الثلاثاء، نوفمبر 08، 2016

إلى من توجه كلامك؟


الكلام وسيلة تواصل عبقرية خلقها الله سبحانه وتعالى، أهمية فارقة وقصوى. تخيل لو أن الكلام لم يكن موجودًا. لا لغة ولا كتابة ولا كلام ولا أي شئ. تلك الحضارات لم تكن لتقوم أبدًا. تنتقل المعرفة بالكلام وبعض المشاعر لا مفر من التعبير عنها بالكلام. نعمة كبرى أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بها. وكسائر النعم، علينا حسن استغلال هذه النعمة حتى لا تنقلب علينا ابتلاءً كبيرًا.

والكلام هنا أعني به كل ما يُقال وما يُكتب. في حياتك الحقيقية وعلى وسائل التواصل الاجتماعية على الانترنت.

ومع أهمية وفعالية هذه النعمة، فإن كثرة استخدامها أو استخدامها في غير محلِها يقلب الأمر رأسًا على عقب. وتنقلب من نعمة كبرى نعتمد عليها اعتمادًا أساسيًا في التواصل إلى نقمة في شكل حفرة واسعة يتجادل فيها الناس بغير هدف واضح في النهاية.

في نظري، يتم تفعيل الفائدة الكبرى من نعمة الكلام إذا ما تم توجيهه للأشخاص المعنيين أو الشريحة المُستهدفة بشكل صحيح. وقتها سينتج عن هذا الكلام عمل وبالتالي لا يكون الكلام هباءً منثورًا لا فائدة منه.

المطب:

وهو أننا أصبحنا نستخدم خاصية الكلام لذاتها. نتكلم لمجرد الكلام. وبالتالي أصبح لا ننتبه لأي الناس نوجه الكلام على خصوصيته. فمثلًا:

(*) شخص لديه دائرة معارف محددة على فيسبوك: جُلها أو قل كلها لا يد لهم فيما يجري في البلاد ولا علاقة لهم بالقرارات التي تتخذها الحكومة سواء كانت قرارات اقتصادية أو شئ من هذا القبيل. ما الفائدة أن يسخِّر هذا الشخص من وقته ساعات عديدة يتحدث ويتناقش مع من لا يد لهم ولا حيلة فيما يجري ويسعى بكل قوته أن يقنعهم بوجهة نظره - سواء كانت مؤيدة أو معارضة لما يجري - وقد يفقد صداقات في ذلك. دعك أن إقناع أي منا بأمر ما مخالف لقناعاته فيما يخص حال البلاد حاليا هو من المستحيلات حاليا، ولكن هب أن حصلت المعجزة الدنيوية فاقتنع. ما المحصلة؟ لا شئ. ما قام به صناع القرار قد قاموا به. ولن يتغير من الأمر شئ.

تقول ولكن النقاش مفيد للفكر بصفة عامة لذاته هكذا..

حسنا، أوافقك ولكن حين يكون النقاش على أسس عقلية. تُمتع من يتناقش. ولكن حين ترى أن من يتكلم لا دارية له بما يجري وما يقوله فقط هو نابع من رأيه السياسي والأخلاقي تجاه الأمر - وهو وضع للأمر في غير محله - فهو لا يعي تماما بفنيّات الموضوع. فقط يكتب لمجرد أن يعلن عن رأيه، والذي - في مجتمع سوي الفطرة - لا يُفترض أن يهتم أحدًا به. ولكنك تجد من يجادله، فهنا يجد الكاتب أو صاحب الرأي هذا فرصة للدخول في هذه المعركة الوهمية. وكأنه يصارع طواحين الهواء. لا فائدة مما كتب لأنه صادر من شخص لا علاقة له بهذا الفن، وصادر لشريحة لا علاقة لها بهذا الفن كذلك. فلا نجد مُحصلة لذلك كله سوى: الجدال.

(*) كتابة ونشر على فيسبوك/تويتر ما يُفهم منه أنه نقد لسلوك معين في المجتمع صادر من فئة معينة. هذه الفئة غير موجودة في محيط الكاتب على الانترنت. فتجد أن المحصلة لا شئ غير الجدال الفارغ الذي لا يُنتظر منه نتيجة إطلاقا. لأن الفئة المستهدفة من الخطاب غير موجودة. لم تقرأ مقالك. فما كان منك إلا التفريغ على صفحات التواصل الاجتماعي على الانترنت لا أكثر. لو أنها كانت دعوة لمن حولك للنزول لأرض الواقع لتغيير هذا التصرف الذي تراه سلبيا ثم يتبع ذلك خطوات جدية في هذا الأمر لكان الأمر منطقيا نوعا ما.

ومن هنا، علينا أن ننتبه إلى من نوجه حديثنا. وبالتالي: قبل أن نكتب، نختار الفئة المستهدفة من الكلام أولا فنقول مثلا أن الكلام موجه إلى:

- الشباب المتواجد على الانترنت: فوقتها سيكون أسلوب الكتابة مناسب لهذه الفئة، وكذلك ستنشر ما تكتبه في الوسط الذي يتواجدون فيه (فيسبوك، تويتر، ...)

- الأهالي: فحسب. هم متواجدون فعليا على وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، ولكن ظني أنه ليكون الكلام أكثر تأثيرا وفعالية بالنسبة لهم، فإنه من الأحرى أن يكون التواصل معهم تواصلا على الحقيقة. بمعنى: أن تكلمه وأنت تراه. تزوره. تهتم به. تلك الخِصال التي - تقريبا - نسيناها حاليا. ووقتها يجب عليك أن تختار اللغة والأسلوب المناسبيْن للكلام معهم. تراعي شَيْبتهم. تراعي خبرتهم. تراعي أنهم - وذلك طبيعي للغاية - يشعرون أنهم يملكون الخبرة التي تؤهلهم أن يكون "الصح" معهم، فتجتهد في توصيل المعلومة لهم ولو كانت على غير قناعتهم بأن تحترم خبرتهم وسنين عمرهم التي قضوْها في الدنيا. والأغلب أنك تستفيد منهم أكثر مما يستفيدون منك، خاصةً فيما يتعلق بمواجهة صعاب الدنيا والتعامل معها والحكمة في اتخاذ القرارات الأسرية وخلافه.

- عامة الشعب: والذين لا يتواجدون على وسائل التواصل الاجتماعي إلا لنشر صور لهم وإبداء الإعجاب بالصور الأخرى. وهؤلاء لا يستقيم أبدًا أن تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت في توصيل ما تريده إليهم. نعود للتواصل الطبيعي على الأرض معهم، وتمثيل القدوة لهم فيما تريدهم أن يمثلوه. والمعايشة.

كما علمنا الأخ الكريم فريد أبو حديد من قبل، فإنه في علم التسويق: لكي تسوِّق بضاعتك كما ينبغي وتضمن لها مشتري = عليك أن تختار أولا الشريحة المستهدفة لمنتجك، لأن ذلك سيسوق بقية العملية الانتاجية تباعا. فسيؤثر هذا الاختيار على شكل المنتج ووسيلة الدعاية له وغير ذلك من الأمور. أفكارك التي تريد إقناع الناس بها هي بضاعتك التي تريد أن تروِّج لها. فإذا ما اخترت الشريحة المستهدفة من كلامك بعناية، ثم صوَّغت كلامك بعناية ليناسب تلك الشريحة، ثم نشرته في المكان المناسب لها ضمنت على الأقل أنه وصل إليهم ومَسَّهم. المفترض أن الخطوة التي تلي ذلك هي العمل بما يقتضيه هذا الكلام، فتضع الخطة المناسبة لذلك ثم تمضي.

غير ذلك = فالكلام لن يكون إلا ثرثرة فراغ وجدال مذموم لا يُرجى منه خير.

والله من وراء القصد.

----
(*) الصورة من فيلم "الطيب والشرس والقبيح" وكان المشهد يصور أحد القتلة يريد أن يقتل هذا الرجل بالصورة، فبعد أن رفع مسدسه ليقتله ظل يثرثر بالكلام ما يطول، فاستغل الرجل ذلك فأخرج مسدسه سريعًا فقتله. إذا كان القصد القتل فليذهب وليقتله، ما فائدة الكلام والثرثرة التي لا طائل منها إذا كانت النهاية هي قتله؟ فكانت النتيجة أن قُتل هو إذ سبقه ذلك الرجل بالصورة.

هناك تعليق واحد: