الأربعاء، فبراير 20، 2013

التعانق بين مصر والسودان الشجيج، والصهيونية عدوٌ لدود

كما أسلفت فإن الأخوة بين الشعبين المصري والسوداني أصيلة، والحقيقة أن هذا ليس كلام ساسة، إذا ما صدر من الساسة فهو على الأغلب من باب الديباجات منتهية الصلاحية، أما الواقع فأنت لا تشعر حينما تتحدث مع سوداني بأي تكلف، بل تشعر أنك تريد أن تستزيد من الكلام معه ولو آلمك حنكُك.

الحقيقة أن التاريخ المصري والسوداني متشابهان على حد كبير، كلاهما كانا تحت الحكم الفرعوني، ومشتركات في منتصف العصور كثيرة، حتى في العصر الحديث كانا الاثنان تحت الاحتلال الانجليزي، بل وقامت الثورة العرابية بالتزامن مع ثورة المهدي بالسودان التي قتلت غوردون باشا حاكم السودان الانجليزي، وصار قصر الحكم وقت الإنجليز هو هو قصر الرئاسة في الوقت الحالي.

بالمناسبة تجد صيحات مصرية كثيرة تدعي أن أهل السودان يكروهننا، ولا أدري إن كانوا عمَّموا خاصًا أم افتكسوا كذبًا هذا الحديث إذ أني لم أرَ أي من هذه المظاهر، صحيح أن فترة مكوثي هنا أيام قلائل، ولكن في مثل هذه الفترة قد تواجه على الأقل وجهًا خشبًا واحدًا يتجهّمُك إذا ما قصدته في خدمة، هذا إذا كان الأمر سمة حقيقية هنا، ولكن فيما يبدو أن السمت العام لا يدل على ذلك بتاتًا، وأن العلاقات علاقات نسب ومحبة وأخوة..

حتى اللحظة يدخل المصري لأراضي السودان بدون تأشيرة على الإطلاق، فقط يكفيه باسبور ساري، والسودانية تدخل الأراضي المصري بدون التأشيرة، أما السوداني فعليه أن يستخرج تأشيرة مجانًا من السفارة المصرية لدخول الأراضي المصرية، ولم أستنبط سبب تمييز السيدات حتى اللحظة إلا أنه لعل السبب زواج كثير من المصريين بسودانيات، ولكن في الواقع تجد سودانيين متزوجين من مصريات، فالحقيقة لا أعلم سببًا واضحًا لمثل هذا التمييز.. إلا أنه يبقى أن دخول السوداني لمصر أمرٌ سهل جدًا، ودخول المصري للسودان أمر في منتهى السلاسة، وكذلك تجنس المصري بالجنسية السودانية أمر هيّن كذلك على حد تعبير أحد الإخوة هنا.

مما أثر فيّ حديث مع أحد الإخوة هنا وقت أن أتيْت إلى السودان، تحدثنا سويًا عما يحدث في مصر وحال الأمة بصفة عامة، والحقيقة رأيت من الرجل إشفاقًا على حالنا على الرغم من أننا نمتلك مسببات النهضة والتقدم والرقي، وأول ما نمتلكه العقلية،

حكى لي الأخ أن أخًا له كان مريضًا بالشرايين واحتاج لعملية جراحية غير متوفرة بالعالم العربي كله، ورشح له الطبيب المعالج لحالة أخيه أن يسافروا بأخيه إلى ألمانيا وألمانيا فقط، لما حسبوا التكلفة تبيّن لهم أنهم سيتكبدون مئة وثلاثة آلاف من الدولارات الأمريكية، مما استحال عليهم، ولكن تبرع بثلثيْ المبلغ أمير سعودي وتكفلوا هم بالباقي وطاروا على المستشفى، وهنا لُب الحكاية أن وجدوا طبيبًا مصريًا يطلع عليهم فيقول لهم أنه مساعد الطبيب الجراح الوحيد الذي يمكنه إجراء مثل هذه العملية الدقيقة لأخيهم، مصري، والأدهى والأمر أن الطبيب ذاته سوداني أصلًا!

فانسحب الحديث على فرار العقول العبقرية من البلاد وذهابها لمن يستحقها، وكيف أن هذا من مظاهر إهمال العلم والبشر، وكيف أن دولنا في العالم الثالث تهتم فقط بتقوية النظام والأمن النظامي، ثم إذا ما تسرّب من ذلك شيئًا فليلتقطه الشعب.. وكيف أن المخطط الغربي الصهيوني يفتك بنا ونحن نتلذذ بذلك فيما يبدو، لا نملك شيئًا غير النواح والبكاء على الأطلال، حتى اعتدنا الهزيمة وترسّخت فينا ثقافتها، طبيعي أن تضرب إسرائيل غزة فتقتل منهم الآلاف، ماذا بعد؟ وطبيعي أن تستهدف إسرائيل مصنعًا سودانيًا للأسلحة بغير رد يُذكر من أي عربي، ماذا بعد؟ فقط اعتدنا وألفنا الهزيمة والنكسة أصبحت بنا سمة كما نحن بالفول والطعمية.

شعُرت وأنا هنا أن الضحك يمكن أن يكون من القلب مع شخص لم ترَه يومًا قط فقط إذا كانت النفوس صافية لا تطلع لمصلحة أو نية لخداع بالأمر، وقد يطول الحديث وتجد نفسك مرتاحًا في الكلام عن بلادك، بل وتتمنى لأهل البلد الذين يستضيفونك الخير عن حقيقة، لا كلامًا يُرمى، تقضية واجب وخلاص..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق