الأحد، فبراير 07، 2010

تغيير


مثال رقم واحد:

رجل نشأ في بيت تقيّ عفيف، تربّى على الأخلاق والفضائل كلها، علّم الصحيح والفاسد.. وما هو صالح وطالح منذ أن كان طفلا.. لم يرتد الشوارع ولم يصادق اللئام والخبيثين.. كان مجتمعه مثالياً فنشأ نشأة مثالية..

وهو على الطريق في الحياة لا يؤذي أحداً، لا يشارك في إثم.. يتعرض للفتن فيفتن أحياناً ولكن سرعان ما يعيده رصيده من التقوى - بفضل الله - إلى الطريق القويم..

لم يختلط بما كان فيه شبهة حرمانية.. أو أذى للغير.. وهو مثالٌ حسنٌ لغيره من الشبّان.. لا يعرف الكبر والغرور.. اكتسب ما اكتسب من العلم والدين بسبب نشأته القويمة في بيته التقيّ.. وهو ثابت على هذا المنهج - أو هكذا يعتقد - لا يقع في الكبائر.. لا يطأ الذنوب إلا لمماً.

مثال رقم اثنين:

رجل نشأ نشأة عادية في بيت هو أقل محافظة من نظيره في المثال رقم واحد، صاحب الخلوق والخبيث.. ذاق من الذنوب ما ذاق.. ولملم من خبرات الدنيا الكثير.. علم الكذّاب والمنافق.. داهن أحياناً.. هاود أصحاب السوء في فعل المنكرات أحياناً.. ربما لم يسلم البعض من أذاه.. ربما كان لا يأبه بدينه وبوطنه ومجتمعه.. لعله لم يعرض عليه العلم والدين كما عرض على نظيره في المثال الأول، ولم يتذوق حلاوة الإيمان كما تذوقها نظيره في المثال الأول.. فلم يعرف أن طريق الدين هو الحقّ.. فمكث على هذه الحال بضع سنين..

إلى أن تأمل في نفسه فوجدها حيوانية بهيمية ترعى وتأكل وتلبّي شهواتها فقط ولا شأن لها في الحياة غير ذلك، فلم يعرف لماذا هو إنسان وما الفرق بينه إذاً وبين أرذل مخلوق على الأرض.. فسخر من نفسه وتحسّر على أيام وأوقات ضيّعها في سفاهات وسلبية ممقتة.. وقال: مالي أعيش عيشة أكرهها لا قيمة لها.. سأهبّ وأقوم فأزرع الخير في ربوع الأرض كلها، لعلي ألحق من الخير ما يشفع لي عند الله يوم لقاءه.. الحمد لله الذي رزقني العقل الذي به سأحول حياتي إلى طاقة إيجابية أجعل بها بلدي أجمل ما تكون.. أو على الأقل في الطريق إلى ذلك.. لعلي ألقى الله بوجه نضر.. فأكون مع المؤمنين في الجنّة.. وعليّ ألا أرتضي بنفسي في الطريق القويم فقط، عليّ أن أدعو غيري ممن كانوا معي في طريق الضّلال ليكونوا معي في طريق الهداية.. لنتعلم الدين سوياً ونعلمه لغيرنا.. سنجعل من الحيّ الذي نسكن فيه مثالاً للرقي والإيجابية والأخلاق.. لأكن نموذجاً صالحاً بعملي وبالكلمة الحسنة التي يا ليتني كنت لقيتها قبل زمن طويل..

الأخ في المثال الأول، يظنّ أنه ثابتٌ على نهجه لن يتغير، وأن دينه كما هو.. ولكن الحقيقة.. أن الإنسان في هذه الدنيا إما أن يتقدم.. وإما أن يتأخر.. ومفهوم الثبات على الحقّ الذي نعرفه إنما هو من قبيل التقدم في الدين.. لأن يرضى بحاله ويظنّ أنه بذلك قد بلغ منتهاه.. أو بلغ ما يضمن له الجنّة.. فقد خاب وخسر.. وتأخر.. وفترة بفترة سيفتقد القيم والأصول القويمة التي تربّى عليها.. فيسهل افتراس الفتن عليه، لن يقوى على مقاومتها كما عهد قبلاً..

على الأخ في المثال الأول أن يدرك أنه إن لم يسخر من نفسه ويرى نفسه متردّياً أن الرجوع إلى الخلف مصيره، وسيرى أناساً كان يظنّهم من المتأخرين يسبقونه، لأنهم علموا أن ما هم فيه حسرة.. وندموا على ما كانوا يفعلون.. ورأوا أن عليهم العمل والعمل لتعويض ما فاتهم من الخير الكثير..

أما في المثال الثاني، فالرجل علم أنه على مقربة الهلاك.. فشدّ من نفسه وعزم على الإصلاح.. وهو على الطريق يرى ذنبه الذي ارتكب فيخاف أن يعود إليه فيعمل ويعمل.. ويدعو غيره لينال أجرهم.. ولا يترك لنفسه فرصة للعودة لأيام الخزي من جديد.. وهذا هو التغيير..

التغيير هو توبة نصوحة لله، على الأخ في المثال الأول أن يجددها كل فترة، وأن يعي أن نشأته في بيت فاضل هو من فضل الله عليه، ولكن ليس معنى ذلك أن يرضى بما اكتسب.. أو أن يحسب أن نفسه لا تحتاج لتغيير..

تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله.. وعزمنا.. ألا نعود إلى معصية أبداً..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق