم، فإنه من الأحرى أن يكون التواصل معهم تواصلا على الحقيقة. بمعنى: أن تكلمه وأنت تراه. تزوره. تهتم به. تلك الخِصال التي - تقريبا - نسيناها حاليا. ووقتها يجب عليك أن تختار اللغة والأسلوب المناسبيْن للكلام معهم. تراعي شَيْبتهم. تراعي خبرتهم. تراعي أنهم - وذلك طبيعي للغاية - يشعرون أنهم يملكون الخبرة التي تؤهلهم أن يكون "الصح" معهم، فتجتهد في توصيل المعلومة لهم ولو كانت على غير قناعتهم بأن تحترم خبرتهم وسنين عمرهم التي قضوْها في الدنيا. والأغلب أنك تستفيد منهم أكثر مما يستفيدون منك، خاصةً فيما يتعلق بمواجهة صعاب الدنيا والتعامل معها والحكمة في اتخاذ القرارات الأسرية وخلافه.

- عامة الشعب: والذين لا يتواجدون على وسائل التواصل الاجتماعي إلا لنشر صور لهم وإبداء الإعجاب بالصور الأخرى. وهؤلاء لا يستقيم أبدًا أن تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت في توصيل ما تريده إليهم. نعود للتواصل الطبيعي على الأرض معهم، وتمثيل القدوة لهم فيما تريدهم أن يمثلوه. والمعايشة.

كما علمنا الأخ الكريم فريد أبو حديد من قبل، فإنه في علم التسويق: لكي تسوِّق بضاعتك كما ينبغي وتضمن لها مشتري = عليك أن تختار أولا الشريحة المستهدفة لمنتجك، لأن ذلك سيسوق بقية العملية الانتاجية تباعا. فسيؤثر هذا الاختيار على شكل المنتج ووسيلة الدعاية له وغير ذلك من الأمور. أفكارك التي تريد إقناع الناس بها هي بضاعتك التي تريد أن تروِّج لها. فإذا ما اخترت الشريحة المستهدفة من كلامك بعناية، ثم صوَّغت كلامك بعناية ليناسب تلك الشريحة، ثم نشرته في المكان المناسب لها ضمنت على الأقل أنه وصل إليهم ومَسَّهم. المفترض أن الخطوة التي تلي ذلك هي العمل بما يقتضيه هذا الكلام، فتضع الخطة المناسبة لذلك ثم تمضي.

غير ذلك = فالكلام لن يكون إلا ثرثرة فراغ وجدال مذموم لا يُرجى منه خير.

والله من وراء القصد.

----
(*) الصورة من فيلم "الطيب والشرس والقبيح" وكان المشهد يصور أحد القتلة يريد أن يقتل هذا الرجل بالصورة، فبعد أن رفع مسدسه ليقتله ظل يثرثر بالكلام ما يطول، فاستغل الرجل ذلك فأخرج مسدسه سريعًا فقتله. إذا كان القصد القتل فليذهب وليقتله، ما فائدة الكلام والثرثرة التي لا طائل منها إذا كانت النهاية هي قتله؟ فكانت النتيجة أن قُتل هو إذ سبقه ذلك الرجل بالصورة.

الاثنين، أكتوبر 24، 2016

في البحث والاختيار :)


تنبيه أول:

هذا المنشور ليس منشورًا استشاريًا عاطفيًا رومانسيًا، ولا هو من عينة "دليل الحزين في اختيار رفيقة عمره التنين" ولا أي شئ من هذا القبيل.

تنبيه ثاني:

كاتب المنشور لا يوصَف بالخبرة في التعامل مع البنات/الآنسات/العرايس ولا هو خبير في الوساطة فيما يخص هذا الموضوع وهو كما هو واضح للقاصي والداني أبسط ما يكون في هذا الصدد.

مقدمة:

هذا المنشور يهدف لاتساق الإنسان مع نفسه، وصدقه معها. وذلك لقناعته التامة أن هذا الأمر هو مربط الفرس وأساس التقدم أو الضياع للإنسان. وهو نقطة الانطلاق التي تجعلك تتصالح مع نفسك ومع الأشياء.

-----

اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يضطر الإنسان خلال حياته أن يبحث ويختار ويتخذ القرارات. ينعكس ذلك على محطات حياته كـ: اختيار الدراسة، اختيار الصحبة (أحيانا)، اختيار شغله (أحيانا كذلك)، واختيار شريكة حياته.

فمن الآخر كده، مفيش مفر. ربنا سبحانه وتعالى أعطاك العقل، مش هينفع تجنبه - للأسف الحقيقة - فعليك أن تعمله كما ينبغي لتحسن الاختيار قدر الإمكان وتمضي قُدُما.

طبيعي لما بتفكر تختار شريك حياتك إنك بتشوف الأنسب لك. الشخص اللي العِشرة معاه هتبقى سهلة. وفي وقت الخلاف - اللي طبيعي لازم يحصل بين أي اثنين طبيعيين - بيتم التعامل بحكمة وشياكة واحترام.

الفكرة بقى إن اللي بيحصل غير كده. اللي بيحصل إن الشخص بيشوف اختيار الزوجة ده زي اختيار الشغلانة اللي هيشتغلها، زي اختيار الشقة اللي هيسكن فيها. عايز يشوف أكبر قدر من المميزات فيها. فبيتحرى ويتقصى وبيعمل استطلاعاته في الخلق اللي حواليه بناءً على كده. مش بناءً على تآلف وتكامل الشخصية دي معاه.

فيقول لك إيه بقى: أنا عايز واحدة تكون حلوة - عشان القبول الشكلي طبعا يا جماعة مفيش مشكلة، هتحرموا علينا حياتنا - وتكون متربية وشخصيتها قوية وذكية ومتدينة طبعا. يعني لازم تكون واخدة كام مستوى كده في الفقه ولا حاجة. ويكون علامها مناسب لي اجتماعيا - اللي هو إيه مش عارف -. وتكون بنت ناس ومستواها المادي والاجتماعي عالي. وتكون طيبة. وتكون لذيذة وفرفوشة عشان أنا ماحبش الست النكدية. وتكون محافظة على صحتها ورشاقتها. وتكون ست بيت معتبرة تعرف تطبخ وتدير البيت. وتكون تعرف تربي عشان أولادنا يا جماعة. وتكون صبورة. وتستوعبني وأنا متعصب - بس أنا مش لازم عادي. ويكون لها رأي مفيش مشكلة. بس تسمع كلامي. عشان القوامة يا جماعة. ويكون عندها طموح. بس بيتها ما يتهزش شعرة. وهكذا.

أولا: من حقك تحلم. يا سلام. يعني هو الحلم بفلوس. مفيش مشكلة. وهل يعني مستحيل يتواجد الصفات دي كلها في بنت؟ لا مش مستحيل. يجوز عقلا يعني مفيش مشكلة. بس القصة مش في كده، القصة فيما يلي (من وجهة نظر العبد الفقير إلى الله):

- ما تشوف حالك الأول؟ والله ما بعايرك. أنت ممكن تكون كويس. بس ضروري تشوف نفسك أنت فين؟ يا ترى حالك مع الله عامل إزاي؟ يا ترى أنت كشخصية ككيان كجثة كده عامل إيه في الدنيا؟

- أحيانا كتيرة جدا بيحصل تناقض عجيب في الاختيارات. يعني الشخص من دول يبقى عايز واحدة: شخصيتها قوية، وصاحبة رأي، ولها أثرها الإيجابي في المجتمع، ومستقلة برأيها وتعرف تعتمد على نفسها بالكامل. بس في نفس الوقت مطيعة ورأيها صفر جنب رأيه. وما ينفعش تعارضه في اللي هو شايفه صح. اختيارات البيت هي اختياراته هو. هي منفذ بس. طب إزاي يا بني؟! ما هو بالعقل! أنت واخدها إنسانة حرة، لها رأي، ما تقتنعش غير بالنقاش. لها باع برة البيت. بأمارة إيه عايزها معاك أنت تسلب كل قوتها دي وتسمع الكلام وتلغي شخصيتها تماما؟! ده مش عدل. أنت كده مش عايز واحدة بالمواصفات دي. أنت عايز واحدة مطيعة أكتر منها صاحبة رأي وعندها نديَّة.

- من التناقض ده برضو، واللي في نظري بيوحي بخلل في شخصية الرجل: إنه يبقى عايز واحدة متدينة وكل حاجة، بس تديُنها ده يبقى ييجي بعد الزواج واحدة واحدة. إنما قبل كده، بيبني اختياره على البنت الـ showy بمعنى اللي بتكون ظاهرة وسط الناس أو بتتعمد تظهر نفسها وسط الناس إما بجمالها أو بسلوكها. السؤال هنا: أنت عايز إيه؟ عايز تصاحب ولا عايز تتزوج؟ ولا عايز تصاحب وتعيش المراهقة اللي مجتلكش فرصة تعيشها وأنت مراهق بس لما تتزوج ما تخرجش عن الإطار اللي أهلك معيشينك فيه؟ دي مأساة والله. وكتير من الزيجات بتتفركش بسبب الأفكار الغير منطقية وفي رأيي مش أخلاقية بالمرة دي. ده بيعبر عن التشوه اللي حصل في المجتمع. والفتنة اللي وقعنا فيها. وعدم الاتساق مع النفس والصدق معها. اللي يخليك متأثر بشدة بالزخرفة والهالة الضخمة اللي حوالين الغلط والافتتان بها وفي نفس الوقت أنت مُرغم ومزنوق في "العادات" و"التقاليد" اللي أهلك عودوك عليها. ما بيكونش الدافع الدين على فكرة. لأن لو الدافع الدين، كمان زمانه أثر عليك في كل الاختيار. وأرجع وأقول هنا نقطة مهمة جدًا: الدين وضع لك إطار مهم ودليل إزاي الزواج ينجح وإزاي معيار اختيارك يكون صح. إطار بس. تمام؟ مش أدق التفاصيل. يعني الدين مقالكش اختيار شخصية زوجتك تبقى كذا، ولا قال إنها لازم تكون بتدرس علم شرعي مثلا، ولا قال إنها لازم تكون على مقاسك في الشعائر اللي بتؤديها. ده زواج يعني تآلف بين اثنين. والله الاثنين دول ارتضوا إن مواصفاتهم لبعض تكون بشكل معين فبها ونعمت، ملكش إنك تحكم عليهم إن اختيارهم ده موافق للشرع ولا لأ.

إحنا بنصعب الحياة على نفسنا في كل حاجة. في الأكل والشرب والشغل والعيشة والزواج. بعيدًا عن صعوبات الزواج المتعلقة بمغالاة الأهالي. اختيارات الأشخاص نفسهم بتصعَّب الأمور عليهم جدًا. وبتكرههم في الزواج واللي بيتزوجوا. فـ ليه؟

خليك نفسك والله ده أبرك مليون مرة من إنك تعيش عيشة مش عيشتك وتلون نفسك بلون ناس تانية عشان المجتمع بيقول كده مش عشان الدين والقيم.

والله من وراء القصد.

الأحد، أكتوبر 16، 2016

لحظة تغير التاريخ..! #فلسطين

أكثر اللحظات التاريخية استفزازا بالنسبة لي هي اللحظات اللي بتكون ما بين وضع معين للبلد/للأمة/للعالم ووضع تاني مغاير تماما للي كان عليه قبل كده. مفهوم طبعًا إنه التحول ده مبيبقاش في يوم وليلة، ولكن في النهاية هي بتبقى لحظة بيحصل فيها استسلام أو إعلان انتصار. اللحظة دي بيبقى عندي شغف كبير جدًا أعرف حال الناس ساعتها بيبقى عامل إزاي، وربطه بحالهم قبل اللحظة دي وبعدها. الموضوع مشاعر أكتر منه أحداث تاريخية جامدة بنقرأها في كتب التاريخ أو منشورات فيسبوك. من أكتر اللحظات دي استفزازا بالنسبة لي هي لحظة نكبة فلسطين وتمكن العصابات الصهيونية من الأراضي هناك ومن ثم إعلان دولة اليهود. عندي قناعة إن الغالبية الكاسحة من الكتابات الموجودة في المحيط بتاعنا مش بتتناول اللحظة دي كما يجب أن يتم تناولها. إما بيكون بتجني كبير جدًا على الشعب اللي كان عايش وقتها وتصدير فكرة إن الناس سابت بلادها بسهولة لعصابات الصهاينة أو مداراة كبيرة وإخفاء لكم الخيانات اللي حصلت اللي أدت بنا للحظة دي. قبلها بمفيش كان فيه خلافة إسلامية - الدولة العثمانية - وكان لها سلطان وجاه واعتبار، في لحظة معينة السلطان والجاه والقوة دي كلها انهارت واستسلمت والبلاد اتقسمت ووصل بنا الحال للي إحنا فيه دلوقت.

لو جينا تخلينا إننا رجع بنا الزمن لورا لحد ما بقينا في حقبة الثلاثينيات 1930's.. عصابات اليهود المسلحة بتهاجم قرية ورا قرية تحتلها وتطرد منها العرب اللي فيها، وبعدها تسميها بأسماء يهودية في خطة منظمة لتغيير ديموغرافية المكان وتمكين أنفسهم من الأرض ونسبها لهم. إحنا دلوقت وسط العرب اللي كانوا وقتها وكل شوية بنسمع أنباء عن اليهود إنهم بياخدوا القرى وبيقتلوا الناس بدعم من الانجليز. في شيوخ وأطفال بيتهجروا من الأرض بتاعتهم قسرًا. وفي نفس الوقت فيه كتائب جهادية مسلحة قررت تقاوم العدو. وأمة تانية من الناس قررت تنظم تظاهرات في القدس ضد الاحتلال الانجليزي. يوم بيومه بنعيش مآسي وإحنا شايفين القدس وبلاد فلسطين بتضيع من إيدينا. إحساس الخزي والعار أقوى من ألم ضرب النار والقتل اللي بيحصل فينا.






جنود الاحتلال الانجليز قاعدين في بيت المقدس وكل يوم يواجهوا المظاهرات اللي بيعملها العرب، زي إخواتهم اللي في مصر. وسط أنظمة من الخونة والعملاء اللي نصبوهم علينا حكام لنا وإحنا ملناش شوكة عليهم غير بدعائنا عليهم وأعمال المقاومة المسلحة والمظاهرات اللي بتتعمل كل يوم.

فيه مننا كتير تطوعوا في كتائب المقاومة المختلفة، وكتير جُم من البلاد اللي جنبنا زي مصر عشان يجاهدوا اليهود الملاعين. كان فيه أبطال عظام فضلوا يقاتلوا العدو الصهيوني لحد ما حوصروا ومبقاش معاهم سلاح ولا ذخيرة وتكالب عليهم الكلاب فاستُشهدوا زي الشهيد عزالدين القسام والشهيد عبد القادر الحسيني..


كتير مننا كان بيحاول يشارك في الجهاد ولكن بالدعم المالي، فكانوا يروحوا البلدان المجاورة يلموا تبرعات لإغاثة المنكوبين من عدوان اليهود أو لقتال الصهاينة، كانت الشعوب معانا لكن الأنظمة يا إما مشاركة في الاحتلال ومتعاونة معاه يا إما خافت على نفسها لحد ما الدايرة دارت عليها واستغنى عنهم اللي كان بيؤيهم بعد ما اتحرقوا ككروت يداروا وراها عدوانهم الغاشم على أراضينا..





ولاد الكلب ملهمش ملة ولا دين غير الظلم والتجبُر، ويبقوا عُبط لو معملوش كده في ظل خنوع غريب من الأنظمة العربية واستسلام لهم ما يتفسرش غير إنه مشاركة في العدوان علينا. فكأن العدوان مش بس من عصابات الصهاينة اليهود، لا ده منهم هم كمان. واللي منهم ده أشد مرارة وقسوة علينا من هجوم الصهاينة علينا.. الصهاينة هدوا مساجد وقتلوا شيوخ وأطفال. سرطان ولاد الكلب.





والوساخة سمة اللي بيساوم على رقابنا وعلى أراضينا. يروحوا بالبدل الافرنجي يتفاوضوا على دمائنا. بتفاوضوا مين يا هطل؟ بتفاوضوا الملاعين اللي بيقتلونا؟ بتفاوضوهم عشان تخففوا وطأة رجليهم ودنسهم عننا؟ لا مش عايزين مفاوضتكم ولا تلزمنا! إحنا هنظل بالأرض ونموت فيها، واللي مننا اتهجر منها مصيره هيرجع لنا. وكل واحد معاه مفتاح داره عشان في يوم من الأيام هيرجع لها.


لابد من يوم معلوم تترد فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم 
أسودعلى كل ظالم

ولو مشوفناش حقنا بيرجع لنا في الحياة الدنيا، فإحنا مؤمنين وموقنين بربنا الكريم العادل. اللي قال في كتابه الكريم:

"ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار".. 

لماذا "الحمد لله على نعمة يوم القيامة"؟

الدنيا ليست دار جزاء، وإنما هي دار اختبار وابتلاء. والجزاء يكون في الآخرة. حين تجتمع عند الله الخصوم. وهذا ما يهون علينا ما نراه في هذه الدنيا من ظلم الحكام الغاصبين وبطشهم، أننا سنراهم يحاسبون أمام الله - ونحن معهم طبعا - كلنا سواء. كلٌ متجرد من سلطانه وجنده وسلاحه. الكل واقف أمام الله عارٍ تماما من كل ما اكتسب في الحياة الدنيا. لا ينفعه أمام ربه إلا قلبه إن كان سليمًا وعمله الصالح. يوم الحقيقة الذي لا كذب ولا خداع ولا مداراة ولا نفاق فيه. كل الكذب الذي كان يحصل في الدنيا لنفاق حاكم أو لتدليس يمارس على عباد الله في أرضه سينفضح في هذا اليوم المشهود. فالحمد لله على نعمة يوم القيامة، والحمد لله على ربنا العادل. ونسأل الله تعالى أن يختم لنا في هذه الدنيا على خير، وأن يدخلنا الجنة برحمته الواسعة.

الاثنين، سبتمبر 05، 2016

أسئلة..!

- يا ترى العربي اللي بيتولد على أرض القدس دلوقتي وأبوه وأمه مواليد ستينيات ولا سبعينيات، بيتعامل مع الاحتلال إزاي؟ إزاي ولد من ساعة ما اتولد وهو معتاد يشوف الشرطة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي في الشوارع وفي كل حتة، وبيتعامل مع التجار والبياعين ومقدمي الخدمات اليهود بشكل روتيني وطبيعي جدًا.. إزاي ولد زي ده تفضل لهب المقاومة في قلبه ما تموتش؟ إزاي بيقدروا يزرعوا القضية في قلوب المواليد الجُدد؟ ولا بيألفوا التعامل والتطبيع مع اليهود غصب عنهم؟ يا ترى بيخافوا دولة إسرائيل تقع؟ يا ترى بيخافوا لو دولة إسرائيل أُسقطت نظام حياتهم اللي مشافوش غيره ينهار هو كمان ويلاقوا نفسهم في فوضى؟ يا ترى بيصيبهم من الحب جانب لو اقتصاد إسرائيل بقى قوى؟ يا ترى بيزعلوا لما بتحصل عمليات فدائية في قلب إسرائيل؟ يا ترى فيه منهم بيتمنى لو المقاومة الفلسطينية تموت عشان حياتهم تفضل في استقرار حتى لو في كنف اليهود المعتدين؟ يا ترى كون الفلوس اللي بيتعاملوا بها هي الشيقل الإسرائيلي ده ما بيخليهمش يألفوا العدو وينسوا فكرة القتال؟ أما بيتعامل بالفلوس اللي مرسوم عليها جولدا مائير وليفي إيشكول ما بيخليهمش يتعودوا إنهم يتعاملوا مع المجرمين دول وشوية بشوية تموت جواهم حمية الجهاد والاستقلال؟


- يا ترى أما بيشوفوا قوات الأنظمة العربية بتتعامل إزاي ما المعارضة من شعوبهم بيقولوا ده اليهود علينا أخف وأرحم؟ يا ترى لما بيقارنوا بين الرصاص المطاطي ومدافع المية والغاز المسيل للدموع وبين الرصاص الحي والخرطوش والاعتقالات الجزافية ما بيقولوش ده اليهود علينا أخف وأرحم؟ يا ترى ما بيتمنوش نعمة العيش في استقرار كيان إسرائيل الصهيوني تزول بعد ما بيشوفوا اللي بيحصل لما العرب يتمكنوا من بعض؟! يا ترى اللي بيحصل في بلادنا العربية والإسلامية بيمثلهمش فتنة في دينهم وفي وطنهم؟!


- يا ترى إيه اللي يخلي بلد زي إسرائيل تقع؟ بلد احتلال وكفرة وظلمة وقتلة.. بس أقوى سلاح في الشرق الأوسط وأعلى بحث علمي ووسط بلاد عربية كلها - تقريبا بلا استثناء - بيحكمها أنظمة ما بين خونة وعُملا ولصوص وقليلي الحيلة، ومتدعمة من أقوى بلد في الدنيا - دلوقتي - والدعم المعنوي والسلام اللي هي عايشة متنعمة فيه في كنف الأنظمة العربية أقوى من الدعم المادي اللي بتاخده من أمريكا؟ يا ترى إسرائيل دي عشان تقع لازم تقع من جواها؟ منها فيها؟ يعني النظام اللي عاملينه مبنى على احتلال أرض مش بتاعتهم ده يهوي بهم من نفسه؟ بس إزاي؟ دول قايمين على عقيدة قوية ووطنية شديدة؟ الناس كانت بتهاجر لهم مخصوص عشان يقيموا دولتهم لأنها الحلم بتاعهم.. معاك إن فيه منهم هلاسين، بس ما أنت الأغلبية الكاسحة عندك هلاسين أو قل منفضين أو عايشين وخلاص. على الأقل هم لما بيبنوا كيانهم الاستعماري ده بيبنوه بشغف وحماس ودين! شارون ولا باراك ولا نتنياهو لما كانوا بيضربوا غزة كانوا بيضربوها دين، مش أي حاجة تانية. وكونهم مستأمنين الحرب مع الدول العربية في الوقت الحالي فده خطة، هم مش هبل زينا، هم كل حاجة بتحصل بيخطوا بها مراحل مهمة في حياة دولتهم. الخطط موجودة ومُعدَّة من زمان، ولو حصل تغيير فيها بيبقى تغيير محسوب بحيث ما يحيدش عن الهدف الأساسي لهم. إيه اللي ممكن يرفع ظلم الاحتلال وينهي كيانهم ده تمامًا؟ إيه اللي ممكن نبدأ فيه دلوقتي بحيث كمان كام عشر عشرين خمسين سنة الوضع الحالي يتغير والظلم يترفع؟


- المسلمين العرب وغير العرب اللي بيولدوا على أرض بلاد أوربا ولا أمريكا ولا روسيا دول، وبيكون آبائهم مولودين هم روخرين فيها، والجد بس هو اللي قدم إليها مهاجر من بلده الأصلية، الناس دي بتعيش مواطنين أوربيين وأمريكيين تماما، مفيش فيهم نعرة قضية من قضايا المسلمين والعرب؟ طب اللي بيسافر من إخواتنا وأصحابنا للبلاد دي دلوقتي ونوى إنه يعيش فيها لآخر عمره، عارف تماما إنه أحفاده وأحفاد أحفاده من بعده هيبقوا مواطنين أوربيين وأمريكيين صالحين وبيشتغلوا على البرامج التنموية لبلادهم اللي منها ممكن يكون قايم على خيرات بلادهم الأصلية؟ واللي منها ممكن يكون قائم على حروب أشعلتها أوربا وأمريكا عشان تضمن إن بلادهم الأصلية دي ما يقوملهاش قومة أبدًا.. معقول مفكروش في حاجة زي كده؟ طب ولو فكروا فيها بيبقى إيه استنتاجهم؟ بيقولوا هنعيش في المجتمع العربي أو المسلم اللي هناك ملناش دعوة؟ ملكش دعوة إزاي؟ أنت مش بتدفع ضرايب هناك؟ مش شغال على برامجهم هناك؟ مش مشارك في بطاقتك ومجهودك في الكلام ده ولو بشكل غير مباشر؟ طب اللي عايشين هنا في بلادنا العربية المسلمة الجميلة، وشغالين في شركات أوربا وأمريكا اللي بتدعم الخطط اللي بتحطها الدول دي عشان مستقبل الدول دي يفضل في ازدهار ورخاء وبانيين ده على أحلام وآمال فقراء بلادنا العربية المسلمة الجميلة، ما بيفكروش إنهم لازم يسيبوا أشغالهم دي بأي شكل؟ وإن ما ينفعش يبقوا شغالين فيها كده من غير خطة إنهم يسيبوها ولا حاجة؟ وإلا يبقوا فرقوا إيه عن اللي عايشين في أوربا وأمريكا وشغالين معاهم.. ما كده كأنهم سفراؤهم هنا، عبيدهم هنا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون!


- طيب الجماعة اللي عايزين يصلحوا ويحاولوا يعدلوا المايل في بلادنا العربية والمسلمة الجميلة، حاطين في بالهم إن طول ما الحوْجة موجودة للنظام الجائر بتاع العالم ده يبقى اللي بيعملوه ما يعديش كونه مُسكنات/مخدرات/وهم؟ طيب إيه الحاجة اللي تتعمل في بلادنا دي في ظروفنا دي في عصرنا ده اللي تهد الكيان العالمي الظالم ده كله وتحط مبادئ للعيش العادل الكريم للناس كلها؟ ولو الحاجة دي اتعملت وبقى لها أثر فعلا، هتتساب؟ هيسيبها نظام البلد اللي هي طلعت فيه؟ ولو سابها، هتتساب من الظلمة اللي برة؟ إيه اللي يركَّع الناس اللي برة دي ما يخليهمش يقدروا ييجوا علينا؟ طيب اللي شغالين في الجمعيات الخيرية على أكياس الرز واللحمة والفول واللي بيبنوا أسقف للبيوت واللي بيشتروا بهايم عُشر واللي بيوصلوا مية للقرى وغيرهم، شايفين مستقبل اللي بيعملوه ده؟ مقتنعين إن ده الحل وبس؟ طب الفساد ما دبِّش رجله فيهم هم شخصيًا؟ طب عملوا إيه عشان الفساد ده يقف ويتبتر؟ مش قادرين يعملوا حاجة؟ أمال هم بيعملوا إيه؟ وهو إيه الدافع ورا شغلهم ده؟ رضا ربنا؟ ولا رضا المجتمع المدني؟ ولا رضا الإعلام؟ ولا وقت فراغ وبنقضيه في حاجة مفيدة؟ ولا طاقة زيادة؟ ولا إيه؟ ولو رضا ربنا، طب إحنا شوفنا ربنا أمرنا بإيه عشان نعمله فعلا؟ ولا استسهلنا الخيار ده عشان ده اللي بنطلع فيه طاقاتنا الإيجابية والكلام الجميل ده؟!


- ليه ما بنتعلمش من التاريخ؟ بلاش التاريخ، ليه ما بنتعلمش من اللي بيحصل فينا؟ ليه مُصرين نمشي في السكة اللي ثبت إنها مش جايبة همها؟ ليه بنستثقل الطريق الطويل؟ طريق بناء الإنسان؟ ليه بننسى إن الهدف هو الإنسان نفسه مش المعمار ولا البناء ولا الفلوس ولا الطوب؟ هو إحنا بننسى فعلا ولا بنتعمد تجاهُل الحقيقة دي..

إنا لله وإنا إليه راجعون!

الخميس، سبتمبر 01، 2016

حكايات الشغف - مش #تنمية_بشرية :)


"في كل قصة عبرة لمن يعتبر، وعلى المرء أن يأخذ بأحسنِ ما يسمع".

---

اتباع الشغف قصة بتتحكي كتير، وكتير بيحاولوا يشتغلوا الحاجة اللي بيحبوها وكتير ظروف الحياة بتجبرهم على تغيير مسارهم المهني، فإما إنهم بيضطروا يستسلموا للظروف دي أو بيغيروا المسار مهما كلفهم ده عشان يشتغلوا في الحاجة اللي هم بيحبوها. حسين صديقي من أولى ثانوي، كان مثال للشخص المرتبط بالكمبيوتر وعالم الكمبيوتر من وهو صغير، شخصية استثنائية فيما يخص الموضوع ده. طبعًا الموضوع فيه جانب وراثي محترم، والده الدكتور عادل حسين فهمي مقدم برنامج "عالم الكمبيوتر" اللي كان بيتعرض زمان على التليفزيون المصري، وأحد الشخصيات الفريدة اللي تستحق الواحد منا إنه يقرأ عنها، ممكن تقرأ عنه - رحمه الله - في المقال المكتوب عنه في ويكيبديا هنا..

حسين في المدرس كان الـ Geek بتاع الكمبيوتر، وبمصطلحات التسويق كده تقدر تقول إنه كان عامل لنفسه branding بشكلٍ ما في المدرسة إن وجوده مرتبط بشكل كبير بالكمبيوتر والحاسوب والبرمجة والكلام ده.. في حصة معمل الكمبيوتر - اللي كان الطبيعي فيها المدرس يسيب الطلبة تلعب Games على الأجهزة الموجودة ولو طَرَش له كلمتين كده عن الـ DOS وقتها يبقى خير وبركة، الوقت ده كان حسين عنده مقدرة إنه يدي ورش عمل سريعة عن استخدامات الكمبيوتر - وقتها يا إخوانا كان تعاملنا مع الكمبيوتر هو الـ DOS وعشان كنا نكتب CD وبعدها مسافة وبعدين اسم اللعبة اللي عايزين نلعبها :) - الراجل كان عنده اطلاع بالـ Visual Basic وخلافه، مما أهله عن جدارة واستحقاق إنه يبقى إذا ذُكرت الحوسبة والكمبيوترات والكلام ده ذُكر حسين عادل فهمي :).

وعلى الصعيد الشخصي بالنسبة لي أنا وصديق لنا آخر - مصطفى - حسين كان ملاذنا الحقيقي لتفريغ شُحنات الرسم، كنا نرسم الرسومات ونديهاله يعمل لها Scan ويشتغل عليها editing ويرفعها لنا على موقع على الانترنت - كان هو اللي عامله ومخططه شافي مشفي - ولفترة من الفترات كان الموقع ده بيمثل لنا إحنا الثلاثة حلم، بالنسبة لي شخصيا كنت بنشكح جدًا لما بشوف الرسومات مرفوعة ع الشبكة النكبوتية، وكنا وصلنا لمرحلة حلوة إننا بنعمل فيديوهات تعريفية بالموقع وشغل عالي. للأمانة 80% من الشغل ده كان حسين، إحنا كنا بس بنرسم على الورقة ونديهاله. كان بيعمل الحاجات دي - أظن يعني - عشان كان بيستمتع بالشغل ده جدًا، والأهم من ده إن ده كان إطار لصداقتنا لفترة طويلة، أسست لصحوبية استمرت لحد دلوقتي وربنا يبارك فيها..

دخلنا بقى ثانوية عامة ودروس ثانوية عامة والهم اللي ما يتلم ده، كنا بناخد درس العربي والفيزيا سوا.. وكنت بروح له كتير جدًا في بيته، وشوف يا مؤمن يعني كان عندي انترنت في البيت وكل حاجة، بس زي ما قلت فوق كده الراجل ده كان مصدر كل ما هو جديد في الانترنت والكمبيوتر بصفة عامة بالنسبة لي.. وكتير أروح له عشان بس نلعب سوا فيفا مالتي بلاير ضد الكمبيوتر، ويخرب بيت الفرحة لما نكسب الكمبيوتر ويخرب بيت الإحساس بالمؤامرة الكونية الكبرى لما نخسر قصاده :)

حسين كان بيعتبرني الأرشيف بتاعه، بيحكيلي القصص اللي بيخش فيها على مختلف الجوانب والنواحي، 

تُوُفي والد حسين وإحنا في ثانوية عامة سنة 2002، وأظن دي كانت مرحلة مهمة جدًا في حياته.. والده كان من أكتر الناس اللي أثرت في شخصيته وخلت عقله ناقد ومحلل لكل حاجة حواليه. حسين مش شخص عايش كده بيعيش الأحداث اللي بتحصل مفيش حاجة، لأ! ده له تحليلات وتوقعات وانعكاسات لكل حاجة بتحصل بشكل عميق جدًا.. أعتقد إن من بصمات والده - الله يرحمه - عليه إنه يخليه يقرأ، يتفلسف في المزيكا.

حسين مكنش سميع مزيكا وخلاص، لا ده كان بيؤلف أغاني ويعزفها على البيانو اللي عنده في البيت - جيرانه كانوا متفهمين الدوشة اللي بيعملها لهم كل ليلة - لا عجب في ده طبعا! والده كان له مقالات في الموسيقى جمعها في كتابه الشيق: جاز، نهاوند وسيكا! وربط الموسيقى بالرياضيات في كتاب سماه: أصل السلالم الموسيقية. أذكر كويس إني اطلعت على الكتابين دول، خاصة الأخير. أظن لو شوفتهم دلوقتي هأكون أكتر اهتمامًا.. حسين وارث ملكة الكتابة دي من والده الله يرحمه، وله كتاب جميل عن مغامراته في أوربا اسمه: عجيب في بلاد العجائب.

خلصنا ثانوية عامة، وجت مرحلة الكلية، دخلنا سوا هندسة عين شمس العظيمة! وهنا مربط الحكاية..

مع شخصية حسين الكمبيوترية الـ Geekية الرياضية دي، إلا إنه كان بيكره الرسم الهندسي كره العمى، وما يطيقش هندسة الانتاج تماما، بعيد تماما عن دماغه.. الحقيقة أنا متفهم تمامًا، أنا كنت بحب الرسم الهندسي جدًا ولكن سكاشن الرسم الهندسي في الكلية عندنا كانت أشبه بعنابر التعذيب والمدرسين اللي كانوا بيشرحوا كان عندهم مشاكل حقيقية في التعامل، فتخيل بقى لو واحد كمان كاره المادة أكيد بالنسبة له الموضوع جحيم!

وطبعا بحكم نظام التنسيق العبقري اللي في الكلية، اللي بيودي كل واحد المكان اللي يناسبه طبعا! حسين يخيش في مادتي الرسم الهندسي والانتاج وبالتالي ما يحققش مجموع الدرجات اللي يدخله قسم كهربا اللي منه يخش على كمبيوتر.

وتنسيقه يوديه فين؟!

ميكانيكا!!

يبقى الراجل ممتاز في الكمبيوتر والبرمجيات، بس عشان هو مش كويس في الميكانيكا والرسم، فهندخله ميكانيكا!

على رأي صاحبنا علي جمال - رحمه الله -: إديني عقلك وامشِ حافي!

إنما الحمد لله رب العالمين، الرجل ربنا نجاه من الهم ده - لأنه بكل السُبُل مكنش هينفع - وانتقل للجامعة الألمانية ودخل هناك المجال اللي هو متميز فيه. وقدر هناك إنه يكون رابطة من محبي البرمجة وعمل Club لمساعدة الطلبة في الموضوع ده، وعلى حد ما كنت معاصر الـ Club ده عمل شغل كويس وكان له أثر إيجابي على دفعته في حينه.

حسين تخرج من الجامعة، وسافر درس برة، وحصل على شهادات عليا في النمسا، وكمِّل مسيرته هناك وحاليا هو ما شاء الله رجل باشا في شركة IBM اللي أول ما عرفت الكمبيوتر عرفته بالاسم ده.. كمبيوتر IBM.. هو فيها حاليا وعايش في النمسا. ومحقق نجاحات ملموسة وشغال على مشروعات لها علاقة بالاتحاد الأوربي - شُغل أجندة بقى وكلام من ده :) - واتكرم في شركته على مجهوداته فيها..

تخيل معايا لو كان حسين قال لك: "معلش ميكانيكا هندسة عين شمس أحسن، وحرام أضيّع سنة من عمري" كان هيبقى عامل إزاي دلوقتي؟ كاره المجال اللي هو فيه، أو بيحاول يحبب نفسه فيه بالعافية.. يادوبك يعدي سنين الكلية بالعافية ولو اشتغل في المجال هيتحول لموظف نمطي روتيني مفقوع، أو هيغير كاريره بقى على كبر ويشتغل في أي حاجة تانية.. طبعا، الحمد لله حسين كان معاه من الإمكانيات اللي خلاه يقدر يحول للجامعة الألمانية، وأنا مقدّر طبعا إن الإمكانية دي مش ضروري تبقى عند كل الناس.. لكن الفكرة نفسها: كتير ممكن يبقى مستخسر إنه يعيد "سنة" في حياته، فيكسل ويقرر إنه يكمل وخلاص. الحقيقة إنه بدل ما يبقى ضيع سنة، ضيع أربع أو خمس سنين كمان! لأنه قضاهم في حاجة مش بتاعته، غيره هيكون له الأولوية فيها. لأنه مهما عمل مش هيقدر يتميز في المحال، آخره يقضي المصلحة وخلاص. أهو "يقضي" أكتر حاجة سيئة ابن آدم ممكن يعملها في نفسه.

واحد زي حسين ده كتير يعتبروه دلوقت خير ممثل لمصر في الخارج - طيور مصر المغردة في الخارج والكلام ده :) - والراجل معلمش حاجة غير اللي بيحبه. أكيد فيه عوائق وبلاوي ياما واجهها في حياته - لا يتسع هذا المقام لذكرها، منها اللي كان هنا ومنها اللي قابله برة وكان أشد وأعسر - بس ده شئ طبيعي ما هي الدنيا مش المفروض تبقى سهلة وسلسة وكل حاجة فيها تشاور لها تيجي، الموضوع تطلب تعب ومجهود وسفر وإرهاق ومشاكل بتحصل ولازم يعديها عشان يكمل وهيصة!

في النهاية، حابب أقول لحسين إنه واحشني - غالبا ده الدافع الرئيسي لكتابة كل الطحن ده -، وإن شاء الله ييجي بالسلامة قريب -  في إجازة يعني مش قصدي حاجة - ونحكي كتير عن الدنيا دلوقتي وعن كل الأشياء :)