الاثنين، يونيو 28، 2010

المهندس والمجتمع والنّاس


يمكن اعتبار المجتمع المصري مجتمعاً عنصريّاً متناقضاً على نفسه في عدة شرائح، وعنصريّة المجتمع لا تقوم - لا سمح الله - على اختلاف البشرة أو الجنس أو الدين في الأساس، أو على الأقل ليس هذا ما أنشده هنا.. ولكنها عنصريّة اجتماعيّة.. يعني ينظر الناس للزبّال نظرة تربط بينه وبين الزبالة.. فهو زبّال شأنه شأن الزّبالة وفي الحقيقة من غير هذا الزبّال سنعيش كلنا في أمراض الدنيا كلها خاصة بعدما بلينا بشركة الزبالة - لا النظافة - التي ساهمت في قلب أنظف الأحياء إلى خرابات متنقلة.. كما أنه بما أننا بنقرف ننقل زبالتنا إلى الأماكن اللي المفروض شركات النظافة الحقيقية تجمعها منها يقوم بهذه المهمّة بدلاً منّا الزبّال..

كذلك ننسب السبّاك للبلاعة التي يعمل فيها وكأنه ولد فيها وأنها دائرته الانتخابيّة.. مع أنه عادي يعني هذا الرجل يعيش في بيت ومسكن وينام على سرير عليه فرش زيّنا مفيش حاجة.. وكذلك الفرّان واللبّان وغيرها من المهن الضرورية جداً في حياتنا ولكنه التعليم البايظ والدماغ البايظة.

التعليم البايظ الذي أوهمنا أن المجتمع عبارة عن مهندسين ودكاترة وقفل على كده.. على اعتبار أن بقيّة المهن هي درجة ثانية..

وقمة التناقض هنا، تجدها أنه مش معنى كده - لا سمح الله - أن المهندس أو الدكتور يحترم عادي جداً في المجتمع لا سمح الله.. لا عادي بالبرطوشة برضه طالما ليس له ظهر.. يعني كله بيقرّع على كله.. ولما تشوفه قلّه.

وعن المهندسين أتأسّى حينما أقول أنه في كليات الهندسة - الحكومة تحديداً - مهما بلغت من الرقيّ والتعقيد والصعوبة والذكاء والضغط.. إلا أنها نسيت أو تناست أو غفلت أو تغافلت أو حلقت أو تحالقت لعدة مهارات يجب أن تكون لدى المهندس - إذا كان من المنتظر أن يعمل مهندساً - ومنها القيادة والإدارة وفنّ التعامل وأسلوب الخطاب لمختلف الشرائح التي يتعامل معها والقدرة على الابتكار.

إسماً درسنا مادة للإدراة، وإسماً درسنا مواد فرعيّة.. ولكنها خوت من كل حقيقي وواقعي.. بحيث يخرج المهندس ليبصطدم بالواقع أنه لا يعرف كيفية التعامل مع الفنّيين أو المساعدين أو العملاء على اختلافهم أو الناس بشكل عام.. ليمكث فترة من الزمن كي يتعلم كيفية الخطاب مع الناس.. وليصطدم بأنه لا يعرف كيف يدير موقعاً أو مكتباً أو حتى يدير وقته.. ليأخذ هذا من نصيب خبرته.

فليست الخبرة انت بقى لك كام سنة شغال مهندس، ولكن الخبرة انت بقالك كام سنة شغال مهندس حقيقي.. ماهو نظيرك في أوربا والدول المتقدمة لطالما تخرج - وهذا ليس من قبيل عقدة الخواجة - ففي الغالب - إن لم يكن لعبيّاً فاشلاً - لديه القدرة على التخاطب مع الناس وإدارة الدنيا وهذا تعلمه من الاحتكاك الفعلي والمفاوضات الحقيقية التي عانى منها وهو في الكليّة.

فيخرج بيعرف يتكلم ويغبّر عن إمكانيّاته.. في حين أن الخرّيج هنا قد يكون لديه من المعلومات الفنّيّة ما هو كافي أي يزيد ولكنه لا يجيد التعبير عن نفسه فيسقط من نظر الآخرين.. فهذه خبرة يفتقدها المهندس المصري الطبيعي.

اللهم إلا المخلّصين.. الذين عرفوا كيفية تطوير أنفسهم خلال فترة الكليّة وهم ليسوا كثير.. والحقّ أن هذا من المفترض أن يتلقّاه الجميع ويكون الفارق بين الناس حينئذ كلٌ على قدر استيعابه وعلى اجتهاده في الأمر.. وقتئذ سيكون المتفوّق مميّزاً وقد علا مستوى الجميع إذ أنه من البديهي أن يتخرج المهندس وهو يعرف التعبير عن نفسه.. ويدري فنّ الإدارة.. وفنّ التعامل والتخاطب.

أرى أن العلاقة وطيدة بين نظرة المجتمع للفنّي أو السبّاك وبين سوء تخرّج المهندس وفقدانه المهارات الكاملة للتطوير من نفسه ومن المجتمع.. فمصر تخرج آلاف المهنسين سنويّاً والاقبال على كليات الهندسة منقطع النظير.. فحين أن الصنايعي لا يرى وأن الحرفة الآن أصبحت مفتقدة..

وبالتالي.. من كثرة المهندسين.. تجد كثير منهم يعملون في غير مجال الهندسة الحقّ.. وهو البحث والتطوير..

ليس من المفترض أن يعمل المهندس حرفة الفنّي.. إلا في أضيق الحدود.. لأن هذه في النهاية مهنة الفنّي الحرفيّ.. ولكن المهندس هو باحث مطوّر.. عينه يجب أن تكون سبّاقة وتحسّ كل فرص التطوير المتاحة.. على المهندس أن يرى السلبيّات على أنها فرص تطوير.. وهذا ليس الحال تماماً..

وما يغيظ.. تهكّم أساتذة الكليّات على نظام التعليم.. والسخرية منه.. وأنه يخرّج حميراً للمجتمع.. وأنك بعد تخرجك انت كده لسة مش مهندس!! طيب يا أخي ما تراه من فرص تطوير.. طوّره أنت!.. كن مثالاً..

أعط محاضرات إضافيّة لمن يريد الاجتهاد في أساليب الإدراة للمواقع أو إدارة الوقت مما تعلمته بالخبرة في حياتك.. إذا كنت ترى أن نظام التعليم يقتل الابتكار اخترع ما تراه مناسباً لخلق الابتكار في نفوس طلابك على الأقل في حدود مادّتك التي تدرسها.

أو لتصمت! لكن أن تتكلم وتتهكم وتشعر الطلاب أنك ياما هنا ياما هناك ثم تطبق نفس أساليب التحمير - أي عملية تحويل الإنسان إلى حمار - عادي جداً وبدم بارد.. فهي بحقّ جريمة.

العيب مش فيكو.. العيب في النظام!

هو النظام ده لوحده كده هوب اسكالوب بقى فيه نظام تعليمي فاشل ؟؟.. ولا النظام التعليمي قائم على الأساتذة دول.. إذا كان ليس من سلطات الأستاذ أن يغير في منهج التعليم بشكل كامل.. على الأقل يطبق في نطاقه هو.. وليكن مثالاً لغيره.

وتغيير صورة التعليم الفني وغيره من المهن المنكرة مجتمعيّاً لدى الناس سيزيد من اقبال الطلاب على التعليم الفنّي.. ويكن هذا مكمّل لذلك.. وبرضه في أوروبا والدول المتقدمة الاقبال على كليات الهندسة مش هو الأساس.. عادي يعني ممكن يبقى فنّي وشغال زي الفل وبيقبض ميت فل وأربعتاشر.. وش بعيد يكون أهم شخص في المؤسسة.. فنّي!

------------------------------------

العنوان مقتبس من أغنية: يا رب بلدي وحبايبي والمجتمع والناس والتي لا علاقة لها بالموضوع تماماً.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق