الثلاثاء، أكتوبر 20، 2009

كن إيجابيّاً


هل جبلت الأمم على الإيجابية وحضّ الغير على الحق والخير.. أم أنها جبلت على السلبية وأن تعيش لنفسها وليسحق الآخرون.
إذا راقبت الأمم على مدى العصور تجد أن غالبيتها كانت تعمل لنفسها فقط.. وكانت تتوسع وتنتشر لتنفذ أجندة استراتيجية لها فقط.. تفعل ما تراه صحيحاً لها فقط فلا تحض غيرها على اتباع الحق.. فهي لا تستخدم القوة على غيرها لتقويمه بل لبسط نفوذها حول العالم وليزداد أفرادها ثراءً.


وقد لا يلوم أحد هذه الأيام تلك الدول التي تنتهج مثل هذا المنهج، فالآن كل دولة بل كل دويلة لها أجندتها الخاصة بها ولو كانت صغيرة كالقرية.. لا علاقة لها بغيرها إلا فيما اشتركت فيه مصالحهما..


هذا هو الواقع الذي نعيشه.. وهذا هو ما تنتهجه الأمم الآن حتى أمة محمد على الرغم من أن هذا ليس من منهج الإسلام في شئ..
الإيجابية هي مبدأ متأصل وأصيل من مبادئ الإسلام والذي بغيره لا دعوة.. وإن كان لا دعوة فلا صلاح ولا حض على الخير.. فينهار تمسك الناس بالصلاة والزكاة وكل الأركان.. فالدعوة هي الخيمة الكبيرة التي تقع تحتها كل العبادات.. فالأصل في الدين النصح وضده اللامبالاة وعدم الاكتراث بالغير.


ولعل أسمى أهداف الفتوحات الإسلامية أن تصل دعوة الحق للغير الذي لا يعرفها.. ويشهد على ذلك قبور الصحابة في أنحاء المعمورة.. فلو كان الإسلام للعرب فقط ما كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – رحمة للعالمين. ولو وقف انتشار الدين عند حد جزيرة العرب ما كان وصل الآن بفضل الله إلى كل أنحاء المعمورة بشتى السبل والطرق.


إذاً فأنت لست وحدك في هذا العالم.. وهذا المبدأ تقوم عليه فريضة الزكاة.. فالإسلام ليس ديناً روحانياً فقط كله صلاة وصيام فقط.. بل يجب أن تشعر بغيرك.. أنت تأكل الطعام وتجد ماءك وتبيت آمناً في بيتك معافاً في جسدك قد قيضت لك الدنيا بحذافيرها غيرك لا يجد قوت يومه ويبيت خائفاً لا مأوى له.. يجب أن تشعر به، ففرضت عليك الزكاة وكانت تطهيراً لك من الذنوب والخطايا.


وكذلك فإن مبدأ الإيجابية يأتي تحته النصح ورد المنكر.. فإذا كنت أن تصلي وتزكي وخلقك حسن لا تؤذي الناس فلا يعفيك ذلك من نصح أخيك الذي ضل عن الطريق السوي.. فنحن قوم أمرنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.. بما استطعنا..


قال الله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.


فمن شروط الخيرية أن نكون إيجابيين فنأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ونصح في الله منفذين منهج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والصحابة الكرام والمسلمين الأوائل من بعدهم..


ومن هنا فإن مبدأ "وانا مالي" غير وارد في الإسلام، والدعوى بأنه فليفسد الفاسد ففساده على نفسه خاطئة إذ أن فساده ينصب عليه وعلى المجتمع.. فكلنا في قارب واحد إما أن يشد بعضنا بعضاً أو أن نهوي سوياً..


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".والحديث في صحيح البخاري، كتاب الشركة، وكتاب الشهادات، وهو عند الترمذي في أبواب الفتن.


هذا الحديث البليغ هو أشبه بحالنا اليوم.. فالمشكلة أن القائم على حدود الله لا يأخذ على يد هؤلاء الواقعين فيها فالحال كما نرى المجتمع كله يغرق فلا ينجو أحداً.. لا فرق وقتها بين صالح اختص نفسه بالعلم والعمل والطالح.. فبغير أن يقوم هذا ذاك سيستمر غرق المجتمع.


ولهذا يأتي الحديث الذي معناه أن الله تبارك وتعالى أراد اهلاك قرية لفساد أهلها فقالت الملائكة أن فيها فلاناً التقي فقال فبه فابدأوا.. وهذا لأن فلاناً هذا لم يكن يمتعض وجهه حتى مما يرى من الحرام ولم يحضّ أهل قريته على الصحيح الذي يعلمه ويراه.. فما أشبه حال هذه القرية بحالنا – اللهم الطف بنا – فمنا كثيرين من الصالحين والعباد ولكنهم ليسوا إيجابيين لينصلح المجتمع بصلاحهم.


أختم المقال بقصة النملة التي خافت على قومها من سليمان وجنوده بينما هم يمرون على واد النمل، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يَحطِمَنَّكُم سليمان و جنوده وهم لا يشعرون.


مابال هذه النملة لو أنها دخلت مسكنها ونجت هي من الهلاك ولم تهتم بقومها فإن نجوا نجوا وإن لم فهم الذين لم جلبوا على نفسهم الهلاك لا ذنب لها في ذلك. إن هذا الكائن الضعيف الذي لا يكاد الانسان يعطيه اهتماماً يضرب به الله تبارك وتعالى مثالاً عظيماً في الإيجابية.. خافت النملة على قومها فأبت إلا أن تحذرهم من الهلاك فصرخت فيهم ادخلوا مساكنكم وانظر إلى الوعي في الدعوة فلم تحذرهم من بطش سليمان وجنوده بل حذرتهم من الهلاك على أيديهم وهم لا يشعرون.. جملة قصيرة جمعت إيجابية ووعياً بالموقف نفتقده في مجتمعاتنا..


الإيجابية في كل الأمور.. في الدين والعمل والعلم والأخلاق.. تخلص من مبدأ "وانا مالي" فلا صلاح ولا تقدم ولا رفعة وهذا المبدأ لا يزال يعيش – أو يعشش – في عقولنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق