الأحد، يونيو 20، 2010

الثانويّة العامّة.. وانتظار الطّامّة


أعصاب متوتّرة.. شدّ في كل مناطق الجسم.. حرقة دمّ.. إحساس بالمؤامرة.. خوف من بكرة.. قلق.. قضم أظافر.. اكتئاب.. بوهيميّة في الأداء.. أشعث.. أغبر.. إلى الحد أن الأمر قد يصل إلى التخلف العقلي.

هذه الأعراض ربما نتقبلها إذا ما سمعناها عن مذنب ينتظر تنفيذ عقوبة الإعدام مثلاً.. أو رئيس جمهوريّة بصدد اصدار قرار ممكن يودّي البلد في داهية مثلاً.. لكن ما لا يمكن تصديقه.. أن تكون هذه أعراض واحد مستنّي امتحانات الثانويّة اللي هي فاضل عليها شهر مثلاً!!!!

ولمّا كانت هذه أعراضه قبل أن يحتكّ بالامتحانات بشهر.. فطبيعي حينما يصطدم بها أقل واجب انهيار عصبي!!

ولمّا تجد أن هذه الحالات ليست فرديّة.. وأنها منتشرة على مستوى الجمهوريّة تقريباً.. إذاً فحتماً المشكلة ليست في الطلاب أنفسهم.. ولكن فيمن يهوّل ويضخّم ويصعّد من فكرة الثانويّة العامّة.

أذكر أنه في سنة من السنين، وصل الأمر للانتحــــــــــــــار!!.. يعني الطالب هانت عليه نفسه وضئلت الحياة في عينه ورأى أنه لا قيمة لها لأنه معرفش يجيب مجموع!!!

ياخي مانشالله ماجاب مجموع..

الأمر مستفزّ لدرجة ليست طبيعيّة.. حقيقة.. كل عام يمرّ ونعيش فيه صرخات وبكاء وعويل أهل الثانويّة العامّة وأنا يترسّخ لديّ الاعتقاد إننا فعلاً وبحقّ ومن غير جعجعة فارغة أو مزايدة.. راجعين لورا.. وفي منتهى السرعة.

لا أعرف دولة في العالم.. يحدث فيها ما يحدث في مصر بشأن الثانويّة العامّة.. ولطالما تساءلت لماذا دائماً الفرصة في مصر.. فرصة واحدة فقط!!.. إما أصبت.. وإما انتهى أملك في الحياة الكريمة التي كنت تنشدها.

يعني.. طالب يرى في نفسه الأهليّة أن يكون مهندساً.. فدخل قسم علمي رياضة.. ولكن تعثّر في المواد التي لا علاقة لها بالهندسة.. أو حتى يا سيدي تعثّر في مواد هندسة.. خلاص كده.. بالسلامة راح كل شئ!!.. لم يعرف الوصول لكلية الهندسة ولا سبيل له في إعادة السنة مثلاً لا سمح الله.. لأنه لو عادها يبقى ضاع من عمره سنة.. والناس تسخر منه ويشعر أنه في طريق.. والعالم كله سبقه فيه.

خلاص هي فرصة واحدة.. يعني قمة الظلم.. لا ومش مثلاً فرصة واحدة يساعدك فيها.. ولا يحترم مخّك فيها.. ولكنه الدّسم والحشر والنفخ.. وعليك أن تتذكّر الكلام بالحرف وإلا شطب المصحح - الذي يصوّر وكأنه أمّنا الغولة - على كل ورقة الإجابة.. يجب أن تكتب بالنّص حرفيّاً ما ورد في الكتاب المدرسي - أو ما لخّصه لك المدرس الخصوصي - وإلا ظنّ المصحح أنّك جايب كلام من برّه المنهج!!!!

كأنه مفروض على الطالب أن يجمّد فكره، ويحبس أفكاره.. ويتحوّل إلى حمـــار كبير.. لا يفقه شيئاً.. ولا رأي له في الحياة العامّة.. إلى الحد أنه كان أحياناً شبه يملى على الطالب في سؤال التعبير ماذا يكتب !!

يعني حينما يكون سؤال التعبير.. مثلاً.. تحدث عن الخصخصة وأثارها الإيجابية على المجتمع تحت قيادة الرئيس مبارك وكيف وأنها ساهمت في لحاق مصر بالركب العالمي، أو اكتب قصّة نهايتها: وكان ذلك جزاؤه لأنه أدمن المخدرات ولم يستمع لنصائح وزارة الصحة تحت رعاية الوزير الجبلي.. ياخي افرض واحد ضد مبدأ الخصخصة أساساً.. رأيه فيها أنها تطبق في بيع أصول البلد.. مثلاً.. أو يرى أن انتشار الإدمان سببه تهاون الدولة في المقام الأول.. لكن إزاي بقى ؟؟؟.. كده المصحح حيقول ده جايب أفكار غريبة من برّه.. ومش ملتزم بالمنهج.. الله.. ده يبقى واخد درس بقى!!

لتتحول الثانويّة العامّة من نظام توجيهي يهدف إلى توجيه الطالب حسب قدراته للجهة التي ينمّي فيها مهاراته، إلى كتلة من الغباء يدخل فيها الطلاب من ناحية.. يخرجون حميراً من الناحية الأخرى.. وليصطدموا بالواقع الأليم في الخارج.. فيعلموا أنها في الآخر.. مش فارقة.. وأنه اللي بيفهم هو اللي بيشتغل.

نشرت صورة في الأخبار بعد امتحان التفاضل للثانوية العامة لأم وابنتها.. وكأنهما فقدا عزيز لديهما.. يلبسون الأسود ويصرخون بكاءً وعويلاً.. فأيّ عرف هذا ولا في أي مكان بالعالم يحدث هذا..

بي قناعة أن استمرار وجود نظام الثانوية العامة بهذا الشكل المرعب للأهالي والطلاب هو نوع آخر من أنواع الإلهاء للناس.. ما هو لو التوجيهية في مصر أصبحت كما هي في العالم كله مرحلة انتقالية بسيطة زي خلق ربنا في العالم كله.. وليست من أهل الفرصة الواحدة.. الناس سترتاح.. وأعصابها ستهدأ.. وستختفي الدروس الخصوصيّة.. وبعضٌ من الاستقرار سيحلّ على الناس.. فلمّا يستقرّ الناس سيفكرون في ما هو أسمى من الأهداف.. الحقوق السياسية.. العدالة الاجتماعيّة وغير ذلك.. طب وعلى إيه بقى ؟؟!! لينهمك الناس في هذه المهازل التي لا علاقة لها بالواقع الخارجي ولا بنمط العمل في مصر ولا بأي حاجة في أي حتّة..

مسألة التعليم في مصر قضيّة أمن قومي.. كيف تفهم هذه العبارة ؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق