الأحد، يونيو 09، 2013

نقطة نظام في التوكل والعمل

على الرغم من أنه يقينًا الدنيا فانية.. ولا يمكن إنكار حقيقة أنها فانية. إلا أنه عبثًا تجدنا متشبثين بأذيالها وكأنها آخر مآلنا. غريبٌ أمرنا على الرغم من كوننا موحدين، إلا أنه قَصُرَ علمنا على هذه الدنيا الفانية.

وتعلقنا بها - للأسف - تعلق حقيقي يصدقه عملنا، وإن سُئلنا لقلنا نعلم يقينًا أنها فانية، وأن كل ما بها من فِتن ومادة وغنى وفقر وسعادة وحزن فانِ. 

إلا أن كل ما نفعل، لا يمكن تفسيره إلا بأننا نعمل وكأن هذه الدنيا هي منتهى آمالنا.

ولذلك مظاهر:

- الانغماس في أسباب الرزق وكأنك أنت الذي تؤمن رزقك ورزق عيالك بنفسِك.
- الاستمتاع بمظاهر الدنيا وزينة العُجب، ونسيان الآخرة.
- الاكتئاب من أحداث الدنيا والتأثر بها.

والحقيقة، أن الارتباط بالدنيا الزائد عن الحد ينتج صورًة مُضللة عن حقيقة الحياة، فيوهِمُك أن القصة كلها قصة أسباب مع أن الله وحده هو المُسبب للأسباب. وواقعُ الأمر أن التسليمَ لله سبحانه وتعالى فيه الاطمئنان كله.

والله أمرنا مع تسليمنا له سبحانه وتعالى أنه هو الزراق العليم أن نأخذَ بالأسباب، وإلا وقعنا في مخالفة في الدين. يعني المحصلة تكون: إيمان تام بالله وأن كل الأمر بيده وحده، وفي نفس الوقت عملُ على الأسباب مع كامل اليقين أن الأسباب لا علاقة لها بالأحداث على الحقيقة. وإنما نقوم بأخذ الأسباب لأن اللهَ أمرنا بذلك فقال:"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والؤمنون"، وقال: "كلًا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطآء ربك، وما كان عطآء ربِك محظورًا"، وقال: "فمن يعمل مثقالَ ذرةٍ خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرًا يره".

الآن، مصر تمُر بتحديات على جميع المستويات، وإلى الآن لم يثبت لنا القائمون على البلاد جدارتهم لإدارة ملفات البلاد الساخنة، بل من موقف إلى آخر - أسفًا - يُثبت لنا فشل هذه الإدارة. 

وقد كان الحديث بدايًة من تولي الرئيس مرسي حكم البلاد، عن العمل والنهضة، والتخطيط للمستقبل.. وكنا نسمع الكلام بغير أمارات فنعرف أنه لا كوادر لدى أرباب الحُكم للمضيّ بالبلاد تجاه "النهضة" فعلًا.. 

حتى جاء أمرُ النيل وإثيوبيا، فنجد أن الخطابَ تحول إلى خطابٍ دينيّ فجأة! وأنه ببساطة إذا ما زُمَّت المياه دعوْنا الله أنزلَ علينا المطرَ فنرتوي ونسقي الجميع!

حسنًا، الأمر فيه تفصيل:

أولًا: الله هو الفاعل القادر الرازق. الله هو الذي يرزقنا ولا صلة تمامًا بين عملِنا ورزق اللهِ لنا. قد نعمل ونُرزَق، وقد لا نعمل ويشاء الله أن نُرزَق. 

ثانيًا: اللهُ أمرنا بالأخذ بالأسباب، ومن سوء الأدب أن نتواكل على الله ونحن فَشَلة!

أي: كون أن اللهَ هو الرزاق وحده، لا يعفي الحُكام من اتخاذ الأسباب تجاه إثيوبيا وأمر النيل! ومن سوء الأدب أن نركن إلى الظُلة فنقول: الله رازقنا ولا حاجة للعمل.

وإن كان لم يقال هذا نَصًَّا، ولكني لاحظت.. أنه على مستوى الفضائيات المؤيدة للحُكم، ومن خُطَبِ الجُمُعة أيضًا، اتجاهًا في الخطاب الديني يستنكر النظرَ في الأسباب ويستنكر الاهتمام المبالغ فيه بالمستقبل، ويربط ذلك باليأس.

لا أدري أين كانت هذه النوعية من الخطاب من نفس الناس وقت حكم المَخفي مبارك؟! حسنًا كان يمكن تبسيط الأمور كلها فنقول مثلًا:

- قلة الرزق من أمرِ الله، مالكم؟!
- حوادث السكة الحديد من قدرِ الله، مالكم؟!
- انتشار السرطان من ابتلاء الله، مالكم؟!

كلها دعاوي حق، ولكن أُريدَ بها باطل..

وإلا ما أسَّسَ الإسلامُ دولًة، ولا كان من علوم الدين: السياسة الشرعية والجهاد. هذا تضليل وتدليس على الناس، وللمحايد - حقًا - أن يقول إنها مُتاجرة بالدين.

فالربط بين التوكل الكامل على الله والأخذ بالأسباب كلها أمرٌ لا تفريطَ فيه، ومن أساس الدين. ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوةٌ حسنة، هو نبيُّ الله وصاحب الرسالة.

كيف كان توكله (صلى الله عليه وسلم) على الله وأخذه بالأسباب، فيقول صلى الله عليه وسلم: "لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتعود بطانًا". 

ومن كلام الإمام الحسن البصري في هذا الصدد في: "ليس الإيمان بالتمنِّي ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل". 

 وإني لأحسب، أن القيادات والمشايخ الذي يدفعون في هذا الاتجاه للذبِّ عن رَجُلِهِم في الحُكم يعلمون صِدقًا هذا الأمر، فإني أعيب عليهم التضليل على الناس والتجارة بالنصوص لخدمة الأهواء والمصالح..

لا تعلقوا فشلَكم وفشل قياداتِكم على شماعات بالَت منذ عقود، فقد فهم الناس وعرفوا من يعمل ويجتهد فيُخطئ ويُصيب، ومن يعمل بغير خطة فيقع في الفشل، ومن لا يعمل من أساسِه، ومن فرَّغ وقته من قبل للسرقة وتأمين الفساد.

الخلاصة:

- الله وحده الرازق القدير، ويفعل الله ما يشاء.
- المسلم مكلَّف بكامل التوكل على الله وحده، لا يشرك معه شيئًا.
- المسلم مأمور بالأخذ بالأسباب مع عدم تعلق قلبه بها، بل يتعلق قلبه بالله وحده.
- الخطاب الديني يجب أن يحُثَّ على التوكل على الله، والعمل بالأخذ بالأسباب معًا كما علمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته والتابعين.

واللهُ جل وعلا أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق