الأحد، أغسطس 07، 2016

لا تنظروا للنتائج، وانظروا للمسببات!

القضية ليست قضية قرار الخوض في مشروع غير مُجدٍ اقتصاديًا كازدواج قناة السويس وتوسيعها - على الأقل في الوقت الراهن - دون دراسة واقعية لمجريات الأمور حول العالم، وليست كذلك في قرار الإقدام على الاقتراض من البنك الدولي بمليارات الدولارات لتكون عبئا إضافيا على كاهل الشعب المصري وأجياله القادمة، وليست كذلك في الإعلان عن مشروع مضحك ساذج لا يمُت للمنطق العلمي والتجريبي بصلة واللعب بمشاعر مرضى التهاب الكبد الوبائي بمصر بكل سهولة، وليست كذلك في الفشل المفضوح في إدارة ملفات البلاد الخارجية وأولها وأكثرها حساسية وتهديدًا لأمننا المائي والغذائي سد النهضة الإثيوبي، وليست كذلك في القمع وتكميم الأفواه وجنون العظمة الذي أصبح فيه النظام مؤخرًا وتشويه كل عاقل يريد أن يبين الحقيقة للناس.. القضية ليست في كل ذلك، فإن كل ذلك ما هو إلا نتاج لحكم غاشم لا يعرف إلا الحلول الأمنية سبيلا للسيطرة على البلاد، وكل ما يدور في تفكيره يتمحور على تأمين النظام وإحكام قبضته على الأمور. فمصالح الناس ومستقبل الأمة يأتيان في أولوية أخيرة للنظام - إن كان هناك وقت للنظرِ فيهما. ومن هنا، فإن كل التصرفات السابق ذكرها والتي لم يتسع المجال هنا لسردها تأتي لتحقيق غاية النظام في تأمين وجوده بالشكل الذي عليه هذا، والكلام هنا ليس على الأفراد، فإنهم زائلون حتما ولزاما كما اقتضت سنة الله في أرضه، وإنما هو يورثون الفكرة بعضهم بعضا، ليظل المستبد الأساسي والرئيسي هو مؤسسات الدولة السيادية التي لا تقبل لها مقوضا أو مرجحا، فتظل هي القوة الأساسية في البلاد وما دون ذلك كماليات إن وُجدت فلتكن في إطار ما ترسمه لها تلك المؤسسات وإن غابت فلا مشكلة. ارمِ بمصالح المواطن والشعب في أقرب سلة مهملات لك فالأولوية للدولة واستقرارها وهبيتها، والدولة هي هم وفقط. ومن هنا يأتي إشكالنا مع استخدام مصطلح الدولة الذي يتداولونه للعب بمشاعر البسطاء وأصحاب المصالح، فيقولون: هيبة الدولة تضيع، أركان الدولة تهتز، وما يقصدون إلا أنفسهم! ومن هنا نميل نحن لاستخدام مصطلح البلاد، وهو ما يقابل الدولة من المجتمعات والبشر. الحياة الحقيقية التي يعيشها الكادحون على هذه الأرض.

ومن هنا، ترى أن كل خضوع للنظم الغربية يأتي في تأمين القيادات الموجودة لا لصالح الشعب، وما كان صالح الشعب أبدًا في الركون إلى دول الاستعمار والبلطجة. وترى كل إعلان عن إنجاز وهمي هو للعب بمشاعر الناس وإيهامهم بالتقدم والنماء لتخرس الألسنة، ويستخدمون في ذلك أبواقهم الإعلامية الكاذبة التي تتلون بلون الموجود، بل إن كل إنجاز حقيقي على الأرض إذا ما نظرت في باطنه تجده في الأغلب متعلق بما يمسه الناس في حياتهم اليومية ليسكتوا عما يحدث وراء الستار من تآمر على مستقبلهم وكيان بلادهم. فالاهتمام الأول يكون بالكهرباء، اصرف كما تشاء ولكن لا تدع الكهرباء تقطع، وينافس ذلك الاهتمام بالوقود، اصرف كما شئت وتذلل لطوب الأرض من الدول ولكن يجب أن يتوافر الوقود دائمًا في بنزينات الشوارع، فلتزيد الأسعار لا يهم، المهم أن البضاعة موجودة بالسوق، حتى يطمئن الناس ولا يتحرك أهل الكنبة ضد النظام، بعد ذلك: افعل ما شئت! اعرض أراضي البلاد للبيع لا يهم، تنازل عن سيادة البلاد على بعض أراضيها لا يهم، تعاقد على كميات وأنواع عجيبة من السلاح من فرنسا لتنال رضاها السياسي عنك كنظام لا يهم، حاصر غزة مع من يحاصر لا يهم، اعتقل ما يزيد عن الـ 40 ألف مصري لا يهم، زِد من مرتبات العساكر والقضاة في كل مناسبة لا يهم، تعاقد على قرض باثنيْ عشرة مليار دولار نسدده من قوت يومنا على مدار ثلاث أو أربع سنوات لا يهم، ارفع الأسعار لا يهم، استفحل في مصالح البيزنس للمؤسسة العسكرية في كل ربوع الأرض لا يهم، لا يهم، لا يهم.. المهم أن يسكت الناس ويخشون سيفك المُسلط عليهم باستمرار. بعد ذلك كلها تفاهات يمكن التعامل معها بصريخ إعلامي منافق أو تبريرٍ سفيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق