الجمعة، مارس 15، 2024

حرية الرأي والتعبير

بعد اندلاع ثورة يناير ٢٠١١ قامت السلطات المصرية بحجب موقع التواصل تويتر ومن بعده فيسبوك ومن بعده انقطع الانترنت عن الجمهورية، مبرر السلطات وقتها احتواء الشغب وتخوف السلطات على الشباب من الانخراط في أحداث أكبر منهم. وقتها اعترضت أمريكا أشد الاعتراض وطالبت مصر بعودة الانترنت ورفع الحجب عن مواقع التواصل الاجتماعي وأصرت إصرارا شديدا مما اضطر السلطات المصرية للاستجابة وبالفعل رفعت الحجب عنها وأعادت الانترنت وكذلك شبكات المحمول والتي كانت قطعتها قبيل جمعة الغضب ٢٨ يناير مباشرةً.

كان من أكثر ما أصرت عليه أمريكا وضغطت في اتجاهه هو عودة الانترنت ورفع الحجب عن مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر من الاهتمام بمطالب الثورة وقتها. أهم شيء وسائل التواصل و"ضمان حرية التعبير".

اعتمدت ثورة يناير وقتها بشكل أساسي على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر تحركات المظاهرات وتوقيتات الاعتصامات، واعتمدت الجماهير على الموقعين الأمريكيين المجانيين لنشر الأفكار والتحفيز على التحركات وكان العالم يبارك ويؤمن وينبهر ويسعد بذلك.

بعدما تغيرت الامور وانتكس جيل الثورة تحولت وسائل التواصل إلى انعكاس لردود أفعال الشارع مع كل حدث جديد في مصر أو في المنطقة. أظن عشرة أعوام كاملة ونحن على هذه الحالة، حتى صار غالب محتوى فيسبوك للتسلية أو الكوميكس أو التنكيت على الحال.

حتى بدأ يعود استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي للتوعية بما يجري في بيت المقدس حينما قررت محكمة تابعة للاحتلال بتمكين مواطني دولة الاحتلال من بيوت أصحاب الأرض بحي الشيخ جراح. وقتها اشتعل فيسبوك وتويتر تنديدا وشجبا ونشرا للقضية ودعما لاعتصامات أصحاب الأرض ورفضهم التنازل عن بيوتهم. وقتها عادت مواقع التواصل الاجتماعي لدورها الإيجابي ولكن تلك مرة في اتجاه مغاير لعقائد وقناعات مؤسسيها، ووقتها بدأت تظهر تضييقات من فيسبوك على أي محتوى داعم لفلسطين يتناول قضية حي الشيخ جراح بالقدس.

من ٢٠١٦ ظهر موقع التواصل تيكتوك (الصين) وانتشر انتشارا كثيفا وبدأ ينتشر في الشرق الأوسط ولكن كان متموقع في الأذهان أنه موقع للهو و"الشمال" فقط، إلى أن ذاع صيته وأصبح خطرا حقيقيا على عائلة فيسبوك؛ حتى أن فيسبوك طور من محتواه بال reels ليواكب تيكتوك.. إلا أن انتشار تيكتوك استشرى داخل أمريكا نفسها ولاقى قبولا واسعا خصوصا عند المراهقين وبدأ محتواه يؤثر بقوة في تشكيل وعيهم.

ومع أحداث حرب غزة، خنق فيسبوك ويوتيوب وتلاهما إكس (تويتر سابقا) على المحتوى الداعم لفلسطين، وأصبح جليا الانحياز التام تجاه سردية الاحتلال واعتبار كل مقاومة له عمل إرهابي. بينما كان تيكتوك مسرحا حرا في هذا الاتجاه، وأصبح ملجأ لكل المضيق عليهم في فيسبوك وتويتر، وانتشر محتواه أكثر فأكثر داخل أمريكا وخصيصا على الشباب الأمريكي وتغيرت قناعات الكثيرين وتحولوا عن تصديق السردية الاستعمارية وأصبح لديهم تقبل أكثر بكثير لسماع صوت أصحاب الأرض.

الآن، تمرر أمريكا قانونا بالكونجرس ومجلس الشيوخ لحجب موقع تيكتوك داخل أراضيها، لتخالف بكل وضوح قيمها المعلنة بقدسية حرية الرأي، والذريعة هي الخوف على الشباب الأمريكي من التحول في الفكر. فمن دولة قامت ولم تقعد وقت حجب موقعي تويتر وفيسبوك بمصر انتصارا لحرية الرأي والديمقراطية إلى ذات الدولة التي تمرر قانونا لحجب موقع للتواصل الاجتماعي انتصارا لفكرة الخوف من الأفكار الخارجية على ثقافة شعبها وخصوصا الأجيال الجديدة، والأعجب أن يتم ذلك في عهد رئيس منتسب للحزب الديمقراطي وهو الحزب - نظريا - الأكثر دعما للفكر الليبرالي وحرية التعبير والانفتاح على الثقافات الأخرى.

لتثبت لنا الأيام أنه لا توجد حرية للرأي والتعبير قد يكفلها أي نظام، وأن نطاق الحرية المسموح به هو قيم هذا النظام التي يسمح لها بالانتشار، أما ما سوى ذلك فيكون خطرا على سلم المجتمع وتهديدا لتماسكه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق