الأحد، يناير 26، 2014

السبيل..

بعد مثل تلك الأحداثِ الجسام سهل جدًا على أي منا أي يقنَط من أي مستقبل لمثل هذا البلد فيقول - وعذرًا في اللفظ - نعمل لها إيه ماهي بلد وسخة ومفيش منها رجا، وبذلك يترك أي سبيل للإصلاح أو غيره معللًا إنه "مفيش فايدة".

حسنًا قد يكون مفيش فايدة، وقد تكون الأسباب الأرضية التي نلهث ورائها قد نفدت، وهنا يكمُن السؤال: "هو لما بنمشي في طريق الإصلاح، بنمشي فيه ليه؟".

هل لو مشينا في طريق الإصلاح - واجتهدنا في ذلك بقدر الإمكان - ثم لم يُثْمِر ذلك بشئ، هل وقتئذ يكون اجتهادنا وطريقنا راح هَدَر؟

هل نحن مُطالبون بالنتائج؟ يعني حينما نقف أمام رب العزة نُسأل، هل سنُسأل عن: لماذا لم تكُن الأمة أقوى أمة على وجه هذه البسيطة ويُحترم فيها الإنسان لأنه إنسان؟

الإجابة: لا.

بل ستُسأل عما فعلته لتكون العزة لدينِ الله وليكون المسلمون أعزاء في هذا العالم وليسوا بعالةٍ عليه.. هل اجتهدت في الأسباب قدرَ المُستطاع؟ هل سألت اللهَ وتوكَّلتَ عليه حقَّ توكله..

ما بال المسلمون الأوائل الذين عاشوا في فترة استِضعافِ المسلمين وماتوا لا يزال المسلمون يُستَضعفون في كل شِبرٍ من أرض مَكَّة.. ما جزاؤُهُم؟

الجنة بفضلِ الله ورحمته..

حسنًا، لم يقُل أيٌ منهم أنه لا أملَ في قُريْشٍ إذ كانوا يروْنَ الحقّ جهارًا ويُنكرونه لا لشئٍ إلا لمصالحِهِم الشخصية ومنافعهم..

"فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآياتِ الله يجحدون".

وإن كانت المقارنة هنا بين مُسلمين وكُفار، فما بالك والأمر هنا بين مسلمين ومسلمين ولكن تجبَّر بعضهم على بعض وأوقعوا أنفسَهم في الفِتَن بالظُلم والقهر للناس..

أحداثُ أمس شهدت عٌنف ليس من قبل الشرطة وحدها ولكن كذلك من قبل أهالي المناطق التي كانت تحدث فيها المظاهرات، سهل جدًا أن يقول قائل: لماذا تُنهِكون أنفسَكم في مثل هذا؟ لقد رضوا بهذا العيْش فلترضوا بالعيشِ معهم هكذا أو تتركوهم فيما هُم فيه..

والبعضُ يُعَمِّم ذلك على كل سُبُل الإصلاح، سواء كان في العمل السياسي أو الثورة أو التنموي كالتربية ومكافحة الفقرِ وغيره..

يتجلى هنا معنى الآية الكريمة:
"وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ( 164 ) فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ( 165 )"

والآيات من سورة الأعراف، وتحكي عن أصحاب السبت لعلكم تعرفون..

قالت أمة منهم: لماذا تنهكون أنفسكم وهم هالكون لا محالة! لماذا تصلحون في هذا البلد وهو بلد هالك لا محالة لا أمل فيه.. قال المؤمنون الحقّ الذين يرجون من الله رضاه لا غيره: معذرةً إلى ربكم. حتى حين نقف أمام رب العزة نُسأل عما فعلنا إزاء البلاد وأمور العباد نقول: يا رب أصلحنا قدر الإمكان ودعوْناهُم قدر استطاعتنا.

فحين أتى القريةَ العذابَ اختَصّ القرءان هُنا في ذكر من نجَّاهم الله بـ: "أنجينا الذين ينهون عن السوء"، أما أولئك الذينَ كانوا يثبِّطون من عزائمهم فلم يْعطِهِم رب العزةِ وزنًا فلم يذكر حتى ماذا حدث لهم، وذلك للتقليل من شأنِهِم.

"أنجينا الذين ينهون عن السوء"..

إذًا، فالقَصدُ من هذه الحياة هو رضا اللهِ تبارك وتعالى، وفقط. لا تتأثَّر بالنتائج، فقد يأتي اليوم الذي يكون في العز لدين الله وللأمة وتكون أنت في حال لا ترضي الله عز وجل، حينئذِ: قد خسرت كل شئ.

فالمدار هنا رضا الله، والأخذ بالأسباب كلها غير منقوصة، والتوكل على الله حقَّ توكله. والأسباب كثيرة كما تكثُر السُبُل فمن الناس من يسلك سبيلَ الإصلاح السياسي، ومنهم من يأخذ نية قول الحق في وجهِ السُلطان الجائر، ومنهم من يأخذ سبيل التربية للنشء الجديد، ومنهم من يسلك سبيل تنمية البشر، ومنهم من يسلك سبيل مكافحة الفقر والجهل وغير ذلك..

فوحِّد الله، وتوكَّل على الله.. وانظُر في أي سبيلٍ يكون اجتهادُك واعلم أن كلًا مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له.

والحمدُ لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق