الاثنين، ديسمبر 03، 2012

دستور مصر.. وحديث القصر..

نحن الآن أمام إشكالية في منتهى التعقيد، وأحسب أن حلها لا يكون أبدًا في التهرب منها، والادعاء بأن الأمر كله باطل، فالإسهام فيه هو الآخر باطل.. إن البلاد تمُر بمرحلة استقطاب لم تشهد لها مثيل، إلا ما شهدته في استفتاء التعديلات الدستورية مارس 2011، هذا الاستفتاء الذي فرق الشعب فريقيْن، لم يفكر أيُهُما بعد ذلك في مصلحة البلاد وإنما في مصلحة فصيله وفقط، إلا من رحم ربي.

البلاد الآن تشهد عندًا من جانب الرئاسة، ومعارضة لا أثق في كوادرها مطلقًا.. إذ استغاث الكثير منهم بدولة العسكر لما أتت أصوات الناس بالإخوان إلى سُدة الحُكم، وأيدوا انقلاب يناير 2012 الذي نفذه الجيش بكل وقاحة على السلطة التشريعية المنتخبة، كثير من قيادات المعارضة الحالية وقفت موقفًا صارخًا في صف عسكرة الدولة، لا لشئ إلا لأن هذا كان في صالح الفصيل الصغير ولو كان على حساب الوطن الكبير.

وفي ظروف ملتبسة، أعلن الرئيس المنتخب محمد مُرسي عن الدعوة للاستفتاء على مشروع دستور مصر في الخامس عشر من ديسمبر القادم، ليُحتكم لأصوات الناس على منتج التأسيسية التي شاب تشكيلها عوارٌ واضح من ناحية التمثيل الجغرافي، وشاب منسحبيها عوارٌ واضح في النوايا، وشاب مواد منتجها كثير من التعليقات بعضُها كارثي والآخر كان يُمكن أن يكون أفضل كثيرًا.

نحن الآن أمام أمر واقع، فرضه الكيان الحاكم الآن، بطرح مشروع دستور للبلاد، وأمام إعلان دستوري بصلاحيات كاسحة لرئيس الدولة، لُوي ذارعنا تجاهه وكأن الهدف: إما موافقة على منتج التأسيسية وإما رضوخًا لصلاحيات الرئيس الكاسحة، ومن هنا اخترت اجتهادي أن يكون كما يلي:

- تفنيد مواد الدستور مادة مادة بصفة مستقلة، وعدم متابعة تحليلات سياسيي التوكشوز ومحرضي الاستقطاب أبدًا.
- بعد ذلك، سماع أهل الاختصاص في الفقه الدستوري والقانوني الذين نحسبهم على الكفاءة والحيادية لتكتمل وجهة النظر حول الدستور.
- إن كانت نتيجة الاستفتاء بالموافقة على الدستور، فلا تفصيل بعد ذلك.
- أما إن كانت نتيجة الاستفتاء برفض الدستور، فالكفاح إذًا لإلغاء الإعلان الدستوري الذي فرضه مُرسي على الناس.
- وإن كانت النتيجة بالموافقة على الدستور، وكانت القرار الشخصي برفض الدستور، فالسعي الحثيث من خلال الأحزاب الرافضة للمسودة لدعم المواد المُراد تغييرها بالدستور المُعتمد من خلال البرلمان، لطرح هذه التعديلات المقترحة على الشعب لإبداء الرأي فيها، فإن رفضها الشعب فتلك قفلة الدومينو لا مناص منها.

وعلى الجميع أن يعيَ الآتي:

أن الدستور وحده هو حبر على ورق، ما لم يستتبع عملًا دؤوبًا لإصلاح البلاد ونهضتها، أما إذا كان كل خلافنا على ورقة تذهب معانيها أدراج الرياح فنصيحة مني لا تضيعوا أوقاتهم في مثل هذا الهراء.

إن أساس كفاح الدستور هو أن يكون إطارًا عامًا حقيقيًا للعمل الوطني من أجل رفعة البلاد وقوتها.. وأن يكون دليلًا نحاسب بعضنا بعضًا من خلاله، وهو لا يُغني تمامًا عن منهج التربية الذي إن تركناه بِعنا الأجيال القادمة كلها والأجيال التي تليها.

***

أما بخصوص منتج الدستور، فما يلي هو تعليقاتي على ما أراه شاذًا أو غريبًا أو كارثيًا أو يحتاج إلى تعديل في مشروع الدستور المنتظر الاستفتاء عليه من قبل الشعب، ومن باب الأمانة: لا أنصح أحدًا أن يقرأ هذه التعليقات إلا إذا كان قرأ مشروع الدستور وحده وكوّن وجهة نظر منفردة حوله، لئلا يتشابه عليه الأمر، أو قد يُضل برأيي..

***

بسم الله،

ديباجة الدستور:

- وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير التي فجرها شبابنا، والتف حولها شعبنا، وانحازت إليها قواتنا المسلحة:


بوضوح تملُق للقوات المسلحة ونسب فضل لم يكن لها، وعبث بالتاريخ لا أصل له. الحمد لله أن الثورة قامت من عامين فقط فنحن على علم بمن ناصرها، ومن خذلها، ومن سار مع التيار الفائز بها.. لا أرى ضرورة للزج باسم الثورة في الدستور إن لم يكن الحديث عنها حقيقيًا.

الباب الأول: المقومات الدولة والمجتمع 

المادة 2: برجاء قراءة سريعة للمقال: الموقف من الشريعة، وذلك بخصوص كلمة "مبادئ".

المادة 3: لا أدري كيف تنظم "مبادئ" شريعة قوانين الأحوال الشخصية لأصحاب الديانات الأخرى، تنظيم الأحوال الشخصية يحتاج لأحكام أما المبادئ فهي كلمة عامة جدًا، وكأنها جاءت إرضاًء للتيار الإسلامي لأن بالمادة الثانية مذكور مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

والمادة الثانية كذلك تفرض عدم الاعتراف بأي ديانات أخرى سوى ديانات المسيحية واليهودية، ولم تفصّل حلًا إذًا فيمن يعتنق ديانات أرضية، كيف يكون التعامل معاهم.. والحديث هنا لا أقصد به جرّ موضوع معابد بوذا والحديث الذي أُثير وإنما أريد حلًا موضوعيًا لمن يعتنق غير هذه الديانات الثلات من ناحية الهوية، بمعنى إذا كان مصريًا ولا يعتنق أيًا من الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، هل بمقتضى هذه المادة تسقط عنه الجنسية مثلًا؟!

المادة 4: بخصوص الأزهر الشريف،

تكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، ليظل الأزهر تابعًا للدولة غير مستقل استقلال حقيقي عنها، لأن الاستقلال المالي هو أهم أسياسيات الاستقلال الحقيقي عن الدولة وإلا صار استقلالًا على الورق فقط. يمكن للأزهر أن ينفق على نفسه إن عاد إليه الوقف، ولتمكّن وقتئذ من نيْل استقلاليته الكاملة ولكن الدولة على مر العقود منذ عهد جمال عبد الناصر لم تُرد له استقلالًا أبدًا لئلا يؤدي دوره الذي كان يؤديَه من قبل من وقوف في وجه الظُلم ومقاومة للاستبداد.

شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، ولا مشكلة في ذلك إذا كان من انتخاب هيئة كبار العلماء بالأزهر، أما أن يظل بتعيين رئيس الجمهورية ثم نقول غير قابل للعزل، فعن أي استقلالية تتحدثون؟! وبالتالي علينا مناقشة قانون انتخاب شيخ الأزهر لأن مثل هذا الأمر يمثل أهمية كبير وله اسقاطه على هذه المادة بالدستور.

المادة 7: بخصوص التجنيد الإجباري،

فنود فقط أن نشير أن التجنيد في القوات المسلحة في الوقت الحالي ليس شرف ورجولة، وإنما خدمة للواءات والعمداء وذويهم، إلا من رزقه الله بواسطة تعيّنه في مكان يحفظ كرامته.. الأمر يحتاج نظرة حقيقية، فإذا كانت هذه حقيقة التجنيد، فلم يكون اجباريًا؟! اجعلوه لمن يريد التطوع كسائق سيارة اللواء أو من يهوى الوقوف على الحدود بخزينة سلاح فارغة!

المادة 11: لا أدري كيف ترعى الدولة الحقائق العلمية، حقيقًة لا أدري!

المادة 12: في تعريب التعليم، اعمل أولًا على إيجاد علوم تُنسب إليك، وقتئذ ستكون معربة تلقائيًا بالمناسبة، أما تعريب الميكروبروسيسور ليكون "المعالج الدقيق" فلا أجد في ذلك نصرًا ولا عزًا.

الباب الثاني: الحقوق والحريات

المادة 43: من جديد، إذا كانت النية عدم الاعتراف بأصحاب الديانات الأخرى فكيف يكون تعامل الدولة معهم؟ هل يُخيّرون من الديانات الثلاثة غصبًا مثلًا؟ أم تسقط الجنسية عنهم؟!


الحكمة تقول: لا تؤجل خروج العفريت، فحتمًا سيخرج! #حكمة_طالعة_حالًا!

المادة 44: تُحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة. عظيم، وماذا عن التعريض بالذات الإلهية؟ لماذا لم تُدرج بهذه المادة وهي أولى أساسًا؟

المادة 50: يكون التظاهر السلمي بناء على إخطار ينظمه القانون، ثم نفاجأ أن القانون يُلزم موافقة الجهات الأمنية على تنظيم المظاهرات مثلًا؟! ما فائدة المظاهرات إذا اشتُرط فيها الاخطار والموافقة عليه من قبل الأمن؟ وهل منتظر أن يوافق الأمن على تظاهرة احتجاجية ضد نظامه؟!

المادة 64: الإضراب السلمي حق، وينظمه القانون الذي سيمنعه بطبيعة الحال.

المادة 65: بخصوص أولوية العمل لذوي شهداء ومصابي الثورة والمحاربين القدامى، فإن أولوية العمل لا تكون أبدًا إلا بالكفاءة وفقط! هذه المادة ستفتح علينا بابًا من الوسائط والكذب، وستفتح بابًا من الظُلم على من يستحق العمل ولكن لم يشأ الله أن يكون له شهيدًا في الثورة أو مصابًا بها، أو محاربًا قديمًا في عائلته، أما بخصوص الرعاية وغير ذلك من سبل التعبير عن الامتنان لشخص الشهيد أو المصاب فلا أرى فيها مشكلة.

الباب الثالث: السلطات العامة

المادة 149: كيف يحق لرئيس الجمهورية العفو عن الأحكام أو تخفيفها؟ هل من توضيح لسياق هذه المادة؟! هل يمكن لرئيس الجمهورية أن يعفو عن عقوبة على شخص ارتكب جُرمًا بحق المجتمع؟ بأي حق؟!

المادة 159:لماذا حصر تعيين وزير الدفاع من بين ضباط القوات المسلحة خاصًة وأن اللجنة كانت اعتمدت من قبل جواز تعيين مدنيين لوزارة الدفاع؟ تعيين مدني لقيادة وزارة الدفاع لا يعني أن فنيات الوزارة ستضيع، سيظل رئيس الأركان والقيادات التنفيذية بالوزارة هم المعنيون بفنياتها وتطوير أساليب القتال وغيره، الفكرة في جواز تعيين مدني لوزارة الدفاع هو إمكانية اتساع أفق الوزارة وليُطبق فيها ما قد يغفله العسكريون من سياسات عامة تحتاجها الدول المتقدمة. منصب الوزارة يجب أن يظل منصبًا سياسيًا لا ضرورة حقيقية أن يظل المنصب حِكرًا على العسكريين، كذلك منصب وزير الداخلية لا معنى أن يظل حكرًا على لواءات الشُرطة، وإن كان الدستور لا يشترط ذلك ولكن جرى العُرف أن يعيّن وزير الداخلية كذلك من بين ضباطها.

المادة 197: انظر نص المادة:

كما ترى لم يُذكر تمامًا مواقفة أو مناقشة مجلس النواب على موازنة القوات المسلحة، كل الفارق الذي أحدثوه من وثيقة السلمي أنها في وثيقة السلمي وفي المسودة السابقة "تُدرج رقمًا واحدًا". ولا أرى فارقًا هنا لأنه لا يُذكر صراحًة أن مجلس النواب عليه مناقشتها لإقرارها.. وإن كانت الحجة في ضرورة سرية ميزانية القوات المسلحة، فإن دول العالم المحترمة هي كذلك تحرص على سرية ميزانية جيوشها، ولكن مع ذلك لا تسلم هذه الميزانيات "المقدسة" من المناقشة، لأنك يا أخي تدفع من جيبك ضرائب للحكومة يذهب بعضها العظيم للقوات المسلحة، فمن حقك الإنساني أن تناقش هذه الميزانية على يد من انتخبتهم لتعرف ما يُصرف منها على القوات المسلحة حقًا، وما يُصرف منها على الحفلات ودور الرفاهية وغيره من أنشطة قواتنا المسلحة العظيمة.

ويُمكن أخذ كافة الاحتياطات الأمنية اللازمة وعمل كافة التحريات اللازمة لضمان عدم تفشي رقم ميزانية القوات المسلحة المقدسة لغير المعنيين بها، أما التلكؤ بسرية المعلومات فهذه حجة داحضةٌ على من يقولها.

المادة 198: انظر نص المادة:

المادة تعرض المدنيين للمثول أمام القضاء العسكري بدلًا من القضاء المدني بما يخالف العدالة، والحقيقة أنه قبل ذلك كان النظام يتهم المدنيين بتهم لها علاقة بالقوات المسلحة ليُعرضوا على القضاء العسكري بدلًا من القضاء المدني الطبيعي لهم.. وبنص هذه المادة - أعتقد - أن الأمر سيظل كما هو، وإذا ما أردا الحُكم أن ينكّل بأي مواطن، سيلفق له أي تهمة اعتداء على فرد من أفراد القوات المسلحة أو أي من منشآتها.

والحقيقة، أن الصواب إذا ما حدث اعتداء من مدني على أي من كيانات القوات المسلحة أن يعاقَب أيضًا بمقتضى القانون المدني الذي يعرفه، لا بالقانون العسكري المصمّم للعسكريين، أحسب أن القانون العسكري يسري فقط بين رجال العسكر وبعضهم البعض ولا يجوز أن يمتد بأي حال من الأحوال إلى المواطنين المدنيين.

إذا كان ولابد، يُستحدث قانون في القانون المدني (أو أيًا كان توصيفه) لمعاقبة الاعتداء على كيانات القوات المسلحة، لكي يكون الأمر عدل، وليحاسب المدني بناًء على القانون المدني.

 الباب الثالث: الهيئات المستقلة، والجهات الرقابية

المادة 202: لا أوافق أن يكون تعيين رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من قبيل رئيس الجمهورية حتى ولو اشتُرط موافقة مجلس الشورى، يجب أن نأخذ في الحُسبان مجاملة المجلس لرئيس الجمهورية في اختياراته، وأرى أنه من الأفضل أن تكون التعيينات من قبل المجالس المنتخبة ويصدق عليها رئيس الجمهورية.

***

مادتا مجلس الدفاع الوطني والقضاء العسكري كفيلتان لي أن أرفض مشروع الدستور المقترح، وبالتالي فإن الخطة بالنسبة لي ستكون كالتالي:

- دحض كل دعوات المقاطعة المُزمع إطلاقها للاستفتاء القادم، لأن في ذلك ضياع لحق الشعب في رفض منتج التأسيسية.
- التصويت بـ "لا" على مشروع الدستور.
- إذا تم رفض مشروع الدستور من قبل الشعب، يتم الضغط الشعبي على الرئيس مرسي لإلغاء قرارات التحصين بإعلانه الدستوري الصادر الشهر الماضي.
- إذا وافق الشعب على مشروع الدستور، فالقبول بالنتيجة، ثم دعم الأحزاب والحركات التي تتفق ومنهجي وتسعى لتعديلات دستورية تقيم عوج الدستور الذي أراه.

هذا وأسأل الله تعالى أن أكون موفقًا في اختياري هذا، وأن يوليَ هذه الأمة أمر رُشد، يُعز فيه أهل طاعته ويُتاب فيه على أهل معصيته، ويحقق لمصر الرفعة والتقدم والعزة والازدهار، إنه ولي ذلك والقادر عليه.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق