السبت، أكتوبر 20، 2012

خواطر حول دستور مصر الجديد..



مسألة الدستور يجب أن تكون الشُغل الشاغل للجميع الآن وهذا بهدف أن يشغلنا شئٌ صحيٌ وفي صميم المشاركة السياسية للشعوب، وأرى أن الدستور يجب أن يعبر عن مصر الجديدة، بمعنى أن يكون الدستور نتاج حقيقي للثورة المصرية، فيه يتبلور كل ما تعلمه سابقونا في الجهاد ضد نظام الاستبداد، وكل سبل مكافحة القيم المنحطة التي تجذرت فينا على مدارى عقود..

إلا أنه علينا أن نعي تمامًا أنه ليس بالدستور وحده تحيا الأمم، زي ما الفلوس مش كل حاجة.. كذلك فإن الدستور ليس كل شئ على الإطلاق.. قد يكون لدينا أعظم دساتير الدنيا كلها ولكن واقعنا لا يعبر عن تحضر ولا حياة كريمة.. ولا عدالة ولا حرية.. وتظل كل معاني هذا الدستور الجميل حبرًا على ورق لا ترقى إلى ورق كلينيكس لامؤخذة التواليت!

وبالتالي، فإنه وبعد ما رأينا مما تجذر فينا من مادية على مدار عقود الاستبداد وجبت علينا مسئولية قمة في العِظَم وهي "التربية". تربية أنفسنا على أن نلزمَ الحق إذا ما عرفناه، وأن نربط الرجال به لا أن نربطه بالرجال..

وأن نعي جيدًا ونعرف، لماذا نحن هاهنا على هذا الكوكب "عايْشين"..

وأن يعرف كل فرد فينا حقه ومستحقه وواجبه.. يعرفه أي يمارسه..

أما إذا ما تمكّنا من إنتاج أفضل دساتير العالم، ونحن كما نحن.. فللأسف، لا قيمة تمامًا لكومة الورق هذه وما مضى فيها كان فقط تضييع وقت!

وفقط، ستنحصر أهمية دستورنا العظيم في فصول نظام الحكم والهيئات المستقلة.. وانتهى الأمر على ذلك..

***

بخصوص الجمعية التأسيسية، فأنا ممن يؤيدون أن تكون الجمعية التأسيسية من قطاعات الشعب الحقيقية، بمعنى ليس من الفطنة في رأيي أن تكون الجمعية التأسيسية كلها من أساتذة القانون والفقه الدستوري، بل أرى أن تكون الجمعية كلها من الفلاحين والعمال والمهندسين والأطباء والمحامين والقانونيين - مفيش مانع - والأهم أن تعبر عن كل ثقافات الدولة وجغرافيتها.. فلا يصح أبدًا أن تكون تأسيسية دستور "مصر" لا أحد من أهل النوبة فيها.. والحقيقة أن هذا ليس تفضل، بل الأخ النوبي والأخ البدوي والأخ الصعيدي والأخ البحراوي هم مصر..

وبالتالي، فإني لا أمانع إذا ما حُلت هذه التأسيسية من باب أنها لا تعبر عن الشعب المصري بكافة ثقافاته.. وأمانع إذا حُلت لأنه ليس بها القامات القانونية والسياسية الكافية.. ولا أحب نبرة البعض الساخرة من بعض المشاركين في هذا الدستور سخريًة من مستواياتهم الاجتماعية أو المادية.. هذا جهل واضح..

على حد علمي أن دساتير الدول العظمى بالعالم لم تضعها نخبة شعوب هذه الدول، بل في بعض هذه الدول وضع الدستور فلاحو هذه البلاد ثم ذهب لأساتذة القانون والدستور - فقط - لصياغة المُثُل التي أرساها الشعب..

هذه هي وظيفة المثقفين، أن يعبروا عن آمال الشعوب باعتبارهم منهم لا أن يزايدوا عليهم وينفصلوا عنهم تمامًا.. لو في بلد محترمة أمثال هؤلاء يُزاحون من المشهد بالكامل لا أن يُستضافوا في كل البرامج والتوكشوز وغيره..

***

تعليقات على بعض مواد الدستور:

هي خواطر قد لا تشمل "كل" مواد الدستور التي يجب التعليق عليها ولكن ما يلي أهم ما لفت انتباهي..

المادة الثانية:

في مسألة استخدام كلمة "مبادئ" أم محوها، كنت قد تكلمت في هذا الأمر في رسالة سابقة (اضغط هنا كي تقرأها إن شئت)..

المادة الثالثة:

تنظيم الأحوال الشخصية لا يكون بالـ"مبادئ"، فإما تكونوا رجالًا وتقرّوا أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في المادة الثانية، وكونوا رجالًا أيضًا واكفلوا حق التحاكم للشرائع الأخرى لأصحاب الديانات الأخرى في الأحوال الشخصية.. الحساسية المفرطة تملّكتكم، وإرضاء الهوى لا يمكن أبدًا أن يكون هو الحاكم في الدستور..

المادة الرابعة:

استقلال الأزهر لن يتأتى أبدًا طالما الدولة هي الراعي المالي الأوحد لتمويل تحقيق أغراضه.. يجب أن يكون للأزهر استقلال مالي يتمثل في أوقافه مثلًا، لن يصل الأزهر أبدًا لعالميته والدولة المصرية هي من تصرف عليه.

المادة العاشرة:

لا أفهم ما معنى: مراعاة الحقائق العلمية.. ولا أفهم ماذا يعني أن نلحق في نهاية ذلك: وفقًا لما ينظمه القانون..

المادة الخامسة والأربعون:

أرى أن يشترط للتظاهر الإخطار فقط كما ضُمن ذلك لإنشاء الأحزاب في المادة التي تلتها.. لا أن ينظم القانون كيفية الإخطار.. إذا كان القانون سينظم إخطار المتظاهرين تظاهرهم للجهات الأمنية منتظرين موافقتهم على تظاهرهم فلن نرى تظاهرة واحدة في مصر بعد إقرار الدستور.. طبيعي أن يرفض الأمن كل التظاهرات التي من شأنها تعكير مزاجه.. مفترض أن التظاهر أصبح حقًا طبيعيًا للشعب المصري بعد أن خرق كل الجمود الذي أحاط بالبلاد كلها لثلاثين سنة.

المادة الثامنة والأربعون:

طالما قلت خلال مدة محددة، إما أن تذكر هذه المدة المحددة أو أن تحيل هذه المدة حسب كل جهة.. أما إطلاق كلمة "مدة محددة" هكذا حسنًا فالمدة المحددة هذه ستكون سنتين مثلًا..

أرجوكم راعوا العُقد النفسية التي ترسّخت في الشعب المصري خلال العقود الماضية..

المادة السادسة والخمسون:

أولوية العمل لأسر شهداء الثورة ومصابي الحروب خطأ كبير.. الأولوية في العمل لا تكون أبدًا إلا للكفائة وفقط! وإلا دخلنا في دوامة الوساطة والمحسوبية والانتساب للثورة من أجل الحصول على العمل على حساب الكفاءة..

المادة الثامنة والستون:

أريد تفسير موضوعي أفهم من خلاله لماذا لُحقت جملة: "دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية" بعد مساواة المرأة بالرجل في المجالات كلها، ولماذا هنا تحديدًا ذكرت "أحكام"؟ وسنسيربأب تفاسير لهذه "الأحكام"؟ وإذا علمنا من سوف نستند إليه في التفسير فلماذا لا نحتكم إليه إذًا في المادة الثانية كذلك؟

المادة الأولى بعد السبعين:

أؤيد وبكل شدة، وللتفصيل اقرأ ما كتبته من قبل حول هذا الأمر. (اضغط هنا)

المادة السادسة بعد السبعين:

التجنيد الإجباري.. هل علينا أن نناقش ما يُجَنّد من أجله أبناء الوطن؟ التعليق هنا لا علاقة له بمتن المادة، ولكن علينا الاعتراف جميعًا أن التجنيد أصبح بعبعًا لكل شباب مصر لا لأنهم لا يريدون خدمة بلادهم ولكن لأنهم على يقين تام أن التجنيد في مصر يعني وقفة في الحياة لا معنى لها ولا طائل منها ولا استفادة منها أبدًا.. وأن العاقل هو من يبحث عن كل الوسائط للخروج من دوامة التجنيد هذه.. وهذا للأسف الشديد!

المادة الثالثة بعد التسعين هي نتاج عقدة انقلاب الجيش على السلطة التشريعية قبل الجولة الثانية من انتخاب رئيس الجمهورية.. موافق عليها بالمناسبة. وإنما وجب التنويه :)

المادة التاسعة والعشرون بعد المائة:

من الذي بيده تفسير "ضرورة" حل مجلسي البرلمان؟ الحكومة المراقبة من قبله أم رئيس الجمهورية نفسه الذي قصد حله؟

المادة المائة والثلاثون:

لا أرتاح إطلاقًا لتعيين رؤساء الجمهورية السابقين بعد الثورة في مجلس الشيوخ مدى الحياة.. على الأقل لا أفهم لماذا؟ الصراحة، أنا لا أرتاح لفكرة مجلس الشيوخ من الأساس.. الأمر سيتحول لإرهاق انتخابي للشعب، وتكاليف ضخمة جدًا على الفاضي.. وإذا كان الهدف منه تحجيم مجلس الشعب لكي لا يستأثر بالتشريع، فقد يكون في هيكلة نواب مجلس النواب أو صلاحياته حلًا لهذه المُعضلة.. مش لازم يعني تضخيم مؤسسات الدولة ونفخها من أجل هذا الأمر..

المادة الواحدة والخمسون بعد المائة:

عفو رئيس الجمهورية عن العقوبة أمر - بالنسبة لي - مستغرب.. كيف يجرم شخصٌ ما جُرمًا ما في حق مواطن، ثم يعفو رئيس الجمهورية عن هذا الجُرم؟ هذا لأن العقوبة هنا مذكورة مجردة دون تقييد إذا كانت هذه الجريمة في حق رئيس الجمهورية مثلًا، وقتئذ.. ماشي! حقه الطبيعي ولا يجب التنويه عليه.. ولكن العفو عن العقوبة بصفة عامة، هذا لا أفهمه.

بخصوص باب المجالس المحلية يتضح أن المجالس المحلية لن تتمتع بالاستقلالية الكاملة، وأنها ستظل تحت قبضة السلطة التنفيذية، مهما مررنا من استحقاقات انتخابية فيها..

انظر الصورة الملتقطة من المسودة:


المادة الستة والتسعون بعد المئة:

وهي ترسّخ لقدسية وحرمانية الاطلاع على ميزانية القوات المسلحة التي تأخذ أموالها من ضرائبنا.. فتُدرج ميزانيتها رقمًا واحدًا دون فتح مجال لنقاش أبواب هذا الرقم ولا استحقاقاته.. فلا تعرف ماذا سيُصرف في التسليح والتدريب مما سيُصرف في حفلات الوفاء وبناء دور الترفيه، وما سيُصرف على مشروعات القوات المسلحة التي تتدخل بها في الحياة المدنية.. وهذا مما كان يطرحه علي السلميّ والذي من أجله نزل الإخوان والتيار الإسلامي كله ميدان التحرير في 29 يوليو 2011، ونزلت معهم - فقط - ضد هذه الوثيقة المجحفة التي جعلت من رئيس الجمهورية القادم خيال مآتة لا قيمة له أمام القوات المسلحة.. ثم حينما أرادوا وضع دستور دائم للبلاد أوردوها فيه.. وهو أمر مخزي الحقيقة.

المادة الثامنة بعد المئتين:

كيف تُشكل المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد؟ ومن الذي يشكّلها؟ وما سلطتها؟ وما الداعي لإنشائها ولدينا ما يسمى بجهاز مكافحة الكسب الغير مشروع؟

المادة الاثنا عشر بعد المئتين:

وبكده كمان عشر سنوات حنلغي الإشراف القضائي على الانتخابات..!!!

***

علمًا بأن الخواطر السابقة حول مسودة الدستور قد لا تكون كافية، ففي بعض الفصول يحتاج الأمر للمتخصصين كباب القضاء وكيفية استقلاله، فما كُتب هنا اجتهاد شخصي بصفتي مواطن مصري يجب أن يكون معنيًا بالدستور ومواده التي تمس حياته الشخصية، وعليه أن يهتم كذلك بتحليلات المتخصصين فيما لا يفهمه من مواد الدستور..

اللهَ أسأل أن يوفقنا البلاد لأمر رُشد، يُعز فيه أهل طاعة الله، ويتاب فيه على أهل معصيته.. ويعيش أهله عيشة كريمة.. يحقق من خلالها مراده الذي خلقه الله من أجله..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق