الخميس، نوفمبر 10، 2011

شوارع وميادين القاهرة - الشيخ علي عبد الرازق


سلسلة شوارع و ميادين القاهرة:

شارع الشيخ على عبد الرازق..

هذا الشارع له أهمية خاصة بالنسبة لي..

فهو يقع خلف بيتي..

و أقف عليه كثيراً مع أصحابي.. فيكون دوماً مكان لتجمعنا و منه ننطلق إلى حيث نريد..

و هو يوازي شارع عمار بن ياسر الذي تقع عليه الكلية الحربية..

الشيخ علي عبد الرازق.. لجهلي لم أكن أعلم عنه الكثير.. لم أكن أعلم أنه أثير حوله الكثير من الكلام.. البعض انتقدوه.. و البعض أيده و أيد منهجه..

و له كتابه مشهور و هو "الإسلام و أصول الحكم" و الذي أورد فيه زيف الدعوة إلى الخلافة الإسلامية على يد الملك فؤاد.. و كان ضد أن يقدس السلاطين و الملوك.. أو أن يكون حكمهم إلهي.. و في هذا الشأن وجدت مقالاً جذاباًُ يستحق القراءة للسيد جابر عصفور.. أنقله إليكم..

علي عبد الرازق والدولة المدنية

بقلم جابر عصفور

لم ينقطع تواصل افكار الإمام محمد عبده داخل الازهر‏,‏ ذلك علي رغم المقاومة العنيفة التي واجهها الإمام من معارضيه الجامدين الذين دفعه تعصبهم المقيت الي القول‏:‏ إن إصلاح الازهر‏..‏ امامه عقبات وصعوبات من غفلة المشايخ ورسوخ العادات القديمة عندهم‏.‏ وإن هذا الاصلاح لا يتم إلا في زمن طويل‏.‏ ولكن الإمام نجح في زرع البذرة التي سرعان ما أثمرت وظهرت آثارها في تلاميذه الذين حملوا منه الشعلة‏,‏ ومضوا في الطريق الذي اراده في سياق زمني أكثر مواءمة‏,‏ واكثر تقبلا لأفكار الاستنارة‏,‏ خصوصا بعد تأسيس الجامعة الأهلية سنة‏1908,‏ مع نهاية العقد الأول من القرن العشرين‏,‏ وما اسهمت في تأسيسه من استقلال مؤسسات المجتمع المدني ودورها التنويري‏,‏ اضف الي ذلك دستور‏1923‏ الذي زاد الطابع المدني للدولة تأكيدا‏,‏ وجسده في مبادئ تسند مفهوم الملكية المقيدة وتدعم الحريات واستقلال القضاء والحياة النيابية‏,‏ ولا تعطي للمؤسسة الدينية مكانة خاصة ولا تمايز بين الأديان‏,‏ مؤكدة حرية الاعتقاد وحق التعبير الذي لا ينفصل عن حق الاختلاف وحرية المعارضة السياسية‏.‏

ولم يستسلم الملك فؤاد‏(1868‏ ـ‏1936)‏ المعروف بنزعته التسلطية للمد الديمقراطي الصاعد‏,‏ فحاول مقاومته واستغل الخلافة العثمانية لإعلان نفسه خليفة للمسلمين واعيا بأن الملك بالدين يقوي‏,‏ وان توليه الخلافة يضفي طابعا دينيا علي حكمه‏,‏ ويمتد بسلطانه واحلامه التسلطية‏,‏ وأخذ الموالون له في تزكيته والدعوة الي مبايعته وعلي رأسهم فقهاء السلطان من مشايخ الأزهر الذين ناصبوا الإمام محمد عبده العداء‏,‏ ولم يكفوا عن معارضته والهجوم عليه‏,‏ ولكن كانت البذرة التي زرعها الامام قد اثمرت في تلامذته الذين استشعر واحد منهم خطر الدعوة علي الخلافة‏,‏ والسعي إلي تنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين‏,‏

خصوصا بعد ان شاعت الأفكار التي تؤكد أن لا تعارض بين أصول الاسلام النقية والدولة المدنية التي تحترم كل الأديان وتتميز عنها في آن وجاء التحدي للملك وأحلامه من علي عبد الرازق قاضي محكمة المنصورة الذي أصدر كتابه الإسلام وأصول الحكم في أول ابريل سنة‏1925‏ ليكشف زيف دعوي الخلافة التي تطلع اليها الملك‏,‏ ودعا اليها مواليه‏,‏ ويظهر تحدي علي عبد الرازق لكل سلطة بشرية تقوم علي التسلط منذ السطر الأول من كتابه الذي يعلن فيه انه لا يخشي أحدا سوي الله‏,‏ فلله وحده القوة والعزة وما سواه من الملوك ضعيف ذليل‏.‏

ويعي الشيخ علي منذ البداية انه يخوض حربا ضد انصار الحق المقدس من مشايخ التقليد الذين فهموا هذا الحق بما لا يختلف علي الفهم الذي حاربه جون لوك داعية الدولة المدنية في الغرب‏,‏ ونقضه كما نقض افكار القائلين بأن سلطان الملوك مقدس وحكمهم سماوي‏,‏ لذلك يقرن علي عبد الرازق معني الحكم المقدس في الغرب بما انتهي إليه مفهوم الخلافةفي الشرق خصوصا عند من جعلوها ركنا من أركان الاسلام وثوابت الدين المعلومة بالضرورة‏,‏ ويؤكد الشيخ ـ مقابل ذلك ـ أن الخلافة ركنا من أركان الإسلام ولا اصلا من أصوله‏,‏ وان فهمها علي هذا النحو كان ولا يزال دعما دينيا للحكم المطلق وتبريره في وعي المسلمين بحاجة تخييلية مؤداها ان الخليفة يستمد سلطانه من سلطان الله تعالي‏,‏ وانه ظل الله علي الارض‏,‏

والهدف التدليس علي المسلمين وإقناعهم بما ليس في الاسلام‏,‏ والمسكوت في المحاجة المضادة التي يطرحها علي عبد الرازق انه كما انتصر دعاة الدولة المدنية الديمقراطية في أوروبا علي دعاة الدولة الدينية‏(‏ الثيوقراطية‏),‏ واستبدلوا بحضورها الفاسد حضور الملكية المقيدة والحكم الجمهوري علي السواء‏,‏ فإن دعاة الديمقراطية والدولة المدنية في مصر لابد ان ينتصروا علي ديكتاتورية الملك فؤاد والداعين له إلي حق مقدس جديد‏.‏

ولذلك يؤكد علي عبد الرازق ان الخلافة في الاسلام لم تعتمد سوي علي القوة او الشوكة او العصبية المقرونة بالقوة القاهرة‏,‏ ولذلك كانت الغلبة عماد الخلافة التي استندت الي قوة قمعية تحميها وأسلحة مشهرة تدافع عنها‏,‏ ويمضي الشيخ المستنير معرضا بالملك فؤاد هذه المرة‏,‏ عندما يؤكد ان ذلك الذي يسمي عرضا لا يرتفع إلا علي رءوس البشر‏,‏ ولا يستقر إلا فوق اعناقهم‏,‏ وان ذلك الذي يسمي تاجا لا حياة له إلا بما يأخذ من حياة البشر‏,‏ ولا قوة له إلا بما يغتال من قوتهم‏,‏ ولا عظمة له ولا كرامة إلا بما يسلب من عظمتهم وكرامتهم‏....,‏ وان بريقه إنما هو من بريق السيوف‏,‏ ولهيب الحروب وقد حرصت علي نقل كلمات علي عبد الرازق بنصها لأظهر درجة الحماسة التي انطوي عليها في إثبات دعواه‏,‏ ودرجة الكره التي كان يكنها للحكم الاستبدادي‏,‏ واخيرا‏,‏ لإيمانه ان الخلافة كانت في مجملها‏,‏ وظلت كذلك الي زمنه نكبة علي الاسلام والمسلمين وينبوع شر وفساد‏.‏

ويراجع علي عبد الرازق التاريخ الإسلامي ليثبت دعواه بما يبرهن عليها‏,‏ مؤكدا ان المظاهر التي جعلها الفقهاء من مبررات الخلافة غير واجبة‏,‏ فقد كانت ولاية الرسول علي قومه ولاية روحية منشؤها ايمان القلب وولاية الحاكم‏(‏ الخليفة‏)‏ مادية تقوم علي اخضاع الجسم‏,‏ ويخلص من استعراضه التاريخ الاسلامي الي ان نظام الحكم غرض من الاغراض الدنيوية التي خلي سبحانه وتعالي بينها وعقولنا‏,‏ وترك الناس احرارا في تحديدها علي ما تهديهم اليه عقولهم وعلومهم ومصالحهم ومطالب زمانهم‏,‏ فالاسلام برئ من الخلافة التي نالت من تقديس باطل ما جعلها ركنا ثابتا في عقول الناس‏,‏ بينما هي نظام حكم مثل غيرها من أنظمة الحكم‏.‏ كلها خطط سياسية صرفة‏,‏ وتدابير مدنية متغيرة لا شأن للدين بها‏,‏ لا أمر بها ولا نهي عنها‏,‏ علي اساس اننا ادري بشئون دنيانا‏,‏ نرجع فيها الي احكام العقل‏,‏ وتجارب الأمم‏,‏ وقواعد السياسة‏,‏ ونفيد فيها من الدول المدنية التي سبقتنا الي التقدم الذي لا نهاية له أوحد‏.‏

والنتيجة ان دعوي الملك فؤاد ومبايعته علي الخلافة باطلة‏,‏ وان الحق الذي ينبغي اتباعه هو إقامة الدولة المدنية بكل شروطها ومؤسساتها التي تحقق التقدم وبالطبع كان علي الشيخ ان يدفع ثمن ما قاله غاليا جدا علي مستويات عديدة‏,‏ تحدثت عنها تفصيلا كتب التاريخ الحديث‏.‏

لكن دفاعه عن الدولة المدنية ظل مضيئا في تاريخنا الحديث‏.

انتهى هنا مقال السيد جابر عصفور.. و هو من مؤيدي أفكار الشيخ علي عبد الرازق.. و هو أنه لا أساس للمطالبة بالخلافة الإسلامية.. و أن الحكم يجب أن يكون بالدولة المدنية و أن الحكم ليس أصلاً في الإسلام و إنما هو ركن من أركانه.. و يرى الشيخ علي عبد الرازق أن الحكم في الإسلام مصلحيّ لا عقدي مما أثار ضده الكثير من الإنتقادات و الهجوم خاصة و أن الملك قؤاد كان يود أن يدعي أنه خليفة المسلمين مستغلاً ملكه على مصر و السودان.. ربما أتفق مع الشيخ عبد الرازق في نقاط و لكني أقول..

يقول رسول الله (ص): عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..

فنحن نثبت الخلافة لأبي بكر و عمر و علي و عثمان رضي الله عنهم جميعاً.. و أننا نعتقد أن هؤلاء هم الخلفاء الراشدين لرسول الله (ص).. أما من بعد هؤلاء.. فكان الحكم بين الناس عامة.. و أسس الناس أنفسهم نظم الحكم كل على حسب منهجه.. فلا لأحد ما مثلاً.. إن تولى الحكم أن ينصب نفسه خليفة للمسلمين.. أو أن يحشر نفسه عن طريق الإعلام أو غيره أنه خامس الخلفاء الراشدين.. و لا يحق لأحد مطلقاً أن يدعي أن حكمه إلهي أو أن سلطانه مقدس.. أو أنه ظل الله في الأرض.. فلا أصل لهذا كله..و لكننا في الوقت ذاه نثبت الخلافة كما قلت لأبي بكر و عمر و عثمان علي.. و علينا أن نتمسك بسنة النبي (ص) و بسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.. هذا و الله أعلم.

المراجع: مقال السيد جابر عصفور

مقال عن الشيخ علي عبد الرازق من على موقع الكرامة:

www.elkarama.net


نشرت من قبل في سبتمبر 2007

هناك 3 تعليقات: