الخميس، أغسطس 30، 2012

المقاطعة حلًا..


يلجأ البعض للمقاطعة إبرازًا للموقف السياسي الرافض لحالة ما.. كما في حالة قمة عدم الانحياز بإيران، قرر الرئيس التونسي منصف المرزوقي مقاطعة قمة عدم الانحياز المقامة في طِهران وذلك ليلفت أنظار العالم لما يحدث في أهل سوريا من مجازر بشعة على يد نظام الإفك بشار الأسد وبمساندة نظام إيران..

وسجّل العالم له ذلك، لم يُنتقص من حق الرجل ولا مما عَمِل.. وأحسب أن ما فعله نتج عن وطنيّة وإنسانيّة معتبرة، لا نحكم هنا على النوايا ولكن نحن هنا بصدد تقييم أثر المقاطعة..

أي الطريقيْن أكثر تأثيرًا.. أن تقاطع العملية السياسية التي تراها قائمة على قواعد لعبة خاطئة أم أنك تقتحم و"تعُكّ" بناءً على خطة مدروسة وليس عبثًا فتحرز نتائج على الأرض واقعيّة؟

ماذا فعل الإخوة "المقاطعون" لانتخابات الرئاسة أثر في إحساس ووعي الشعب المصري أو أثر في سلوك الدولة وقتها؟ الحقيقة أن التصرف - وإن كنا نُثَمّن فاعليه ولا نزايد على وطنيّتهم - التصرف لم يفِد قضيّتهم بشئ.. الأمور سارت في طريقها ولم يُمكّنوا من إقناع الناس بالمقاطعة حتى رصدت - على مستواي الشخصي - أنهم لم يجدوا حافزًا حقيقيًا لإقناع الناس بالفكرة.. لأن فكرة المقاطعة فكرة سلبيّة في حد ذاتها، لا تُحرز نتائج حقيقيّة على الأرض..

التدخل الإيجابي هو الذي يحقق النتائج على الأرض، وهذه النتائج قد تكون مرضية أو عكسيّة، ولكنها في النهاية نتائج واقعيّة على الأرض..

أما التسويق لفكرة حالمة في الهواء، لا أثر لها لا على الأرض ولا في نفوس الناس هو أمر - في رأيي - لا يزيد عن كونه تصرُفًا سلبيًا أقرب للهروب من الاختيار من فكرة الموقف السياسي الصلب.

كان سهلًا على الرئيس مرسي، خاصة في ظروف البلاد الحالية، أن يفضل خيار المقاطعة وإعلان أن ذلك احتجاجًا على الموقف الإيراني من القضية السورية أو على الأقل إرسال وفدًا دبلوماسيًا على أقل مستوى، يقول كلمة جوفاء "لا تودّي ولا تجيب" وينحصر الأمر داخل تسليم رئاسة دول عدم الانحياز لإيران وقَضي الأمر على ذلك..

في الحالة الأولى، سيُنشر البيان على الفيسبوك، وقد يطبّل له البعض، ولكنه في النهاية سيُفسّر من قبل الكثيرين - وأنا منهم - أنه هروب من الموقف، والحقيقة أن من فضل الله أن الزيارة لطهران ليست زيارة بين مصر وإيران.. بل هو مؤتمر لدول عدم الانحياز كلها، فأن يحضر الرئيس مرسي مثل هذا المؤتمر لا يُعتبر بأي حال من الأحوال مغازلة للنظام الإيراني على حساب أهلنا في سوريا.. المؤتمر دوليّ، والقمة عالميّة.. فيها شتى الدول، وكان على مصر الحضور لتلقي كلمتها..

انظر الآن للزخم الدولي الذي حدث بعد أن آلقت مصر كلمتها وأكدت على دعمها لمطالب الشعب السوريّ الأبيّ، وإعلان مصر بكل قوة أن نظام بشار الأسد فقد شرعيّته وأن عليه أن يرحل، بل ويؤكد أننا نتحمل المسئولية الأخلاقية عما يحدث بأهلنا في سوريا تحملًا كاملًا.. أن يصدر مثل هذا الكلام من مصر فله معنى آخر..

هي ليست رسالة لإيران فحسب، بل رسالة كذلك للعالم أجمع أنه أصبح لمصر سياسة خارجية مستقلة - أو على الأقل نية لذلك - خلافًا لما كان يحصل في الوقت الماضي وقت أن كانت مصر تابعة ذليلة لما تأمره بها أمريكا..

الحقيقة أن المقال لا يهدف للتطبيل لمرسي على ما قال، ربما أصاب في هذا الموقف ولكنه قد يخطئ في موقف آخر.. ولكن الفكرة هنا في مناقشة فكرة المقاطعة..

الدكتور البرادعي - وهو شخصٌ فاضل - قرر مقاطعة الانتخابات الرئاسية لأن قواعد اللعبة السياسية ليست منضبطة، الحقيقة أنه كان عليه أن يعيَ تمامًا أن قواعد اللعبة لن تكون منضبطة بعد حكم ستين سنة تزوير وغش وكذب وفساد تجذّر في البلاد لقواعدها، شعبٌ لم يرَ الكرامة الحقيقة منذ عقود طويلة، وظل ضحيّة بين كاذب وأفاك.. حتى انكشفت عنه الغُمّة مرة واحدة، ولكن ظلت الدولة "العميقة" كما هي.. كيف تنتظر أن تكون أسس قواعد اللعبة نظيفة تمامًا وأن تكون الحياة ورديّة بهذه النظرة المثاليّة..؟

كان على الدكتور البرادعي - إن أراد إصلاحًا - أن يَعُكّ نفسَه في هذا المستنقع وليخرج بأحسن النتائج الممكنة التي نستطيع أن نعتمد عليها في أرض الواقع..

الرئيس مرسي مستعينًا بمستشاريه انتزع سلطاته وأزال جنرالات مبارك من الحكم، "والتاريخ سيحكي حتمًا عما جرى في كواليس هذه القفزة"، ولا يزال أمامه الكثير ولكنه الآن على أرض الواقع.. وتوجد نتائج على الأرض..

في النهاية أود أن أشير أن المقاطعة التى نتحدث عنها هنا هي المقاطعة التي وُجدت كحل لغياب الحل المثالي في الموقف، ولكن مقاطعة دعوات الكيان الصهيوني لمناقشة تدويل القدس مثلًا لا توضع تحت هذه المظلّة.. "لا توجد دعوات لذلك فقط أضرب مثالًا"..

فالاجتماعات التي من شأنها الاعتراف الضمني بشرعية كيانات احتلال هي اجتماعات مرفوضة شكلًا وموضوعًا.. ومثال على ذلك فكرة زيارة بيت المقدس بتأشيرة إسرائيلية بهدف الصلاة في الأقصى - ردّه اللهُ لنا ردًا جميلاً - هي فكرة لا نتيجة حقيقية على أرض الواقع منها غير الاعتراف بأهلية الكيان الصهيوني لحكم بيت المقدس وشرعيّة ذلك.. هذه قضيّة أخرى مختلفة تمامًا.. ولا يُتوقّع أن يُخلط بين هذا وذلك ولكن لزم التنويه..

والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم..

هناك تعليق واحد: