الاثنين، أكتوبر 29، 2012

شهوة الحكم..



كل النظم القمعية قامت - أو قائمة - على فكرة يصمم حكام هذه النظم على بثها في الشعوب والتأكيد عليها، وأن تكون هي الحشو الذي يملأ حياة مواطنها البائس بجانب لقمة العيش.

فيُتصوّر له أن الفقر تحت حكم هذا النظام المستبد هو الكفاح والنضال، وأن العيش على الكفاف خير من العيش المرفه، وتصوير كل عيش مرفه أنه عمالة واستقواء بالأخطار التي تترصد بالبلاد..

لم يتخل أي نظام قمعي عن فكرته الصورية التي يصورها لشعبه كي يستمسك بحكمه حتى آخر رمق، وليورّث حكمَه جيلًا بعد جيل.. من مستبد إلى مستبد.. والكل يحوم حول نفس الفكرة المنقرضة التي لفظها العالم بأسره منذ عقود..

وتتمثّل كل الحكمة في شخص الحاكم المستبد، هو الأمة.. حاضرها ومستقبلها.. ولا يرضى لشعبه عنه بديلًا..

كلها أكاذيب يثبت بطلانها بمرور السنين، وتطول العقود مع الشعوب التي فقدت الاتصال بوعيها، ولم تعرف ماذا جرى حولها، وماذا اكتسبت شعوب الأرض من حقوق..

النظام المستبد يصور لشعبه أن بوفاته تنحرق البلاد، وسيأكل كلٌ بعضَه، وستفتك الفتن بكفاحهم.. فعلى الجميع التكاتف والالتفاف حول فكرته الواهية.. وكلما ضعُف جسد الديكتاتور، قواه شعبه وطرح فيه الثقة مغلوب على أمره مسكين لا يجد من ذلك محيصًا..

والخطر كل الخطر أن يستفيق هذا الشعب، فيعرف أن الفكرة فراغ، وقتئذ تكون الصدمة في غاية القسوة.. فإذا ما هبّت طليعة هذا الشعب لدحر الظلم وجب سحقها، وتسويتها بالأرض.. وقتل كل من قال كلمة الحق: "لا".

إنا نحكمكم، وما إن حكمناكم خنعتم لنا ولحكمتنا البالغة، إنا حاموكم من الخطر الخارجي المحدق بكم، وبفكرتنا المستنيرة.. فإما معنا وإما خونة..

لا يكون الاستبداد بغير كابوس.. وإذا كانت بعض الدول تمارس الاستبداد على شعوبها، فالبعض الآخر يمارس الاستبداد على شعوب البشر كلهم.. تستقوي نفسها فتسرق هذا وتسرطن هذا وتقتل هذا.. فتبقى هي زعيمة الأمم بلا منازع ملاذ الحالمين.

إذا ما ثارت الشعوب المقهورة على أنظمة الحكم المستبدة عُرضت للإبادة، والتهديد بأن الفكرة في خطر.. وأن الخارج سيتدخل لنهش خيرات البلاد.. فإن عندت الشعوب، وأبَت إلا أن تنال حريتها أو الشهادة، وصل الجنون ذهن المستبد.. فطاح بالشعب قتلًا وأسرًا وهتكًا للأعراض.. ولا يزال ينشر عن شعبه سمعة السوء، فتارة يقول تنظيمات خارجية تريد الفتك بالوطن، وتارة يقول أحقاد عالمية على فكرته..

فيطمع من في قلبه مرض، وطمع من بلاد الاستعمار.. فيتدخل حاملًا لواء نصرة الضعيف ونجدة الشعب المظلوم.. فيهدم الأساسات، ويزرع الآفات، ويفرق بين الناس، ويقسم البلاد طولًا وعرضًا.. ويعرض كل شبر من أراضي الوطن بمزاد العالم.. ويكسر شوكة بلد كان بالإمكان أن يكون قاهرًا..

فيلوم الجاهل الشعب الذي ثار، وكأنه الذي استدعى الدخلاء، ولا يلوم المستبد.. فلا يعيَ أن الاستبداد هو الذي فرق الوطن ومزّق أهلَه شيَعًا لا الثورة عليه..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق