الخميس، فبراير 17، 2011

حــــسني مبـــــارك - لست آسفاً


إلى السيد محمد حسني مبارك، والذي عمل بمنصب قائد القوات الجويّة، ومدير الكليّة الجويّة من قبل.. ثم ترقّى وعمل برئاسة مصر في عمليّة يمكن وصفها بالـ"جت معاه كده". فقد عيّن نائباً للرئيس السادات فآثر ألا يتحرك بمصر خطوة واحدة للأمام، بل ما كانت مصر فيه سبّاقة منفردة.. تراجعنا فيه وتذيّلنا الأمم.

أحسب أنه بالتأكيد لم يتخيّل حسني مبارك في يوم من الأيّام أن ستكون نهاية فترة بهذه الطّريقة، وهو الرجل الذي غيّب نفسه طوال فترة حكمه.. وأقنع نفسه بأن الناس "راضية" و"ساكتة".. ولم يكن يتحرّك سياسيّاً إلا إذا واجه ضغوط من الخارج - أمريكا يعني - وقتئذ يظهر المصداقيّة كذباً.. فما إن ترك له الحبل على الغارب - من أمريكا - إلا وقد تبجّح وتجبّر في تزوير إرادة الأمّة.. وأقرّ بتعديلات دستوريّة تقضي بفساد السياسة المصريّة على الوجه الكامل.. وبلغ التزوير أن أصبح مفضوحاً.. ودخلت البلاد في طور من اليأس وقتل أيّ طموح سياسيّ شريف.

إلا أنه لم يتخيّل أن تكون نهايته على يد شعبه الذي استخفّ به وظنّ أن من طبعه ألا يثور.. والحقّ أنّه لم يكن يتخيّل أن يقوم شباب "الفيسبوك" بهذه الثورة عليه.. هذا الشباب الذي يعيش حياة كريمة.. ويلقى تعليماً نموذجيّاً، معظمه لديه السيّارة والمال.. لا يحتاج لشئ إلا أن إحساسه بالكرامة قد زال.. وحبّه لبلده تلاشى لقسوتها عليه وعلى أهلها.. وإحساسه أنها أصبحت عزبة ملكاً لمبارك وعائلته.. ومرتعاً لابنه وأصحابه أيّما أراد أن يشتري اشترى.. وأيّما أرادوا أن ينهبوا نهبوا.

لم يتخيّل مبارك أن يثور المصريّون.. لكرامتهم.

لم يتخيّل أن يثوروا، لأنهم فاض بهم الكيل من نظرات أبناء الأوطان الأخرى بفوقيّة.. فاض بهم الكيل من استخفاف الحكومة بهم وقتلها كل ما هو جميل بها.. حتى أصبح المجتمع مادّيّ غارقٌ في المادّيّة.. كلٌّ منّا يعيش خائف على ماله وحاله.. غير عابئ بمن حوله ممن لا يجدون قوت يومهم.
وصّلنا حسني مبارك وأعوانه إلى الإحساس أن الأمن الإجتماعيّ غير مضمون.. وأنه تنهار أسر كريمة فلا تجد قوت يومها.. وتعلو أسر أخرى وصولاً بالحزب الحاكم لمرتبة كريمة المجتمع دونيّة ونهباً وسلباً.

حسني مبارك الآن ينتابه تجاه الشعب شعور بالخيانة.. وإنكار الجميل..

جميل تراكم الفساد وتزايد الفقر وتفاقم الجهل والذّل والمهانة.. وجميل ضياع التعليم الأساسي وكبت أحلام البحث العلميّ، وجميل البطالة وتفشّي الجريمة والتحرّشات والقتل.. وجميل التآمر على أهلنا في غزّة والسّكوت الثّلجي عن إيذائهم.. وجميل ضياع التأثير الإقليمي لمصر في المنطقة وفي العالم.. وجميل إنهاء الأحلام الصناعية والمشروعات الانتاجيّة وقتل الزراعة في مصر.. وجميل كبت الحرّيّات السياسيّة وقتل الديمقراطيّة في مهدها.. وجميل البوليس السياسي والاهتمام المفرط به على حساب الأمن العام.. وجميل مشروعات التوريث وفرض جمال مبارك - بتاع بنك أوف أمريكا - على الساحة السياسيّة.. وجميل أصحاب الولد ولعبهم بالبلد.. وجميل المليارات المنهوبة.. وجميل تضخّم الدّين العام لحدود كارثيّة.. وجميل تسفيه آراء الشباب وإهمالهم.

كم هو جاحد الشعب المصري.. وناكر للجميل.. كيف ينسى كل هذه الجمايل التي أغرقته.. نعم.. أغرقته فأهلكته!

لا يوجد منحى واحد من مناحي الحياة تقدّمت فيها مصر.. لا اقتصاد ولا سياسة ولا أخلاق ولا قوّة عسكريّة ولا أيّ شئ.

يا من تحبّ مبارك.. علام تحبّه؟ كيف تحبّه؟ أقنعني..

هل تحبّه لأنه حافظ على "السلام بتاعنا" كما قال تمّورة.. حسناً.. عليك إذاً أن تحبّ اتفايّة كامب ديفيد المجحفة التي وقع عليها السادات فهي التي حافظت على "السلام بتاعنا".. وعليك كذلك أن تحب تصدير الغاز المصري لإسرائيل "مدعّماً" فهذا الذي حافظ على "السلام بتاعنا".. وعليك إذاً أن تحبّ الإنصياع الغير مشروط لأمريكا ولأوامر أمريكا بغير عزّة وكرامة، فهذا الذي حافظ على "السلام بتاعنا".. فعليك إذاً أن تحبّ هذه الأمور ولا أن تحبّه هو.. فأيّ بني آدم يمكنه أن يدخل في هذه التنازلات ليحافظ على "السلام بتاعنا".. ثمّ أنّه كان يمكنه أن يحافظ على "السلام بتاعنا" من غير أن يعرضنا لكل هذه المهانة والذل في الخارج.. فالأمثلة كثيرة.. لدينا تركيا محافظة هي الأخرى على "السلام بتاعها" ولكنّها دولة لا يستهان بها في المنطقة إطلاقاً بل لها وزنها الثّقيل "أوي" في العالم.. والتقدم فيها على كل المستويات.

لا أجد سبباً واحداً أتعاطف به مع حسني مبارك.. ولا أجد بديلاً لمحاكمته على ما جرم منه ومن نظامه.. وإلا فيكون قد التفّ على مطالب الثّورة.. لنجتزّ رأس الفساد.. وليرجع كل من ينوي على التفحّش في الفساد أن يقدم عليه.

يا حسني.. لست آسفاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق