الثلاثاء، فبراير 19، 2013

في بلد النيلين الشجيج..

الخرطوم هي ملتقى النيلين - الأبيض والأزرق - ومنه يهبط إلى مصر، والخرطوم هي عاصمة ثلاثية، تنقسم في الأساس لثلاث مناطق رئيسية: أم درمان، بحري، والخرطوم..

من أعلى وأنت بالطائرة ترى مبانيها قصيرة، فيما بعد عرفت أن القانون يفرض ارتفاع أقصى للمباني لأن قوات الدفاع المدني ليس لديها سلالم تصل لارتفاعات عالية لإطفاء الحرائق، وفي الغالب لا تجد أي بنايات تفوق الثلاثة عشر أو الأربعة عشر طابق.

من أعلى ترى المساحات الخضراء المنتشرة بغير انتظام على جنبات البلاد، الأرض السودانية خصبة جدًا للزراعة حتى أنهم يقولون: لو زرعت بني آدم تلاقيه يطرح طوالي..

المصريون بالخرطوم كثيرون، للحد الذي وصلوا فيه لفتح البيزنس، هنا تجد حلويات العبد وفول جاد وسندوتشات مؤمن والدمياطي للأثاث وغيره، والمصريون العاملون بالمطاعم والفنادق كثيرون، الفندق الذي أمكث فيه حاليًا يعمل به مصري في الاستقبال، وأكلت في مطعم يملكه عراقي، مدير المطعم والشيف وكثير من العاملين به مصريون، حتى أن أحدهم حينما سمعني أتحدث باللهجة المصرية مع أقراني السودانيين تبسّم، إلا أنه آثر الاحترافية ولم يزِد.

أوضاع السودان الاقتضادية في الوقت الحالي مهتزة بشدة، والجميع يعوّل ذلك على الانفصال عن الجنوب، إذ أن الجنوب حوى البترول كله، صحيح أنهم كانوا يعتبرونه عالًة عليهم، إلا أنه لا إنكار أن الشمال السوداني أهمل الجنوب للحد الذي برر لهم الانفصال عندًا أكثر منه فائدة حقيقية له.

على كلام الإخوة هنا في السودان، الجامعة إذا كان فيها عشرات الآلاف من الشماليين يكون فيها خمسة من الجنوبيين، ومعظم عمل الجنوبيين خدامين في البيوت، والبنية التحتية للجنوب السوداني غير موجودة أصلًا..

تخيل أن فقط 27 كم2 من دولة جمهورية جنوب السودان مسفلتة للسيارات، يعني إهمال يورث الكره والحقد والرغبة في الانتقام، وكان الشمال يستفيد من الجنوب من البترول، لما انفصل، اهتز الدولار بشدة وارتفع الآن سعر لتر البنزين، لتر البنزين بالسودان - الجودة موحدة هناك - 2.78 جنيه سوداني تقريبًا، أغلى من عندنا - في الوقت الحالي - ، وكما أن الكهربا غالية كذلك ويتم المحاسبة عليها كما المحاسبة على الموبايل، الدفع مقدمًا وكأنك تشتري كروت شحن.. 

لا أعرف لماذا انتابني شعور بالذنب تجاه السودان - رغم إني شخصيًا لا ذنب لي بالأمر - ولكن تحسرت على ما فرطت مصر من تنمية كان من الممكن أن تقيمها في السودان وكان سيكون مردودها على مصر في منتهى الروعة..

الصين دخلت السودان بكل قسوة، تشتري كل شئ كما السرطان، يوجد هنا رجل أعمال صيني اسمه مستر فو تقريبًا، على صلة قوية جدًا في الحكومة، يأخذون المشاريع كلها من بابها بأسعار زهيدة جدًا، والدفع على أقل من مِهل الحكومة السودانية، على أن يكون كل مقاولي الباطن بالمشروع من الصين الشعبية.. فقط يعطونه الأرض ويتركوا له الباقي.. 

الأمر وصل للحد أن أحد الإخوة هنا في السودان قال لي أنه سمع بالراديو أن الإذاعة السودانية بيعت بالكامل الصين، حتى تخوّف الرجل أن يباع هو شخصيًا للصين بأبخس الأسعار..

ومما دفع الحكومة السودانية للارتماء في حضن الصين هو الحظر الذي تفرضه أمريكا ومن يعاونها على التعامل مع كل شئ سوداني، فتجد أن الصين وإيران من أكثر الدول تدخلًا في الاقتصاد السوداني، ولا تجد وجودًا حقيقيًا لدول الخليج كالسعودية مثلًا على الرغم من السودان مفترض أنه حكم إسلامي - أو حكم منسوب للإسلام يعني - إلا أن ماما أمريكا غضبانة على السودان فيغضب بالتالي كل حلفائها ودلاديلها على حد سواء..

عمر البشير رجل عسكري قاد انقلابًا مدعومًا من التيار الديني في السودان، وأهل السودان هنا ينسبون حسن الترابي وعمر البشير لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن حسن الترابي - أعلم وأكبر فذ بجماعة الإخوان على حد تعبير الإخوة هنا في السودان - اختلف مع عمر البشير وأعوانه، أو بالأحرى انقلبوا هم عليه، والرجل - الترابي - شطط عقله أحيانًا كثيرة فيُنكر في كثير من الأحيان ثوابت بالدين، عوّلوا ذلك لأنه وصل لمرحلة من العلم جعلته ينجَن.

إلا أن كثيرًا من السودانيين لا يكرهون البشير تمامًا، أو هم يحبونه على حرف.. فإذا ما خفض الدولار صار حبيبهم، وإذا ما علا كرهوه.. وصف لي أخ هنا في السودان قابل البشير أكثر من مرة أنه بسيط ومتواضع جدًا، قد تجلس معه على مائدة الطعام فيُطعمك بيده - سادات ستايل - ويهزر ويضحك غير متكلف، ولكنه الضغوط عليه شديدة على تعبير نفس الأخ يعني..

***

الحقيقة أنك هنا في السودان لا تشعر بإحساس الغريب مطلقًا، لأن الناس قريبين جدًا، هذا بالإضافة أنك غير مستغرب أساسًا بحكم كميات المصريين هنا، ومن هنا دارت أحاديث بيني وبين الإخوة قد أتعرض لها لاحقًا بإذن الله..

دُمتم في رعاية الله :)




هناك 3 تعليقات:

  1. مقال مفيد جدا
    السودان إعلامها ضعيف
    نادرا لما الواحد يعرف حاجة عنها
    أى تفاصيل أو مقالات أخرى أكون شاكر ليك عالإفادة :)

    ردحذف
  2. ألله يكرمك ده شرف ليّا.. الله المستعان :)

    ردحذف
  3. جميل ان نري احد يكتب عن السودان من منظورة ويفيد بعض المعلوماتز
    كنت هنا من بلاد النيل
    علا

    ردحذف