الأحد، مارس 01، 2020

المشروعات السياسية

البنك المركزي المصري - شارع شريف

وهي مشروعات وقتيَّة الغرض لا يُنتظَر منها عائد في المستقبل ولا يُعرف لها هدف صلب حقيقيّ واضح الرؤية في الوقت الحاضر، وغالبًا تكون مرتبطة بفكرة خطرت في ذهن أحد القائمين على الدولة فأراد أن يجعلها رأيَ العيْن أثناء فترة مسئوليته. وللأسف، مثل هذه المشروعات والتي تكون عادةً مضغوطةً في فترة تنفيذها تستنزف الكثيرَ من الأموال، وذلك للحاقِ بالجدول الزمني المضغوط المشروع وحتى يتم الافتتاح في التوقيت المُحَدد والذي عادةً يكون توقيتا سياسيًا، ولأن غالبًا تكون حدود متابعة هذا المسئول للأمر قاصرة على ما إذا كان تم الانتهاء من تنفيذ المشروع في التاريخ المُحدَّد أم لا. 

وتتميز دول الشرق الأوسط وخاصةً العربية منها بمثلِ هذه النوعية من المشروعات، لأن غرضها يكون معنويًا أكثر منه عائد ماديّ حقيقيّ يُنتفع به. فعلى سبيل المثال قامت دولة قطر بتنفيذ مشروع المترو وبعض المشروعات الكبرى الأخرى بغرض اللحاق بفعاليات كأس العالم لكرة القدم، وكان من ضمن هذه المشروعات بناء استادات عملاقة تتسع لمشجعي الكرة في هذا الحدث العظيم والذي يُقام كل أربع سنوات، بينما عمليًا فإنه بعد الانتهاء من تلك الفعالية، ستمسي هذه الاستادات خاوية على عروشها وذلك لأن الدولة نفسها صغيرة ومثل هذه الاستادات تفوق احتياجاتها، وللعلم فإن المشروعات المُقامة حاليًا بقطر تجري على قدمِ وساق للحاق بالمواعيد التي التزمت بها دولة قطر مع الفيفا للانتهاء من مثل هذه المشروعات. وهذه المشروعات لا تنقصر على الاستادات فقط، بل كذلك الفنادق الضخمة والمترو وتوسعة وتطوير مطار الدوحة وغيره. مما يحتاج إلى ضخّ الأموال الطائلة لتنفيذ ذلك.

ومثال على ذلك أيضًا مشروع تطوير البنك المركزي المصري بشارع شريف، وذلك بعد نقل جميع موظفي البنك إلى مقره الرئيسي بشارع الجمهورية. ولم تكن الصورة واضحة للرأي العام لماذا يتم تطوير المنشأة التاريخية للبنك المركزي المصري وكانت التخرُصات هل سيتحول إلى متحفٍ أو أثر؟ ولكن انتهى به الحال حاليًا - إلى حد علمي - إلى فرع ثانوي يمكث به بعض موظفي البنك، فضلًا عن أن جميع الموظفين بمن في ذلك من ارتحل منذ سنوات إلى المبنى الرئيسي بشارع الجمهورية سينتقلون إلى مقرهم الجديد بالعاصمة الإدارية، وكل ذلك يندرج تحت قسم المشروعات السياسية التي تريد الدولة أن توصِّل من خلالها رسالة معنوية لشعبها وكذلك لشعوب المنطقة أو ربما للعالم.

والأمثلة كثيرة مثل مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة بمصر وبرج خليفة بإمارة دبي وبرج المملكة بالسعودية وغير ذلك، مما يستنزف ميزانيات الدول وقد تلجأ هذه الدول للقروض والاستدانة من أجل الانتهاء من مثل هذه المشروعات رغم عدم وضوح الرؤية حول العائد المادي من ورائها. والحقيقة أن الرسالة المعنوية من ورائها لا تصل كما يريد الراسل أن تصل لكل الناس، فبعض الطبقات الاجتماعية بالشعوب تنبهر فعلا بمثل هذه المشروعات وتعتقد أنها دليلٌ على قوة الدولة وهيبتها والبعض الآخر لا يراه إلا سفه وتبذير لموارد الدولة لا طائل منه والبعض الآخر مستفيد من تلك المشروعات إذا ما كان يعمل بمجال المقاولات أو غيره.

لعلك إن تابعت حركة البناء في أوربا لا تجد مثل هذه المشروعات في جدول أعمالها، وربما تجد بعض الاستثناءات في أمريكا مثل برج الحرية والذي أُقيم بدلًا من برجي التجارة العالمييْن كرد فعل سياسي ليرضي الشعب الأمريكي مع اختلاف كون أن هذا البرج سيحِل محل برجين كانا محل عمل لآلاف الموظفين والاستثمار فيه حتميّ ولكنه يشترك مع مشروعات الشرق الأوسط كونه دافعه ردّة فعل سياسية على هجوم البرجيْن في 11 سبتمبر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق