الأربعاء، أبريل 10، 2013

سردُ الآلام، وحقيقة العيشة!



بالتحامٍ بسيطٍ لك في الشارع مع إخوة كادحين يكافحون في هذه الحياة تكتشف أن الواقع مغايرٌ لأرضية العالم الافتراضي من فيسبوك وتويتر، وتعلم جيدًا أنه لمعرفة ما يجري للشعب المصري فإنه عليك - بديهيًا - أن تنزل للشارع المصري لا أن تكتفي بتتبع الأخبار من على الانترنت، يُرسل الحق تعالى رسائل إلينا وعلامات لعلنا نهتدي لما يُنجز لنا هذه الدنيا على خير ولكننا نأبى إلا أن نضيِّعَ أوقاتَنا على الهالِكِ من سُخريات الفيسبوك وحواديته المُستهلكة.

فيما مضى كان استخدام العالم الافتراضي مقتصرًا على التنفيس من واقعنا، على مستوى المنتديات أو المدونات أو الميلات المرسلة، أما الآن احتل الواقع الافتراضي مكانًا عظيمًا على حساب العالم الحقيقي.. الكل يريد أن يعمل "شير" ويغرِّد بما ألهمته حكمته اللؤلؤية بشأنِ موقف ما، تمكَّنَت شهوة الكلام منا حتى صار المغبون منا يعتقد أن العالمَ كلَه ينتظره أن يدليَ بدلوِه ويشتاق لمعرفة تحليلاته وتعليقاته وتفسيراته لما يجري وتوقعاته لما هو قادم، وظنَّ معظمُنا أن العالمَ الافتراضيّ أصبح هو الأصل، بينما الحياة الطبيعية يا إخوة هي الأصل!

الانفصال عن الواقع لن يمحوَ كآبته وكسرته، وكثرة الارتباط بفيسبوك وتويتر تُسَرِّع من توالي الأحداث وتضخِّمها وتشعِّبها فتجعل من الحدث التافه أسطورة هائلة يتكلم الجميع عنها،

مثلًا، حينما كتب أحدى صحفيي قطر مقالًا قال فيه ما قال عن مصر والمصريين مما حُمِل على السُخرية، لو كان حدث هذا الأمر من قبل أن يولَدَ فيسبوك وتويتر لعلنا لم نسمع به قَط، ولعل تناقلته صحيفة أو أخرى لن تصلَ إلى كافة المصريين، أما الآن، وعلى تفاهة الحدث، اشتعل الأمرُ سُخريًة من دولة قطر بكاملها، ومن كل الشعب عن بكرة أبيه، وانتشَت لدينا حواس العنصرية المتأصِّلة فينا فلعبنا على أوتار صغر مساحة الدولة وقلة عدد السكان، وإن كان واقع الأمر لا أدري إن كانت هذه سُبَّةٌ لهم أم لنا.. 

وكذلك، من قبل، لما حدث ما حدث وقت مباراة مصر والجزائر، لا أعادها الله تلك الأيام، ظل الفيسبوك يشعل نارًا للفتنة بين شعبيْ الدولتين، حتى كادت العلاقات على المستوى الرسمي تنهار، وكل فريق يتصيَّدُ نواقصَ الآخر ويصطنع السُخريات بشكل عنصريّ فجّ عاد بنا إلى أقبح عصور الجاهليّة.. لو أن الدنيا كانت في مقامها الطبيعي لما حدث كل هذا الهرج والسَّفَه..

ومن ذلك أيضًا، قُبيْلَ مباراة الأهلي والمصري ببورسعيد، تناوب جمهورا الفريقان السُباب والأغاني الحماسيّة التهديديّة، وساهم فيسبوك في نشر هذا التهييج حتى أصبح عنصرًا فيما حَوَت الأحداث من هرج وعنف عَمَّ المجزرة المؤسفة هناك..

وأخيرًا وليس آخرًا، تأتي إسهامات فيسبوك وتويتر في إشعال الفتن الطائفية غاية في الروعة والإتقان، وأسهل ما يكون على أي تافه أن يشعل نيران الفتنة بين مسلمي مصر ومسيحيّيها، بضغطة شير لفيديو يصوِّر اثنيْن يتعاركان - في الغالب يكون السبب لا علاقة له بالطائفية - إلا أن الأحداث كانت قُرب كنيسة أو بين مسلم ومسيحي.. بضغطة شير بسيطة جدًا تنتشر على حوائط الكام مليون مصري المشتركين في فيسبوك، كفيلة تمامًا بتوليع الدنيا، والدعوة لمظاهرات احتجاجية يعقُبُها اشتباكات من الفريق الآخر.. والموضوع أساسُه "خناقة" بين عائلتين..

دعني أقول، أنه ليس واجبًا على سيادتك أن تنقل كل ما تراه عيناك لجموع المصريين، اثنان تعاركا ما الفائدة التي ستعم على المجتمع أن يعلم الجمعُ أنهما تعاركا وأنهما - ويا للنشوة - مسلمٌ ومسيحيّ.. بل يتعيَّنُ عليك أن تضع الأمور في نصابها فلا تنقل إلا ما يفيد..

الخبر إما صادق وإما كاذب، فإن كان كاذبًا فلا تنقله قولًا واحدًا، وإن كان صادقًا ففكِّر بعقلك الذي منحك اللهُ إياه هل تعود فائدة على الناس إن نشرت الخبر؟ إن كانت الإجابة "لا"، فقولًا واحدًا لا تنشُر الخبر.. ما بالك إن كان نشر الخبر يضُر ويُحَمَّل على غير حقيقته، ويتلاعب به أصحاب القلوب المريضة لإفشال البلاد أكثر مما هي فاشلة!

لقد مات الضمير وماتت روح المسئولية فينا، وتوحَّشت فينا أمراض العنصرية، واللامبالاة، والظُلم إن غاب الرادع، وكراهية الآخر، وعدم الموضوعيّة، وغياب الإنصاف، وحُب الظهور، والعُجب، والفتي! كل هذا يتمثَّل لك كيانًا قبيحًا متمثلًا في الفيسبوك، إلا ما رحم ربي من أولي الألباب.

ابتعد عن صخب مواقع التواصل الاجتماعي - أو التنافر إن شئت - وضَعْها في حجمِها، فإنها تقتل القلوب بدم بارد.. واتَّصِل أكثر بالشارع إن كنت بالفعل "محروقًا" على هموم الشارع المصري ولا تكتفِ بالجلوس أمام فيسبوك وتويتر تلعن وتسُب في المسئولين اكمنُّهُم - وهذا واقع في كثيرٍ من الأحيان - مش مسئولين!

فإذا كنت تـ "شير" عن أزمة السولار على الفيسبوك، حاول أن تلتحم بالحركات المهتمة بالعمل في الشارع لحل هذه الأزمة ولتتواصل مع من لهم صِلة بحل هذه المشكلة، أما نشر النِكات واللطائف حول المشكلة فلن يُجدي نفعًا ولن ينشُرَ إلا الروح السلبية ويعمِّق اليأسَ في نفوس الناس.

انزل لتعرف كيف يعاني الكادحون بسبب اختفاء السولار وغلاء الأسعار، انزل لتعلم أن غيرَك من الموظفين لا ينالون مرتباتهم إلا كل ثلاثة أشهر شهرًا، انزل الشارع كيف تعرف حقيقًة ما وضع الخُبز وكيف يتطاحن البشر على المخابز لنيل لُقمة العيش.. انزل الشارع اركب المواصلات لتعرف أن سيارتك هذه نعمة رفاهية ستُسأل عليها فاشكرها واحمد ربَّك عليها فساعِد غيرك.. 

انظُر كيف يفسد النشء الجديد إذ يربيهم آباؤهم على الترف والدلع و"المــــادية" البحتة، وفكِّر أترضى ذلك لأولادك وأولاد "عشيرتك"؟ أم أنه عليك أن تفعَلَ شيئًا في هذا الصدد؟! أي شئ؟!

انزل الشارع وانظُر كيف علام يتربى ابن الشارع؟ وكيف يُنتجُ البلطجيّة؟ وما أصل البلطجيّة؟

انزل الشارع و"شوف" كيف حال التعليم الحكومي في مصر؟ 

اقرأ مناهج التعليم المصري؟ تُرى ماذا يتعلم أولادنا؟ كيف يعلمهم معلموهم في المدارس؟ وهل يا تُرى معلموهم أساسًا مؤهلين لتعليمهم؟ وهل تظّن أن معلميهم - أساسًا - يأبهون لتعليمهم بشكل ينبتهم نباتًا سويًا؟ طيب، هل يمكن لك أن تساهم في تحسين هذا الأمر؟

تُرى كم نسبة الأمية في المصريين الآن؟ ما ترتيبنا في مصافِّ الدول؟ وهل يمكن لك أن تساهم في تحسين هذا الأمر؟

كيف تنهض الأمم؟ هل تنهض بقرارات من حُكامها فقط؟

تُرى لو وُلِّيَ علينا أوباما، ماذا عساه أن يفعَلَ في مستنقعاتنا هذه؟ 

لو وُلِّيَ علينا أفضل حُكّام العالم في الوقت الحاضر، هل ستنهض مصر؟ 

إذا كانت الإجابة نعم: ماذا سيفعل هذا الرجل لينهض بمصر؟ وهل يمكن أن تساعده أنت في ذلك؟ كيف؟ 

وإذا كانت الإجابة لا: ماذا أذًا الذي ينهض بالأمة؟ الشعب؟ وحده؟ هل يمكن أن يتحد الشعب وحده على هدف قومي واحد يعمل الجميع من أجله من غير توجيه عام من الحاكم؟ 

هل الشعوب تُربّى؟ ما الذي يُربِّي الشعوب؟ الخبرة على مدار العصور؟ إذا كانت الخبرة، هل معنى أن ذلك أن الشعوب لا تقع في نفس الخطأ مرتيْن؟ أم أنه الحسم في تطبيق القانون هو الذي يُربّي الشعوب؟ أم أنه انتشار المجتهدين في وسط الشعوب يطوِّرُ الشعوب ويصلحها ولو طال بذلك الأمد؟

انظر ماذا يمكنك فعله وافعله.. الحياة قصيرة!

اعترف من داخلك أن الحياة قصيرة، لعل ذلك يغيِّر من سلوكِك شيئًا ما..

هناك تعليقان (2):

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف