الثلاثاء، أبريل 23، 2013

بحثًا عن الإنسانية - قصة قصيرة جدًا



حالة الاستغراب انتابتني فقط حينما أجلسوني أمام الطبيبة النفسية، يقولون أنها فقط تريد التأكد من سلامة أعصابي وصحتي النفسية بعد حادث أمس، غير ذلك من الأحداث لم أستغرب له مُطلقًا، بل كنت أرى أنه إذا ما غايرت تصرفاتي ما فعلت لكان هذا العَجَب فعلًا..

ماذا كان عساي أن أفعل إذ علمت بهجوم البلطجية على العمارة، وأنهم يداهمون الشقق شقًة شقًة فينهبوا ما فيها ويقتِّلوا بعد ذلك أهلها أبشع القتل.. توقف عامل الإنسانية لدي تمامًا وتحولت لجزار يرى في هؤلاء البلطجية عجولًا عصيًة عليه لا أكثر.. فانتظرتهم بالبلطة في يد والساطور في اليد الأخرى، ومن طمعهم بسبب استسلام معظم أهل العمارة لما يفعلون بهم ظنوا أن الباقي سيكون لقمة سائغة لهم فقالوا توفيرًا للوقت يوزعون أنفسهم هجّامين على الشقق.. فيعملون على القتل على التوازي.. فكان من نصيبي فردٌ منهم، وكنت أرى من بلكونة العِمارة سيارتهم البِك أب التي تنتظرهم بعدما يظفروا بالغنيمة فتطير بهم حيث يلقون جتتهم النحسات على سرائرهم ليستطلعوا صباحًا جديدًا لقتل جديد..

فلما رأيت الهجَّام بزغ من ظلام السلم بطحته بالبلطة بيدي اليُمنى، ثم أجهزت على رقبته بالساطور.. لم يفزعني على الإطلاق الدماء المتناثرة من عروقه ولم أُلقِ بالًا لحشرجة صوته وهو ينازع الموت.. بل لقلة خبرتي بمسائل القتل خشيت ألا يكون قد قُتِلَ بالكامل فأكدت قتلي له بأن طعنته بالساطور في بطنه.. حتى مات ولم أعُد أسمع له صوتًا.

لم أشفق عليه حتى وإن كنت قد أطَلت النظر في وجهه الملطَّخ بالدماء، بل أمعنت النظر فيه وكل ما جاء بمخيِّلتي كم سفك دمًا، كم اعتدى على الناس من قبلي، كم سرق، كيف تبخَّر كل ما يمُت للإنسانية منه هو ورفقائه.. فقط أنفت نفسي مما قد تسبب جثته من رائحة ببسطة السلم فطلبت المصعد ثم ألقيته فيه وضغط على زر الأرضي، لينزل المصعد لإخوانه الكلاب لعلهم يعرفوا أن سفك الدمِ لم يعُد حِكرًا عليهم فقط وإنما بفضل إحساس الغابة الذي نعيشه صار للكل حق السفك لأقصى درجة.. 

أؤكد لكم لم أنهار تمامًا بعد الأمر، بل من فزع هم أصدقائه الكلاب، فلما رأوْا جثمانه سائحًا في دمِه ولوا هاربين..

نظرت من البلكونة عليهم وهم يصرخون باسم الفعل الذي يعني الاعتراض بملء فيهم، ويخبِّطون على صاج البيك أب لينطلق سائقها.. 

لعلهم ظنوا أن جنًا قتل زميلَهم فصرعوا من ذلك؟

أو لعلهم ظنوا أنهم أصابوا عمارة زميل لهم في البلطجة..؟

لم أهتم، ودخلت للمطبخ فوضعت الساطورَ مكانه وعلقت البلطة على الباب، فغسلت يداي من أثر الدماء، ثم تجرَّعت قليلًا من الماء، وجلست على أريكة غرفة المعيشة أشاهد التليفزيون..

حتى على ما يبدو ذاع الأمر، فأرسلوا لي بعد تبيّنهم من القصة أنني كنت في حال دفاع عن النفس، ولكنهم رأفًة بحالي فيما ظنوا أرسلوني للطبيبة النفسية ترى ماذا تهتَّك من أعصابي أو لعلي فقدت الإنسانية مثلًا!!

وهذا هو العَجَب العُجاب.. وهل في البلاد ما هو إنسانيٌ أصلًا؟!

وقتها لم يأتِ على مخيِّلتي أن أتصل بالنجدة لأني أعرف أنه ليس لها من اسمها نصيبًا على الإطلاق، ولأنني واقع الأمر فضَّلت أن تكون النهاية: فيتاليتي دراميّة.. وقد كان..

لو ندمت على كل شئ فعلته بحياتي فلن أندم مطلقًا على قتل هذا المتأنسِن جسدًا حيوان الحقيقة.. الذي جرَّفت إنسانيَّتَه كما جرَّفت إنسانيَّة إخوانِهِ مادية المجتمع وشهونته وفقره وظلمه وجهله!

كيف تعيب رسميات المجتمع عليّ فعل هذا وهم يشرعنون قتل الآلاف تحت حجج واهية..

وهم يشرعنون إبادة الناس لأنهم يطلبون حريتهم تحت اسم هيبة/شماخة/وحدة الدولة وحمايتها؟

وهم يشرعنون اجتياح البلاد تحت اسم نشر الحرية؟!

وهم يشرعنون قوانينًا لا تمت للعدالة بصلة؟!

وهم يشرعنون إعاشة أقوام وقرى وشعوب تحت خط الفقر بأميال لأنهم قرروا أن هذا هو حظهم من الدنيا..؟!

وهم يقلبون الحرام حلالًا والحلال حرامًا ليماشي دنوِّهم؟!

ويفصِّلون من القوانين ما يضمن مكوثهم على صدور العِباد وما يضمن مصّ قوتِهم؟!

أما تراها قصة خياليّة، والخيال فيها أن أرسلوني للطبيبة النفسية.. لأنه في الحقيقة لا اعتبار للمعنويات والنفسيات أو الإنسانيات بصفة عامة في بلادنا هاهنا..


هناك تعليق واحد:



  1. حالة الاستغراب انتابتني فقط حينما أجلسوني أمام الطبيبة النفسية، يقولون أنها فقط تريد التأكد من سلامة أعصابي وصحتي النفسية بعد حادث أمس، غير ذلك من الأحداث لم أستغرب له مُطلقًا، بل كنت أرى أنه إذا ما غايرت تصرفاتي ما فعلت لكان هذا العَجَب فعلًا..

    ماذا كان عساي أن أفعل إذ علمت بهجوم البلطجية على العمارة، وأنهم يداهمون الشقق شقًة شقًة فينهبوا ما فيها ويقتِّلوا بعد ذلك أهلها أبشع القتل.. توقف عامل الإنسانية لدي تمامًا وتحولت لجزار يرى في هؤلاء البلطجية عجولًا عصيًة عليه لا أكثر.. فانتظرتهم بالبلطة في يد والساطور في اليد الأخرى، ومن طمعهم بسبب استسلام معظم أهل العمارة لما يفعلون بهم ظنوا أن الباقي سيكون لقمة سائغة لهم فقالوا توفيرًا للوقت يوزعون أنفسهم هجّامين على الشقق.. فيعملون على القتل على التوازي.. فكان من نصيبي فردٌ منهم، وكنت أرى من بلكونة العِمارة سيارتهم البِك أب التي تنتظرهم بعدما يظفروا بالغنيمة فتطير بهم حيث يلقون جتتهم النحسات على سرائرهم ليستطلعوا صباحًا جديدًا لقتل جديد..

    فلما رأيت الهجَّام بزغ من ظلام السلم بطحته بالبلطة بيدي اليُمنى، ثم أجهزت على رقبته بالساطور.. لم يفزعني على الإطلاق الدماء المتناثرة من عروقه ولم أُلقِ بالًا لحشرجة صوته وهو ينازع الموت.. بل لقلة خبرتي بمسائل القتل خشيت ألا يكون قد قُتِلَ بالكامل فأكدت قتلي له بأن طعنته بالساطور في بطنه.. حتى مات ولم أعُد أسمع له صوتًا.

    لم أشفق عليه حتى وإن كنت قد أطَلت النظر في وجهه الملطَّخ بالدماء، بل أمعنت النظر فيه وكل ما جاء بمخيِّلتي كم سفك دمًا، كم اعتدى على الناس من قبلي، كم سرق، كيف تبخَّر كل ما يمُت للإنسانية منه هو ورفقائه.. فقط أنفت نفسي مما قد تسبب جثته من رائحة ببسطة السلم فطلبت المصعد ثم ألقيته فيه وضغط على زر الأرضي، لينزل المصعد لإخوانه الكلاب لعلهم يعرفوا أن سفك الدمِ لم يعُد حِكرًا عليهم فقط وإنما بفضل إحساس الغابة الذي نعيشه صار للكل حق السفك لأقصى درجة..

    أؤكد لكم لم أنهار تمامًا بعد الأمر، بل من فزع هم أصدقائه الكلاب، فلما رأوْا جثمانه سائحًا في دمِه ولوا هاربين..

    نظرت من البلكونة عليهم وهم يصرخون باسم الفعل الذي يعني الاعتراض بملء فيهم، ويخبِّطون على صاج البيك أب لينطلق سائقها..

    لعلهم ظنوا أن جنًا قتل زميلَهم فصرعوا من ذلك؟

    أو لعلهم ظنوا أنهم أصابوا عمارة زميل لهم في البلطجة..؟

    لم أهتم، ودخلت للمطبخ فوضعت الساطورَ مكانه وعلقت البلطة على الباب، فغسلت يداي من أثر الدماء، ثم تجرَّعت قليلًا من الماء، وجلست على أريكة غرفة المعيشة أشاهد التليفزيون..

    حتى على ما يبدو ذاع الأمر، فأرسلوا لي بعد تبيّنهم من القصة أنني كنت في حال دفاع عن النفس، ولكنهم رأفًة بحالي فيما ظنوا أرسلوني للطبيبة النفسية ترى ماذا تهتَّك من أعصابي أو لعلي فقدت الإنسانية مثلًا!!

    وهذا هو العَجَب العُجاب.. وهل في البلاد ما هو إنسانيٌ أصلًا؟!

    وقتها لم يأتِ على مخيِّلتي أن أتصل بالنجدة لأني أعرف أنه ليس لها من اسمها نصيبًا على الإطلاق، ولأنني واقع الأمر فضَّلت أن تكون النهاية: فيتاليتي دراميّة.. وقد كان..

    لو ندمت على كل شئ فعلته بحياتي فلن أندم مطلقًا على قتل هذا المتأنسِن جسدًا حيوان الحقيقة.. الذي جرَّفت إنسانيَّتَه كما جرَّفت إنسانيَّة إخوانِهِ مادية المجتمع وشهونته وفقره وظلمه وجهله!

    كيف تعيب رسميات المجتمع عليّ فعل هذا وهم يشرعنون قتل الآلاف تحت حجج واهية..

    وهم يشرعنون إبادة الناس لأنهم يطلبون حريتهم تحت اسم هيبة/شماخة/وحدة الدولة وحمايتها؟

    وهم يشرعنون اجتياح البلاد تحت اسم نشر الحرية؟!

    وهم يشرعنون قوانينًا لا تمت للعدالة بصلة؟!

    وهم يشرعنون إعاشة أقوام وقرى وشعوب تحت خط الفقر بأميال لأنهم قرروا أن هذا هو حظهم من الدنيا..؟!

    وهم يقلبون الحرام حلالًا والحلال حرامًا ليماشي دنوِّهم؟!

    ويفصِّلون من القوانين ما يضمن مكوثهم على صدور العِباد وما يضمن مصّ قوتِهم؟!

    أما تراها قصة خياليّة، والخيال فيها أن أرسلوني للطبيبة النفسية.. لأنه في الحقيقة لا اعتبار للمعنويات والنفسيات أو الإنسانيات بصفة عامة في بلادنا هاهنا..

    ردحذف