الخميس، مارس 07، 2013

قوة الفرد

قدرًا شاهدت بعض من حلقة لمسلسل مصري قديم اسمه عصفور النار لم أكن أسمع عنه من قبل، غايته أنها قرية يتسيَّدُها شخص ذو نفوذ واسع في البلد وينصاع له جُل أهل القرية لا إراديًا، ويستعين هو بمنظومة أمنية قوية للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، من بطش وتخابُر وغيره، 

المسلسل به تفاصيل أخرى كثيرة، ولكن ما سبق هو أكثر ما لفت انتباهي، ويتضح بقوة أن القرية هي تمثيل لفكرة للمجتمع، والحاكم هو تمثيل للحاكم الديكتاتور الطاغية الذي يعتقد في ولاء أهل القرية له، ومن ذلك أنه وضع تشريعًا بالعرف أنه لا يجوز أي من أهالي القرية أن يبيعوا أملاكهم للغير، وإلا يصيب القرية العار.. وفي الحقيقة هو يهدف لتماسك البلاد وأن تظل كل أراضيها تحت ملكه أو تحت ملك من يدينون له بالولاء إما خوفًا أو نفاقًــا، 

الفكرة في: ما الذي يُجبر عامة الناس على الولاء لشخص ما؟

قوة سطوته ونفوذه والاعتراف بسلطانه.

وما الذي يصنع هذا النفوذ لهذا الشخص؟

استعانته بالمنظومة الأمنية التي تعطيه القوة والسيطرة على عامة الناس.

وما الذي أجبر الأفراد بهذه المنظومة الأمنية أن يدينوا بالولاء لهذا الشخص تحديدًا؟

إما لأنه يعدُهُم بالمال أو القُرب من السُلطان ومن ذلك سطوتهم هم شخصيًا على عامة الناس.

وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لا تنقض هذه المنظومة الأمنية على الحاكم ليصير معها النفوذ الكامل والسطوة الحقيقية على مقدرات البلاد؟

لأن وجود الحاكم القوي يمنعهم من ذلك.

وما الذي جعل هذا الحاكم قويًا؟

منظومته الأمنية.

إذًا هم سر قوته، وبالتالي مفترض هو أن يرتعد منهم وليس العكس؟

لا، لأن الحاكم لديه الشخصية القوية "الذكية" التي تقودهم وتعرف كيف تديرهم وبغيره سيصيرون قوة طائشة غير متحكم فيها مآلها الهلاك في النهاية.

إذًا فالذكاء حتمًا هو الذي يعطي القوة لشخص ما كي يسيطر على عامة الناس؟

نعم،

أي نوع من الذكاء هو؟

ذكاء القيادة.

هَب أن لدينا حاكمًا ذكيًا، ولكنه لا يملك من الجسم نصيبًا، فهو "قليل" كما يوصف اصطلاحًا بالعامية.. هل ستكون لديه القدرة على قيادة الناس لما يراه هو؟

وارد، ولكن يتطلب الأمر في هذه الحالة عبقرية، كما كان الحال مع نابليون بونابرت.

ولماذا يهاب الناس من صاحب الجسم القوي؟ أليس إذا ما انكبّوا عليه جميعُهُم طرحوه أرضًا؟

بلى، ولكنها طلّته الأولى عليهم تصنع بداخلهم رهبًة منه، تمنعهم من التفكير في مواجهته.

ولكن إذا ما فكروا قليلًا علموا أن القوة معهم هم لا معه هو؟

نعم.

إذًا فالإشكال أن الناس لا تفكر؟

نعم.

إذًا فقادة التحرر من الطغيان حتمًا مفكرون؟.

نعم.

ولو كانوا غير مشهورين؟

نعم، ولكن الشُهرة تجعل لأثرهم صدى أكبر.

لماذا؟

لأنهم مسموعين أكثر، بطبيعة الحال!

لماذا هم كذلك؟

لأن الكثير يعرفهم والكثير يطرب لحديثهم وبالتالي دائرة تأثيرهم أوسع.

ولماذا يسمعهم الكثيرون؟

لأن لديهم كاريزما.

وكيف اكتسبوا تلك الكاريزما؟

تعلموا، وعلّموا، وتربَّوْا على القيادة.

في الحق؟

أو في غيره.

إذا كان في غيره، هل يمكن أن يكونوا قادًة للتحرر؟

نعم.

كيف ذلك؟

قد يُستدرج التحرر لفعل أمر مذموم.

كيف؟

قد يكون التحرر بهدف سطوة ولكن من نوع جديد.

كيف؟

أن أخرجك من سطوة ديكتاتور طاغية بناءً على مبادئ معيّنة نفّرتك من سطوته، وأُدخلك تحت سطوتي بذات المبادئ.

كيف يمكن لمبادئ فعلت خيرًا بدايًة هي ذاتها تفعل شرًا؟

المبادئ وحدها لا تفعل، وإنما أسلوب استخدامها وتطويعها هو الذي يفعل. فمثلًا، مبادئ مثل التحرر قد تُصاغ لتشرعِن الفوضى ورفض الاحتكام لمبادئ وضعها الناس لتنظيم حياتهم. المبدأ هنا برئ من تطويع من احترف البلاغة وتهييج العوام ليتحول إلى الفوضى ورفض أي انتظام لأي نظام ولو كان برضا الناس أنفسهم.

ومن حق كل فرد أن يمارس بلاغته وحلاوة لسانه على الآخر، ولا يمكن منع أي أحد من الاستماع لهذا أو ذاك، ومن هنا تأتي المسئولية الحقيقية على فضلاء المجتمع بتنوير الناس وتوعيتهم ألا يكونوا قطعانًا ماشية تُساق حيثما أراد صاحب اللسان والجسم والذكاء والعلم، وإنما أن يفكّر كل فرد فيما يُقال، فيعقله بعقله هو وحده، وأن ينصفَ في ذلك، فلا يتبع هواه وإلا ظلم نفسه قبل أن يظلمَ أحدًا، 

اتباع الحق وحده جهادٌ للنفس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق