الخميس، ديسمبر 26، 2013

ألقاب الدين - كتبها: الشيخ محمد عبد البر

من أضر ما حصل للخطاب الإسلام ظهور ألقاب لدين الله تعالى مثل (الإسلام الوسطي) أو (الإسلام المعتدل) أو (الإسلام الحضاري) أو (الإسلام السياسي)
والذي أراه أن ذلك كان نتاج فكرتين:

الأولى: أن غير المتخصصين استباحوا النظر في النصوص الشرعية لاستنباط الأحكام والمفاهيم غير منضبطين بعلوم الآلة (التي هي اللغة العربية والمنطق وأصول الفقه) فرأوا الإسلام بأعين متشبعة بآرائهم المتلقاة من خبراتهم ونظراتهم في الحياة وفي تخصصاتهم السياسية والتربوية والاستراتيجية وغيرها، فلما اطلع العلماء (التقليديون) على نتاج منهاجهم حصل النقاش بينهم وبينهم، فوجدوا أنفسهم أمام التعارض بين ما استنبطوه بآرائهم وبين قواعد العلوم، فإذا بهم يُطَوِّعون قواعد العلوم بدلا من مراجعة استنباطهم، فإذا ما اصطدموا بالأحكام الفقهية مثلا قالوا ما نقدمه ليس هو الفقه (التقليدي) وإنما هو الفقه (الاستراتيجي) أو (الحضاري) وإذا ما اصطدموا بقواعد الأصول قالوا نحن نتبع الأصول (المقاصدية) لا الأصول التقليدية، وإذا ما اصطدموا باللغة قالوا نحن نتبع اللغة (كوعاء حضاري فكري) لا اللغة التقليدية.. وهكذا يكون الناتج شيئا جديدا لا يعرفه ولم يعرفه علماء الإسلام بحال.

والثانية: ظن بعض (المشايخ) أنهم مطالبون بالنتائج، فراحوا يقدمون للناس الخطاب الذي يرضيهم لا الذي ينفعهم، وبذلك تحول الطبيب إلى تابع لأهواء المريض!

ونتج عن هاتين الفكرتين أن راح أهل الخطاب الإسلامي (المعاصر) يخرجون عللى البيئة العلمية بعملية جديدة تماما سموها (التأصيل) أي البحث عن أصل شرعي لواقع موجود أو فكرة مستنبطة من مصدر ما، وهكذا يضعون العربة أمام الفرس، لأن الذي نعرفه في تراثنا الفقهي هو (التفريع) لا التأصيل، وهو البدء بالأصل ثم الوصول منه إلى الفرع الذي يفرض نفسه علينا نتيجة لاتباع المنهج الأصولي اللغوي المنطقي في البناء على الأصل، وبذلك يكون المنهج المذكور هو الذي جاء بالنتيجة لا نحن..

راحوا يتلون قوله تعالى (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) فقالوا إن الله تعالى يوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قياس الرأي الجمعي للجماهير ومراجعة الذات، وقوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) فيستنبطون أن الإسلام يخلو تماما من كل فعل عنيف أو شديد، وبناء عليه فكل حكم فقهي يشتمل على شدة فهو مؤول أو منسوخ أو حتى مردود وإن كان مبنيا على نص صحيح أو محل إجماع من العلماء..

النتيجة هي دين جديد مصطبغ بصبغة بشرية خاضعة لتطورات العصور، دين يتغير فيه حكم الخالق تبعا لمراد المخلوق وفهمه ((للمصلحة))

=======================================
أرجو الانتباه هنا إلى أني لا أغفل تغير الحكم بتغير الواقع في "بعض" المسائل، وإنما أدعو لاتباع المناهج الأصولية اللغوية المنطقية في بحث المسائل لا أية مناهج أخرى ولا بلا مناهج على الإطلاق
=======================================

أما أنا فلا أعرف إلا أن ربي وخالقي عز وجل وصف لسان حال المؤمنين بقوله (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون) وقوله (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) وقوله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)

أيها العلماء: قوموا بوظيفتكم يرحمكم الله .. انزلوا للساحة واظهروا بين الناس وأعلنوا عن أنفسكم واشرحوا الدين ووضحوا مناهجه الصحيحة.

يا أهل التخصصات العلمية والمدنية والسياسية و... إلخ: ارحمونا (أبوس إيديكم) .. اشتغلوا بتخصصاتكم واتركوا علماء الدين يقومون بدورهم، دعوهم يبينوا الإسلام المجرد غير ملقب بلقب أو مصطبغ بصبغة، الإسلام فقط، الإسلام الذي أنزله الله بلا زيادة ولا نقصان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق