الخميس، فبراير 03، 2011

أيّام الغضب والكرامة والكفاح الشعبي


لا أظنّ أن من جيلي من يمكنه القول بأنّه مرّ خلال حياته بأيّام أعصف من هذه الأيّام، فبكل تأكيد لم تشهد مصر أيّ حراك مجتمعي على هذا النّحو اطلاقاً.. ولا يمكن مقارنة الانتفاضة الشعبيّة التي حدثت في مصر بأيّ مظاهرات أو احتجاجات أو اضرابات شعبيّة حدثت من قبل.. ذلك لأنّ من قام بهذا العمل المشرّف يوم 25 يناير هم الشباب المصري المثقّف وليسوا جياع مصر. وهذا من فضل الله علينا..

والحقّ أنّي أرى أنه بكل العوامل والمعطيات الموجودة حالياً.. فإنّي أرى أن ما حدث لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن أحزن أو أبكي عليه.. أو أقول أنّي زعلان عليكي يا مصر.. بل أقول أنّي فخور كوني مصريّاً وأن شعبي ينتفض ويتحرّك ويعرف كيف يأخذ حقوقه.

ما حدث أراه أصعب بكثير من تحدّيات واجهت مصر على مدار تاريخها.. فعلى النّاس أن تعي أن ما حدث كان احتجاجاً شعبيّاً وانتفاضة هزّت مصر كلها ضد 58 عاماً من الاستبداد السياسي وليس 30 عاماً فقط.

هذه تراكمات 58 عاماً من كتمان على أنفاس المصريّين لم تستطع الأجيال قبلنا كسر حاجز الخوف فيها.. وكان لهم عذرهم في ذلك.

كانت صورة الحاكم الكاريزميّة هي المسيطرة.. ولم يكن الإعلام بهذا الانتشار.. ولم تكن المعلومة سهلة الانتقال مثلما هو الحال الآن..
نحن في مرحلة فاصلة.. سيكلوجيّة شعب مصر تتغيّر.. الحاكم الصّنمي يمكن أن يتغيّر.. ويمكن أن يقال له "لا".

إلا أنه وبحكم 58 عاماً من حكم محتكر أوحد.. كان لزاماً أن تقابل المظاهرات بالقوّة.. وهذا من بلاوي النظام الذي شغل الداخليّة بالأمن السياسي وحفظ النّظام على حساب الأمن العام.. الشرطة كلّها جنّدت لثلاثة أيّام متّصلة لمواجهة المتظاهرين السّلميّين.. أصحاب المطالب المشروعة.

وفي هذه الأثناء.. تخرج الجرائد الحكوميّة لتغيّر لونها كما عهدناها ولكن هذه المرّة بوعود حكوميّة أن تتحمّل الحكومة كل شئ.. وأن توفّر مئات الآلاف من فرص العمل.. وهو ما زوّد من رصيد الكراهية وعدم المصداقيّة لحكومة رجال الأعمال، وتضارب المصالح.. والفســاد.

يوم والتّالي والصّمت الحكومي الثّلجي لا يفهم.. لا تجد مسئولاً به من الرجولة والإقدام ما يدفعه للحديث مع النّاس.. أو إلقاء بيان.. والناس لا تفهم أيّ شئ!!.. وكأن الحكومة تخلّت عن البلد.

والإعلامي الحكومي أحوج ما كان للمصداقيّة التي فقدها.. إذ يرى الناس على شاشات الجزيرة مواجهات دامية وأخبار عن ضحايا.. بينما الحياة وردي على القناة الأولى.. وأحياناً كانت تعرض مسلسلات وأفلام!!

وهذا ما دفع السلطات لإغلاق القناة، وسحب اعتمادات مراسليها..

التوتّر يخيّم على البلاد كلها.. خاصّة يوم جمعة الغضب,, حينما علت المواجهات واشتدّت.. واستفزّ النظام الناس جميعاً بقطع خدمة الانترنت ثمّ أتبع ذلم بقطع خدمة الهواتف النقّالة مما زاد الاحتقان وكرّه الناس في هذا النّظام البوليسي أكثر فأكثر!

الأحداث تتصاعد ولا تجد لها سقفاً، والكل منتظر بيان للرئيس أو لأيّ حكومي محترم يثق النّاس في أن ما يقوله له وزنه.. لا أقول حتى يثق النّاس فيه.

أحسب أن جزءاً كبيراً من الكراهية بين الشّعب والنظام يتحمّله حبيب العادلي.. الذي حوّل وزارة الداخليّة من هدفها الأساسي في حفظ الأمن.. وحوّل شعار الشرطة إلى الشعب والشرطة في خدمة الوطن.. لم يراعي في ذلك أي معايير عالميّة.. أو حتى أخلاقيّة.. وركّز وحرص كل الحرص أن يكون الأمن السياسي مؤمّناً.. ثمّ يأتي بعد ذلك أمن المواطن إن أتى.

والحقّ أن الأمن السياسي يأتي بالحرّيّات وبالعدل.. لا بالبطش والضرب على أيدي المعارضين.. بل وعلى أنفخهم.

وتمثّل ذلك في شتى الحقول السياسيّة التي من الممكن تواجدها في المجتمع.

من المجالس النّيابيّة والمحليّة إلى مجتمع الجامعات السياسي.. الذي ألغيت فيه الحياة السياسيّة تماماً.. فلا رأي للشباب إطلاقاً في الحياة السياسيّة وهي مختزلة حكراً على أفراد الحزب الوطني.

وزاد الأمر أن وصل الاستفزاز أن التزوير أصبح على الملأ وعيني عينك.. لمجرد أن تخلت أمريكا عن ضغوطها على مصر بخصوص الديمقراطيّة.. وفضلت التعامل مع مصر على الصعيد الاستراتيجي الحامي لإسرائيل فقط!

ولهذا كانت المهزلة النّيابيّة التي حدثت في مجلس الشعب الماضي واستيلاء الوطني على أكثر من 98% من مقاعد المجلس.. و"افتكاس" كوتة المرأة.. وإلغاء الحياة السياسية في مصر تماماً.

وساهم في إلغاء الحياة السياسية في مصر ضعف الأحزاب أو دعنا نقول غيابها تماماً.. وهاهي تريد امتطاء الموجة.. والحقّ أن هذا الأمر مستفزّ للغاية.. فالأحزاب التي شاركت في المهزلة النيابية الماضية هي نفسها التي تركب الموجة وتدعي أنها حامي حمى الديمقراطية.

أمر مثير للسخرية أن يكون حزب التجمع برئيسه رفعت السعيد من ضمن المنادين بالحريات - الآن - والمزايدين على الشباب المحتجّ.. وهو الذي "طلصق" الانتخابات النيابية الماضية مع الحزب الوطني ليحوز على بضعة مقاعد..

لا أجد من يمثّل هذا الشباب فعلاً من هؤلاء الـ.. عذراً.. السيس..

وإنما هي الحركات المعارضة ذات الشعبية الحقيقية بين الشباب على الانترنت هي التي خلقت هذا الحراك السياسي ولا غيرها.. ولا أنكر دخول البرادعي على الساحة وإن كان على الرجل بعض التحفّظات.. إلا أنه يبقى أوّل من نادى بالديمقراطيّة بشكل حقيقي ولم يتبيّن عليه أنه يريد ذلك لنفسه.. أو لينسب لنفسه زخماً أو جاهاً.

ساهمت الدّاخليّة بقوة شدبدة في كبت الناس وخلق هذا الاحتقان.. وبسبب السمعة السيئة التي اكتسبتها على يد بعض الضباط "السّفلة" الذين يهينون المواطن المصري في الأقسام وغيره ثم لا يجدوا من يردعهم عن ذلك. وتغيّر مفهوم الشرطة ليبقى ضابط الشرطة لدى العامة شخص متسلّط متعنطز.. يدّعي دائماً أن له الفوقيّة.. وبالتالي كان منطقيّاً أن يتغيّر الشعار.. فكيف يكون هؤلاء في خدمة الشعب ؟!

ثم جاءت الأحداث الأخيرة.. لتظهر تورّطاً سافلاً لحبيب العادلي.. في إحداث فراغاً أمنيّاً مروّعاً.. إذ انسحب الكل من موقعه.. وتخلى عن دوره.. وهربوا من الأقسام.. ليدخلوا البلاد في كراثة أمنيّة حقيقيّة عشنا رعبها عدة أيّام.. ولا تزال آثارها باقية.

إلا أن الله تبارك وتعالى بارك في الشباب المصري ليضرب أروع أمثلة الشجاعة والجرأة.. والكلام عن الكل لا البعض.. ليظهر الله أن الشعب المصري بخير.. وأن قيمه الحقيقيّة - فعلاً - لا تظهر إلا في الشدائد والمحن.

ونحن واقفون في حماية الشوارع والبيوت كان الشعور واحداً بيننا جميعاً.. أن أمنك من أمني الشخصي.. والكل كان يظهر إخلاصاً وإيثاراً لم أره في حياته.. نعم.. حتى من هذا الشباب الذي تربى على الرفاهية وأن كل ما يطلب يجد.. رأيته حينما سلبت منه نعمة الأمن.. تحوّل إلى فدائيّ حقيقيّ.. في القاهرة بربوعها وأحيائها كلها.. وكل المحافظات.

ولهذا أقول أن ما حدث - حتى من فراغ أمني مؤسف راح ضحيّته أولاً أرواحاً مصريّة.. ثم تخريب وسرقة وفوضى - قد أظهر لنا أنه يمكننا أن نقف في مواقف خطيرة.. إذ اقتضى الأمر.. وأنه يمكننا مواجهة مؤامرات أي جهة.. ولو كانت هذه الجهة هي التي تحمينا.
ولهذا أسأل الله أن يؤتى بكل من تسبب في هذا الخراب لمصر.. وأن يعاقب عقاباً أليماً.. وأدعو الله أن يشف صدورنا فيه.

----
اللهم ولّ أمرونا خيارنا.. ولا تولّها شرارنا
واحفظ بلادنا من الفتنة والخراب.. واحفظها من كيد المتآمرين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق