الثلاثاء، يونيو 11، 2013

رمضان، وإعادة التقييم




كثيرٌ من الظواهر التي نفسرها بشكلٍ تآمري يكون أساسها المصلحة البحتة، هذا لا ينفي غرض المصلحة للمتآمِر، وإنما قد يتآمر طرف فقط لإهلاك الطرف الآخر من غير أن يستفيدَ هو، إما حِقدًا أو للتلذذ بنشوة الانتصار وحسم الصراع.

إلا أنه في اعتقادي أن أساس كل مؤامرة مصلحة في الغالب تكون غير مباشرة، وعلى الرغم من وضوح جذور كل المؤامرات التي نعيشها ووضوح من صاحب المصلحة الأكبر في التجاوب إيجابًا معها، إلا أننا غرقنا في مظاهرها وأرجعنا كل أسبابها إليها دون النظر بعمق أكثر في تفاصيل الأمور.

نستشرف الآن رمضان - نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياه فإن قبضنا إليه قبل أن نبلغَه أن يكتبنا مع الصائمين - ومع استشراف رمضان كل سنة يطُل علينا التليفزيون بالإعلان عن برامج ومسلسلات وفوازير وسِت كوم رمضان، وحينما تتسائل لماذا تحديدًا يتم تركيز مسلسلات العام كله في رمضان؟ وهل اختصوا هذا الشهر بهذه الكمية الضخمة من المسلسلات ليلهونا عما مُفترض أن نملأ به رصيدنا في هذا الشهر الكريم من عبادات وصدقات وقيام وغيره من الأعمال الصالحة؟

الحقيقة، أن النظرة التآمرية التامة في هذا الأمر توحي بشيْطانية القائمين على هذه الأعمال، وإن كانوا سيُسألون عما يلهون به الناس من تفاهات خلال هذا الشهر الكريم، إلا أنه أحسب أنه من غير المتوقع أن يكون هدفهم الرئيس إلهاء الناس عن العبادة، بل إن إلهاء الناس جاء نتيجة لاستغلالهم الشهر هذا الاستغلال.

الأمر أنه في رمضان، مضمونٌ بنسبة كبيرة جدًا تجمع العائلات كلها لتناول وجبة الإفطار والسحور على المائدة أمام التلفزيون، ومن هنا يضمن أرباب بيزنس التليفزيون نسبة مشاهدة عالية جدًا. فيكون التعاقد على المسلسلات والسِت كومز بشراهة كبيرة لأن عائد الإعلانات التي تتخلل هذه المسلسلات مضمون، وضخم جدًا. ومما بين الإفطار والسحور تكون الأنتخة وذلك نتاج ثقافة الدَّب في الإفطار فالركون لكنبة الصالون للفُرجة على التليفزيون مع الحلو. وفي وقت الإفطار والسحور تكون المسلسلات القصيرة الكوميدية أو السِت كوم لتتناسب مع فترة الأكل، وفترة الأنتخة تستغل في المسلسلات الطويلة ذات الأحداث (بصرف النظر عن ضياع المحتوى).

فرمضان بالنسبة لأباطِرة الانتاج الفني والإعلان هو ثروة لا يفرَّط فيها، ليست قضية منتج المسلسل أن مشاهد المسلسل سيُلهى عن العبادة في هذا الشهر الكريم، ولكن قضيته نجاح المسلسل، وذلك يتمثل في زيادة نسبة المشاهدة والتي تُتَرجَم بالنسبة له لإعلانات أي "فلوس".

طبعًا، من العار الحديث على المواطن على أنه مسلوب الإرادة، لا يستطيع مقاومة التليفزيون وهجره ليذهب إلى الصلاة أو ليفعل الخيرات. إذ أنه في النهاية أنت لك مخ تعرف به المفيد من تضييع الوقت وإرادة تفعِّل اختيارَك. فإن كنا نلوم على أباطرة الإنتاج المسلسلي والإعلانات استغلالهم هذا الشهر الكريم ففي رأيي اللوْم الأكبر يقع على من كان فريسًة سهلة لهم خاصًة أن جُلَّ ما يقدموه لا يمكن أن يوصَف بالقيمة أصلًا!

نسأل الله لنا ولهم الهداية، فإذا ما هم قرروا أن يركنوا إلى مصلحتهم المتمثلة في المال في هذا الشهر الكريم، فاركن أنت لمصلحتك المتمثلة في التقرب إلى الله في هذا الشهر الكريم.

والقولُ بأن رب رمضان هو رب شعبان هو رب شوال هو رب ذي القِعدة قولٌ يرادُ به في مثل هذه الأوقات لفت الناس عن العِبادة في هذا الشهر الكريم، فالدعوى أن تكثيفَ العبادة في رمضان دونًا عن غيره من الشهور نفاق هي دعوى كاذبة. ذلك لأن اللهَ تبارك وتعالى خَصَّصَ هذا الشهر الكريم وكرَّمَه دونًا عن بقية الشهور، ووردت الآيات والأحاديث النبوية في فضائل هذا الشهر كثيرة، وعُرف يقينًا أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه كان يجتهد في هذا الشهر في العبادة أكثر من بقية الشهور. 

روى البخاري - رضيَ اللهُ عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. 
 
وكذلك في قيام العشر الأواخر من رمضان: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.

يعني أن رسول الله أفضل الخلق وأول من يدخل الجنة صلوات ربي عليه وسلامه كان يجتهد في رمضان في العبادات وغيره أكثر من بقية شهور السنة.

فمن الفطانة التعرض لنفحات الله وأن نستغلها استغلالًا تامًا متبعين في ذلك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنرجو رحمة الله ونخشى عذابه.

***

رمضان مدرسة عظيمة يتربي فيها الأكابر، ويخرج المجتهدون منها بخير عظيم في أنفسِهِم وثواب وفير عند الله ورحمة منه وفضل.. إن الله مَنَّ علينا برمضان لكي نقف مع أنفسِنا ونقيِّمها هل هي تمضي في هذه الدنيا كما ينبغي لها أن تمضي أن الوقت يضيع فيما لا طائل منه ولا نفع؟

في رمضان تسأل نفسك هذه الأسئلة:

- هل تفني عمرك فيما كان حاصله عند الله؟
- هل تنفق مالك كما يرضى الله وفيما يرضى؟
- هل تذكر الفقير أم تعيش في الدنيا "يلا نفسي"؟
- هل مستسلم لحب مُتع الدنيا؟
- هل تمثل الدنيا بالنسبة لك منتهى الأمل؟ #فكر_بتؤدة
- هل تغرق حبًا في مظاهر الدنيا وزينتها؟
- هل تقوم بطاعات لا يعرف عنها أحد في هذا الدنيا أي شئ؟ وكم نسبة هذه الأعمال من كل أعمال طاعاتك؟
- ماذا يكون رد فعلك إذا قيل لك: "اتقِ الله"؟
- هل تعتقد في أن الله هو الرزاق؟ 
- هل تفصل أحيانًا بين بعض الأعمال الدنيوية وبين الدين؟
- هل اعتقدت في داخل قرارة نفسِك في موقف ما أنك أنت الذي تفعل وتسوي؟ #إنما أوتيته على علم عندي
- هل تعتقد في أن الله هو القيوم على عبادِه؟
- هل تعتقد في أنه "لله الأمر من قبل ومن بعد"؟
- هل تعيش لله؟
- هل تبحث عن رضا الله في كل ما تفعل؟
- ماذا تفعل في دنياك لتدلِل على عدم تعلقِك بها؟
- ماذا تنتظر كي تدرك الحقيقة إن كانت الدنيا أكبر همِك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق