الثلاثاء، فبراير 08، 2011

ثورة شعبيّة بحتة


بحسب علمي الضّيّق فإنّي لا أعرف ثورة في تاريخ العالم كله شعبيّة بحتة مثل ثورة المصريّين، ولا أعرف نظيراً لها في مثل سلميّتها وضبطها للنّفس وعدم لجوءها للعنف في كل مراحلها. ولعل هذا ما ميّزها وما أعطاها مصداقيّة حول العالم كله.

فباستثناء قادة النّظام الحالي فإن العالم يحكي عن ثورة الشّباب وأنها غير مسيّسة، وأنها نابعة من قلوب المصريّين شتّى.. صافية النّوايا لا أجندة لها.

ولكن قد تنقلب هذه الميزة إلى عيب، إذ أنه حتماً سيخلق لهذه الثورة قادة شاءوا أم أبوا.. ليتحدثوا باسمهم.. وبالتأكيد لن يرضى الشباب بذلك، وللأسف هذا ما حدث بالفعل إذ أقدمت أحزاب المعارضة - السيس - على التحدث بلسان الشعب في حين أنهم لا يتعدوا كونهم جمعيّات تعاونيّة لا قيمة لها في الشارع.. الوفد الذي تقدّم في الانتخابات التشريعيّة الماضية مخالفاً المنطق والحكمة.. وبغير أيّ ضمانات حول نزاهة الانتخابات ثم تراجع عن الخوض في المرحلة الثانية لما باعته الحكومة والحزب الحاكم، تراه يتحدّث باسم الشباب المعارض في أرض التحرير.. مفاوضاً.. قابلاً بوجود النّظام.. وهو في الأساس ضدّ المطلب الرئيسي لشباب الثورة السلمية المستنيرة. والتجمع الذي استكمل في المرحلة التالية من الانتخابات وتعاون في الخفاء مع الحزب الحاكم ليفز بلعاعة المجلس.. ستة مقاعد.. أملاً في إقحامه في انتخابات الرئاسة، يتحدث كذلك باسم الشباب الذي رفض الكذب والخيانة والفســاد.. وطالب في الأساس برأس النّظام.
وغيرهم من الشّخصيّات العامّة.. والسفهاء.. الذين ركبوا الموجة فلا ينزلون.. امتطوا دماء الشّهداء ليفاوضوا النظام على غير ما يطلبه الشّباب.

حتى في محاولات النظام كسب المصداقيّة إذ يدعو بعض الشباب للحديث عن رؤيتهم وآمالهم في التغيير.. يختار من لا يمثلهم.. والحقّ أنّه لا يوجد من يمثّلهم.. ولو أنهم اختاروا شابّاً من قلب التّحرير ما رضوا به مثالاً لهم.. لأنّه لا قادة لهم!.
يجب الخروج من هذا المطبّ بالإجماع على شخصيّات من شباب التّحرير.. ليدلوا بدلوهم.. وليتمسّكوا بشروطهم..

لا سبيل لذلك غير بتحرّك واعي وحضاري غير مسبوق، في قلب ميدان التحرير..

ولعله يكون أشرف الاستفتاءات التي حدثت في تاريخ مصر.. ليعبّر - حقيقة - عن طموحات النّاس، فتتحوّل ساحة التحرير إلى أشرف لجنة انتخابيّة عرفتها الأمّة منذ عقود..

يتطلّب هذا تحرّكاً حضاريّاً أعتقد أنه إذا نجح سيكون الأوّل في تاريخ البشريّة.. وسيكون الحجّة القاصمة بين الناس وبين النّظام.. ويلتزم المنتخب من بين هذا الجمع بطلبات النّاس فلا يتنازل عنها مطلقاً.
أما الاختيار العشوائيّ بين هذا الشباب.. فقد يفضي لمن يفتن من هيبة رجال النّظام الكبار.. فلا يعرف التّفاوض معه أو النّقاش حتّى.. ووقتئذ سيكون من يمثّل من المعارضة هو الطّرف الحقيقي في التّفاوض.

أرى أن هذا هو ما يجعل التفاوض مجدياً ومعبّراً.. وإلا فلا قيمة له.. خصوصاً أننا وصلنا لمرحلة هي أقرب من عرض مطالب وليست مفاوضة.. خاصة بعد تصريحات النائب بأننا لسنا أهلاً للديمقراطيّة.. والاتهامات بأن المحفّز لهذه الحركة الشعبية هو التيار الإسلامي، وفقط.. إذ يتجاهل تماماً أنها نابعة من قلب الشباب الغير مسيّس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق