الخميس، أكتوبر 29، 2009

أفلام سياسية

الصورة لأفيش فيلم عنتر ولبلب والذي يظهر فيه الاسقاط السياسي بشكل ملحوظ، فعنتر يمثل الاستعمار ولبلب يمثل الشعب الذي يسعى للجلاء
كل دولة تود أن يكون لها نفوذاً في إقليمها تعتمد على إعلامها بشكل ملحوظ في هذا الأمر, و ليس الإعلام هو مجرد الخطب و الصحافة و الأخبار التحميسية بل ربما يتمثل في شكل غير مباشر في الأفلام التب تنتج في هذه الدولة..


راقب نوعية الأفلام التي تنتجها الدولة التي تنظر إلى أمنها القومي في أمنها الإقليمي ستجد أنه كثير من هذه الأفلام يمجد الحياة العسكرية و يصفها بالإنضباط و أن الجيش هو سند هذه الأمة و لو حتى في إطار كوميدي..


فتنتج هذه الدولة الكثير من الأفلام التي تبين فيها انتصارها على العدو مهما بلغ هذا العدو من قوة و مهما بلغ هذا العدو من غطرسة و تعطش للدمـاء..


مثلاً أنتجت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات فيلم بعنوان يوم الإستقلال و هو يحكي هجوم الغرباء على كوكب الأرض, و يصف الفيلم شجاعة الجيش الأمريكي في التصدي لهؤلاء الغرباء على الرغم من القوة الهائلة التي ظهروا بها في الفيلم.. و يبين أنه لم يبدأ الهجوم على هذه المخلوقات سوى الأمريكان و الجيش الأمريكي.. و ينتهي الحال بالطبع إلى انتصار الجيش الأمريكي بعبقرية أحد أبناءه و فدائية الآخر..


بالطبع لا يخفى على أحد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تهدف إلى عسكرة العالم لصالحها.. و بالتالي يجب على حكام هذه الدولة أن يحببوا شعبهم في الجيش و يصوروا لهم أن التضحية من أجل أمريكا هي الهدف الأسمى في حين أنه لو فكر المواطن الأمريكي للحظة لماذا يقتل ابنه أو شقيقه أو أبوه في العراق لما خضع لهذا الهراء.. فهم يسعون بهذه الأفلام استقطاب الشعب الأمريكي و تغييبه أكثر مما هو مغيب لينحاز إلى فكرة الحرب دوماً.


و من سبل تحبيب الشعوب في الحرب أن يكرّه النظام من يظنه عدو له إلى شعبه.. أو أن يكرّه إلى شعبه الكتلة التي تسيطر على ثروة من الثروات العالمية كالبترول مثلاً.. فيصور العرب في أفلامه دائماً رعاع و لا يفقهون شيئاً.. و أنهم لا هم لهم سوى جلب المال.. و دائماً ما يصور العرب و المسلمين على أنهم حاقدين على ما فيه الغرب الآن من نعيم فيسعون إلى قتل هذا النعيم بأي شكل من الأشكال فيسفكون الدماء و يقتلون هنا و هناك.. فتجد أكثر الشعب الأمريكي حينما يسمع كلمة عربي أو مسلم يصوّر له في الحال القتل و الإرهاب و الدماء. و بالطبع فإن هذا معروض في أكثر أفلامهم عن العرب, و في المقابل يصور الجندي الأمريكي هو الشجاع المقدام الذي يضحي بنفسه من أجل الحرية و هي الخصال المنعدمة تماماً في الجندي الأمريكي الذي شهر عنه الجبن و قلة الفدائية. و الدليل على سياسية الأفلام أنه في كثير من أفلام الحركة يكون العدو غير أمريكي, فيتصور دائماً للمشاهد الأمريكي أن عدوه هو عدو أمريكا و هو الحاقد عليها.. و على حسب الفترة السياسية التي ينتج فيها الفيلم, فتارة يكون هذا العدو سوفيتياً شيوعياً حاقداً..و تارة تجده مسلماً أو عربياً و هكذا..


و من هنا فإن أمريكا تسعى في كل مرحلة من مراحل العصر أن تسيس أفلامها بما يخدم أهدافها السياسية.. فالآن مثلاً عدو أمريكا المعلن هو إيران و أنها خطر على أمريكا و على أصدقاء أمريكا.. فيظهر فيلم ثلاثمائة و الذي يحكي الحرب بين الفرس و اسبرطة و شجاعة المقاتلين الثلاثمائة و جسائتهم في مواجهة غطرسة و تكبر و قوة و ضخامة الجيش و الملك الفارسي.. في إشارة نسبية لصراع أمريكا و إيران.. و حتى أنه في الفيلم ركز على تسخير العبيد في بلاد فارس و أنهم شعوب مقهورة و أن ملكهم يستعبدهم و يعيش هو في رخاء و رفاهية..و على الجانب الآخر يظهر لك الإسبرطيون في قمة الديمقراطية و يصور لك البرلمانات و.. و..


بينما من المستحيل أن تجد فيلماً أمريكياً يحكي عن فترة الخلافة الإسلامية الرشيدة و كيف أن الأقلية كانوا يعاملون معاملة حسنة و أن أصحاب الديانات الأخرى من النصارى و اليهود كانوا يعيشون في كنف المسلمين فكانوا أهل ذمة و ميثاق.. مستحيل أن ترى نوعية كهذه من الأفلام لأن هذا لا يخدم السياسة الأمريكية بل هو ضدها.. فالعرب و المسلمين يجب أن يظهروا في صورة نتنة لكي لا يستحقوا ما لديهم من ثروة تكون حلالاً للأمريكان تحت أي مسمى و ليكن مسمى الحرية.


و الحق أن أمريكا ليس لها السبق في هذا الأمر.. فكل دولة تريد أن تعزز من أمنها القومي بفرض كلمتها إقليمياً تسعى إلى تكوين هيبتها وسط الدول الأخرى إعلامياً.. و الأفلام أحد أهم العوامل الإعلامية التي تساعد على نشر هذه الفكرة إقليمياً و ربما عالمياً..
و لكن الفارق في الأهداف التي تسعى هذه الدول الوصول إليها من بسط نفوذها في المنطقة.. قد تتباين هذه الأهداف و قد تتشابه.. فمصر مثلاً في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت تنظر إلى أمنها القومي إقليمياً.. فكان لها نفوذها في إفريقيا و كانت كلمة مصر ذات قيمة فعالة و مؤثرة بشكل مباشر على الدول العربية كلها.. انظر إلى أفلام هذه الفترة و ما تحمله أحياناً في طياتها من معان سياسية ستجدها تخدم الأفكار التي كانت تبثها الدولة في ذلك الوقت و لو في إطار كوميدي لتناسب طبيعة الشعب المصري..


مثلاً كان دوماُ يظهر الإنتربول (البوليس الدولي) في صورة بلهاء غبية و أن البوليس المصري هو الذكي و هو الذي يوقع العصابات العالمية بينما يفشل الإنتربول في ذلك.. الإنتربول هنا هو رمز للعنصر الإستخباراتي الغربي أو للذكاء الغربي فالسخرية منه تحمل في طياتها معان كثيرة.. كما أن أفلام هذه الفترة كانت كثيراً ما تمدح في الجيش و في الحياة العسكرية فتثني على الإنضباط فيها و في سلوك رجالها القويم..


سلسلة أفلام اسماعيل يس التي تناولت أفرع القوات المسلحة و البوليس كلها كان يمتدح في النظام العسكري و كيف و أنه ساهم في بث الشجاعة في نفوس من يدخلون الحياة العسكرية بشرط أن يكون ذلك في سياق كوميدي يتقبله الشعب المصري.


كان لمثل هذه الأفلام عميق الأثر في نفوس شعوب الإقليم الذي فيه مصر فاقتنع الناس بالفعل أن مصر دولة ثقيلة جداً و جيشها عتيد و هذا يفسر حجم الصدمة التي أخذت بالشعوب العربية كلها بما فيها الشعب المصري بعد حرب 67.. إذ كان الناس لا يتخيلون أنه و بعد هذه الضجة الإعلامية يخسر الجيش المصري هذه الخسارة النكراء و تضرب طائراته الحربية و هي على الأرض.


نخلص إلى أن كل دولة تسعى إلى مكانة عسكرية في إقليمها أو في العالم بشكل عام تسعى بحرص أن تسبقها سمعتها إلى أهدافها قبل أن تصلها جيوشها بالفعل.. فيهزمون من قبل حتى أن يتعاركوا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق