الاثنين، نوفمبر 11، 2013

فاصل تنفيسي (2) - نزوهة المرور..

ينزل من بيتِه ليركب السيارة مُتجهًا للعمل، مهموم بما عليه من "تارغِت" ويفكر كيف يخبط الخبطة الذهبية التي تجعله مرتاح البال هنيئًا، رغم أنه يعرف أن هذا لن يجعلَه مُرتاح البال في كل الأحوال يعني، وذلك لأن البلد ذاتها من غير أي مسئولية منه تجيب الضَّغْط والعِلَّة عافانا الله وإياكم منها..

يستقل سيارته ويتجه فأول ما يبدأ به يومه المروريّ الجميل سيارة آتية بالاتجاه العكسي للاتجاه الصحيح لهذا الشارع الضيق، ليست المشكلة في ذلك تمامًا فهذا أصبح أمر عادي جدًا ولكن المشكلة هي في العربيات التي تركِن صف ثاني في هذا الشارع الضيق، مما يجعل مسألة رجوع أيّ منا عن قرارِه في العبور أمرًا طبيعيًا مُلزِمًا إذا أراد كلٌ منا العبور في هذا اليوم الجميل! وبما أنه هو الذي يسير في الاتجاه المخالف فمنطقيًا وبمنتهى البداهة عليه أن يرجع هو إلى الخلف - من غير أن يشعر بأي غضاضة في نفسِه يعني - لينساب المرور من جديد.

إلا أن أخينا المخالف يأبى ذلك، ويُصر أن نـرجع نحن القادمون بالاتجاه الصحيح، إلى هنا هذا أمرٌ طبيعيٌ جدًا في قاهرتنا الجميلة المحروسة اللي زي العسل، ولكن أكثر ما يغيظ هي مبررات المخالف لارتكاب مخالفته فمثلًا في هذا اليوم كان يقول:

- اليافطة بتقول إن اتجاهي صح..
- إزاي حضرتك ده اليافطة اللي بتتكلم عليها دي هي اللي بتقول إن اتجاهك كده غلط!
- طب والناس اللي راكنة في الاتجاه اللي أنا ماشي فيه ده كلها غلط هي كمان؟
- أيوة غلط.
- يا سلام؟! وانتو بقى اللي صح؟
- متشوف اليافطة اللي على نهاية الشارع من هنا ومن هنا بتقول إن الاتجاه واحد اللي هو كده (يشاوِر بغِلظة كما لو يود أن تخزِّق أصابعَه عيْنيه)
- يا سلام! وكل الناس اللي راكنة دي غلط؟!
- ...
- أنا بقالي عشِّين سنة بعدي من هنا في الاتجاه ده..
- بتعدي كده غلط نعمل لك إيه!!!!!!

وعلى الرغم من أن أحد من كانوا في الاتجاه الخاطئ يقنعونه أنهم على خطأ إلا أن ذلك لم يجعله يتراجع عن رأيِه أبدًا! ولم يرجِع حتى رأي الناس كُلها بلا استثناء ضده، ولم يمنعه رجوعه للحق أن يُبَرْطِم بالكلام..!

يعبر هذه النزهة المرورية اللطيفة ليركب الشارع الرئيسي مُتجهًا إلى العمل في قمة النشاط والحيوية، ولكنه يُحْبَط حينما يرى تكدُس السيارات فوق بعضِها البعض من كل الاتجاهات.. والحقيقة لا أدري لماذا يُحبَط؟ فمُفترض أنه اعتاد أن يرى هذه المناظر كل يوم، وملّ من المحاولات المُستَميتة لتحليل الموقف وللإجابة على سؤال: لماذا كل يوم زحمة؟ لماذا يغلقون الشوارع والميادين؟ لماذا يركب الناس على بعضهم البعض في المرور؟ لماذا..// حتى يُفاجأ بمن يدخل اليوتِرن عكسي، فتقفل لعبة الدومَنة تمامًا.

وهنا، يخرج من السيارة - بكل أدب - ويغلق السِنتر لوك - بكل أدب - ثم يلتفت لينظر إلى وجه هذا المواطن - بكل أدب - فيتحرَّك نحوه - بكل أدب - وهو لا يعرف ما الذي سيفعله حينما يلاقيه - بكل أدب - وما إن أتى ناحيته حتى..

Hey, what about yesterday
(What about us)
What about the seas
(What about us)
The heavens are falling down
(What about us)

I can't even breathe

ومع تصاعد العااااااااااااا تطير السيارات كلها وتشكل حلقة دائرية في السماء، يُدَبْدِب هو في الأرض صارخًا:

WHAT ABOUT US!!!!

ثم ترتطِم كل السيارات ببعضِها البعض وأصوات انفجارات، وتعود في الصورة الشوارع وهي فاضية تمامًا وبياع الحلابِسَّة واقف في الكوربة وبياع السميط ع الكورنيش ومعه مكملاته الغذائية - البيض والجبنة - ، وتتصحَّر القاهرة من جديد..

ثم يأتي في الخلفية إمبان بارون يقول: ائتوني بالقلم والمسطرة التي لأخطِّط لكم مصر الجديدة، فيقاطعه صاحبنا يقول:

وحياة والدك خلِّ الشوارع سبعتاشر حارة، والجراجات في كل حتة تحت الأرض متعدِّدة الطوابق وضباط المرور واقفين في كل رُكنة اللي يركن صف ثاني يُلقى في أي ثقب زمني لا نعرف منتهاه واللي يكسِر على أخيه السائق نمسِكه نعلقه كلنا فوق القصر بتاعك واللي يسيب بالوعة مفتوحة ندفنه فيها ونقفل عليها ونسفلِت ونَعتَبَرْها شارع عادي، والعسكري اللي واقف زي قلته نحطُه في أولِّتُه والمحافظ كده كده نولَّع فيه والبنزينات تبقى في الصحرا والعربيات تموِّن من العيون والـ..

ثم يُدرك أنه كان في حلم باليقظة..
ولكنه يكتشف أن أطرافه تراخت وأن أعصابه ارتاحت..

فيعود ويطفئ محرك سيارته وينام بداخلِها في سُكون..

----
#فاصل_تنفيسي
#MJ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق